حول وَثَاقَةِ النّصّ الإنجيليّ
ياسر منير
سأحاول في دراسة مُبسّطة تقديم دراسة عن الأناجيل الأربعة، وأصحابها، وهي المعتمدة الآن عند النصارى...
- التصنيفات: اليهودية والنصرانية -
سأحاول في دراسة مُبسّطة تقديم دراسة عن الأناجيل الأربعة، وأصحابها، وهي المعتمدة الآن عند النصارى، كما يلي:
1- إنجيل متى:
يحتلّ إنجيل متى بين الأناجيل الأربعة المكانـة الأولى في نظـام ترتيب أسفار العهد الجديد؛ إذ أن هذا الإنجيـل امتداد للعهد القديم بشكل مـا، فقـد كُتِبَ ليُثْبِت أن المسيح: "يكمل تاريخ إسرائيل" [1]. ولعل السر في ذلك يعود إلى أن متّى كان يفهم اليهود ويتعاطف مع تطلعاتهم كرجل يهودي المولد [2].
أما شخصية متى نفسه، فإِنّ الدكتور موريس بوكاي يقـول: "لنقل بصراحـة: إنّـه لم يعد مقبولًا اليوم القـول: إنّـه أحد حواري المسيح"، وهـذه هي الصورة التي يرسمها الدكتور موريس بوكاي لمتى، معتمدًا فيها على معطيات إنجيله، ترمي إلى التأكيد على أن متى لم يكن من تلاميذ المسيح عليه السلام [3].
لقد ورد ذكر متى في موضعين من الإنجيل المنسوب لمتى، هما: "وفيما يسوع مُجْتَازٌ من هناك رأى إنسانًا جالسًا عند مكان الجباية اسمه متى، فقال له: اتبعنى، فقام وتَبِعَهُ" (9: 9). أما المرة الثانية التي ذكر فيها اسم متى، فكانت ضمن قائمة التلاميذ الاثنى عشر: "وأمّا أسماء الاثنى عشر رسولًا فهي هذه:... متى العشّار" (10: 3). ويرى - Fenton J.C.مُفَسّر هذا الإنجيل- أنّ رَبْط مؤلف هذا الإنجيل بشخصية متى التلميذ -على حد تعبيره- خَيَالٌ وَوَهْمٌ [4].
إذًا هذا الإنجيل تُحيطه هو وصاحبه الأوهام والظنون، حتى قال فاستس كبير علماء فرقة ماني كيز في القرن الرابع: "إنّ هذا الإنجيل المنسوب إلى متى ليس من تصنيفه" [5]. وهذا الذي ذكره فاستس هو ما أكده كثير من النقاد، حيث ذكروا أنّ إنجيل متى من تأليف أحد أتباع متى [6].
وقدماء النصارى كافة، وكثير من المتأخرين يتفق على أن الإنجيل المنسوب إلى متى كان باللغة العبرانية، وأنّه فُقِد بسبب تحريف الفرق النصرانية، والفتن التي تعرضت لها النصارى في القرون الثلاثة. وأما نسخة إنجيل متى الموجودة الآن باللغة العبرية فهي مُترجمة عن الترجمة اليونانيـة، ولا يوجد عندهم سند لهذه الترجمة، ولا يعرفون اسم المترجم ولا أحوالـه -كما اعترف بذلك جيروم- لكنهم يقولون بالظنّ: لعل فلانًا أو فلانًا ترجمه، وبمثل هذا الظن لا يثبت إسناد الكتاب إلى مُصنّفه [7]. ويتفق الجميع على الاعتقاد بأن متى قد كتب إنجيله اعتمادًا على مصادر مشتركة بينه وبين مرقس ولوقا -وإن كان يختلف عنهما في نقاط جوهرية- إلا أنّه استخدم بشكل واسع إنجيل مرقس الذي لم يكن أحد حواري المسيح -على ما يقرر الأستاذ كولمان، باحث لاهوتي- [8].
وأما بالنسبة لتاريخ كتابة هذا الإنجيل، فيرى ابن حزم أن صاحبه ألفه بعد تسع سنين من رفع المسيح عليه السلام [9]، لكن هذا الكلام -على حد تعبير الدكتور حماية- غير مُسلّم به، وباب الاختلاف في تاريخ تدوينه لا يمكن سدُّه؛ فيرى الدكتور علي عبد الواحد وافي أنه كتب حَوَالى سنة 60م [10]، ويذكر الأستاذ هورن أنه كتب سنة (61 أو 62 أو 63 أو 64) من الميلاد، ويرى البعض أن تاريخ كتابته يرجع إلى ما بين عام (80 و90م)، أو ربما قبل ذلك بقليل، أما فنتون فيذكر أنه قد حرّر في الفترة من (80 إلى 105م) [11]. ولا يمكن الوصول إلى يقين كامل في هذا الموضوع.
كذلك لا يُعْرَف مكان كتابته على وجه التحديد، فقد يكون كُتِبَ بسوريا، أو ربما بأَنْطاكيَة، أو بفينيقيا، ولما كان من الصعب ربط إنجيل متى بمدينة مُحدّدة فمن المُنَاسب أن يُقَال: بأنه كُتِبَ في مَكانٍ مَا في المِنْطقة المحيطة بها، أو في أى مَكانٍ مَا يقع في شمال فلسطين [12].
ومعنى هذا أنّ الباحث المُنْصِف لا يستطيع العثور على الحقيقة لهذا السِّفْر، وإنّما الذي يجزم به أي باحث مُنْصِف هو أَنّ إنجيل متّى:
- لا يُعْرَف صاحبه على وجه التحديد.
- مكان كتابته غير مُحَدّد.
- مشكوك في تاريخ تدوينه.
- لا تُعْرَف لغة تدوينه.
- مشكوك في مترجمه.
مشاكل إنجيل متى:
يوجد في هذا الإنجيل عدد من المشاكل الخطيرة، يمكن تحديدها في ثلاث رئيسة:
1- خطأ الاستشهاد بنبؤات العهد القديم: لقد كان إنجيل متى مهتمًّا بربط كل ما يتعلق بالمسيح بنبؤات العهد القديم؛ وبسبب هذا الهدف الإنجيلي كَثُرَتِ الأخطاء، الناتجة عن التطبيق الخاطئ لتلك النبؤات على ما حدث للمسيح.
2- تَوَقّع نهاية العالم سريعًا: لقد كان متى حريصًا على تأكيد سرعة نهاية العالم، فقد توَقّع أن تأتي نهاية العالم في أيّام المسيح، قبل أن يكون رسله قد أكملوا التبشير بالإنجيل في مدن إسرائيل [13]، وقبل أن يُدرك الموت بعض معاصري المسيح، والذين استمعوا إلى تعاليمه [14]، وقبل أن يكون ذلك الجيل الذي عاصر المسيح وتلاميذه قد فنى [15]. ويذكر (فنتون) أنّ شيئًا من هذا لم يحدث، كما توقع متّى [16].
3- خاتمة إنجيل متى التي تنسب للمسيح قوله لتلاميذه: "فاذهبوا وتلّمذوا جميع الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (متى 28: 19)، هي محلّ شكّ من العلماء، كما يذكر أدولف هرنك [17].
2- إنجيل مرقس:
لا أحد يملك حجة أو وثيقة تعرّفنا بشخص مرقس! وكل ما يُذكر هو آراء شائعة لا حجة قاطعة عليها، ولا يوجد دليل صحيح يؤكدها [18]. وقد نَفَى عبد الله الترجمان أن يكون مرقس تلميذًا للمسيح، وأكّدَ أنه ما رآه قط، بل قد تنصّر على يد بطرس، بعد رفع المسيح -عليه السلام- [19]. وقد أكد الأستاذ كولمان هذا المعنى [20]. وأمّا ما جاء في سفر الأعمال: "ثم جـاء وهو مُنْتبِهٌ إلى بيت مريم أمّ يوحنّا، المُلَقّب بمرقس، حيث كان كثيرون مجتمعين، وهم يصلّون" (12: 12)، فهذه الفقرة الإنجيلية اعتبرها البعض دليلًا على أنّه من التلاميذ السبعين، وأنّه مؤلف إنجيل مرقس، لكن الدكتور بوكاى يشير إلى أنّ هذه الفقرات لا تذكر أنّه مؤلف إنجيل، وأنّ نصّ مرقس نفسه لا يشير إلى ذلك [21].
وعن اللغة التي حُرّر بها هذا الإنجيل، فهي اللغة اليونانية، كما ذُكِر في دائرة معارف القرن العشرين [22].
ويُذْكر أن إنجيل مرقس قد تحرر في الفترة من 65-75م، وغالبًا في 65م أو 66م، ويعتقد كثير من علماء النصارى أن ما كتبه مرقس في الإصحاح 13 قد سطر بعد عام 70م [23].
كذلك فإن أحدًا لا يعرف بالضبط من أين جاء هذا الإنجيل، هل من أَنْطاكيَة، أو مصر، أو روما، وإنْ كان الرأي الشائع أنّه جاء من روما [24].
نستنتج -مما سبق- أنّ الإنجيل الثاني -إنجيل مرقس- مختلف في كاتبه، فلا يُعْرف هل كاتبه مرقس المنسوب إليه؟ أم أستاذه بطرس أستاذه؟ وكذلك الاختلاف في تاريخ تدوينه، ولم يُتّفق إلا على لغة التدوين، وهذه ليست بأهم من الأمرين المختلف فيهما، وهما شخصية الكاتب وتاريخ التدوين. وكلّ ذلك -بلا شكّ- يقدح في قدسيّة هذا الإنجيل.
مشاكل إنجيل مرقس:
1- يثير هذا الإنجيل كغيره من الأناجيل عددًا من المشاكل، من أخطرها مشكلة الاختلافات التي تظهر في فقرات إصحاحات الإنجيل الواحد، علاوة على اختلافه مع غيره من الأناجيل، أمّا تناقض إنجيل مرقس بين فقرات إصحاحاته، فمن ذلك: "وجاءوا إلى عبر البحر إلى كورة الجدريين. ولمّا خرج من السفينة للوقت استقبله من القبور إنسان به روح نجس كان مسكنه في القبور، ولم يقدر أحد أن يربطه ولا بسلاسل، فلما رأى يسوع من بعيدٍ ركض وسجد له، وصرخ بصوتٍ عظيم، وقال: "ما لي ولك يا يسوع بن الله العلي أستحلفك بالله ألا تعذبني". لأنّه قال له: "اخرج من الإنسان يا أيها الروح النجس. وسأله ما اسمك، فأجاب قائلًا: اسمي لجيون"؛ لأننا كثيرون وطلب إليه كثيرًا ألا يرسلهم إلى خارج الكورة، وكان هناك عند الجبال قطيع كبير من الخنازير يرعى فطلب إليه كلّ الشياطين قائلين: "أرسلنا إلى الخنازير لندخل فيها". فأَذِن لهم يسوع للوقت، فخرجت الأرواح النجسة، ودخلت في الخنازير، فاندفع القطيع من على الجُرف إلى البحر، وكان نحو ألفين؛ فاختنق في البحر، وأمّا رعاة الخنازير فهربوا..." (5: 1-15).
والناظر يتّضح له أنّ هذا النّصّ يتناقض مع الحقيقة والمعقولية، ووجه تناقضه فيما ذكره النّصّ من أمره عليه السلام، الشياطين بأنّ تدخل في الخنازير لتذهب إلى البحر، فتهلك بناء على طلبها، هل هناك أحد يطلب لنفسه الهلاك بهذه الصورة؟ ثم ألا يستطيع طردها بدون هذه الطريقة؟ ويدّعي النّصّ أنّ قطيع الخنازير لأحد الرّعاة مع أنّه من المعروف تحريم اقتنائها لتحريم أكلها آنذاك، كما في شريعة موسى عليه السلام [25]، إلا أنّهم أحلّوا الخنزير لأنفسهم فيما بعد، كما هو مُشَاهد من أحوالهم، ومعروف من سيرتهم.
يقول رحمت الله الهندي عند ذكره لهذا النّصّ الإنجيلي ما يلي: "وهذا غلط أيضًا فإن قنية الخنزير عند اليهود مُحرّمة، ولم يكن من المسيحيين الآكلين لها في هذا الوقت أصحاب أمثال هذه الأموال، فأيّ نَوْع من الناس كان أصحاب ذلك القطيع؟ وإنّ عيسى عليه السلام كان يمكنه أن يُخْرج تلك الشياطين من ذلك الرجل، ويبعثها إلى البحر من دون إتلاف الخنازير التي هي من الأموال الطيبة كالشاة والضأن عند المسيحيين، أو يدخلها في خنزير واحد، كما كانت في رجل واحد، فَلِمَ جَلَبَ هذه الخسارة العظيمة على أصحاب الخنازير؟" [26].
أمّا بالنسبة لاختلافه مع الأناجيل الأخرى، فمن ذلك التناقض بين نصيّ إنجيليّ متّى ومرقس في قصة اشتركا في روايتها، فمثلًا وَرَدَ في رواية متى ما يلي: "ثم خرج يسوع من هناك، وانصرف إلى نواحي صور وصيدا، وإذا امرأةٌ كنعانيّة خارجة من تلك التخوم صرخت إليه، قائلةً: ارحمني يا سيد، يا ابن داود، ابنتي مجنونة جدًّا، فلم يجبها بكلمة، فتقدم تلاميذه، وطلبوا إليه قائلين: اصرفها لأنّها تصيح وراءنا، فأجاب، وقال: لم أُرسَلْ إلّا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة، فأتت وسجدت له قائلةً: يا سيد أعني. فأجاب وقال: ليس حسنًا أن يُؤْخذ خبز البنين، ويُطْرح للكلاب، فقالت: نعم يا سيّد، والكلاب أيضًا تأكل من الفُتَات الذي يسقط من مائدة أربابها. حينئذٍ أجاب يسوع، وقال لها: يا امرأة عظيمٌ إيمانُكِ، ليكن لكِ كما تريدين، فشُفِيت ابنتها من تلك الساعة" (متّى 15: 21-28).
أمّا عند مرقس فَوَرَدَ ما نصه: "ثم قـام من هناك إلى تخوم صور وصيدا، ودخل بيتًا وهو يريد ألا يعلم أحد، فلم يقدر أن يختفي، لأنّ امرأةً كانت بابنتها روحٌ نجس سمعت به فأَتَتْ وخرّت عند قدميه، وكانت المرأة أمميَّة -غير يهوديّة-، وفي جنسها فينيقيّة سوريّة، فسألته أن يخرج الشيطان من ابنتها، وأمّا يسوع فقال لها: دَعِي البنين أوّلًا يشبعون؛ لأنّه ليس حسنًا أن يُؤْخَذَ خبز البنين، ويُطْرَح للكلاب، فأجابت، وقـالت لـه: نعم يا سيّد، والكلاب أيضًا تحت المائدة تأكل من فُتات البنين، فقال لها: لأجل هذه الكلمة اذهبي، قد خرج الشيطان من ابنتك" (مرقس 7: 24-2).
واضح أَنّ في النّصينِ السابقين افتراء على المسيح عليه السلام، حيث إنهما يذكران أنّه ترك المرأة المستغيثة تصرخ إليه، وتستغيث به؛ لكي يشفي ابنتها -بأمر الله تعالى- فلم يُجِبْها حتّى أكثرت من رجائه، وخرّت ساجدة عند قدميه، ثمّ يشبهها بالكلاب، فترضى بذلك التشبيه من أجل شفاء ابنتها، فإنّ كانت هذه المرأة مؤمنة، ويدّعي النّصارى أنّ المسيح عليه السلام قد عاملها بمثل تلك المعاملة، فلا شكّ أنّ هذه أخلاق لا تليق نسبتها لنبي من أنبياء الله تعالى، أو ممن يزعمون فيه الألوهية! أمّا إذا كانت هذه المرأة قد دُعِيت إلى الإيمان، فأبَتْ وأرادت شفاء ابنتها فقط، فهي بذلك تستحق أن تُنعت بأي نعت سيء، كما في قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ . وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 175-176]، لكن النّصّ لم يُحدِّد هل هي مؤمنة حقًّا أم لا؟ وعلاوة على ذلك كله نجد التناقض بين النّصيْنِ المذكوريْنِ، فمتّى يذكر أنّ المرأة كنعانية، ومرقس يذكر أنّها فينيقيّة، فأيّهما أحرى بالتصديق؟ وأي الروايتين يمكن الأخذ بها لمُقَدِّسي هذا الكتاب؟ وهل هذا الاختلاف يليق بكتاب مقدس، كما يُقَال؟! وليس من شك أن هذا الاضطراب في الروايات تَتّسمُ به الأناجيل الأربعة، وليس إنجيل مرقس فقط [27].
وقد اعترف نينهام بوجود تحريفات -تعذر اجتنابها- في نُسَخِ إنجيل مرقس، وأنّه لا يوجد من بين مئات المخطوطات نسختان تتفقان تمامًا [28].
2- ومن المعضلات في هذا الإنجيل أن نهايته غير مُتَّفَق عليها في النسخ المختلفة؛ إذ أن الإصحاح السادس عشر -وهو الأخير- من رقم 9 إلى رقم 20 تعتبر فقرات غير موثوق منها [29]. وسبب هذا الشكّ أنها ليست موجودة في أقدم مخطوطتين كاملتين للأناجيل التي يرجع تاريخها إلى القرن الرابع الميلادى. وقد صرَّح جيروم أن بعض العلماء كانوا يشكون في الإصحاح الأخير من إنجيل مرقس [30]. وينصح الأب كانينجسر بحذف الخاتمة المشكوك فيها عند نشر إنجيل مرقس للعامة، ويعلق الدكتور موريس بوكاي قائلًا: "ياله من اعتراف صريح بوجود التعديلات التي قام بها البشر على النصوص المقدسة!" [31].
ونَخْلصُ من ذلك أن أحدًا من الناس لا يدري حقيقة الخاتمة التي انتهى بها إنجيل مرقس، وأنّ الغموض الذي يحيط بخاتمته لا يختلف كثيرًا عن الغموض الذي يكتنف شخصية مرقس الذي التصق اسمه بهذا الإنجيل [32].
3 - إنجيل لوقا:
أمّا بالنسبة لشخصية لوقا، فهو أديب وثني آمن بالمسيحية، واتّجاهه إلى اليهود يتّضح بطريق مباشر [33]، وقد وُلِدَ في أَنْطَاكية، ودرس الطب، وزاول مهنته بنجاح، ثمّ اعتنق المسيحية، وأصبح من دعاتها، وذهب البعض إلى أنّه كان رومانيًّا نشأ بإيطاليا، ويرجح آخرون أنّه كان مصوّرًا، ولم يكن طبيبًا [34]. وقد اتّفق المؤرخون على أنّ لوقا لم يدرك عيسى عليه السلام ولا رآه أبدًا، وإنّما تَنَصّر بعد رفع عيسى عليه السلام، وكان مِمَّنْ تَنصّرَ على يد بولس الذي لم يُدْرك عيسى عليه السلام ولا رآه، وكان أكبر أعداء النصارى [35]. ومِنَ الباحثين مَنْ يرى أن علاقة الصُّحْبة التي بين لوقا وبولس لا يوجد عليها أي دليل، وأنّ ما يوجد في الإنجيل ما هو إلا ألفاظ مُوهِمَة [36].
والخلاصة أنّ شخصية لوقا مثْلُها مثل بقية الشخصيات المجهولة التي تُنْسبُ لها الأناجيل [37].
وبمراجعة الأسطر الأولى من إنجيل لوقا يتّضح أنّه يروى عن آخرين، بينما لم يكن هو من الشهود المعاينين، فقد قال ما يأتي: "إذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصّةٍ في الأمور المُتَيَقّنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين، وخُدَّامًا للكلمة، رأيت أنا أيضًا إذ قد تَتبّعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيّها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذي عُلّمت به" (لوقا 1: 1-4).
أما عن لغة التدوين، فيتفق الجميع على أنّ لغة إنجيل لوقا الأصليّة هي اللغة اليونانية [38]، لكنّه يُكْثِر من العبارات السامية في نصوص ينفرد بها، وخاصّة ما وَرَدَ على لسان المسيح عليه السلام من أقوال، وهو يأخذ كثيرًا من عبارات العهد القديم اليوناني [39]؛ لهذا كان لوقا في نظر الأستاذ كولمـان مؤرخًا، وفي نظر الأب كانينجسر قصّاصًا بارعًا [40]. ويرى الأستاذ إيرنست هونشن أن مَنْ يقرأ هذا الإنجيل لا بُدّ أن تكون له روح شاعرة؛ لأن اللغة التي كُتِبَ بها الإنجيل هي لغة شاعريّة [41].
وبالنسبة لتاريخ كتابة هذا الإنجيل، فقد اُخْتُلِفَ في تاريخ تدوينه أيضًا كإنجيلي متّى ومرقس، فمنهم مَنْ يقول: إنّه ألفه بين سنة 80-90م، ومنهم مَنْ يقول: إنّه ألّفه سنة 60م، ومنهم مَنْ يقول: إنّه ألّفه بين سنة 53 – 64م، إلى غير ذلك من الأقوال [42].
ولا تُوجد دلائل على مكان كتابته، إلّا أنّه من المحتمل أن تكون كتابته تمت خارج فلسطين؛ وذلك لعدم دقّة معلومات الكاتب الخاصّة بجغرافية المِنْطقة [43].
نستنتج مِمَّا سبق أنّ الشكوك والخلافات تُحِيط بجميع عناصر تاريخ هذا الإنجيل من شخصية كاتبه، وكيفيّة إيمانه، ووقت إيمانه، كما أنّ الخلاف يمتدّ أيضًا إلى مهنته، كذلك كان الخلاف فسيحًا في تاريخ تدوين هذا الإنجيل، لكنهم لم يتفقوا إلا على أنّه قد كُتِبَ باللغة اليونانية.
مشاكل إنجيل لوقا:
1- يُعَانِي نصّ هذا الإنجيل من التغييرات التي تُعاني منها الكتب الأخرى للعهد الجديد، إلّا أنّ النّصّ الغربيّ للإنجيل يُعَانِي من إضافة وحذف أكثر من النصوص السكندريّة والبيزنطيّة لنفس الإنجيل [44].
2- مشكلة التكْرَار، فقد لاحظ العلماء أنّ هذا الإنجيل يحتوى على إحدى عشرة فِقْرة، ذكرها لوقا مرتين في موضعين مختلفين من الإنجيل [45] [46].
3- ومن المشكلات التي تَبْرُزُ في إنجيل لوقـا [47] اختلاف تَسلْسُلِ نسب المسيح عليه السلام فيه عمّا ذكره إنجيل متّى [48].
وهذه هي إحدى أبرز التناقضات في الكتاب المُقَدَّس -عند أهله-، يقول الأستاذ أحمد ديدات: "من بين داود وعيسى أَوْحَى الله لمتّى بتسجيل ستّة وعشرين سَلَفًا فقط لابنه، ولكن لوقا المُلْهم -أيضًا- سَجَّلَ واحدًا وأربعين سَلَفًا لعيسى" [49]. ولعل سبب الاختلاف أنّ متى يتوجَّهُ بخطابه إلى اليهود؛ لذا فهو يبدأ شجرة نسب المسيح عليه السلام بإبراهيم عليه السلام ويجعلها تَمُرُّ بداود عليه السلام، في حين أنّ لوقا -وهو الوثني الذي آمن بالمسيحية- يهتم بأن يمدّ جذور هذه الشجرة إلى أبعد من ذلك، وهما يتناقضان ابتداء من داود عليه السلام [50].
ومَنْ قَابَلَ نَسَبَ المسيح المُدْرج في الإصحاح الأول من إنجيل متى ببيان النسب المُدْرج في الإصحاح الثالث من إنجيل لوقا وجد فيه خمسة وجوه مختلفة:
الأول: يوسف النّجار في إنجيل متى هو ابن يعقوب، وفي إنجيل لوقا هو ابن هالي.
الثانى: تجد في إنجيل متى أن السيد المسيح عليه السلام من نسل سليمان بن داود عليهما السلام، أمّا في إنجيل لوقا فهو من نسل ناثان بن داود عليه السلام.
الثالث: تعلم من إنجيل متى أنّ شَأَلتيئيل بن يَكُنْيَا، ومن إنجيل لوقا أَنّه ابن نيرى.
الرابع: تعلم من إنجيل متى أن اسم ابن زَرُبَّابل هو أبيهود، ومن إنجيل لوقا أن اسمه ريسا [51].
4- كذلك قال وارد الكاثوليكى: "وبعض القدماء كانوا يَشُكُّونَ في بعض الآيات من الباب الثاني والعشرين من إنجيل لوقا، وبعض القدماء كانوا يَشُكُّونَ في البابين الأولين من هذا الإنجيل، وما كان هذا البابان في نسخة فرقة مارسيوني" [52].
5- كما يُنَاقِض لوقا نفسه؛ ففي إنجيله يُقِرُّ بأنّه يكتب بغير إلهام [53]، بينما في رسالة أعمال الرسل يتحدث عن إلهام الرسل، وعن صلتهم بالروح القـدس [54]. والسؤال الآن: "ما قيمة هذا الزعم الذي يجيء من رجل لم يكن من تلاميذ المسيح عليه السلام (بحسب تصريحه هو)، ولم يكن من تلاميذ تلاميذه (بحسب استنتاجات علماء اللاهوت، ولم يكن من خدّام الكلمة -أي: المسيح، كما يعتقدون-)، ولم يكتب ما كتب عن وحي وإلهام" [55].
4 - إنجيل يوحنـا:
يذكر العلماء أن إنجيل يوحنا يُعتبر تقديمًا دِرَاميًا لحياة المسيح عليه السلام وموته ورسالته وتمجيده، وأنّه وُضِعَ لغرض التعليم والعبادة في الكنائس، وللتبشير كذلك خارج الكنيسة، وهو يَختصُّ بموضوعات كانت محل جدل في العالم النصراني الأممي (أي من غير اليهود)، وذلك في نهاية القرن الأول، أو أوائل القرن الثاني، مع انتشار نظرية تبجيل المسيح، ومحاولة جعله مخلوقًا إلهيًّا تَجَسّد مؤقتًا [56].
وبهذا يختلف هذا الإنجيل عن الأناجيل الثلاثة الأخرى في أنّه الإنجيل الوحيد الذي يُصَرِّحُ، ويؤكد ألوهية المسيح عليه السلام، ويتحدّث -أيضًا- عن عقيدة التثليث، وبنصوصه يستدلّ النّصارى على عقيدة ألوهية المسيح عليه السلام لكونه قـد صرّح بذلك. ومن النُّصوص الواردة في هذا الإنجيل، والتي تُصَرّح ببنوة المسيح لله وبألوهيته تعالى الله عن ذلك: "وأمّا هذه فقد كُتِبَت لتؤمنوا أنّ يسوع هو المسيح ابن الله" (يوحنا 20: 31). وأيضًا: "ورأينا مجده مجدًّا، كما لوحيدٍ من الآب مملوءًا نعمةً وحقًّا" (يوحنا 1: 14).
وبالرغم من أنّ ظاهر الإنجيل يُبَيّن أنّه كُتِبَ بواسطة يوحنا الحواري الحبيب للسيد المسيح، لكن هناك الكثير من الجدل حول شخصية الكاتب؛ إذ أنّ لغة الإنجيل وصيغته اللاهوتية تُبيّن أنّ الكاتب ربّما عاش في فترة حديثة عن يوحنا [57]. ويُعلّق الدكتور موريس بوكاي قائلًا: "ودون ذكر الافتراضات الأخرى التي قدمها المفسرون، فالملاحظات الصادرة عن أبرز الكتاب المسيحيين، والتي أوردناها هنا عن مشكلة مؤلف الإنجيل، تشير -هي وحدها- إلى أننا مغمورون بالغموض والخلط فيما يتعلق بأُبوّة هذا الكتاب" [58].
وبالتحقيق فإنّ هناك عدة أدلة تدلّ على أنّ الإنجيل المنسوب ليوحنا ليس من تصنيف يوحنا الحواري هي:
أ- في حياة أرينيوس -الذي عاش في القرن الميلادي، وتتلمذ على بوليكارب، وهذا تتلمذ على يوحنا الحواري-أنكر جماعة نسبة هذا الإنجيل إلى يوحنا الحواري، وسكت أرينيوس، ولم يرد على المُنكرين.
فلو كان هذا الإنجيل من تصنيف يوحنا الحواري لعلم به تلميذه بوليكارب، وهذا أخبر تلميذه أرينيوس، لكن هذا لم يحدث، على حين أنّ أرينيوس نفسه لم يذكر إنجيل يوحنا، رغم أنّه كان أول مَنْ ذكر أناجيل (متى، مرقس، لوقا) حَوَالَىْ سنة 200م.
ب- المعتقدون أن هذا الإنجيل من تصنيف يوحنا الحواري لم يستطيعوا أن يأتوا بدليل واحد ضد المنكرين.
ج- إنّ العالم الوثني سلسوس كان يصيح في القرن الميلادي الثاني مُبيِّنًا أنَّ النصارى غيروا مضامين أناجيلهم ثلاث أو أربع مرات.
د- أَكَّد العالم فاستس -رئيس فرقة ماني كيز في القرن الرابع الميلادي- أنّ العهد الجديد ما صنفه المسيح ولا الحواريّون، بل صنفه رجل مجهول الاسم.
هـ- أنكرت فرقة ألوجين من النصارى -وكانت في القرن الثاني- نسبة هذا الإنجيل ليوحنا، بل رفضت هذا الإنجيل وجميع تصانيف يوحنا.
و- أكد إستادلن -أحد كبار محققي النصرانية- أَنّ مؤلف إنجيل يوحنا هو طالب من طلاب الإسكندرية، بلا أدنى شكٍّ.
ز- كان برطشنيدر -أحد كبار محققي النصرانية- يرى أن هذا الإنجيل (وكذا رسائل يوحنا الثلاث) ليست من تصنيف يوحنا الحواري، وأنها -مع الإنجيل- أُلِّفَت في ابتداء القرن الثاني الميلادي [59].
ح- كما أنّ الترجمة المسكونية للعهد الجديد تؤكد أن غالبية النقاد لا تأخذ بالفرض القائل بتحرير قام به يوحنا الحواري، وأن كل شيء يدفع للاعتقاد بأن النص المنشور لهذا الإنجيل -إنجيل يوحنا- حاليًا ينتمي إلى أكثر من كاتب واحد [60].
ط- ويعتقد جون مارش -من مُفسّري إنجيل يوحنّا- أنه من الممكن أن يكون مُحرّر إنجيل يوحنا هو شخص يُدعى يوحنا مرقس، خِلافًا لما هو شائع من أنه يوحنا بن زبدى الحواري [61].
ى- كما أنّ الإنجيل نفسه فيه ما ينفي أن يكون المؤلف هو يوحنا الحواري، كما يلي:
- "وكان متكئًا في حضن يسوع واحد من تلاميذه كان يسوع يُحبّه"(يوحنا 13: 23).
- "فلما رأى يسوع أمَّهُ، والتلميذ الـذي كان يُحبّه واقفًا، قال لأمّه: يـا امرأة، هو ذا ابنك" (يوحنا 19: 26).
-" فركضت وجـاءت إلى سمعان بطرس، وإلى التلميذ الآخـر الـذي كان يسـوع يُحبّه" (يوحنا 20: 2).
-" فالتفت بطرس، ونظر التلميذ الذي كان يسوع يحبه يتبعه" (يوحنا 21: 20).
- "هـذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا، ونعلم أنّ شهادته حقّ" (يوحنا 21: 24).
وليس من شكٍّ أنّه ليس من المعقول أن الكاتب يتحدّث عن نفسه، بمثل هذه الصيغة؛ إذ استعمل الكاتب في حق يوحنا ضمائر الغائب، لكنه قال في حق نفسه: "نعلم"، على صيغة المتكلم، فثبت أن كاتبه غير يوحنا الحواري قَطْعًا.
وقد اتفق الباحثون أَنّ صاحب هذا الإنجيل كتبه باللسان اليوناني، ويبدو أنّ هذا هو الأمر الوحيد الذي اتّفق عليه الباحثون، فيما يخصّ هذا الإنجيل [62].
أمّا بالنسبة لتاريخ تدوين هذا الإنجيل، فقد اختلف الباحثون النصارى اختلافًا حادًّا؛ فالدكتور بوست يذكر أنه كُتِبَ سنة 95، أو96، أو 98م، أما الأستاذ هورن فيرى أنه أُلِّفَ سنة 68، أو69، أو 70، أو 97، أو98م [63]. في حين يرجح الدكتور محمود حماية أن تاريخ كتابته كان سنة 90م [64]. (لكنه لم يقدم دليلًا واضحًا يؤكد صدق هذا الترجيح). وقيل: 93م [65]، ومن المُحتمل أن يكون إنجيل يوحنا قد كُتِبَ في مدينة أفسس، أو أنطاكية، أو روما، أو الإسكندرية [66].
مشاكل إنجيل يوحنا:
1- إِنَّ المشكلة الرئيسة أنَّ هذا الإنجيل يختلف عن الأناجيل الثلاثة السابقة التي تُعرف (بالأناجيل السينوبتية Synoptic)، أي المتشابهة في أمور جوهرية عدة، سواء في اختيار الموضوعات والروايات والخطب وترتيبها، أو في الأسلوب والتعاقب الزمني للأحداث، وكذلك في الآفاق اللاهوتية، فهو ليس ترجمة لحياة المسيح عليـه السلام، وإنما هو عرض لها من وجهة النظر اللاهوتية، بوصفه كلمة الله، وخالق العالم، ومنقذ البشريّة.. إلخ [67].
2- يقرر هذا الإنجيل أنّ المركز الرئيس لدعوة المسيح هو مِنْطقة اليهودية، على عكس ما جاء في الأناجيل الثلاثة التي جعلت معظم ما كُتِبَ عن المسيح في دعوته، أو خدمته في مِنْطقة الجليل [68].
وأستطيع أن أقول من خلال نظرة عَجْلَى حول وَثَاقَة النّصّ الإنجيلي: "إِنّ أي كتاب سماويّ يستحقّ أن يخضع النّاس له، ولامتثال أحكامه لا يكفي في إسناده إلى شخص ذي إلهام، أو إلى مجرّد الظنّ والتخمين، بل لا بُدّ:
أوّلًا: أن يَثْبُتَ أَنّ هذا الكتاب من عند الله تعالى.
ثانيًا: اليقين بنزوله على رسولٍ ما.
وهذا الثبوت يكون بسند متّصل في جميع طبقاته، متواتر في عامّة مراتبه، أي رواه أناس كثيرون عن أناس كثيرين، يُؤْتمن تواطؤهم على افتراء الكذب، فلا يكون هناك تغيير أو تبديل أو زيادة أو نقصان، وأناجيل النّصارى المُقدّسة والمتداولة بين أيديهم ليس فيها ما يُوجِبُ القطع، فيما تنقله عن المسيح عيسى عليه السلام أو ما تُسْنده إليه، وما فيها لا يفيد أكثر من الظنّ والوهم؛ لانقطاع سند الصِّحَّة، فضلًا عن التواتر في نسبتها إلى الله، أو أنّها هي التي كانت مُنَزّلة على المسيح عليه السلام.
فإذا كان الظنّ والوهم هما فقط سند تلك الكتب المقدسة عند النصارى، فلماذا إذًا رُفضت الكتب الأخرى المنسوبة إلى المسيح، وأمّه وحوارييه وتابعيهم، والتي وصلت إلى سبعين كتابًا وإنجيلًا، أو ما يزيد على ذلك، ودليلها لا يقلّ في الحجية عن دليل الظنّ السالف الذكر؟! وإذا كان الله تعالى أنزل على المسيح عليه السلام إنجيلًا واحدًا، فما بَالُنا نرى بأيدي النصارى أربعة أناجيل، بخلاف الرسائل الأخرى المنسوبة إلى بولس ويعقوب وبطرس ويوحنا ويهوذا؟! وإذا كانت ليست كلها من عند الله تعالى، بل واحد منها فقط، ولا يمكن تحديده بعينه، لم يكن من المعقول اعتماد شيء منها؛ إذ كلّ واحد منها يحتمل أن يكون وحده هو المُنَزّل، هذا فضلًا عن الأناجيل والكتب التي رفضوها أيضًا، فلماذا لا يكون واحد منها فقط هو الثابت نزوله من عند الله تعالى؟ ممّا يدعو إلى الشكّ فيها جميعها ورفضها كلها من أساسها.
ومن المُسَلّم به في مسائل العقائد أنّها تُبْنَى على اليقين، وليس على الظنّ أو الشكّ؛ لذلك لم تكن لهذه الأناجيل أو الرسائل أي حجية عقلًا؛ لأنّه لا حجة مع الاحتمال والشكّ [69]. أي أنّ الإنجيل الخاص بالمسيح عليه السلام لا يوجد له أي أثر البتة! ومعنى ذلك أنّ النّصارى ليس لهم كتاب مقدّس، وخلعوا هذا التقديس على تلك الكتب والرسائل الخاصة بالمواعظ [70]!
إذًا فالإنجيليون جمعوا ودوّنوا أناجيلهم -كلٌّ حسب وجهة نظره- مما قد تلقوا من الأقوال الشفهية المتوارثة، كما يقرّر هذا أكثر من مائة عالم كاثوليكى وبروتستانتى اجتمعوا لإصدار الترجمة العالمية للعهد الجديد [71].
والنتيجة من هذا كله أنّ أحدًا لا يضمن صحّة كلّ ما ينسب إلى المسيح عليه السلام في هذه الأناجيل من الأقوال والأفعال. كما أنّ هذه الأناجيل ومصادرها من إنتاج البشر، والعمل البشري مهما بلغ صاحبه من العلم والمعرفة مُعَرَّضٌ للسقط واللبس والنسيان، وغير ذلك من العيوب. فأي دعوى بأن ما في الأناجيل الأربعة هي أقوال أو أفعال المسيح الحقيقية مُخالفة للعقل والواقع والتاريخ.
يقول شارل جينيبير: ".. وبانتهائه -يعني الجيل المعاصر للمسيح- لم يعد هناك شهود مباشرون لحياة المسيح، ثم رأى الحريصون من المسيحيين أنّه قد يكون من الصالح أن يثبتوا بالتدوين تلك الذكريات التي افترضوا صحَّتها في الأخبار المتوارثة شفاهًا.. وكانت هذه الكتيبات -وأهمها مجموعة الأحاديث المنسوبة إلى متّى، والروايات المنسوبة إلى مرقس- المصادر الأولى لأناجيلنا، إلّا أنّها لم تكن لتضمّ سوى عناصر شتّى مشوّشة من حياة عيسى.. فكان على مُحَرّري الأناجيل أن يُغَرْبلوا، ثم يختاروا، ثم ينسّقوا سيرة متكاملة من هذه المتناثرات المُشوّشة" [72].
وصفوة القول: إنّ ادّعاء النّصارى بأنّ الوحي في كتبهم المقدّسة يجمع بين العنصر البشري والعنصر الإلهي، وأنّ الملهمات الإلهية تتجسّد في لباس لُغَوِيٍّ بشريٍّ؛ لتكون مفهومة لدى النّاس، هو ادّعاءٌ باطلٌ ليس لعدم إقامة الدليل عليه فحسب، بل لأنّ البيّنات قائمة ضدّه، ولو أنّ أسفارهم كانت بإلهام من الله لكانت صادقة في كلّ ما أخبرت به، ولما كانت مختلفة، متضاربة، متعارضة [73]. أي أنّنا "ننازعهم في أنّ ما بأيديهم الكتب المُنزّلة، بل هي مُبَدّلة مُغَيّرة، وفي غاية الوهن والضعف، وسِقَم الحفظ والرِّواية والسند، بحيث لا يُوثَق بشيء منها" [74].
ويكفيني أن أنهي كلامي عن عدم وَثَاقـة النّصّ الإنجيلي بقول القس حبيب سعيد: "ويسوع المسيح نفسه لم يكتب شيئًا، ولا فَكّر أتباعه في تدوين قصة مكتوبة عن سيّدهم، وتسليمها للأجيال اللاحقة، ونظرًا لعدم وجود أدلّة مباشرة نسترشد بها من هذه الناحية، فإنَّنَا مضطرون إلى أن نلجأ إلى الحدس والتخمين!" [75].
[1] - د. موريس بوكاي: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم "دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة". ص81. ط2. 2004م. مكتبة مدبولي-القاهرة.
[2] - أ. أحمد عبد الوهاب: المسيح في مصادر العقائد المسيحية "خلاصة أبحاث علماء المسيحية في الغرب". ص57. ط2. 1408هـ / 1988م. مكتبة وهبة-القاهرة.
[3] - د. موريس بوكاي: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم "دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة". ص83.
[4] - د. محمد الشرقاوي: مقدمته لـ "الرد الجميل" للغزالي. ص81. وأيضًا له: في مقارنة الأديان "بحوث ودراسات". ص171. ط2. 1410هـ / 1990م. دار الجيل- بيروت. ويقرر عبد الله الترجمان -القس الإسباني إنسلم تورميدا الذي أسلم- أن متى لم يدرك المسيح عليه السلام ولا رآه قط إلا في العام الذي رفعه الله إليه (عبد الله الترجمان الأندلسي: تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب. ص66).
[5] - الشيخ رحمت الله الهندي: إظهار الحقّ. جـ 2. ص 538.
[6] - أ. عبد الكريم الخطيب: المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل. ص86. ط1. 1385 هـ / 1965 م. دار الكتب الحديثة-القاهرة. وأيضًا: د. محمد أحمد ملكاوي: مختصر كتاب إظهار الحق. ص27. ط 1416 هـ / 1995م. مكتبة فهد الوطنية-الرياض.
[7] - الشيخ رحمت الله الهندي: إظهار الحقّ. جـ1. ص 151.
[8] - د. موريس بوكاي: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم "دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة". ص84. ط2. 2004م. مكتبة مدبولي-القاهرة. وانظر: الشيخ عيسى الأثري: إقامة الدليل على تحريف الإنجيل "مقال". العدد الخامس ص236. ط 1415هـ. مجلة الحكمة - ليدز. وكذلك: د. محمد أحمد ملكاوي: مختصر كتاب إظهار الحق. ص26.
[9] - انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل. جـ 2. ص 13.
[10] - انظر: الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام. ص 64.
[11] - د. محمد الشرقاوي: مقدمته لـ "الرد الجميل". ص85. وأيضًا له: في مقارنة الأديان. ص174. وكذلك: د. محمود حماية: ابن حزم ومنهجه في دراسة الأديان. ص275. أيضًا: د. مصطفى حلمي: الإسلام والأديان. ص205. وانظر: د. موريس بوكاي: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم "دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة". ص83.
[12] - ابن حزم: الفصل في الملل والأهواء والنحل. جـ 2. ص 14. وانظر: د. موريس بوكاي: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم "دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة". ص83. وأيضًا: أ. أحمد عبد الوهاب: المسيح في مصادر العقائد المسيحية. ص59. كذلك: د. محمد الشرقاوي: مقدمته لـ "الرد الجميل". ص85. وأيضًا له: في مقارنة الأديان. ص174.
[13] - انظر: "ومتـــى طردوكم في هذه المدينــة فاهربوا إلى الأخرى، فإني الحق أقـــــول لكــــم: لا تكملون مدن إسرائيـــل حتّى يأتي ابن الإنســـان" (متى 10: 23).
[14] - انظر: "الحقّ أقول لكم: إنّ من القيام ها هنا قومًا لا يذقون الموت حتّى يَرَوا ابن الإنسان آتيًا في ملكوته" (متى 16: 28).
[15] - انظر: "الحقّ أقول لكم: لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله" (متى 24: 34).
[16] - أ. أحمد عبد الوهاب: المسيح في مصادر العقائد المسيحية. ص 61.
[17] - نفس المرجع السابق. ص 61.
[18] - د. محمد الشرقاوي: مقدمته لـ "الرد الجميل". ص72.
[19] - انظر: تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب. ص 70.
[20]- د. موريس بوكاي: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم "دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة". ص86. وأيضًا: أ. أحمد عبد الوهاب: المسيح في مصادر العقائد المسيحية. ص53.
[21]- د. موريس بوكاي: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم "دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة". ص86. ويذكر ابن حزم أن إنجيل مارقش الهاروني -مرقس- تاريخ ألفه شمعون (بطرس) رئيس الحواريين، ثم محا اسمه من أوله، ونسبه إلى تلميذه مرقس (انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل. جـ 2. ص 14).
[22]- أ. محمد فريد وجدي: دائرة معـارف القـرن العشرين. جـ 1. ص 655.
[23]- أ. أحمد عبد الوهاب: المسيح في مصادر العقائد المسيحية. ص53.
[24]- نفس المرجع السابق. ص53.
[25]- انظر: (سفر لاويين 11: 7)، (سفر تثنية 14: 8).
[26]- انظر: إظهار الحقّ. جـ 2. ص 345.
[27]- قد تتناقض الأناجيل فيما بينها في موضوع بذاته اشتركت في روايته، من ذلك التناقض بين الأناجيل الأربعة، أثناء روايتها لموضوع بذاته، ومن أمثلة ذلك: التناقض فيما بينها -على ثلاثة آراء- أثناء روايتهـا للصلاة الأخيرة للمسيح ليلة القبض عليـه، كما يزعمون [انظر: متّى 26: 36-39. مرقس 14: 22-26. لوقا 22: 39-42. يوحنا 18: 1-4].
[28]- أ. أحمد عبد الوهاب: المسيح في مصادر العقائد المسيحية. ص55.
[29]-أ. أحمد عبد الوهاب: المسيح في مصادر العقائد المسيحية. ص55.
[30]- رحمت الله الهندي: إظهار الحقّ. جـ 1. ص 152.
[31]- انظر: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم "دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة". ص89.
[32]- أ. أحمد عبد الوهاب: المسيح في مصادر العقائد المسيحية. ص56.
[33]- د. موريس بوكاي: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم "دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة". ص 90.
[34]- د. علي عبد الواحد وافي: الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام. ص 62، 63.
[35]- عبد الله الترجمان: تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب. ص 68، 69.
[36]- د. محمد علي البار: دراسات معاصرة في العهد الجديد، والعقائد النصرانية. ص 109. د. ت. دار القلم -دمشق.
[37]- نفس المرجع السابق. ص 109.
[38]- د.علي عبد الواحد وافي: الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام. ص 66.
[39]- د. محمد علي البار: دراسات معاصرة في العهد الجديد، والعقائد النصرانية. ص 108.
[40]- د. موريس بوكاي: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم "دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة". ص 89.
[41]- أ. أحمد عبد الوهاب: المسيح في مصادر العقائد المسيحية. ص 63.
[42]- د. موريس بوكاى: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم " دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة ". ص 91. وأيضًا: د. محمد الشرقاوى: مقدمته لـ " الرد الجميل ". ص 98. وكذلك: أ. ياسر جبر: البيـان الصحيح لدين المسيح. ص133. ط1. 2007م. دار الخلفاء الراشدين– الإسكندريّة.
[43]- أ. ياسر جبر: البيـان الصحيح لدين المسيح. ص 133.
[44]- أ. أحمد عبد الوهاب: المسيح في مصادر العقائد المسيحية. ص67.
[45]- نفس المرجع السابق. ص67.
[46]- انظر: (8: 16 - 11: 33)، (8: 17 - 12: 2)، (8: 18 - 19: 26)، (9: 3 -5 ، 10: 3 - 12)، (9: 23 - 14: 27)، (9: 24 - 17: 33)، (9: 26 - 12: 9)، (9: 46 - 22: 24)، (20: 4 - 11: 34)، (21: 14، 15، 12: 11- 12)، (14: 11- 18: 14).
[47]- انظر: لوقا 3: 23 - 38.
[48]- انظر: متى 1: 1 - 17.
[49]- انظر: هل الكتاب المقدّس كلام الله؟ ص67. بدون بيانات.
[50]- د. موريس بوكاي: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم "دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة". ص 91. كذلك: أ. أحمد عبد الوهاب: المسيح في مصادر العقائد المسيحية. ص68. وانظر: د. محمد الشرقاوي: مقدمته لـ "الرد الجميل". ص 87. وأيضًا له: في مقارنة الأديان. ص186.
[51]- أ. عبد الكريم الخطيب: المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل. ص89. وأيضًا: أحمد عبد الوهاب: المسيح في مصادرالعقائد المسيحية. ص79 - 83.
[52]- الشيخ رحمت الله الهندي: إظهار الحقّ. جـ 1. ص 152.
[53]- انظر: لوقا 1: 1- 4.
[54]- انظر: أعمال الرسل 1: 1 – 8.
[55]- د. محمد الشرقاوي: مقدمته لـ "الرد الجميل". ص 99، 100. وأيضًا له: في مقارنة الأديان. ص187.
[56]- أ. أحمد عبد الوهاب: المسيح في مصادر العقائد المسيحية. ص69.
[57]- أ. ياسر جبر: البيـان الصحيح لدين المسيح. ص 136.
[58]- انظر: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم "دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة". ص94.
[59]- الشيخ رحمت الله الهندي: إظهار الحق. ص154- 157.
[60]- د. موريس بوكاي: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم "دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة". ص93 ، 94.
[61]- أ. أحمد عبد الوهاب: المسيح في مصادر العقائد المسيحية. ص71.
[62]- عبد الله الترجمان: تحفة الأريب في الردّ على أهل الصليب. ص 71. وأيضًا: د. علي عبد الواحد وافي: الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام. ص 67.
[63]- رحمت الله الهندي: كتاب إظهار الحق. جـ 1. ص157. وكذلك: د. محمد ملكاوي: مختصر كتاب إظهار الحق. ص30. وأيضًا: د. محمد الشرقاوي: مقدمته لـ "الرد الجميل". ص 55. وله: في مقارنة الأديان. ص148.
[64]- عبد الله الترجمان: تحفة الأريب في الردّ على أهل الصليب. هامش ص 71. وأيضًا: د. على عبد الواحد وافي: الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام. ص 67.
[65]- أ. محمد فريد وجدي: دائرة معارف القرن العشرين. جـ 1. ص 655.
[66]- عبد الله الترجمان: تحفة الأريب في الردّ على أهل الصليب. ص 71.
[67]- د. عبد الرزاق عبد المجيد ألارو: مصادر النصرانية "دراسةً ونقدًا" [أصل الكتاب أطروحة ماجستير]. ص 444. ط1. 1428هـ / 2007م. دار التوحيد- الرياض. وأيضًا: أ. أحمد عبد الوهـــاب: المسيح في مصادر العقائــد المسيحية. ص 72. وكـذلك: د. محمد الشرقـاوي: مقدمتـه لـ "الرد الجميل". ص 59.
[68]- أ. محمد علي زهران: إنجيل يوحنا في الميزان. ص 33. ط1. 1412هـ / 1992م. دار الأرقم - الزقازيق. وانظر: د. عبد الرزاق عبد المجيد ألارو: مصادر النصرانية "دراسةً ونقدًا". ص 446. وأيضًا: أ. أحمد عبد الوهـــاب: المسيح في مصادر العقائــد المسيحية. ص 72.
[69]- المستشار محمد عزت الطهطاوي: الميزان في مقارنة الأديان. ص 102، 103. ط1. 1413هـ / 1993م. دار القلم - دمشق.
[70]- نفس المرجع السابق. ص 100.
[71]- د. موريس بوكاي: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم "دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة". ص 81. وأيضًا: د. عبد الرزاق عبد المجيد ألارو: مصادر النصرانية "دراسةً ونقدًا". ص 476.
[72]- انظر: المسيحية "نشأتها وتطورها". ص 27، 28.
[73]- أ. عبد الوهاب عبد السلام طويلة: الكتب السماويّة وشروط صحتها. ص 168. ط 1410 هـ / 1990م. مؤسسة علوم القرآن – دمشق.
[74]- القرافي: الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة. ص 43. تحقيق أ. مجدي الشهاوي. ط1. 1426 هـ / 2005 م. عالم الكتب - بيروت.
[75]- انظر: المدخل إلى الكتاب المقدس. ص 215، 216. د. ت. دار التأليف والنشر للكنيسة الأسقفية -القاهرة.