الانتهازيون يتصارعون والثورة العراقية لمَّا تنتصر
أفرزت الأحداث الجارية على أرض أهل السنة والجماعة في العراق وخصوصاً في الأنبار -التي تبلغ مساحتها لوحدها ثلث مساحة العراق تقريباً- حقيقة مُرَّة كان يقول بها العقلاء والحكماء على أرض الرافدين، من أن الانتهازيين والوصوليين لن يتركوا شيئاً لأصحاب المبادئ من المخلصين...
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
أفرزت الأحداث الجارية على أرض أهل السنة والجماعة في العراق وخصوصاً في الأنبار -التي تبلغ مساحتها لوحدها ثلث مساحة العراق تقريباً- حقيقة مُرَّة كان يقول بها العقلاء والحكماء على أرض الرافدين، من أن الانتهازيين والوصوليين لن يتركوا شيئاً لأصحاب المبادئ من المخلصين، وأن مصلحة الأمة ماهي إلا وهماً يعلّق عليها الإنتهازيون آمالهم. فبعد أكثر من تسع سنوات من القتل والبطش والتشريد والإعتقالات والجور والتحييد والتهميش لأهل السنة والجماعة في العراق انبتقت شرارة ثورة حقيقية من رحم كل هذه المعاناة والألم، وإنَّ كل مفردة من المعاناة كافية لإشعال ثورة، ثورة سنية شعبية عفوية ، ربما كان فتيلها معلوماً ولكن الفتيل اشتعل وانتهى وبقيت الجذوة متأججه، فالمرجل الذي بقي يأزُّ كل هذه السنين العجاف انفجر وخلط الحابل بالنابل.
وأمام هذا الحشد الجماهيري الثائر والمستنفر والمستفز وغير المتوقع والذي فاق كل التحليلات وكل الاحتمالات وقلب كل التوقعات، دهش وتلعثم كلُّ من كان يزعم أنه يقود أهل السنة في العراق خصوصاً، وإن الشرارة قد انتقلت بسرعة ملفتة لسامراء والموصل وديالى ومرشحة لتعم بقية أراضي أهل السنة والجماعة. ومثلما تداعت جموع أهل السنة والجماعة المقهورة لساحات التظاهر والاعتصام كالنار في الهشيم، فقد تداعى جموع مدَّعي السياسة من الداخلين في العملية السياسية في العراق ومن الخارجين عنها داخلياً وخارجياً، من القيادات التي أبتُلي بهم أهل السنة والجماعة طيلة السنين التسع العجاف الماضية، وهم كثرٌ ، متنوعون، مختلفون!
فشيوخ في الخارج دخلوا بشكل مفاجئ إلى العراق لقيادة التظاهرات، وبعد خطاب صدمت به الجماهير المنفعلة الثائرة، والذي كان يقترب كثيراً إلى درجة السذاجة في أحسن الأحوال، وقد يُفسر من قبل البعض تفسيراً قاسياً في المجال السياسي في أسوء الأحوال، ولما وجد أن أمواج الغضب الهادرة أكبر من أحلامه وأخطر مما خطط له، لملم الرجل نفسه ومقترحاته وقفل راجعاً من حيث أتى، ولكنه مثل الآخرين لم يترك الساحة بل بقي يرمي بالتصريحات من خارج الحدود. وآخرين ممن يقودون هذه الجهة أو تلك اكتفوا بخطابات تأييد عن بعد، وتضمنت الخطاب توجيهات لم تأت بجديد لأنها من مطالب الثوار أصلاً، فلم يعدو كونه خطاباً عابراً لم يجد آذاناً صاغيةً، ولا تطبيقاً على أرض الواقع. الجماهير تغلي، وتغلي معها آمال المنتفعين والانتهازيين من الحكوميين والسياسيين والمتدينين من الذين كانوا يمنونهم بالآمال والوعود الوهمية المبطنة بالمصالح الشخصية، التي لم تعد تنطلي على أحد من هؤلاء الثوار الأحرار، وهذا هو السر في عدم جرأة أحدهم في الإعلان عن اسمه أو اسم حزبه أو كتلته داخل الكتل البشرية من الجموع الثائرة، وأصبح ذلك السياسي الذي رمي بالحجارة والأحذية عبرة ودرساً لغيره، فتملكهم جميعاً الخوف من الظهور أو رفع صورة أو شعار يشير إلى جهته أو حزبه أو كتلته، ولا يظن ظانٌ أنَّ هؤلاء الانتهازيين قاعدون، بل هم متواجدون ويمكرون مكر الليل والنهار، يخططون وينفقون الأموال الطائلة، ولكن للأسف وكالعادة ليس من أجل الثوار والثورة، بل بعيداً عن مصالح الأمة، قريباً من المصالح الشخصية.
الحل لهذه القضية يكمن في ظهور قيادة جديدة لأهل السنة والجماعة بعيداً عن كل هذه الوجوه المحترقة سياسياً واجتماعياً ودينياً، قيادة تنبثق من بين الجموع الثائرة تتكلم بلسانها، وتحكي معاناتها، وتعبر عن واقعها، بعيداً عن المصالح الشخصية والحزبية. ولكن العقدة في هذا أن أصحاب المصالح لن يسمحوا لمثل هذه القيادة أن تولد، فهؤلاء لا تعنيهم الجماهير بشيء وليس عندهم أي اعتبار لمستقبلها ولا أمنياتها ولا حتى طلباتها، ما يهمهم هو الحفاظ على تلك المصالح الشخصية والمكاسب التاريخية التي تحققت، أو التي ستتحقق لاحقاً. ودليل ذلك استجابة الكثير منهم لممثل المالكي واستقباله بالحفاوة ولقاءهم به والإستماع له، ولكن ضغط الجماهير جعلهم يتراجعون القهقرى، ثم قبولهم بالوفود التي أرسلها رئيس التيار الصدري لمناطق أهل السنة، وهم يعلمون قبل غيرهم من هو التيار الصدري الذي أوغل في قتل أهل السنة والجماعة واستباح أموالهم وأعراضهم ومساجدهم، فكيف يقبلون أن تدنس أقدام هؤلاء القتلى أرض أهل السنة؟ لكنها المصالح والمنافع فوق كل شيء، علماً أن المالكي والصدر وغيرهم يقرأون المشهد جيداً جداً، من واقع هؤلاء القادة وإمكانية التفاوض معهم وشراءهم مثل كل مرة، لذلك فهو يتفاوض معهم بعيداً عن الجماهير ومطالبها، بل من يسعى ويجاهد لفض القضية هم من أهل السنة قبل المالكي وغيره.
أمام هذه الحقائق فإن الثورة في خطر داخلي قبل الخطر الخارجي، وكما قلنا ليس هناك حلاً إلا بانبثاق وجوه جديدة من هذه المعمعة لا تنتمي لأحد من هؤلاء الانتهازيين، قيادة جديدة تحمل همَّ ومعاناة الثوار، وإنه أمرٌ لعمر الله ليس بالهين، فإن السياسيين القدامى في المشهد العراق -من الداخل والخارج والمؤيد والمعارض للمالكي- الذين بدأو قططاً بريئة أصبحوا اليوم كبنات آوى متمرسون في البستان، يعرفون كل صغيرة وكبيرة، ويروغون عنها بمكر وخديعة. مشكلة أهل السنة الحقيقية في قياداتهم الحالية، ولا أستثني أحداً، فهم السبب في تأخر النصر بسبب طموحات ضيقة وغنائم مرجوة وأسباب شخصية، ففي الساحة (الأحزب والهيئات الإسلامية، والعشائر، والبعثيون، والسياسيون في الحكومة والبرلمان، وبعض الفصائل المقاومة سابقاً) وكلهم يعملون بهدفين، الأول: قطف ثمار الثورة وتسجيلها باسمهم، والثاني منع الآخر من أن يقطف ثمارها وتسجيلها باسمه، وهم ليسوا بقادرين على الإتفاق مطلقاً بسبب تقاطع المصالح، وهنا فإننا نحتاج لثورة عليهم، ثورة لا تبقي ولا تذر، وغير ذلك فإن الأمل متعلق برحمة الله .
عبد الرحمن السخي