البابا فرنسيس والمؤسسات الإسلامية!

زينب عبد العزيز

ما إن تم الإعلان عن انتخاب البابا الجديد مساء 13 مارس2013، حتى بادرت بعض المؤسسات الإسلامية إلى الإعلان أن تجميد العلاقات ببابا الفاتيكان السابق لموقفه من الإسلام قد انتهت، وببدء صفحة جديدة مع البابا الجديد..ما معنى هذه الهرْوَلة أيها المسلمون والمسألة ليست خصومة شخصية بينكم وبين (بنديكت 16)!!

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


ما إن تم الإعلان عن انتخاب البابا الجديد مساء 13 مارس2013، حتى بادرت كل المؤسسات الإسلامية في فرنسا ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR)، أهم المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي (OCI)، التي تضم 57 دولة إسلامية والأزهر، وهو فرضا أعلى سلطة إسلامية في العالم، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي أعلن أيضا أن (تجميد العلاقات ببابا الفاتيكان السابق لموقفه من الإسلام قد انتهت)، ويبدأ صفحة جديدة مع البابا الجديد، كل هذه الهيئات والمؤسسات الإسلامية قد هرْوَلت لتعلن ليس مجرد تهنئة الكاردينال يورج ماريا برجوليو بانتخابه رئيسا للكرسي الرسولي تحت اسم (فرنسيس)، وإنما ليعربوا جميعهم عن تشوقهم وأمنياتهم لمواصلة أو استعادة مواصلة الحوار مع الفاتيكان، لتدعيم الحوار بين الإسلام والمسيحية، وذلك قبل حتى أن يعرفوا من هو هذا الشخص، الذي تم انتخابه يقينا من قِبَل قوى تعلو نفوذ الكرادلة الـ 115 الذين كانوا مجتمعين لانتخاب خليفة (بنديكت 16)، أو حتى قبل معرفة ماضيه وتوجهاته، أو حتى أساسا موقفه من الإسلام والمسلمين.

ما معنى هذه الهرْوَلة أيها المسلمون والمسألة ليست خصومة شخصية بينكم وبين (بنديكت 16) وإنما قرار مجمع الفاتيكان الثانى (1962-1965) الذي برأ اليهود من دم المسيح ليعترف (بدولة إسرائيل) وقرر اقتلاع الإسلام وتنصير العالم! وهو ما يدور بكل جبروت في جميع البلدان الإسلامية بلا استثناء، وهى حقائق لا يجرؤ مسلم أيا كان على إنكارها، فما معنى اللهفة الممجوجة على استئناف الحوار؟ وأول ما فعله البابا الجديد ما إن تم انتخابه حتى أعلن في قاعة كليمانتين محدثا الكرادلة المحيطين به قائلا: "لا بد لكم الآن من البحث عن أساليب جديدة للتبشير لتوصيل الأناجيل حتى أقصى أطراف الأرض" (موقع زنيت الفاتيكانى في 15/3/2013).

وفور ظهوره في الشرفة لتحية الحضور في كلمات معدودة وردت فيها عبارات: الصلاة، والأخوة، والتبشير، وفي صباح اليوم التالي لانتخابه وجه البابا فرنسيس رسالة تحية لرئيس الجالية اليهودية في باريس، الأستاذ ريكاردو دي سنيي، حاخام روما الأكبر، تبدأ بهذه العبارات: "في يوم إنتخابي أسقفا لروما وزعيما عالميا للكنيسة الكاثوليكية أرسل لك بتحيتي القلبية، معلنا أن بداية بابويتي الرسمية سيحتفل بها يوم الثلاثاء 19 مارس"، ثم أعرب عن أمله -أمل البابا- في أن يساهم: "في تقدم العلاقات بين اليهود والكاثوليك، ذلك التقارب المعروف منذ مجمع الفاتيكان الثاني، في روح من التعاون المتجدد وفي خدمة عالم يمكنه أن يكون دائما في تجاوب مع إرادة الخالق"؛ لأنهم دائما يرددون أن إنشاء (دولة إسرائيل) هي تنفيذا لإرادة الرب ووعده!

ورد عليه الحاخام دي سنيي على الفور قائلا: "أشكرك على الرسالة الشخصية التي أرسلتها لي بمناسبة انتخابك، وأجدد لك أفضل تمنيات القوة والحكمة في المهمة الرهيبة التي أسندت إليك كما أوضحته أنا للإعلام، ولقد كانت روما في الحقبات الأخيرة مكانا مميزا تمت فيه تقدمات تاريخية تهدف إلى تحسين العلاقات بين المسيحيين واليهود، وتعيينك أسقفا لروما يعطينا الأمل أن طريق الصداقة والتعاون المثمر سيتواصل، وفي انتظار أن أحييك شخصيا" إلخ. وما يجب أن يؤخذ في الاعتبار من هذا الرد هي عبارة (المهمة الرهيبة)؛ فالكلمة المستخدمة بالفرنسية هى: (redoubtable)، وما يقابلها من القاموس هو: (رهيب، مريع، مخيف، مرعب) فلا أقل من أن يتسائل المسئولون -المسلمون- الأفاضل عن حقيقة وأبعاد هذه المهمة قبل التورط في الحوار!

وعلى الفور وفي نفس يوم الخميس 14 مارس 2013، أرسل شيمون بيريس، رئيس الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين، خطابا يهنئ فيه البابا الجديد فرانسيس ويدعوه لزيارة إسرائيل قائلا: "نحن في أمس الحاجة أكثر من أى وقت مضى، إلى توجيه ديني وليس سياسي فحسب، وسوف يكون ضيفا مرحبا به في الأرض المقدسة، كرجل ذو إلهام قادر على تدعيم المحاولات التي ستأتي بالسلام في منطقة عاصفة، فلم تكن العلاقة بين الفاتيكان والشعب اليهودي أبدا أفضل مما هي عليه منذ ألفي عام، وأتمنى أن تزداد موضوعية وعمقًا"، ونطالع في الموقع الإلكتروني لأخبار إسرائيل (صفحة رقم 1205 بتاريخ 15.3.2013) أن رابطة ضد التشهير (ADL)  والمؤتمر اليهودي العالمي قد قاموا بتهنئة الكاردينال يورج ماريا برجوليو وانتخابه البابا فرنسيس متمنين تقوية العلاقات بين الفاتيكان وإسرائيل.

وأكد أبراهام فوكسمان، المدير الإقليمي للرابطة، أن البابا الجديد كان قد لعب دورا حيويا في تدعيم والحفاظ على العلاقات اليهودية الكاثوليكية، ثم ذكر له بعض المواقف منها: احتفاله بالأعياد اليهودية في الأرجنتين، تعبيرا عن ارتباطه بالعلاقات االدينية، وأنه أوقد شمعة وحضر الصلاة في المعبد اليهودي في بوينس أيرس في عيد رأس السنة؛ وساهم في ذكرى ليلة الكريستال، وهي موجة العنف النازي ضد اليهود قبل الحرب العالمية الثانية، وتمتد القائمة طوال صفحة تشيد بمواقف الكاردينال برجوليو تدعيما للروابط بين الكاثوليك واليهود لتنتهي بعبارة كلاوديو إبلمان، المدير التنفيذي للمؤتمر اليهودي: "نحن نعلم تماما قيمه وقواه، وليس لدينا أدنى شك في أنه سيقوم بعمل رائع على رأس الكنيسة الكاثوليكية". ترى هل نترحّم على أرض فلسطين أم أواصل الكتابة؟!

ولقد ترك (بنديكت 16) كنيسة مثقلة بالكثير من الملفات الفاضحة، والتي يصعب التصرف فيها أو رأبها لتشابكها مع العديد من الهيئات والعصابات الإجرامية المتوغلة في العديد من المجتمعات الدولية، وليس في المجتمع الإيطالي وحده أو في دويلة الفاتيكان، المتورط حتى أعلى المستويات به، ونذكر منها على سبيل المثال: فضيحة بنك أمبروزيانو وما واكبها من اغتيالات وغسيل الأموال، والاتجار بالبشر وبالأعضاء وبالأطفال، والتعامل مع المافيا، والاتجار بالمخدرات، وبالسلاح، وتمويل بعض الثورات والانقلابات السياسية، وأشهرها تورط البابا يوحنا بولس الثاني في اقتلاع اليسار باختلاق حزب تضامن في بولندا، إضافة إلى ملف الشذوذ الجنسي على الصعيد العالمي في مختلف تدرجات هذا الكيان الكنسي.. وكلها مجالات أبعد ما تكون عن الدين والتدين، وتكفي الإشارة هنا إلى الملف الذي قدمته اللجنة التي كونها (بنديكت 16) للتحقيق فيها وأتاه التقرير في مجلدين من 300 صفحة، احتفظ به سرّيا للبابا الذي يليه. وبعد تلقيه هذا التقرير، التقى (بنديكت 16) بقيادات من جماعة فرسان مالطة، وبعدها بيومين تقدم باستقالته.

واختيار بابا من كنيسة أمريكا اللاتينية، على عكس كافة التوقعات، له هدفه ومغزاه، فهذه القارة بها 40% من الكاثوليك في العالم، وهى البلدان التي استطاع حكامها -من أمثال فيدل كاسترو وهوجو شافيز- التصدي للسيطرة الأمريكية والنهوض اقتصاديا بالبلاد بعيدا عن نفوذ وسيطرة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي القائمان على سياسة نهب وإذلال الشعوب، إضافة إلى الجانب الديني المعروف بلاهوت التحرر المرتبط بالخط السياسي لليسار والاهتمام بالفقراء، وهو ما حاربه الفاتيكان بضراوة أيام دكتاتورية الأرجنتين بقيادة الجنرال فيديلا، التي سادت من 1976 إلى 1983، وأدت إلى ثلاثين ألف قتيل، وخمسة عشر ألف معدمون بالرصاص، وتسعة آلاف سجين، ومليون ونصف مهاجر، وذلك من تعداد ثلاثين مليون مواطن، وقد كان الأسقف برجوليو آنذاك رئيسا للكنيسة ولم يقم بحماية القساوسة المنتمون إلى لاهوت التحرر وإنما اتبع توصيات الكاردينال جوزيف راتزنجر، الذي كان يشغل آنذاك منصب رئيس محاكم التفتيش قبل أن يصبح (بنديكت 16).

ومن أهم الملفات التي أعلن الفاتيكان عنها والتي تنتظر البابا فرانسيس: (إدارة الفاتيكان بكل ما فيه؛ وإنقاذ مسيحيو الشرق الأوسط؛ والتبشير لتنصير العالم)، فإن كان من الثابت أن يوحنا بولس الثاني هو المحرك الأساس في إسقاط اليسار، فقد أوضح لبعض المقربين له قائلا أنه: "يخشى على المسيحيين من عنف إسلامي منفلت لا يمكن السيطرة عليه، خاصة بعد أن تم إفراغ الإسلام من مضمونه". ويضيف ميشيل كولومبس في مجلة (لوبوان) الفرنسية: "أن الأحداث التي تلاحقت أيام (بنديكت 16) تثبت ذلك، وأن البابا فرنسيس القادم من قارة أخرى، لأول مرة في التاريخ، سيكون عليه التصرف بحسم ودبلوماسية لكي يتوقف الاضطهاد غير المحتمل الذي يعاني منه المسيحيين في العراق وإيران ومصر وغيرها".

وهنا لا بد من لفت نظر السادة الكرام، الذين هرْوَلوا لاستعادة الحوار مع الفاتيكان، أن يتدبروا معنى هذه العبارة الكاشفة والأكثر من مريرة: "خاصة بعد أن تم إفراغ الإسلام من مضمونه"، فقد بات فعلا دم المسلم وماله مباحا سائلا منهوبا وبأيدي بعض المسلمين بكل أسف! وَلَيتَهُم يتذكرون (خطبة الوداع) لسيد المرسلين، عليه الصلاة والسلام، علهم يفيقون ويدركون في أى اتجاهٍ عليهم أن يهرْوِلون.

وعودة إلى البابا فرنسيس، واختياره لاسم القديس فرنسيس الأسيزي رمزا له، فهذا القديس يعتبرونه رمز للحوار مع الإسلام، ففي القرن الثالث عشر، أيام كان فيه الغرب في حروب ضارية مع الإسلام، كان الأسيزي هذا أول شخصية غربية تذهب للقاء السلطان الكامل سنة 1219، أيام الحملة الصليبية الخامسة لتنصيره وليس للتفاوض معه، موضحا: "اليوم يعتبر الحوار مع الإسلام أحد المحاور الأساسية في العالم وفي المسيحية"، ولمن لا يعرف فإن مذهب الفرنسيسكان، الذي أسسه فرنسيس الأسيزى سنة 1210، والذي اتخذ عبارة (الصلاة والفقر والتبشير) شعارا له، قد لعب دورا أساسيا في تفعيل محاكم التفتيش التي أتت على المسلمين في إسبانيا من ضمن ما أتت عليه.

أما تنظيم الجزويت، أو اليسوعيين الذي ينتمي إليه البابا فرنسيس، فهو التنظيم الأكبر عددا في الكنيسة الكاثوليكية، ولهم قَسَم ولاء خاص بهم: (الطاعة المطلقة للرب وللبابا (perindeac cadaver)، أى الطاعة كالجثة التي لا يمكنها القيام بأي رد فعل وشعاره (من أجل مجد أكبر للرب). وقد أسسه إغناسيوس دي لويولا سنة 1541 من أجل التبشير والتنصير، والتصدي للمد البروتستانتي وللثورة التي أحدثها كل من كوبرنيكس وجاليليو، وفي 21 يوليو 1773 قام البابا (كليمانت 14) بإلغاء جماعة يسوع في جميع أنحاء العالم بقرار يبدأ بما يلي: "أنه من المحال أن يمكن للكنيسة أن تنعم بسلام حقيقي ودائم طالما ظلت جماعة اليسوعيين قائمة"، وتم حل التنظيم من جميع أنحاء البلاد والاستيلاء على ثرواتهم وممتلكاتهم وإجبارهم على مغادرة البلاد، لكن التنظيم قد عاد للظهور ثانية وانتشر في جميع أنحاء العالم ليخرج منه البابا الجديد.

وفى الخمسينات حينما أراد جو جولان مبعوث المؤتمر اليهودي العالمي أن يحصل لليهود على أكثر مما منحته لهم وثيقة (بيان سيليزبرج) إتجه إلى اليسوعي الكردينال أغسطين بيا، الذي لعب الدور الأساس في اختراق المجمع الفاتيكاني الثاني للحصول على تبرئة اليهود من دم المسيح، وتحميل وزر مقتله على جميع المسيحيين في العالم! وللعلم أيضا: فإن مجمع الكرادلة الحالي في الفاتيكان يضم ستة أعضاء ينتمون لتنظيم اليسوعيين الذي عرف كيف يفاجئ العالم والخروج على كافة التوقعات بإعلان انتخاب الكردينال (يورج ماريا برجوليو) رئيسا جديدا لمؤسسة الفاتيكان الخاضعة للسيطرة الصهيونية والغارقة في ملفات لا تحسد عليها، لكنه قادم بلا أدنى شك لاقتلاع المزيد من التنازلات من القيادات الإسلامية، ولتنصير العالم تنفيذا لجزء من برنامج النظام العالمي الجديد.. فهل من متعظٍ؟!

19  مارس 2013
 

المصدر: موقع صيد الفوائد