هل يترك الغرب ليبراليته تسقط في مصر؟

رمضان الغنام

حتى يسهل على القارئ رؤية الواقع المصري بشكل أصدق وأدق، فالمجتمع المصري مجتمع مسلم في غالبيته، حيث يبلغ تعداد المسلمين فيه ما يقرب من 80 إلى 85 مليون نسمة، أما النصارى فعددهم لا يتعدى بأي حال من الأحوال 5 مليون نسمة، والمجتمع المسلم في غالبيته مجتمع غير مؤدلج، وأعني بالأدلجة هنا التمذهب بفكر مناوئ للفكرة الإسلامية. أما الليبراليين وغالب المنتمين للمذاهب والفلسفات الأخرى، فيتوزعون على كلا الشريحتين (المسلمين والمسحيين)، وإن كان غالبهم ينتمي للطائفة المسيحية، بل إن الكنيسة المصرية تعد من أكثر الداعمين لليبراليين وللفكرة الليبرالية في مصر، وهو أمر معلن، تردده الكنيسة من حين لآخر، كما لا تألوا جهدا في استضافة رموز التيار الليبرالي تشجيعا لمواقفهم.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


بادئ ذي بدء، وقبل الخوض في أية تفاصيل، دعونا نسلط الضوء بشكل سريع على واقع المجتمع المصري، من حيث تركيبته الفكرية والدينية والسياسية..

حتى يسهل على القارئ رؤية الواقع المصري بشكل أصدق وأدق، فالمجتمع المصري مجتمع مسلم في غالبيته، حيث يبلغ تعداد المسلمين فيه ما يقرب من 80 إلى 85 مليون نسمة، أما النصارى فعددهم لا يتعدى بأي حال من الأحوال 5 مليون نسمة، والمجتمع المسلم في غالبيته مجتمع غير مؤدلج، وأعني بالأدلجة هنا التمذهب بفكر مناوئ للفكرة الإسلامية. أما الليبراليين وغالب المنتمين للمذاهب والفلسفات الأخرى، فيتوزعون على كلا الشريحتين (المسلمين والمسحيين)، وإن كان غالبهم ينتمي للطائفة المسيحية، بل إن الكنيسة المصرية تعد من أكثر الداعمين لليبراليين وللفكرة الليبرالية في مصر، وهو أمر معلن، تردده الكنيسة من حين لآخر، كما لا تألوا جهدا في استضافة رموز التيار الليبرالي تشجيعا لمواقفهم.

والليبراليون ومن نحا نحوهم قلة لا وجود لهم إلا على شاشات الفضائيات الخاصة، وصفحات الجرائد التي يمتلكها ويمولها رجال النظام القديم وبعض الأنظمة الغربية، وتمثل النخبة الليبرالية -في الوقت الحالي- في الواقع المصري الجناح السياسي لعدة جهات، أبرزها رجال الأعمال، والنظام القديم، والكنيسة المصرية.

الليبرالية آخر محطات العلمانية: والليبرالية هي إفراز فكري جديد، يسعى إلى تحقيق الحرية الكاملة للإنسان في كافة أموره وشؤونه، وجاءت هذه الفلسفة بما تحمل من أفكار ومعتقدات، ردا على تسلط الكنيسة وطغيان الإقطاع في العصور الوسطي بأوربا، فنادى دعاتها بالحرية والكرامة بعيدا عن التسلط الكنسي والفاشية الإقطاعية، ثم تطور الأمر فيما بعد في القرنين التاسع عشر والعشرين على يد فلاسفة الغرب، لتتحول الليبرالية إلى مذهب شهواني يسعى إلى تمكين الإنسان من رغباته -أيً كانت هذه الرغبات- وتجريده من كل قيد يحيل بينه وبين إشباع تلك الرغبات.

وقد انتقلت هذه الأفكار إلى عالمنا العربي، وتحديدا إلى مصر مع نزول أول جندي فرنسي على شواطئ البحر المتوسط على الجانب المصري، وكان ذلك سنة 1789م، حيث سعى نابليون بونابرت خلال حملته العسكرية على مصر إلى تصدير هذا الفكر وإحلاله محل القيم الإسلامية، ولذلك يُروى أن نابليون جلب معه مجموعة من الفتيات الفرنسيات ممن يمتهن الرقص، ولما سُئل عنهن قال: "إنهن أقوى فرقة في أسطولي". وبانتهاء القرن العشرين أصبح الفكر الليبرالي مالئ الدنيا وشاغل الناس، بحيث أصبح هو الفكر الغالب على معظم السياسيات والأطروحات الفكرية والثقافية والاقتصادية لغالب الدول في الغرب، وقد كان للعالم العربي والإسلامي نصيب كبير من هذا الأمر، فأصبحت البلاد الإسلامية تعاني من آثار القبضة الليبرالية، وظهر ذلك في الجانب السياسي والاقتصادي من خلال الرضوخ التام لسياسيات الغرب، وفي الجانب الثقافي والديني من خلال سياسيات التغريب والتغييب للهوية الإسلامية في مناهج التعليم وأروقة الإعلام والأطروحات الثقافية.

الليبرالية المصرية صنيعة إمبريالية غربية: والليبرالية أيديولوجية لا تختلف كثيرا عن العلمانية، فكلاهما يدعو إلى فصل الدين عن الحياة، وكلاهما يدعو إلى التحرر من كل قيد ولو كان هذا القيد هو قيد الشريعة وسلطان والوحي، وكلاهما يهمل الجانب الروحي في حياة الإنسان، وكلاهما يسعى إلى إشباع الرغبات دون سقف أو حد، غير أن الفارق الجوهري بين الفلسفتين يتمثل في طريقة التعاطي مع مستجدات العصر وطبائع الأفراد وقناعاتهم، ففي الوقت الذي تمسكت فيه العلمانية بثوابتها وتحجرت أمام تنوع البيئات والأفراد، عملت الليبرالية على التشكل وفق الظرف والحال، ولذلك تعددت وجوه الليبرالية، وصار لكل إقليم ليبراليته الخاصة، ولكل منظر من منظريها منظوره الخاص لها. وبناء على هذه المقدمة التنظيرية فما من شك أن الليبرالية المصرية ليبرالية غربية بامتياز، بل لعلها أكثر الليبراليات العربية تواصلا وتلاحما مع الغرب، ويظهر ذلك بشكل أكثر جلاء بتتبع تحركات دعاتها إبان حكم النظام السابق وبعده، وتحليل العلاقة بينهم وبين دول الغرب ومؤسساتها، وطبيعة الأطروحات التي تحاول استيرادها وتفريغها في مجتمعاتنا.

فعلى مستوى الأفكار والمعتقدات: فليس ثمة اختلاف بين الفكر الذي يعتنقه الليبراليون المصريون وبين ما استقرت عليه الليبرالية الغربية خاصة الليبرالية الأمريكية في عصرها الحديث، وعلى مستوى الخطاب: فالخطاب الليبرالي العربي هو نفس الخطاب الذي يخاطب به المواطن الغربي، حتى لكأنك تشعر وأنت تسمع لأحد هؤلاء الببغاوات -المسمون بالليبراليين المصريين- أنك في ولاية أمريكية أو في دولة من دول الاتحاد الأوروبي. ومن عوار خطابهم وفجاجة ما يحملون من أفكار، تعمدهم التصادم مع قناعات الناس وأخلاقياتهم ومعتقداتهم، فتجد أحدهم وهو يتحدث عن زواج المثليين بتحمس بالغ، بل ويطالب به، وتسمع لآخر وهو يتحدث عن وجوب تقنين الجنس وإباحته، وثالث لا يمانع في أن تمارس أخته الجنس! ورابع لا يرفض زواج ابنته من نصراني، وخامس يحرم الزوجة الثانية ويبيح للرجل أن يرافق امرأة في الحرام على زوجته، إلى غير ذلك من النماذج القبيحة التي باتت تتصدر الإعلام وتمسك بتلابيب الصحافة في مصر.

الزج بالليبرالية ورموزها في مشهد الثورة وما بعده: بعد نجاح الثورة المصرية أصبحت الحاجة أشد إلى تقوية الجناح الليبرالي، ليتولى زمام الأمور لتظل مصر في قبضة التغريب، ولتتقلب من مستبد إلى مستبد آخر أكثر استبدادا، وقد أعد الغرب لهذا الوقت عدته، فأخذ في إخراج أوراقة الواحدة تلو الأخرى، فرأينا ظهورا مفاجئا للدكتور محمد البرادعي بعد رحيله عن مصر قبيل الثورة، وعزمه على ترك العمل السياسي، فعاد البرادعي ليتصدر المشهد السياسي والثوري آنذاك، وقد ساعده على ذلك التضليل الإعلامي، سعيا من الجناح الليبرالي والقوى الغربية إلى تلميع شخص الدكتور البرادعي، مبشر الليبرالية الجديد. وما حدث مع البرادعي حدث مع الدكتور عمرو حمزاوي، حيث تم استدعائه إلى مصر بشكل مفاجئ -هو الآخر- بعدما استقر به الحال في واشنطن، فقد كان حمزاوي شديد الحرص على البقاء خارج مصر -رغم علاقته الطيبة بجمال مبارك قبل الثورة- وهو ما دعاه إلى تجديد إجازته من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية التي يعمل بها في مصر أكثر من مرة، ثم قرر الرجوع بشكل مفاجئ والاستقرار بمصر بعد أحداث الثورة.

كذلك لم تتوقف زيارات رموز الليبرالية وشباب التيار الليبرالي للدول الغربية خاصة أمريكا -قبل وبعد الثورة- والأمر نفسه حدث من الجانب الغربي، حيث حرصت بعض سفارات الدول الغربية على التواصل بشكل مباشر مع دعاة هذا التيار.

الليبراليون المصريون يستقْوون بالغرب ويطلبون دعمه: في الوقت الذي كانت تتزايد فيه الإشاعات على التيار الإسلامي -خاصة جماعة الإخوان المسلمين- متهمة إياه بالتعاون مع الغرب، من أجل الاستحواذ على السلطة، رأينا عددا من الرموز الليبرالية يطالب الغرب صراحة بالتدخل في الشأن المصري لمنع الإسلاميين من الوصول إلى الحكم، وقد جاء ذلك على لسان أكثر من رمز من رموزهم، فعلى خلفية أزمة الإعلان الدستوري الذي أصدره الدكتور محمد مرسي في نوفمبر الماضي، خرج علينا الدكتور محمد البرادعي مستجيرا بأمريكا التي (تهتم بكرامة الإنسان)، بحسب زعمه؛ لإجبار مرسي على التراجع عن قراراته، فقال البرادعي في مقابلة أجرتها معه وكالتا رويترز وأسوشيتدبرس: "إنني أنتظر لأرى بيانات إدانة قوية للغاية من الولايات المتحدة، ومن أوروبا، ومن أي شخص يهتم حقًّا بكرامة الإنسان، وأتمنى أن يكون ذلك سريعًا".

ومن قبله كتب الدكتور عمرو حمزاوي مقالا حول عمل الجمعية التأسيسية للدستور تحت عنوان: "دستور مصر ليس قضية داخلية فقط"، في إشارة منه إلى الغرب بوجوب التدخل في عمل التأسيسية وصياغة الدستور المصري، وطالب حمزاوي في هذا المقال الأحزاب والقوى المدنية (العلمانية والليبرالية): "بالتواصل مع الدوائر الدولية لإجلاء موقفها من الدستور وتفسير تحفظاتها على بعض مواده ونصوصه"، بهدف الضغط على قوى الإسلام السياسي الحاكمة في مصر للكف عن تلاعبها -بحسب زعمه- بالحقوق والحريات وبهوية الدولة (1).

كما طالب رجل الأعمال النصراني نجيب ساويرس الغرب بدعم الأحزاب الليبرالية في مصر، ففي لقاء متلفز على قناة أجنبية، قال ساويرس ردا على سؤال حول المطلوب من الدول الغربية تجاه مصر، قال ساويرس: "عليهم أن يدعموا الأحزاب الليبرالية، لم يفعلوا شيئا لها إلى الآن"، كما رأينا في مظاهرات الكنيسة -التي تتبنى الليبرالية وتدعمها- شعارات تطالب بالتدخل الغربي لحمايتهم من تغول الإخوان المسلمين والسلفيين -بحسب زعمهم-، وليس بخاف على أحد الدور المشبوه الذي يقوم به أقباط المهجر لاستعداء الغرب على الدولة المصرية.

أذرع الجناح الليبرالي في مصر: بعد خوضه لأكثر من حرب في دول المنطقة، أدرك الرجل الغربي أن الحرب الثقافية في البلدان العربية والإسلامية التي تعتمد على تزييف الفكر وتغييب الهويات أجدى وأنجع من حروب السلاح، لذلك سعى الغرب إلى إيجاد بدائل له تنفذ مخططاته وتدير المعركة بالوكالة عنه، ومن هذه البدائل الأحزاب السياسية، والإعلام، ومنظمات المجتمع المدني والكنيسة المصرية، ويمكن استعراض خطر هؤلاء بشكل مختصر على النحو التالي:

الأحزاب الليبرالية: رغم الاختلاف بين الأحزاب التي تمثل ما يسمى بالتيار المدني في مصر، إلا أن الجميع قد اتفق على هدف واحد، وهو الحيلولة دون وصول أحزاب التيار الإسلامي إلى الحكم، ومحاربتهم في حال وصولهم، وهذا هو المشهد الحاصل في مصر الآن، ولاشك أن للغرب دورا كبيرا في تأجيج هذا الصراع، وفي دعم المعارضة المصرية التي تمثلها هذه الأحزاب، وهو ما ثبت من خلال العديد من التقارير والشهادات الموثوقة.

أجهزة الإعلام: تعد أجهزة الإعلام على اختلافها (المرئي والمقروء والمسموع)، من أكثر المنابر دعما للفكرة الليبرالية، فمنذ أحداث الثورة المصرية، والإعلام الخاص (الليبرالي) ينفث في المجتمع المصري سمومه، كذبا وتزييفا وخداعا، إلى جانب العمل على تشويه صورة الإسلاميين، والعبث بكثير من الثوابت والأحكام الشرعية الثابتة، في مشهد يتحول فيه الإعلام من دوره كناقل للمعلومة إلى وسيط سياسي يخدِّم على أحزاب المعارضة المصرية.

منظمات المجتمع المدني: وهي في غالبيتها منظمات ليبروعلمانية "وهذه المنظمات تمتلك القدرة على التدخل في الشؤون الداخلية للدول تحت بند النوايا الحسنة، وذلك لمحاربة الجوع والصراعات الداخلية وانتهاك حقوق الإنسان وغير ذلك من الأنشطة، وتلك المنظمات التي يسمح لها بالتدخل باسم الإجماع الدولي، واقعة تحت سيطرة دول غربية محدودة ذات مصالح معروفة" (2).

الكنيسة والنصارى: لكأن لسان حال الكنيسة المصرية الآن يقول: "لأن أتحالف مع الشيطان وأتصالح معه خير لي وأبقى من أن أتصالح مع الإسلاميين"، وذلك لقلق الكنيسة من المشروع الإسلامي في مصر والمنطقة العربية بصفة عامة، وخوفها على كيانها الذي يتناقص يوما بعد يوم، بسبب زيادة حالات الأسلمة وترك النصرانية، لذلك نرى دعما كبيرا من الكنيسة لليبرالية بل وللعلمانية التي تدعو صراحة إلى فصل الدين عن الحياة، ومن ثم فالغرب لا يكف عن دعمه للأقليات -من غير المسلمين- بصفة عامة وللكنيسة المصرية على وجه الخصوص.

وسائل الغرب في دعم الليبرالية في مصر: لن تقف الدول الغربية سيما الدولة الأمريكية مكتوفة الأيدي أمام انحصار المد الليبرالي، وتراجعه سياسيا وفكريا واجتماعيا، لذلك لم تدخر هذه الدول وسعا في دعم الليبرالية ودعاتها، ولقد تعددت أشكال هذا الدعم وتنوعت على النحو التالي:

الدعم اللوجستي: ونعني به الدعم المعلوماتي والمخابراتي الذي تكفله أجهزة المخابرات الأمريكية والصهيونية للأحزاب والشخصيات الليبرالية في مصر، وتشترك في هذا الدعم دول أخرى لها مصالح في تعطيل مشروع الدولة المصرية، كدولة إيران، ومن ذلك أيضا ما تفعله إسرائيل من خطط لإرباك القيادة المصرية بسيناء وإشغاله عن الداخل المصري دعما لليبراليين.

الدعم المعنوي: يأخذ هذا النوع من الدعم أشكالا متعددة منها المساندة الإعلامية للتيار الليبرالي في مصر، ومنها الدعوات المتواصلة من الجانب الغربي لشباب هذا التيار ورموزه السياسية، ومنها مناصرة قضيته والأفكار التي ينادي بها، في مقابل التسفيه من أصحاب الفكرة الإسلامية.

الدعم المالي: دأب الغرب على تقديم المساعدات المالية لعدد من الأحزاب المصرية ومنظمات المجتمع المدني قبل الثورة، وزاد هذا الدعم بشكل ملحوظ بعد الثورة؛ بهدف التصدي للتيارات الإسلامية، كما لا يخفى على أحد التمويل القادم من بعض الدول العربية والدولة الإيرانية لنفس الغاية.

وقد كشفت السفيرة الأمريكية (آن باترسون) عن جزء يسير من هذا الدعم بوضوح تام أمام مجلس الشيوخ الأمريكي في جلسة عقدت في يونيو 2011م، حيث أشارت إلى أن واشنطن أنفقت 40 مليون دولار لدعم الديمقراطية في مصر منذ ثورة 25 يناير، وبينت أن 600 منظمة مصرية تقدمت بطلبات للحصول على المنح المقدمة لمنظمات المجتمع المدني، وأن ذلك التمويل يأتي في إطار حفاظ الولايات المتحدة على مصالحها في المنطقة ودعم الديمقراطية (3)، وفقا للمنظور الأمريكي.

الدعم السياسي: وللدعم السياسي أشكال متعددة منها الدعم السياسي المباشر من خلال القنوات السياسية المعروفة، ومنها ما يكون بطريق غير مباشر عن طريق "الضغط على من يتولي إدارة المراحل الانتقالية في البلاد التي سقطت فيها الأنظمة، لكي تجعل للتيارات العلمانية مكانا في الحياة السياسية، ودعم وصولها للحكم وذلك لأن القوى الغربية تملك كثيرا، مما يمكنها من الضغط، حيث المصالح الإستراتيجية بينها وبين تلك الدول، والتي لا يمكن للأخيرة الاستغناء عنها" (4).

تعويق الاقتصاد: يعد جانب الاقتصاد من أقوى الجوانب التي يمكن استغلالها للنهوض بدولة ما والخروج بها من آتون صراعها السياسي، ولن يحدث هذا إلا بوجود اقتصاد قوي يوفر للمواطن الفقير حياة كريمة، وفي مصر اختار الغرب الخيار الآخر، فسعت عدة دول غربية إلى تعويق الاقتصاد المصري، ومنع كل ما يمكن منعه عنه من آليات الحراك الاقتصادي لإفشال الإسلاميين وإسقاط مشروعهم.

التشويه الإعلامي: يمتلك الغرب ترسانة من الوسائل الإعلامية الموجهة لخدمة أغراضه، وجيشا عرمرما من الإعلاميين المحترفين في تزييف الحقائق في الداخل والخارج، فغالب الصحف ووكالات الأنباء والقنوات المحلية والعالمية يمتلكها غربيون مناوئون للوجود الإسلامي، ولذلك فالإعلام الغربي لم يتوقف منذ سطوع نجم التيار الإسلامي عن الإساءات ونشر الأكاذيب والإشاعات، وفي مقابل ذلك حرص هذا الإعلام على تلميع رموز التيار العلماني والليبرالي، واستضافتهم بشكل مكثف عبر منابره الإعلامية.

خاتمة: إن دعم الغرب لليبرالية ولليبراليين في مصر ليس مجرد دعم لفكرة أو فلسفة يتبناها الغرب، وإنما في الأمر دعم للوجود الغربي ذاته، ولكيانه الممتد في عصب الدولة المصرية منذ أن رست بواخر بونابرت على شواطئ الإسكندرية، لذلك فمن الخطأ محورة هذا الصراع حول الليبرالية كأيديولوجية، بل يجب علينا فهم هذا الصراع بشكل شمولي على أنه صراع بين الغرب بكل ما فيه من ديانات وفلسفات وحضارات وبين الإسلام عقيدة وشريعة وحضارة، وليس الأمر خاصا بمصر فقط.

ــــــــــــــــ
الهوامش:
(1) مقال (دستور مصر ليس قضية داخلية فقط)، عمرو حمزاوي، جريدة الوطن.
(2) المصطلحات الوافدة وأثرها على الهوية الإسلامية، للأستاذ الهيثم زعفان، (ص: 109).
(3) تقرير: التفاصيل الكاملة لهروب المتهمين الأمريكيين في قضية التمويل الأجنبي، لعمرو والي، موقع مصراوي.
(4) مقال: مستقبل التيارات العلمانية في ما بعد الثورات العربية... مصر أنموذجا، للدكتور طارق عثمان، مركز التأصيل للدراسات والبحوث.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام