إدارة التغيير في تونس.. أو صراع الإرادات
وقد شهدت الجامعة التونسية صورًا من تلك المحاولات التي تعرض لها طلبة إسلاميون، كما قتل شخص متدين، تبين أنه من جماعة التبليغ، إذ أن الحقد الأعمى والتشنج أفقد اليسار صوابه، فراح يسب بألفاظ لا يمكن أن تصدر من أشخاص نالوا ولو قسطًا بسيطًا من التربية، وهي تجسيد لدونية أولئك الأشخاص والتي تضعهم في درجة أسفل من البهائم، فهي ألفاظ مجارية تنبئ عن شخصية من تصدرعنه، ونسى كل أولئك أن الثورة تتخلق بأخلاق الله أي أنها تمهل ولا تهمل، وسينال كل من كشف نفسه حسابه وافيًا بعون الله.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
تدور في تونس كغيرها من بلدان الربيع العربي، وبدرجة أقل بكثير في الدول العربية الأخرى حالة من التدافع السياسي والثقافي، وسط رمال متحركة تمثلها الأغلبية (غير المتحزبة) من الشعب، والتي تتنازعها هي الأخرى عوامل اجتماعية واقتصادية غاية في التعقيد، وتؤثر بالتالي في قراراتها وميولاتها وطبيعة تفكيرها.
صيرورة الثورة:
من الصعب أن تعود تونس إلى الوضع الذي كانت عليه قبل 14 يناير، ولا توجد جهة واحدة بمقدورها أن تديرالتغيير بمفردها في الوقت الراهن، سواء كانت هذه الجهة الجيش الذي لم يسبق أن مارس السياسة، ويرفض أن يكون طرفًا في الصراعات السياسية، ولكنه مستعد لحماية الأمن الداخلي وحدود البلاد كما أثبت أثناء الثورة وبعدها، في حين فقدت الأجهزة الأمنية هيبتها، وتتعرض لاستفزازات منذ نجاح الثورة وحتى اليوم، ولا يمكن لها أن تلعب أي دور في حاضر ومستقبل تونس إلا من خلال السلطة السياسية الحاكمة.
أي أن نجاحها يكمن في التناغم مع الأغلبية الحاكمة، وفي إطار القانون، وهدفها اليوم هو حمايتها من الاعتداءات التي تصل إلى حد العدوان، كما حصل في منطقة بو حجلة حيث قتل أحد عناصر الأمن بطريقة بشعة عن طريق شخص أمر (القضاء) باخلاء سبيله بعد أن تم تقديمه للمحاكمة، وهذا يفتح الباب أمام العديد من الإصلاحات التي يطالب بها المجتمع ولا سيما الذين اكتووا على مدى يزيد من نصف قرن من الأحكام الجائرة وغير العادلة التي تعرضوا لها بسبب عدم استقلالية القضاء، وتسرب الفساد إلى الكثير من هياكله.
ويعد إصلاح القضاء، وبناء مؤسسات متخصصة، تراعي السمت العام للبلاد وتاريخها التشريعي وثقافتها التي شكلت ملامحها التي تعرف بها اليوم وفي مقدمة ذلك هويتها الدينية، من أكبر التحديات التي تواجه النخبة في تونس.
الخارطة السياسية:
عرفت الساحة التونسية ثلاث قوى سياسية رئيسية سرعان ما برزت بشكل أوضح بعد الثورة، وهي النهضة ذات المرجعية الاسلامية (وبقية التيارات الاسلامية، سلفية، حزب التحرير....) وفلول التجمع الذي كان حاكما وتفتت ?عد حل حزب التجمع، والتيارات اليسارية التي لم تتمكن حتى الآن من الانضواء تحت حزب واحد رغم كل المحاولات الفاشلة.
ويمكن اعتبار حزب التكتل الذي يقوده (مصطفى بن جعفر) وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يتزعمه محمد منصف المرزوقي، وهما الحزبان المشكلان للحكومة بزعامة حزب حركة النهضة، حالة خاصة. لا سيما بعد أن شهد الحزبان حالات انشقاق على مستوى التمثيل داخل المجلس التأسيسي، وعلى المستوى القاعدي أيضا وهو ما سيؤثر على أداء الحزبين في الانتخابات العامة التي ستجري في شهر مارس من العام القادم 2013 م.
الأحزاب التي تولدت عن حل حزب التجمع الذي كان حاكمًا حتى 14 يناير 2011 م، والتي يزيد عددها عن 50 حزبًا لم توفق رغم الجهود التي بذلها رئيس الوزراء الأسبق المخضرم (الباجي قايد السبسي) في تجميعها بحكم عمله خلال النظامين الديكتاتوريين البائدين في مراكز حساسة في الدولة كالداخلية والخارجية، ورؤساء الأحزاب التجمعية -إن صح التعبير- الذين دخلوا في حلف مع (الباجي قايد السبسي) يمني كل نفسه بأنه الوريث للباجي الذي تجاوز عقده الثمانين، بينما يحاول السبسي البحث عن غطاء سياسي يحمي به نفسه من المحاكمة حيث يتهم بالقتل واستغلال النفوذ في عهد المخلوع الأول (الحبيب بورقيبة).
وبالتالي فإن هذا (التجمع) للحزب المنحل ليس سوى محاولات يائسة لاسترجاع ما فات، بل ما مات فعلا، إذ أن (بو رقيبة، وبن علي) ليسا سوى حقبتين مظلمتين في تاريخ تونس، التي شهدت نوعًا من الميز الجهوي لم يسبق له مثيل، ولا يقبل البتة أن يعاد في ذلك التفكير مرة أخرى، لا سيما من قبل الأغلبية العظمى من الشعب التونسي.
الأحزاب اليسارية ليست أفضل حالا من الأحزاب التجمعية، مثلها مثل (الاتحاد العام التونسي للشغل) لديه نحو 500 ألف عضو والذي يتربع اليسارعلى أعلى هرمه حتى الآن، هذه الأحزاب إلى جانب الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة (مية الجريبي) لم تنجح في الانتخابات الماضية التي جرت في 23 أكتوبر 2011 م، ويشار إليها بأنها أحزاب صفر فاصل، لم تتمكن من توحيد صفوفها تحت حزب واحد، بسبب الخلافات الآيديولوجية، وبسبب الزعاماتية، فكل يعتقد أنه الأجدر بقيادة الشيوعيين في تونس، لكنهم ينسقون مع بعض، ومع الأحزاب التجمعية لإفشال الحكومة التي يمثل حزب حركة النهضة -عمودها الفقري-.
قوى الردة:
وقد شهدت البلاد منذ تولي الحكومة الحالية عدة اضطرابات وقلاقل منذ توليها السلطة قبل أكثر من ثلاثة أشهر. تمثلت في مظاهرات في الشوارع، مستغلة حالة البطالة التي تعيشها البلاد، وبعض ملفات (العمل، ضحايا وجرحى الثورة، الثلوج والفياضانات، وغيرها..) وكان يوم 7 و9 إبريل من أصعب الأيام التي عاشتها العاصمة تونس، على إثر صدامات بين متظاهرين ينادون بإسقاط الحكومة بطرق غير مشروعة والشرطة، وتبين أن هناك نية لإدخال البلاد في ما يشبه الحرب، وصدرت دعوات من وجوه شيوعية تدعو لتصفية الإسلاميين جسديًا وهناك تسجيلات (صوت وصورة) تثبت دعوة يساريين لقتل الإسلاميين، أي: إن لم تنتصروا عليهم في الانتخابات مارسوا ضدهم العنف الثوري وهو القتل.
وقد شهدت الجامعة التونسية صورًا من تلك المحاولات التي تعرض لها طلبة إسلاميون، كما قتل شخص متدين، تبين أنه من جماعة التبليغ، إذ أن الحقد الأعمى والتشنج أفقد اليسار صوابه، فراح يسب بألفاظ لا يمكن أن تصدر من أشخاص نالوا ولو قسطًا بسيطًا من التربية، وهي تجسيد لدونية أولئك الأشخاص والتي تضعهم في درجة أسفل من البهائم، فهي ألفاظ مجارية تنبئ عن شخصية من تصدرعنه، ونسى كل أولئك أن الثورة تتخلق بأخلاق الله أي أنها تمهل ولا تهمل، وسينال كل من كشف نفسه حسابه وافيًا بعون الله.
لقد تحالف التجمعيون واليسار في النيل من الإسلام والإسلاميين، حتى إن افتتاحية نشرة الأخبار في التلفزة لا تبدأ باسم الله، ولا تحية السلام عليكم على الرغم من الشعب المسلم. ويتم استغلال مؤسسة عمومية كالتفلزة لخدمة أغراض خاصة، وأجندة حزبية، وتغيب فيها نشاطات الحكومة، ونشاطات المؤسسات الإسلامية، حتى وإن جرت في العاصمة بينما تغطي أحداث الاضطرابات، بل اجتماعات لأناس لا يريدون خيرًا بالبلاد يأتون من خارج الحدود لإحياء ما باد وانتهى، ويعتقد هؤلاء أنهم بممارساتهم يمكنهم أن يغيروا وجه التاريخ، ويؤثروا على الناس ليختاروهم في الانتخابات القادمة.
لقد تأكد بأن الشيوعيين في تونس، كانوا من أعوان ومساعدي (المخلوع بن علي)، سواء كانوا على رؤوس أحزاب سياسية كانت تعمل في ظل الديكتاتورية، أو جمعيات تعمل على تغريب المرأة المسلمة، أو مؤسسات عمالية كان لها في الماضي تاريخ مشرف في مقاومة الاحتلال بزعامة فرحات حشاد، لكنها لم تحافظ على طهوريتها فمارست البغاء السياسي والاجتماعي والثقافي، وباعت شرفها بمقابل مادي، ويروي أحد أبواق الاستخبارات التونسية السابقة: (عبد العزيز الجريدي) -صاحب جريدة- وهو يطلب العفو من الشعب ومن مناضلين ولغ في أعراضهم أنه اشتكى حال الجريدة لرئيس الاتحاد العام التونسي للشغل -استمر فترة بعد الثورة- عبد السلام جراد، فطلب الأخير من الاستخبارات استغلال الجريدة وهو ما كان، وأصبحت الصفحة الثانية والثالثة بقلم الاستخبارات على حد تعبيره..
ويؤكد رجل استخبارات تونسي، بأن أموال طائلة كانت تعطى لبعض الوجوه اليسارية لممارسة دور البطولة (المعارضة) لمعرفة أسرار المعارضة الجادة، وتم كشف مبالغ رصدت لجمعية (نساء ديمقراطيات) وغيرها. وكانت بعض الوجوه الشيوعية تفتي للطاغية (بن علي) حول تجفيف الينابيع، والحجاب ويبرز في هذا الاتجاه محمد الشرفي، وسلوى الشرفي، وغيرهم.
الخصائص العشر للوضع التونسي:
كان الشيوعيون في السابق يبررون عمالتهم للديكتاتورية في حقبة المخلوعين بو رقيبة وبن علي، بأن بو رقيبة يمكن أن يسجنهم، أما الإسلاميون فيقتلونهم، ولكن تبين أنهم من يريدون قتل الإسلاميين، تحت مبرر أن الإسلاميين يريدون أسلمة تونس، وفي نظرهم تلك جريمة كبرى، والسؤال المطروح هو: إذا كان الشيوعيون كمشة ويهددون ويمارسون العنف، فكيف لو كانوا في عدد وقوة الإسلاميين اليوم؟ ماذا يمكنهم أن يفعلوا؟!
أخيرًا:
هناك حرية كاملة في تونس اليوم ويستطيع أي كان أن يقول ما يشاء، كما هناك استغلال لهذه الحرية من قبل من لا يؤمنون بالحرية سوى لأنفسهم، ويتحدثون عن السجون والقتل ويبررون ممارسات الديكتاتورية والأحكام التي صدرت ضد الإسلاميين في العقود المظلمة الماضية، وهم بذلك يجسدون الظلامية في أبشع صورها.
ثانيًا:
ميزة انفردت بها تونس وحرمت منها مصر، وهي ابتعاد الجيش عن ممارسة أي دور سياسي، مع مراقبة الوضع الأمني، والاستعداد لممارسة دور حماية المؤسسات والحدود خلافًا لمصر التي يجثم الجيش على أنفاسها منذ 1952 م ولا يستحي من هزيمة 1967 م.
ثالثًا:
قوى الشد إلى الخلف كثيرة، وهم بقايا النظام البائد وفلول اليسار الانتهازي، الذي يستغل الأوضاع الاجتماعية الصعبة لتركيع البلاد والحكومة.
رابعًا:
إعلام العار الذي تم بناؤه على عين مستشاري المخلوع وعلى رأسهم (عبد الوهاب عبد الله) والذي يساهم في تعكير الأجواء السياسية والاجتماعية، وينحاز لطرف سياسي ويغمط حقوق الحكومة والأطراف التي لا تلتقي معه آيديولوجيًا، ويحاول أن يبرز الصورة كما لو أن هناك من يدعوه ليكون إعلامًا ينطق باسم الحكومة فقط، في مغالطة مفضوحة.
خامسًا:
شعب تونس لديه مطالب، وتتنازعه دعوات عدة وهناك من يفهم اللعبة الدائرة وهناك من هو في مهب الريح كل يوم له رأي.
سادسًا:
هناك حراك يسير بتؤدة ويحسب لكل خطوة حسابها ويرصد ما يجري على الساحة ليتصرف في الوقت المناسب
سابعًا:
التيارالسلفي في تونس تيار متعقل، ومثقف ويفهم اللعبة ولا يريد أن يكون من بين الأطراف التي تعكر المزاج العام، رغم أن أحداثًا وقعت كما حصل في بئر علي بن خليفة، بالجنوب التونسي، حيث تصادم مسلحون مع قوات الأمن، وهي حالة في إطار انفلاتات مثل تهريب البضائع بقوة السلاح، ولكن الحكومة وضعت خطة لوقف هذه الفوضى، وحصول التيار السلفي على ترخيص لتكوين حزب سياسي دليل على تعقل هذا التيار، والنسج على منوال حزب النور في مصر، وكثيرًا ما تم التنسيق بين الإسلاميين من تيارات مختلفة، فهم إخوة يصلون وراء بعضهم البعض ويتداعون في النوازل.
ثامنًا:
هناك حديث عن دور دولي وإقليمي (الجزائر) يسعى لتعكير الأجواء واقتناص الفرص لذلك، ولكن الجهات المعنية متفطنة ومتيقظة لذلك.
تاسعًا:
الحزب الوحيد الذي ازداد قوة بعد الثورة هو حزب حركة النهضة، حيث زاد عدد أعضائه مرات ومرات وصعدت قيادات جديدة لمستويات متقدمة في الإدارة، ومؤتمر حركة النهضة في الشهر السابع الميلادي القادم سيكشف عن مزيد من هذه القوة، مقابل حالة التشتت التي تعيشها الأحزاب بعد تجمع.
عاشرًا:
تونس تعيش مخاضًا بعد نجاح إرادة التغيير، ولكن التحدي في إدارة التغيير، وهو ما ستفرز عنه تدافع الإرادات في انتخابات مارس 2013م.
عبد الباقي خليفة