الطيبة
نعني بالطيبة سلامة الصدر، وصفاء النفس، ورقة القلب...، ويتأصل هذا الخلق باستمرار التزكية للنفس، ثم تنعكس آثاره على السلوك ولا يغرنك ما يلصقه الخبثاء بالطيبين: من صفات الغفلة، وضعف العقل، وقلة الحيلة والهوان على الناس. فلأن تكون مقبولاً عند الله خير لك من أوسمة الدهاء والحيلة والخبث.
- التصنيفات: تزكية النفس -
نعني بالطيبة سلامة الصدر، وصفاء النفس، ورقة القلب...، ويتأصل هذا الخلق باستمرار التزكية للنفس، ثم تنعكس آثاره على السلوك: أخوة وسماحة وسكينة ووفاء. والذين يفتقدون هذا الخلق تراهم غارقين في صور من التحايل والكيد، وسوء الظن والخبث..
ومعنى الطيب في اللغة: الطاهر والنظيف وذو الأمن والخير الكثير، والذي لا خبث فيه ولا غدر..
ومن هذه المعاني نفهم المراد بالرجل الطيب، والزوجة الطيبة، والبلدة الطيبة، والقول الطيب، والذرية الطيبة، والريح الطيبة، والحياة الطيبة. وكلها معاني طهر وعفة وصفاء ونقاء، وهذا حال صاحب خلق (الطيبة).
«إن الله عز وجل حين خلق بني آدم جعل منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن وبين ذلك، والخبيث والطيب وبين ذلك» [رواه أحمد وصححه الألباني].
ولا يستوي الخبيث والطيب، ولا يأتلف كل واحد إلا مع قرينه وشبيهه. وحرصاً من النبي صلى الله عليه وسلم على اعتزاز المؤمن بالطيبة نهاه أن ينسب الخبث إلى نفسه، فقال: «لا يقولن أحدكم خبثت نفسي» [رواه البخاري].
ويورد ابن حجر قول ابن أبي جمرة في بيان الحكمة من هذا النهي فيقول: "وفيه أن المرء يطلب الخير حتى بالفأل الحسن، ويضيف الخير إلى نفسه ولو بنسبة ما، ويدفع الشر عن نفسه إن أمكن، ويقطع الوصلة بينه وبين أهل الشر حتى ولو في الألفاظ المشتركة".
ولقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن الذي يقرأ القرآن بثمرة الأترجة: طعمها طيب وريحها طيب. وضرب للمؤمن مثلا آخر فقال: «والذي نفس محمد بيده إن مثل المؤمن لكمثل النحلة أكلت طيباً ووضعت طيباً». وكلها تؤكد على أصالة عنصر الطيبة في نفسية المؤمن، وسمة الخيرية في تعامله.
والرجل الطيب قد يختلف حاله.. فيكون أحيانا أكثر انشراحاً، وأحسن بشاشة تبعاً لما يمر به من أقدار، وقد لاحظ الصحابة رضي الله عنهم ذلك مرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم: نراك اليوم طيب النفس؟ فقال: «أجل، والحمد لله». ثم أفاض القوم في ذكر الغنى، فقال: «لا بأس بالغنى لمن اتقى، والصحة لمن اتقى خير من الغنى، وطيب النفس خير من النعيم» [صحيح سنن ابن ماجة].
والعبادة صورة يومية من صور جلاء القلب، وتصفية النفس من كل خبث، ويؤكد هذا المعنى ما رواه البخاري من «أن الشيطان يعقد على قافية النائم ثلاث عقد، قائلاً له: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان » [رواه البخاري].
وما جعل الله مواطن البلاء إلا للتمحيص والتمييز، كما قال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِين? عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: من الآية 179] وفي ظلال الآية أن دور الأمة المسلمة يقتضي التجرد والصفاء والتمييز والتماسك..وكل هذا يقتضي أن يصهر الصف ليخرج منه الخبيث..ومن ثم كان شأن الله سبحانه أن يميز الخبيث من الطيب.
وتجري سنة الله في أن الزبد يذهب جفاء وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض.
الطيبون والورع عن الشبهات:
المؤمن الطيب رجل متورع عن الشبهات، ولقد كان أبو طلحة في مرض له ينزع غطاء فراشه؛ لما عليه من نقوش؛ فلما اعترض عليه بأنه ليس في الغطاء تصاوير منهي عنه عنها، أجاب: "بلى. ولكنه أطيب لنفسي".
والمؤمن الطيب يحافظ على صفاء الود مع أخيه، كما في الحديث القدسي: «وحقت محبتي للذين يتصافون من أجلي». ويبادر إلى زيارة أخيه المسلم، أو عيادته، فيقول الله له: «أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً» [رواه الترمذي في سننه وصححه الألباني في الترغيب والترهيب، وحسنه الألباني]. فالتصافي والتواصل علامة طيبة، ولا يتخلق بها إلا الطيب.
والمجاهد الطيب لا يطمئن قلبه بالقعود حين يستنفر الناس، ولذلك وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسية صحابته الكرام -لو انه خرج في كل سرية- فقال: «ولا تطيب أنفسهم أن يقعدوا بعدي».
ولذلك كان المنافقون لما في أنفسهم من الخبث لا يتحرجون من التعلل بأعذار واهية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحابته في الحر والنصب، والمنازلة والطعان.
وتطييب قلوب عباد الله من علامات طيب القلوب، فقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يؤدون إلى الناس حقوقهم -وافية زائدة- بقوله: «أُولَئِكَ خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، الْمُوفُونَ الْمُطِيبُونَ. وأقصر طريق إلى القلوب الكلمة الطيبة: اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم يكن فبكلمة طيبة» [رواه البخاري ومسلم]. وقد وصف الله الصالحين من عباده بقوله: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج: من الآية 24].
وإن الملائكة لتستقبل أرواح الطيبين: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ }... [النحل: من الآية 22]. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل صالحاً قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان، ورب راضٍ غير غضبان، فلا يزال يقال لها حتى تخرجُ ثم يعرج بها إلى السماء فيفتح لها، فيقال من هذا؟ فيقولون: فلان. فيقال: مرحباً بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان، ورب راضٍ غير غضبان، فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل».
وعلى أبواب الجنة يقال لأهل الطيبة: ...{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: من الآية 73]. بعد أن أحياهم الله الحياة الطيبة في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح.
إن غلبة التعامل بالطيبة، ونقاء المجتمع من الخبث، حصانة من غضب الله تعالى وانتقامه، ولذلك تساءلت زينب بنت جحش: أنهلك وفينا الصالحون؟ فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم، إذا كثر الخبث». قال ابن العربي: "وفيه البيان بان الخيِّر يهلك بهلاك الشرير إذا لم يغير عليه خبثه".
إن الطيب نقي القلب سليم السرية حسن الظن بالناس، وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس» [متفق عليه].
ولا يغرنك ما يلصقه الخبثاء بالطيبين: من صفات الغفلة، وضعف العقل، وقلة الحيلة والهوان على الناس. فلأن تكون مقبولاً عند الله خير لك من أوسمة الدهاء والحيلة والخبث.