حقيقة الطاعة الزوجية (2)

وهذه الطاعة لها أثرها البعيد في سير الحياة الزوجية، فتكون الزوجة سكنًا لزوجها، ورحمة شاملة وعزاء لما يلاقيه الرجل في حياته من متاعب.

  • التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -


إن طاعة الزوجة زوجَها لهي منطلق السعادة الزوجية، بما تحققه من الاستقرار والسكينة، اللازمين للنجاح، سواء في عمل الزوج أو الزوجة إن كانت تعمل، وفي النجاح الدراسي للأبناء، وفي نجاح العلاقات الأسرية كلها.

فالأسرة المستقرة لها (تأثير مباشر على نجاح الإنسان في عمله؛ إذ إنها تمده براحة البال والاطمئنان، فيشعر أن ظهره مُؤَمَّن من خلفه، ومن ثَم فلا يحمل همومًا تنغص عليه حياته وتقطع عليه تركيزه في عمله.

وتصور على العكس؛ لو أن إنسانًا ابتُلي بولد عاق أو امرأة عنيدة متعجرفة لا تعرف حق زوجها، تصور هذه الأسرة التعيسة المفككة، بدلًا من أن تُوَفِّر للأب السكن والطمأنينة، فإنه ينتهي من عناء العمل وتعبه ليجد المشاكل والإحباطات في بيته) (صناعة الهدف، هشام مصطفى وصويان شايع الهاجري، وآخرون [181-182]).

بل إنه ينزل من البيت بداية بالمشاكل والتصادمات والكلام والردود الذي يعكر صفو باله، فيبدأ يومه بهذا التوتر؛ فيؤثِّر ذلك على نشاطه طوال اليوم، وعلى نفسيته ومزاجه، فيتأثر عمله بتلك المشاكل التي حُمل بها من بيته.

فالزوج يبغض المرأة التي لا تطيعه في غير معصيته، أو لا تأبه بأوامره وتُعرِض عنه، ولذا؛ كانت الطاعة بالمعروف واجبًا شرعيًّا على الزوجة، لتنال رضا زوجها الذي جعل الله ثوابه بشارة بحجز مكان في جنة الرحمن سبحانه وتعالى؛ وقد فَقِهَت هذه المعادلة حبيبة رسول الله وزوجته في الدارين، الصدِّيقة بنت الصدِّيق، فجعلت تنادي: "يا معشر النساء، لو تعلمن حق أزواجكن عليكن؛ لجعلت المرأة منكن تمسح الغبار عن وجه زوجها بنحر وجهها" (رواه ابن أبي شيبة في مصنفه).

واستخلص شيخ الإسلام حقائقها من أنوار الوحيين؛ فقال: "وليس على المرأة بعد حق الله ورسوله أوجب من حق الزوج"، (مجموع فتاوى ابن تيمية، [32/275]).

والزوجة التي تصر على مخالفة زوجها توغر صدره، وتجرح كرامته، وتسـيئ إلى قوامته؛ فيبادلها بذلك ممانعة لما تحب ومخالفة لما ترغب.

ألا فلتعلم كل زوجة آمنت بالله ربًّا وبمحمد نبيًّا وبالإسلام دينًا، (أن حق الله أحق أن يُؤدى، وأن طاعة الزوجة لزوجها فيما لا معصية فيه سبب في استقرار الحياة الزوجية وسيادة التفاهم البنَّاء، إن هذه الصفات المهمة لها دورها الفاعل في تحقيق المودة بين الزوجين وإقامة دعائم السعادة والسكن) (نظرات في الأسرة المسلمة، د.محمد لطفي الصباغ، ص(97)، بتصرف)، وكلما زادت طاعة الزوجة لزوجها؛ ازداد الحب والولاء بينهما، وصار ذلك لازمة لأبنائها يقتفون أثره في حياتهم الزوجية.

وهذه الطاعة لها أثرها البعيد في سير الحياة الزوجية، فتكون الزوجة سكنًا لزوجها، ورحمة شاملة وعزاء لما يلاقيه الرجل في حياته من متاعب.

فالزوجة المطيعة تسر زوجها، وتقوي حرارة حبِّه لها في قلبه، فيسارع هو بالتالي إلى تلبية رغباتها، وربما لا ينتظر حتى تطلب منه شيئًا، فإن الرسالة قد وصلت إلى قلبه ممهورة بطاعته ومسطرًا فيها: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن:60] (حقوق الزوجية، عطية صقر[3/238])

وإن كانت طاعة الزوج بالمعروف قد بلغت هذه المكانة العالية، فليس معنى ذلك (أن يكون الرجل في بيته ديكتاتورًا قاسيًا يتعامل مع زوجته بالحديد والنار، تسمع بلا مناقشة وتطيع بلا تفكير، وإنما طاعته في طاعة الله ورسوله، برفق وحب ومودة، بل ويعينها على تنفيذ أمره بالكلمةالطيبة والإقناع، والتواصي بتقوى الله تعالى ليصل إلى ما يريد من السعادة داخل البيت) (من أحاديث النساء، عصام محمد الشريف[78]).

الذكرى تنفع المؤمنين:
ينبغي أن تغير الزوجة من تصوراتها وإدراكها لمعنى طاعة الزوج، والنظر إليها على أنه أمر شرعي وواجب أمر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، بعيدًا عن الرغبات الشخصية والأهواء.

1- على الزوجة أن تتفاهم وتتناقش مع زوجها فيما يضايقها ويوغر صدرها من الطلبات والأوامر.

2- وتغلف كلامها بسياج المودة والألفة، فتبين له أن ذلك النقاش ليس تمردًا أو عصيانًا، ولكنه للوصول إلى مزيد من التآلف والتوافق.

3- تذكري أيتها الفاضلة أن الطاعة تكون في المعروف، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

نقاط على الحروف:
ومن تمام الحديث عن الطاعة، أن نتكلم عن خدمة الزوجة لزوجها والذي يعد مظهرًا من مظاهر المشاركة والتعاون في بناء الأسرة، ولازم من لوازم توفير الراحة والسكن والاستقرار.

وخدمة الزوج تتمثل في تجهيز الأكل له، وكذلك تجهيز الملابس، وأيضًا تنظيف البيت، واستقبال الضيوف، مع احترام مواعيد الزوج في النوم والأكل.

وقد أوصت أُم إياس ابنتها وهي مقبلة على الزواج بنصائح؛ كان منها: (التعاهد لوقت طعامه، والهدوء عند منامه، فحرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة) (محاضرات الأدباء، الراغب الأصفهاني [1/415]).

والمرأة في البيت هي التي تحقق للزوج الهدوء والراحة والسكينة والأنس بسعيها في خدمته، فهي بمثابة واحة الأمن والراحة والاستقرار للرجل في البيت، والمرأة كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم» (متفق عليه).

وشئون البيت متعددة ومتداخلة، ولذلك فإن قرار المرأة في بيتها وسعي الرجل خارجه؛ جعل أكثر ما يتعلق بشئون البيت من مسئوليات المرأة بحكم الواقع (بالمعروف ... حتى يعود الدفء العاطفي إلى بيوتنا، د.أكرم رضا،[242]).

وحتى المرأة التي تعمل لا يليق بها أن تتقاعس عن هذه المهمة العظيمة، وإني لأعرف الكثيرات من النساء ممن ترجع إحداهن من العمل ثم تتجه إلى شئون بيتها، فتبدأ بتجهيز الأكل ثم غسل الأواني، وترتيب المنزل وغير ذلك من أعمال البيت، بالإضافة إلى ذلك شئون أولادها والمذاكرة لهم ومتابعتهم دراسيًّا.

همسة على انفراد:
وأنا أسألك الآن إذا رأيتِ أحد محارمك من الرجال وهو متزوج ملابسه غير نظيفة، أو غير مكوية، أو أحد الأزرار مخلوعة ولم تركب له زوجته غيره، فكيف تكون نظرتك لهذه الزوجة؟!

إن اهتمام الزوجة بزوجها ونظافته وملابسه وطعامه هو دليل على صلاح الزوجة، ولاشك ينعكس هذا على استقرار الزوجين واستقرار الأسرة أيضًا.

فالزوج يحب الزوجة التي تهتم به، وتهتم بما يحب من الطعام والشراب والملبس، فاحرصي أيتها الزوجة على ما يرضيه في مطعمه ومشربه، وعلى ما يبرز نظافته وأناقته في ملبسه، وعليكِ أن تتفقديها فتصلحي ما يحتاج إلى إصلاح.

أعدي له طعامه في الوقت الذي يرغبه، فلا يعود من عمله خارج البيت متعبًا جائعًا والطعام لم يُعد بعد، أو لا يزال يُطهى، فإن ذلك يغضبه غضبًا شديدًا، إن هذه الأمور سهلة ويسيرة ولكن التهاون بها قد يجعل منها مشكلة؛ فانتبهي (دروس تربوية للمرأة المسلمة، عصام محمد الشريف[63]).

نماذج براقة:
إنها نماذج من نساء القرون المفضلة، كنَّ في خدمة أزواجهن، وجعلن ذلك قربة لله يطلبن بها رضا الله، فكانت الواحدة منهن مهما علا شأنها لا تستنكف أن تخدم زوجها.

همة أسماء في عنان السماء:
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: "تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك، ولا شيء غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأستقي الماء، وأفرز غربه، وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكنَّ نسوة صدق.

وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهي منِّي على ثلثي فرسخ، فجئتُ يومًا والنوى على رأسي، فلقيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ثم قال: «إخ إخ»؛ ليحملني خلفه، فاستحييتُ أن أسير مع الرجال، وذكرتُ الزبير وغيرته، وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييتُ فمضى".

فجئتُ الزبيرَ فقلتُ: "لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب فاستحييتُ منه، وعرفتُ غيرتك".

فقال: "والله، لحملك النوى كان أشد عليَّ من ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إليَّ أبو بكر بعد ذلك بخادم يكفيني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني" (متفق عليه).

وقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم خدمة أسماء لفرس زوجها، كما قال ابن القيم: "ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أسماء والنوى على رأسها والزبير زوجها معه لم يقل له صلى الله عليه وسلم: لا خدمة عليها، وأن هذا ظلم لها، بل أقره على استخدامها، وأقر سائر أصحابه على استخدام أزواجهن، مع علمه بأن منهن الكارهة والراضية" (زاد المعاد، ابن القيم[4/33]).

مهمة عظيمة لثيب عظيمة:
ولما تزوج جابر بن عبد الله ثيبًا، وسأله النبي صلى الله عليه وسلم: «فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟»، فقال: "إن عبد الله هلك وترك تسع بنات -و سبع- وإني كرهت أن آتيهن أو أجيئهن بمثلهن، فأحببت أن أجيء بامرأة تقوم عليهن وتصلحهن"، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «بارك الله لك» (رواه مسلم)، وعلَّق النووي على الحديث بقوله: "فيه جواز خدمة المرأة زوجَها وأولادَها وعياله برضاها، وأما من غير رضاها فلا" (شرح النووي على مسلم[5/203]).

لا تألوه:
وعن الحصين بن محصن، أن عمَّة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة، ففرغت من حاجتها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أذات زوج أنت؟ قالت: "نعم"، قال: كيف أنتِ له؟ قالت: "ما آلوه إلا ما عجزتُ عنه"، قال: فانظري أين أنتِ منه؟ فإنما هو جنتك ونارك» (رواه أحمد وصححه الألباني)، وما آلوه: أي لا أقصر في خدمته.
وفي هذا دليل على عظم مكانة الزوج وعلو قدره، فإنه سبيل المرأة إلى النار أو إلى الجنة

أم عبد الرحمن محمد يوسف

المصدر: مفكرة الإسلام