مشكلة الندرة تخالف الإسلام

محمد قطب إبراهيم

تبدأ الدراسة المنقولة عن الغرب في علم الاقتصاد بتعريف "المشكلة الاقتصادية" ويقال للطلاب إن المشكلة الاقتصادية هي مشكلة الندرة!
وقد عجبتُ حين علمتُ ذلك، وعلمتُ أن هذا يقال في معاهدنا "الإسلامية"! يقوله أساتذة مسلمون، ويتلقاه عنهم طلاب مسلمون، ويأخذون هذا الكلام قضية مسلمة، ويبنون عليها دراستهم في علم الاقتصاد!

  • التصنيفات: فقه المعاملات -


تبدأ الدراسة المنقولة عن الغرب في علم الاقتصاد بتعريف "المشكلة الاقتصادية" ويقال للطلاب إن المشكلة الاقتصادية هي مشكلة الندرة!

وقد عجبتُ حين علمتُ ذلك، وعلمتُ أن هذا يقال في معاهدنا "الإسلامية"! يقوله أساتذة مسلمون، ويتلقاه عنهم طلاب مسلمون، ويأخذون هذا الكلام قضية مسلمة، ويبنون عليها دراستهم في علم الاقتصاد!

وكان موضع عجبي أن هؤلاء جميعاً يقرءون -أو المفروض فيهم أن يقرءوا- قوله تعالى: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ . وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فُصلت: 9-10].

الله يقول إنه بارك فيها وقدر فيها أقواتها، ونحن نقول إن المشكلة الاقتصادية هي مشكلة الندرة! أي قلة الموجود بالنسبة للمطلوب!

كلا! إن المشكلة هي في السلوك البشري المخالف لمنهج الله! فحين يأخذ أناس أكثر من حقهم الشرعي، باستخدام وسائل لم يأذن بها الله، ثم لا يؤدون حق المال الذي فرضه الله عليهم في أموالهم.. تنشأ المشكلة!

ومرة أخرى حين أخذ أنصار نظرية "مالتس" ينذرون بالويل والثبور، وعظائم الأمور، ويقولون إن الأرض لن تكفي سكانها بسبب الانفجار السكاني "الرهيب!" عجبتُ لمن يردِّد هذا الكلام في عالمنا الإسلامي كأنه حقيقة!

ثم وقع في يدي كتاب ألفه أحد اللوردات الإنجليز بعنوان "معضلة الرجل الأبيض The White Man's Dilemma" ظهرت طبعته الأولى عام 1961م ثم غُيِّر الكلام في الطبعات التالية -لأمر قد نفهم سره!- وقال المؤلف في طبعته الأولى كلاًما ثميناً جيداً -يبدو أنه عُوتب من أجله ونصح بتغييره- قرّر فيه أن هذه الصيحة الخبيثة التي تقول إن الأرض لن تكفي سكانها سنة كذا، عارية عن الصحة من الوجهة العلمية، وإن وراءها قصداً خبيثاً، لأمرٍ يراد!

قال: "إن نسل الرجل الملوّن يتزايد باستمرار، نتيجة تقدم الرعاية الصحية في السنوات الأخيرة، الذي جعل نسبة الوفيات تقل عن ذي قبل، بينما الخصوبة باقية على حالها، فيكون من نتيجة ذلك أن يُولد فيهم مواليد كثيرون وتقل الوفيات نتيجة الرعاية الصحية، فيتزايد عددهم باستمرار، بينما نسل الرجل الأبيض يتناقص باستمرار، نتيجة عمل المرأة، وعدم رغبتها في كثرة النسل، لكي لا يعطلها الأولاد عن العمل من جهة؛ ولكي تحافظ على رشاقتها من جهة أخرى -هذا كلام الرجل!-، ونتيجة تأخّر سن الزواج عندهم لأسباب اقتصادية ورغبة في تطويل فترة المتاع الحُرّ! وتكون النتيجة النهائية أن نسل الرجل الملوّن يتفوق في العدد على نسل الرجل الأبيض".

ثم قال الرجل في صراحة يُحسَد عليها -ولعلها هي التي عُوتِب من أجلها فغيّر ما غير في الطبعات التالية-: "إن الرجل الأبيض يستمتع الآن بالرفاهية والسلطان بما سَلب من أقوات الرجل الملوّن، ولكنه يخشى إذا استمر تزايد النسل عند الرجل الملوّن أن يتنبه هذا الأخير لحقيقة وضع الرجل الأبيض منه، وأنه مُغتصبٌ لأقواته، فيثور عليه ويسعى إلى استرداد أقواته المسلوبة، وعندئذٍ يفقد الرجل الأبيض رفاهيته التي تعود أن يعيش فيها، ومن أجل ذلك يوحي إلى الرجل الملوّن باستمرار أن يحدد نسله، ويوهمه أن أقوات الأرض لن تكفي في المستقبل إذا استمر نسله في التزايد بمعدله الحالي!".

وقال الرجل: "إن مساحات كبيرة من الأرض قابلة للاستغلال لم تستغل بعد، وإن في البحار من المواد الغذائية ما لم يستغل عُشرِه حتى اليوم، وإن الأرض بيابسها ورطبها تكفي لإعالة سكان الأرض ولو بلغوا عدة أضعاف بالنسبة لعددهم اليوم!".

كلام ثمين كما ترى.. يفضح هذه الدعوى التي يتبناها "الاقتصاديون" في بلادنا بغير وعي، ويطالبون بتحديد النسل خوفاً من عدم كفاية الأقوات في الستقبل!

وهذه كالأولى تدل على عدم أصالتنا في تناول علوم الاقتصاد، حين نتبع ما يقوله الغرب بالحق وبالباطل، ونحصر تفكيرنا فيما يريدوننا أن نفكر فيه، وعلى النحو الذي يريدوننا أن نفكر به!
 

المصدر: من كتاب: [حول التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية].