علاقة الرافضة بالباطنية
محمد أمحزون
من هم الروافض ومن هم الباطنيون؟ وهل يوجد بينهم قواسم مشتركة؟
- التصنيفات: مذاهب باطلة -
التشيّع في اللغة:
الشيعة: الفرقة والجماعة من الناس، ففي التنزيل العزيز: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا}[مريم: من الآية 29]. وتطلق كذلك على الأتباع والأنصار، {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}[القصص: من الآية 15]. والشيع معناها: الأهواء المختلفة، كقوله تعالى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً}[الأنعام: من الآية 65].
في الاصطلاح:
بدأ التشيع كعاطفة وجدانية لآل البيت بعد انفصال الخوارج عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في صفين لما قبل التحكيم، فبقي فريق من جيشه معه مؤيداً له بقول قائلهم "في أعناقنا بيعة ثانية، نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت" [أبو جعفر الطبري، تاريخ الرسل والملوك، (5/64)].
ثم تطورت هذه العاطفة إلى تفضيل علي على عثمان رضي الله عنهما، ويطلق على هؤلاء: الشيعة المفضلة. أما الشيخان أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فإنهما في نظرهم مفضلين على غيرهما. وهذا كان في أول عهد التشيع، فقد قيل لشريك بن عبد الله القاضي: "أنت من شيعة علي وأنت تفضل أبا بكر وعمر؟! فقال: كل شيعة علي على هذا، هو يقول على أعواد هذا المنبر: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، أفكنا نُكذِّبه، والله ما كان كذاباً" [مجموع الفتاوى، (13/34)].
الرفض:
ثم ظهر بعد ذلك الرفض، وهو الغلو والبدعة والبراءة من الشيخان؛ فالرافضة هم الذين يرفضون خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويحطون من قدرهما ويدعون إلى ذلك.
وقد اتفق جمهور العلماء المحققين على أن إطلاق هذه التسمية (الرافضة) يعود تاريخها إلى زيد بن علي حينما خرج على هشام بن عبد الملك في سنة 121هـ. وسبب ذلك أن جماعة التفت حوله، فلما أراد الخروج على بني أمية قالوا له: رحمك الله، ما قولك في أبي بكر وعمر؟ قال زيد: رحمهما الله وغفر لهما، ما سمعتُ أحداً من أهل بيتي يتبرأ منهما، ولا يقول فيهما إلا خيراً، ففارقوه ونكثوا بيعته، فسماهم زيد: الرافضة [ابن تيمية: منهاج السنة، (1/34)].
ولأجل ذلك نجد علماءنا الأوائل يفرقون بين الشيعة والرافضة، فهناك فئة متشيعة، ولكن بدون غلو فيه، بمعنى أن تشيعهم لا يتجاوز تقديمهم علياً على عثمان رضي الله عنهما. وكان يُكثر هذا في التابعين وتابعيهم، مع الدين والورع والصدق. ثم جاء الغلو وهو المتمثل في الرفض، ولذلك كان موقف علماء السنة منه واضحاً. فقد سُئل مالك عن الرافضة فقال: "لا تكلمهم ولا ترو عنهم فإنهم يكذبون". وقال الشافعي: "لم أرى أشهد بالزور من الرافضة، إلى غير ذلك من أقوال العلماء فيهم" [الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية، ص (202). والذهبي: المنتقى، ص (21)].
وعلى العموم، فكل من يرفض خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويطعن فيهما، ويشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه، ويدعي العصمة لآل البيت وللأئمة، فهو رافضي. وهاهنا ينبغي التنبيه إلى أمر هام، وهو أن الشيعة المعاصرين يغلب عليهم الرفض.
الباطنية:
الباطن: هو داخل كل شيء [الرازي: مختار القاموس، ص (56)]، وقيل معناه علم السرائر والخفيات [جميل صليبا: المعجم الفلسفي، (2/194)]، والباطني هو الذي يكتم اعتقاده فلا يظهره إلا لمن يثق به. وقيل هو الذي يحكم بأن لكل ظاهر باطناً، ولكل تنزيل تأويلاً [المرجع السابق، (2/194)7].
ويختلف المؤرخون وأصحاب المقالات والفرق في الأصل التاريخي للباطنية، فمنهم من يرجعها إلى المجوس [البغدادي: الفرق بين الفرق، ص (284)]. ومنهم من ينسبها إلى الصابئة في حران [محمد كرد علي: خطط الشام، (6/251)]، ومنهم من يعود بأصولها إلى الفلسفة اليونانية التي غذّت بأفكارها الكثير من الفرق الباطنية [محمد أحمد الخطيب: الحركات الباطنية في العالم الإسلامي، ص (20)].
وجدير بالذكر أن الفكر الباطني في الأصل حلقة لسلسلة المحاولات التي قامت بها سلالات الأرستقراطيات الفارسية التي فقدت امتيازاتها بانهيار حكم الأكاسرة، والرامية إلى استعادة ذلك المجد الغابر. ولتحقيق هذا الهدف لجأت إلى أساليب وشعارات جديدة تتفق مع المنعطف العقائدي والحضاري الذي تحول إليه الشعب الفارسي بعد الفتوحات الإسلامية، وهذه الأساليب الجديدة تتجلى في الشعوبية والباطنية والتشيع الغالي.
القواسم المشتركة بين الرافضة والباطنية؛ ومن هذه القواسم المشتركة بينهما:
- اتخاذ حب آل البيت وسيلة لنشر بدع وأفكار ضالة.
- الدفاع عن حق آل البيت في الخلافة.
- استعمال التقية والسرية والتكتم في حالة الاستضعاف، وعند الظهور والغلبة ينادون بآرائهم جهاراً نهاراً، ويعلنون ما كانوا يخفون.
- الاستدراج والحيلة: فهم يظهرون الإسلام وحب آل البيت والعفاف والتقشف، وترك الدنيا والإعراض عن الشهوات، وذلك لاستمالة العوام من الناس إليهم، ويخاطبون كل فريق بما يوافق رأيه بعد أن يظفروا منه بالانقياد والموالاة لهم.
- تقديس السلالات والبيوتات الفارسية: تصل عقيدة الباطنية والرافضة إلى حدود تقديس السلالات والبيوتات الفارسية. فلما دخل قوم من الفرس في الإسلام وتشيعوا اعتقدوا بوجود طبقة كهنوتية تقوم بخدمة الدين وأنها ظل الإله على الأرض، ونظروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولآل بيته نظرة كسروية توازي نظرتهم إلى الملوك الساسانيين بأنهم يستحقون التقديس والتعظيم، ومن ثم قالوا بأن أحق الناس بالخلافة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أهل بيته [أبو الحسن الندوي: صورتان متضادتان عند أهل السنة والشيعة الإمامية، ص (80-81) (بتصرُّف)].
- عقيدتهم في القرآن الكريم: يعتقدون بتحريف القرآن الكريم، وفي زعمهم أن القرآن الموجود المنقول عن الصحافة لا يخلو من تحريف وتغيير ونقص وزيادة [المرجع السابق نفسه، ص (74-76)].
- السعي لهدم عقيدة أهل السنة والجماعة: بالاستقراء لتاريخ الإسلام قديماً وحديثاً، ندرك هدف الباطنية والرافضة الكبير، وهو هدم الدين الصحيح وزعزعة مبادئ العقيدة الصحيحة في نفوس أهل السنة، كي يتمكن أصحاب هذه الفرق المارقة من إظهار الإلحاد أو البدع بدلا من التوحيد، عن طريق أفكار خرافية أو تأويلات باطنية للنصوص الشرعية، سيما ما يتعلق منها بالإمامة وعقيدة الإمام الغائب، والقبورية والنذر والذبح لغير الله تعالى، وطلب قضاء الحوائج من الأموات، وتأويل قضايا الغيب والحلال والحرام وإشاعة الإباحة.
- موالاتهم لأعداء الإسلام من التتار والصليبيين الذين احتلوا المشرق الإسلامي، كما والوا الفرنجة في أوروبا، فبجلوهم وأكرموهم واحترموهم وقدموا لهم العون على المسلمين، ناهيك عن الفتن والمؤامرات وسفك الدماء، وهتك الأعراض، ومصادرة الأموال وأعمال النهب والسلب التي قاموا بها ضد أهل السنة، وتطفح بها كتب التاريخ والسير والتراجم والطبقات.
العلاقات الإيرانية السورية:
إبان حكم الرئيس الهالك حافظ الأسد قام وفد من علماء الرافضة الإيرانيين يرأسه حسن مهدي الشيرازي بزيارة لمناطق النصيرية في جبلهم وساحل اللاذقية. وخلال هذه الزيارة التقى هذا الوفد بعلماء النصيرية ووجهائهم وأهل الرأي فيهم وتوصلوا إلى النتائج التالية:
1- أن النصيرية -أول من أطلق عليهم اسم العلويين هم الفرنسيون عند احتلالهم لبلاد الشام، للتمويه على أهل السنة، وعدم ذكر اسمهم الصحيح لما له من خلفيات تاريخية في أذهان المسلمين- هم شيعة ينتمون إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بالولاية، وبعضهم ينتمي إليه بالولاية والنسب.
2- أن العلويين والشيعة كلمتان مترادفتان مثل كلمتي الإمامية والجعفرية، فكل شيعي هو علوي العقيدة، وكل علوي هو شيعي المذهب [عبد الله محمد الغريب، وجاء دور المجوس، ص (397، 398)].
وما كان لقاء الشيرازي بعلماء النصيرية لقاء عابرا بل مضى الطرفان -الرافضية والنصيرية- في التعاون بينهما؛ إذ في عام (1974م) استصدر موسى الصدر قانونا ?ي لبنان، أصبح النصيريون الذين يقطنون في شمال لبنان بموجبه شيعة جعفرية، وأقام لهم مفتيا خاص بهم [صحيفة الأنباء الكويتية، 29/09/1998].
وبعد قيام الثورة الخمينية في إيران قال نائب رئيس الوزراء الإيراني صادق الطباطبائي في حديث أدلى به لصحيفة تشرين الحكومية: إن الحكومة السورية قدمت كل أشكال الدعم للثورة الإيرانية، وكان للمساعدات السورية أكبر الأثر في انتصار الثورة على نظام الشاه [وكالات الأنباء (طهران)، 19/9/1979].
وكانت نشرة (الشهيد) وهي لسان حال الثورة الإيرانية تهاجم الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي إلا النظام السوري النصيري [عدد 06/11/1978، عدد 12/1/1979]. والغريب في الأمر هجومهم على نظام البعث في العراق وسكوتهم عن نظام البعث في سورية، مع أن مبادئ الحزب واحدة، وشعاراته واحدة، وأهدافه واحدة، والخلاف بينهما شخصي. على أن بعث الأسد هو الذي نعق في إذاعة دمشق قائلاً:
وبعث الأسد هو الذي هدم جامع السلطان في مدينة حماه والمسجد الأموي في مدينة دمشق، وفتك بالمسلمين المصلين في هذين المسجدين. وبعث الأسد هو الذي فاوض اليهود سراً، وتحالف مع الموارنة، ونكّل بالفلسطينيين في لبنان. وبعث مع الأسد هو الذي زرع الرذيلة، ونشر الفساد وأشاع الإباحية والرشوة في بلاد الشام [وجاء دور المجوس، ص (431-432)].
فكيف نجمع بين ثورة تزعم أنها إسلامية، وتردد شعار (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وتنادي بحرب الإلحاد والكفر، ثم تقيم أفضل وأمتن العلاقات مع حزب البعث الملحد الحاكم في سورية.
إن هذا التناقض يزول بسرعة عندما نعلم أن النظام الباطني في سورية نظام موالي للطغمة الرافضية الحاكمة في طهران، نظراً للعلاقات التاريخية والإرث العقائدي المشترك بين الطائفتين الشيعة الإمامية والنصيرية. ولذلك كان النصيرية في بلاد الشام مستعدين للمشاركة في الدور الباطني الذي خطط له شيعة الخميني في العالم الإسلامي.