كيف تدعم الأمة الأقليّات المسلمة؟
ملفات متنوعة
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
تعاني الأقليّات الإسلامية من مشكلات متعددة في مختلف مناحي
الحياة، مما يؤثر على الدور الذي تلعبه هذه الأقليات، ودرجة تأثيرها
في مجتمعاتها، وكذلك خدمتها لدينها. وفي هذه السطور نناقش مع الخبراء
والباحثين ما يمكن أن تقدمه الأمة لهذه الأقليات لترفع من شأنها،
ولتجعلها قادرة على القيام بدورها كما ينبغي.
في البداية يؤكد د. إبراهيم راضي -أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة
القاهرة- أن الباحثين اختلفوا فيما بينهم في التفرقة بين مفهومي
الأقلية والدولة الإسلامية؛ فبعضهم يرى أنه إذا زادت نسبة المسلمين في
الدولة عن 50% تصبح الدولة إسلامية، والبعض الآخر يرى أنه إذا كان
المسلمون أغلبية مقارنة بأصحاب الديانات الأخرى -حتى وإن لم يتجاوزوا
نسبة 50%- تصبح الدولة إسلامية، وهناك فريق ثالث من الباحثين يرى أن
المعيار في تحديد إسلامية الدولة هو النص الدستوري أو ديانة رئيس
الجمهورية أو تشكيل النظام الحاكم.. الخ. إلا أن المعيار الأكثر سلامة
هو المعيار الأول، وهو زيادة نسبة المسلمين عن 50%.
وهناك صعوبات فنية وسياسية تحول دون معرفة حجم الأقليات الإسلامية
بدقة؛ فالعديد من الدول التي توجد فيها أقليات إسلامية لا تتوافر فيها
إحصائيات رسمية دقيقة عن التوزيع الديني للسكان، أو أنها تعيش في دول
فقيرة لا تتوافر فيها الإمكانيات المادية لمعرفة نسبة المواليد
والوفيات والزواج والطلاق وعدد أفراد الأقليات الدينية.. الخ، أو إذا
توافرت تلك الإحصائيات فإن العديد من الدول التي تقيم فيها الأقليات
الإسلامية تفرض عليها طوقاً من السرية والكتمان؛ خوفاً من إثارة
المشكلات الطائفية والعرقية.
وتأتي مشكلة المصادر لتزيد الأمر صعوبة، فأغلب المصادر الغربية تميل
إلى التقليل من أعداد المسلمين، في حين تبالغ الكثير من المصادر
الإسلامية في ذلك.
لذا يجب أن نعتمد على الإحصائيات الرسمية الصادرة عن الأمم المتحدة،
والإحصائيات الصادرة عن الدولة نفسها، ومقارنة كل ذلك بأكثر من مصدر
إسلامي متخصص في دراسة الأقليات الإسلامية.
ويضيف د. إبراهيم راضي أن الأقليات الإسلامية في أكثر بلدان العالم هي
الأكثرية الحقيقية الساحقة، لكن الزيف وحرب الإحصاءات يتعمدان دائماً
تقليل عدد المسلمين وإظهارهم على أنهم أقلية لخدمة أهداف سياسية
معروفة، فإذا تم العدوان عليهم واجتياح حقوقهم فإنهم يُصوّرون
إعلامياً وسياسياً على أنهم أقلية متمردة يجب تأديبها؛ فتمر قضية
اضطهادهم دون ضجيج على أنها شأن خاص أو مسألة داخلية لا يجوز التدخل
فيها أو الاعتراض عليها.
إن الأقليات الإسلامية في بلاد المهجر تشكل خط الدفاع الأول عن الوطن
الإسلامي، خصوصاً بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، وأنها رصيد إستراتيجي
ضخم يمكن أن يؤثر في الأحداث إيجابياً لخدمة قضايا الأمة، إذا أحسنّا
التعامل معها، وأحسنّا استثمار وجودها في الخارج.
الأقليات والتأثير على القرار الغربي
يرى الكاتب الإسلامي د. محمد عمارة أن الإسلام يقوم على سنة التعدد
والتميز، وأن العالم بحاجة إلى فهم جديد لموضوع الأقليات، وبحاجة
أيضاً إلى أن تكون هناك معايير عالمية محددة تطبق على كل الأقليات،
فالغرب يلعب بورقة الأقليات ليحول ميزة التعدد والتميز التي أقامها
الإسلام إلى نقمة، ويكفي أن نشير إلى قانون الحماية الأمريكية وقانون
التدخل في شؤون الدول بدعوى حماية الأقليات في المجتمعات العربية
والإسلامية لتعمل لصالح الغرب.
ويؤكد د. عمارة أن الأقليات المسلمة تعاني الكثير من المشكلات أهمها
عدم اهتمام العالم الإسلامي بأوضاع هؤلاء المسلمين وقضاياهم؛ لذا يجب
تمتين الروابط والصلات بين الأقطار الإسلامية وهذه الأقليات،
والاستفادة منها في تكوين قوة ضغط هائلة على صانع القرار الغربي
بالذات، إذا أُحسن تنظيمها والاستفادة منها، كما يمكن أن تكون هذه
الأقليات خطوة متقدمة في الحوار بين الإسلام والحضارات الأخرى،
وبالخصوص الحضارة الغربية، والتصدي للدعايات الصهيونية.
إن من حق الأقليات إقامة الحرام والحلال الديني في الدولة الموجودة
فيها، لكن ليس من حقها أن تكون فيتو ضد هوية المجتمع.
خطورة الفرقة بين الأقليات
ويعتقد د. محيي الدين عبد الحليم -الأستاذ بجامعة الأزهر- أننا بحاجة
إلى خطة جادة لجمع شتات الأقليات الإسلامية في الغرب، وأن نسعى لتوحيد
جهودها بدلاً من التشتت والتشرذم، لتتحول تلك الأقليات إلى جماعات
قوية وضاغطة على الحكومات الغربية، وتشكل رأس حربة في المهجر في
الحوار مع الغرب والتقريب بينه وبين الإسلام.
ويؤكد د. عبد الحليم أن الأقليات الإسلامية في المهجر تعاني من مشاكل
اقتصادية وسياسية واجتماعية؛ دون مساعدة فعّالة من ديار الإسلام
لهم.
وأهم المشاكل التي تعاني منها الأقليات المسلمة تتمثل في بروز النعرات
القومية والشعوبية التي تؤدي إلى تفتيت وحدتها، والحد من فاعليتها.
كذلك ذوبان بعض أبناء المسلمين في المجتمعات التي يعيشون فيها مما
يهدد بالقضاء على هويتهم، إضافة إلى تهميشهم سياسياً واقتصادياً، وضعف
الاهتمام باللغة العربية، الذي يؤدي إلى زيادة هوة الانفصال بينهم
وبين دينهم.
ومن هنا فعلى الحكومات والمنظمات الإسلامية أن تقوم بعملية استنفار
إسلامي واسعة لدعم هذه الأقليات والاستفادة منها، وإقامة الندوات
والملتقيات الفكرية المكثفة في الأقطار التي يعيشون فيها لتصحيح
الصورة المغلوطة عن الإسلام، وإقامة المعارض، وتشجيع الزيارات
المتبادلة بين الأدباء والمفكرين المسلمين وأبناء هذه الأقليات،
وتشجيع النشاط الإعلامي الإسلامي في الغرب، شريطة إعطاء اهتمام آخر
بتنشئة الجيل المسلم الثاني في الغرب تنشئة إسلامية، وتشجيعه على تعلم
اللغة العربية.
هموم الأقليات الإسلامية الإفريقية
وعن أبرز مشكلات الأقليات الإسلامية في إفريقية، يقول د. إمام رزق
أستاذ التاريخ الحديث: "إن أبرز هذه المشكلات هي في نفس الوقت تلك
المشكلات التي تعاني منها الدول الإفريقية بشكل عام. فهناك انخفاض في
مستويات المعيشة، إذ تعاني إفريقية بصفة عامة من مشاكل اقتصادية معقدة
أثّرت على النواحي الاجتماعية والسياسية فيها، وإفريقية لن تكون قادرة
خلال العقود الثلاثة القادمة على تأمين الطعام لأكثر من 40% من
سكانها، ويرجع السبب في ذلك إلى التدهور المستمر في التربة الصالحة
للزراعة، مع الزيادة المستمرة في عدد السكان، وبالأخص في دول جنوب
الصحراء الكبرى، ونتيجة لذلك فإن (200) مليون إفريقي يعانون من أمراض
سوء التغذية.
كما تعاني الأقليات الإسلامية في إفريقية من انتشار الحروب والصراعات،
كما هو الحال في نيجيريا، ورواندا، وبورندي، والكونغو، وسيراليون.
وتعاني أيضاً من انتشار الأمراض والأوبئة ولا سيما الإيدز والملاريا.
وهناك أيضاً قصور النواحي التعليمية، وقلة الوعي بالتعاليم الإسلامية
وندرة الدعاة المؤهلين.
كما يشتد التنصير بين هذه الأقليات، وتتنافس المؤسسات التنصيرية لجذب
أعداد كبيرة من هؤلاء المسلمين إلى الديانة المسيحية.
وتعاني الأقليات الإسلامية في إفريقية كذلك من التهميش السياسي وعدم
المشاركة في الحكومات ومؤسسات الدول التي يعيشون فيها، ولا يكاد يشذ
عن هذه الحالة إلا المسلمون في جنوب إفريقية، حيث يعمل أغلبهم في
التجارة، ويعتبرون من الطبقات الاجتماعية الغنية.
صحيح أن هناك منظمات إغاثة إسلامية تعمل في إفريقية، ولكنها قليلة
للغاية بجانب هذا الطوفان من المنظمات التنصيرية الغربية التي تتخذ من
العمل الإغاثي ستاراً لها، ولذلك فلابد من تكثيف وتقوية منظمات
الإغاثة الإسلامية العاملة في إفريقية، وكذلك المنظمات الدعوية،
وزيادة منح المبتعثين من هذه الأقليات للتعلم في البلاد العربية
والإسلامية".
الحفاظ على الهوية الثقافية للأقليات
ويؤكد د. عثمان رجب -أستاذ التاريخ الإسلامي- أنه بنظرة عامة على
خريطة الصراعات السياسية والعسكرية في العالم، نجد أن أغلب مناطق
التوتر تتركز في المناطق التي تتواجد فيها أقليات إسلامية، كما هو
الحال في جامو وكشمير، وتركستان الشرقية، والفلبين، وبورما،
والبلقان.. الخ.
ومما يزيد أوضاع الأقليات الإسلامية سوءًا انخفاض متوسط الدخل السنوي
لأفرادها، وازدياد نسبة الأمية، وارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض
والأوبئة، وما ينجم عن ذلك كله من ارتفاع معدلات الوفيات، ويظهر ذلك
جلياً في إفريقية، خاصة في جمهورية إفريقية الوسطى والكونغو
الديموقراطية، ووسط الأقليات الإسلامية الكبيرة العدد في الهند
والفلبين على سبيل المثال.
وقد أدى هذا الوضع إلى معاناة هذه الأقليات مما يمكن تسميته بالتهميش
السياسي الذي يظهر في قلة مشاركتهم في أنظمة الحكم والإدارة بما
يتوافق مع نسبتهم العددية، وهذا بدوره أثر في مدى اهتمام حكومات الدول
التي يعيشون فيها بمطالبهم وحقوقهم.
وتأتي بعد ذلك مشكلة الذوبان الثقافي والهوية الإسلامية التي يعاني
منها أبناء هذه الأقليات.
ويعتقد د. عثمان رجب أن المحافظة على الهوية الثقافية للأقليات
الإسلامية تحتاج إلى أن نتعهدها بالرعاية الكاملة، تربوياً وثقافياً
وأخلاقياً وفكرياً، حتى تبقى هذه الأقليات بمنأى عن المؤثرات الضاغطة
التي تهدد الوجود المعنوي لها، وتضعف فيها المناعة الثقافية
والأخلاقية، فتصبح فريسة الضياع والانحراف والتيه.
ولا بد لتلك الأقليات من أن تتمتع بسلامة العقيدة والفكر وقوة التمسك
بالأخلاق والقيم؛ لأن الجماعات الإسـلامية خارج العالم الإسـلامي كلما
كانت متماسـكة عقائـدياً وأخلاقـياً كان ذلك أقـرب إلى التأثير
الإيجابي في البيئة والمحيط الذي تعيش فيه، أما إذا ضعف كيانهم بسبب
غياب الوعي الديني فإن ذلك سيؤدي إلى انسحابهم من ميدان التفاعل
الحضاري، وعدم مقدرتهم على التأثير بالمجتمعات المحيطة بهم.
وهنا يأتي دور منظمة المؤتمر الإسلامي، ومختلف المنظمات الإسلامية
الرسمية والأهلية؛ إذ ينبغي أن تساند هذه الأقليات بالمال والكوادر
البشرية والخبرات. فيجب الاهتمام بهذه الأقليات، وتأصيل سبل التعاون
معها، واعتبارها وسيطاً أو جسراً لترسيخ القيم الإسلامية؛ فعن طريقها
تتهيأ الأرضية المناسبة لحوار هادف بنّاء، مبنيّ على الاحترام
المتبادل، والكلمة الطيبة، وبأسلوب حضاري يخدم الإنسانية، ويشجع على
التفاهم الفكري والثقافي في العالم؛ لأن الأديان والثقافات الحضارية
تدعو إلى المحبة والإخاء والسلام والتفاهم والتسامح، وإن الحوار
المبنيّ على هذه الأسس حتماً سيؤدي إلى تقريب الإنسان من أخيه
الإنسان، ويقضي على العنصرية، ويحترم الثقافات المتعددة، والهوية
الحضارية لكل الشعوب، ويحقق النتائج المرجوة.
ويجب أن يكون هناك اتصال دائم بين العالم الإسلامي ومنظماته والمراكز
والمؤسسات الإسلامية في الغرب؛ للدفاع عن حقوق الجالية المسلمة، خاصة
حرية الاعتقاد وممارسة العبادات، وحقها في الحياة كبشر، والمساواة
أمام القانون، والتنسيق معها لتفعيل دورها في تغيير الصورة الخاطئة عن
الإسلام لدى الغرب، ومحو هذه الصورة، وإبراز محاسن الإسلام
وسماحته.
مشكلات سياسية واقتصادية
د. أحمد العوضي -أستاذ الاجتماع السياسي- يرى أن هناك مشكلات اقتصادية
للأقليات الإسلامية تتمثل في: عدم وجود مؤسسات اقتصادية تخدم أغراض
الدعوة، وسوء إدارة أموال التبرعات بسبب الضعف الفني وعدم التكاتف
والتخطيط الاقتصادي, كما أن المساعدات القادمة من بعض الدول الإسلامية
لا تفي بمتطلبات العمل الدعوي في بلاد المهجر.
وعلاج ذلك يتطلب إقامة مؤسسات وقفية لخدمة أبناء الأقليات، وإنشاء
مؤسسات استثمارية خاصة، وتفعيل بعض المؤسسات القائمة. كما لابد من
إيجاد مؤسسات تنسيقية بين المنظمات والجمعيات والمراكز الإسلامية في
دول المهجر، إضافة إلى الحاجة لإيجاد إعلام سياسي فاعل، والاستفادة من
الوسائل القائمة من صحافة وإذاعة وتلفزة وإنترنت, وضرورة التواصل
السياسي والاقتصادي لأبناء الأقليات المسلمة مع الأمة الإسلامية.