لمحاتٌ من قلبِ الحدث
أشرف طبل
ونحن -أبناء التيار الإسلامي جميعاً- توابون نؤوب إلى الحق، ونقبل النصح، ونشكر للناصح، ونعترف بالحق، ولا نُصِرُّ على معصية، ولا نتعمّد الخطأ، أخطاؤنا عندنا محلّ عِبرةٍ وعِظة، نصحِّحها، ونستدرك قصورنا وتقصيرنا، ننقد أنفسنا ونتوب لخالقنا.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - الدفاع عن علماء أهل السنة والجماعة -
إن من فضل الله علينا أن جعلنا من المنتسبين لهذا الدين عقيدة وفكراً وطاعةً والتزاماً وعملاً، تربينا من مَعين تعاليمه الرائقة، التي تعلمناها صغاراً، وعشناها شباباً، وما زلنا ندعو لها كباراً. ومن فضل الله الكريم المنان على الصالحين من عباده -وحتى المخطئين- أن يبتليهم ليطهرهم.
وإن أصواتاً غير موفقة قد تعالت لتهاجم صفنا الإسلامي، ولتنال من رجالات صفهم الرباني، نذروا أقلاهم ليشقوا صفنا، وليشوهوا مسيرنا، ولينالوا من أصحاب التاريخ الناصع، يفترون الأكاذيب من وحي خيالهم، يذكون نار الفتنة، ولذلك نقول لهؤلاء: "إن صفنا واحد مهما حاول المأجورون أن يزرعوا ألغام الفرقة"... بل لن تزيدنا محاولاتهم البائسة إلا تماسكاً وترابطاً.
نقول لهؤلاء: "إن قلوبنا واحدة ومنهجنا واحد وإن تعددت آراؤنا، واختلفت وجهات نظرنا، فهد الأخوة يجمعنا، والحب في الله موثقنا".
ونحن -أبناء التيار الإسلامي جميعاً- توابون نؤوب إلى الحق، ونقبل النصح، ونشكر للناصح، ونعترف بالحق، ولا نُصِرُّ على معصية، ولا نتعمّد الخطأ، أخطاؤنا عندنا محلّ عِبرةٍ وعِظة، نصحِّحها، ونستدرك قصورنا وتقصيرنا، ننقد أنفسنا ونتوب لخالقنا.
لم نبايع على العصمة، فكل يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، ولذلك فنحن لا نستغرب على أنفسنا الخطأ، ولا نستبعد على أنفسنا الخلاف، فنحن نُخطئ ونُصيب، فلسنا ملائكة، ولا نحب أن ينظر إلينا الناس على أننا ملائكة، فنحن عُرضةً للخطأ، لا نُبرِّره، ولا نجد غضاضة عن الاعتذار عنه، فالاعتذار شيمة الكبار، كما لا نُنكر حدوث الاختلاف بيننا، ولكننا نحرص دائماً على إدارته بالأدب الراقي والخُلق الإسلامي الرفيع فنتحوّل من الاختلاف إلى الائتلاف.
نقول لكم يا من تطيرون بالأخبار وتُشوِّهون كل طهر بالليل والنهار: "ليس من طلب الحق فأخطأه، كم طلب الباطل فناله".
فيا من أجهدتم أنفسكم لتشويه صفنا نقول لكم: يدنا واحدة، وصفنا واحد، وقلوبنا واحدة على كل الكارهين للحق، والحاقدين على الشرع، على المحاربين للمشروع الإسلامي.
كلنا حمائم سلام، وسحائب رحمة، ورُسل خير لكل مؤمن غيور على دين الله وحرمات المسلمين.
في صفنا الإسلامي بكامله والحمد لله تتلاقح حكمة الشيوخ وحماسة الشباب، نحفظ لكبارنا قدرهم، فهم عندنا محلّ تقدير واحترام، نعرف فضلهم، ونقدِّر سبقهم، فلا صراع بيننا وبينهم، بل توارث وتوريث.
صفنا واحد، تتواصل فيه الأجيال، وإخواننا من كل التيارات الإسلامية عندنا أوثق من غيرهم، خبرناهم من طول العشرة، فوجدناهم أعفُّ الناس نفساً، وأطهر الناس يداً، فأحسنّا بهم الظن مع إحساننا الظن بكل مسلم.
ومن قلب الحدث نخرج بهذه اللمحات التربوية:
1- علينا أن نتضرّع إلى الله بالدعاء لتأليف القلوب ودفع البلاء، ولذلك ألتمس من جميع أبناء الصف الإسلامي أن يحرصوا على صيام النهار وقيام الليل، أن يرفعوا أكفهم متذللين لربهم بالدعاء أن يجمع القلوب، وأن يرطب النفوس، وأن يشرح الصدور، لقوله تعالى: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ} [الأنعام من الآية:43].
فياربّ إننا قد مسّنا ضر، ونالنا ضير، واشتد بأس عدونا بنا، فوحّد صفنا، وألّف بين قلوبنا.
2- إننا تربينا دائماً على أنه (إذا هوجم الإسلام انتفضنا، وإذا هوجم الأشخاص احتسبنا) فيجب أن نبقى دائماَ على هذا العهد، ووفق هذا المعيار حتى نلقى الله.
فإذا كان هتافنا (الله غايتنا) فيجب أن تكون حميتنا دائماً غيرة على دينه، ودفعاً عن حرماته ومقدساته.
وإذا كان (الرسول زعيمنا) فإن رسولنا صلى الله عليه وسلم ما غضب لنفسه قط.
وإذا كان (الجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا) فلا مجال بيننا لفرقة ولا اختلاف، وإنما نحن أصحاب وحدة وائتلاف.
ندرك حجم التحديات من استهداف خارجي، وتهلهل داخلي، وفساد مالي، وتراجع أخلاقي، ولذلك لا وقت أمام هذه التحديات إلا للانتصار للحرمات، واستعادة المقدسات، لنحمل هموم الأمة، ونهتم بقضاياها الكبرى.
3- يا أبناء التيار الإسلامي جميعاً (إذا عاملتم الحق فأخرجوا الخلق، وإذا عاملتم الخلق فاخرجوا النفس، وإذا عاملتم النفس فأخرجوا الهوى) هذه ثوابتنا، فلا تدعوا أحداً يجرّنا إلى شخصنة ممجوجة، فيروح كل فريق ليدافع عن نفسه وعن رأيه، وأخيراً عن هواه، فاحذروا وانتبهوا.
4- يا أبناء الصف الإسلامي كله اعلموا (أن اختلاف العقول ثراء، واختلاف القلوب وباء)، والاختلاف إذا نزل من سماء العقول إلى أرض القلوب تحوّل إلى الهوى، وخرجنا به إلى أصحاب الشمال، فيصير بنا إلى الحالقة التي تحلق الدين، ويؤدي بنا على التنازع الذي هو من مقدمات الفشل، لقوله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} [الأنفال من الآية:46].
5- يا أبناء الصف الإسلامي الحكمة ثم الحكمة ثم الحكمة في تقدير الخلاف، وعندما يعلوا صوت الخلاف فلابد من التأكيد على ركيزة التشاور، حتى لا تكبر الصغائر، وننسى الفضائل.
ونؤكد على القاعدة التي التزمناها من رأي جمهور العلماء بأن الشورى ملزمة، ومن هنا وجب علينا أن نلتزم بـ (الحرية الكاملة عند التشاور والالتزام الكامل بعد القرار) هكذا تربينا وتعلمنا.
6- وعندما نفقد صوت الحكمة فيضيع بيننا، فعلينا أن نسلك طريق (التحكيم الشرعي للصلح وحسم الخلاف) عندما تكون المقدمات غير شافية ولا كافية لحسم الخلاف، فيختلط الحابل بالنابل، ويدخل الإعلام في قرارات الاتهام، ويصير الرويبضة يُفتِي في أمور العامة، والرعاء يذكون نيران الفرقة بالإثارة لا الحقيقية، وبالعماية لا بالهداية، حينئذ يجب علينا جميعاً أن نؤول إلى التحكيم الشرعي قياساً على الصلح الأسري إذا دبَّ الشقاق وهدد الوفاق، واستُدعي الطلاق، واستُبعد التلاقي، حينئذٍ ينتفض الحكماء من هنا وهناك ليحكموا شرع الله، كما قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء:35].
7- يا أبناء التيار الإسلامي جميعاً -على اختلاف مسمياتكم- أحب أن أذكركم (أن قاداتكم بشر، لا ترفعوهم بحبكم لهم إلى درجة العصمة، ولا تنزلوهم عند الخطأ دون منزلتهم).
8- أحبتي: قال فقهاؤنا في القواعد الفقهية (اليقين لا يزول بالشك) وأُخوّتنا في الله يقين، فلا تزول بتشكيك المشككين.
9- أخي يا ابن إسلامي، أنت على ثغر فسُدّه بجسدك، واحذر أن يُؤتى الإسلام من قبلك، فلا تتوانَ عن سَدّ الثغرات، سُدّها بسرعة وإتقان، لا تنتظر غيرك، ولا تُلقي اللائمة على الآخرين، ولا تدع للشيطان ثغرةً للتسلل بيننا، فسُدّ الثغرة ولا عليك بعد ذلك بمن تقدّم الصفوف أو تأخّر.
10- وأخيراً: إلى كل الكتاب والصحفيين والإعلاميين والكائنات الفضائية الغريبة التي لا تحب الإسلام فتعاديه بضرب دعاته، وتشويه مشروعه أقول لكم:
ما ضرب بحر الفرات يوماً *** أن خاض بعض الكلاب فيه
فلن يضرّنا خوضكم وتشويهكم، لأننا أصحاب رسالة، سنمضي في سبيل تحقيقها، ونحن أصحاب مشروع سنسعى لنصرته، لا نلتفت للمعوقين منكم، لأننا تعلمنا (أن المُتلفِّت لا يسير، والمُتفلِّت يُشوِّه المسير).
أسأل الله عز وجل أن يُؤلّف بين قلوبنا، وأن يُوحّد صفنا، وأن يحفظ بلدنا.