أشراط الساعة الكبرى الخسوفات والدخان والشمس
سعد بن عبد الله البريك
إنَّ من أعظم ما يقوِّي الإيمان ويرسِّخ اليقين في نفس المؤمن: الإيمان بالأخبار والأمور الغيبية التي أخبر بها اللهُ ورسولُه صلى الله عليه وسلم، لذا أُراني اليوم سأواصل بعون الله تعالى تكملةَ الكلام عن أمور الغيب وأشراط الساعة الكبرى متحدثاً عن الخسوفات الثلاث والدخان وطلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة والنار التي تحشر الناس بعدما مضى الحديث في الخطب الماضية عن المهدي والدجال ونزول عيسى عليه السلام وخروج يأجوج ومأجوج.
- التصنيفات: أشراط الساعة -
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند ولا شبيه ولا مثيل ولا نظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33].
معاشر المؤمنين:
صحَّ عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تصنعون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» (رواه مسلم).
حذَّر صلى الله عليه وسلم أمته من الافتتان بالدنيا والاغترار بزهرتها رحمةً منه بهم لئلاّ يتعلّقوا بمتاعٍ فانٍ ونعيمٍ زائل، لكن وللأسف تجاهل كثيرٌ منهم هذا الحديث وعَمُوا عن التحذير الذي حذرهم إياه نبيهم وأشفق الخلق عليهم صلى الله عليه وسلم فوقعوا فيما نهاهم عنه من حبِّ الدنيا والتعلُّقِ بها فأصبحت شغلهم الشاغل يفكرون بها ليل نهار ويعملون لأجلها صباح مساء وأصبحت المادة مسيطرة عليهم ومتحكِّمة فيهم وغفلوا عن الآخرة وتكاسلوا عن العمل لها.
وقعوا فيما وقعوا فيه بسبب نسيانهم للمغيَّبات وما سيكون في آخر الزمان من فتن وملاحم وعلامات تجعل الحليم حيراناً، ولا يثبت أمامها إلا من ثبته الله وكتب له السعادة والسرور.
إنَّ من أعظم ما يقوِّي الإيمان ويرسِّخ اليقين في نفس المؤمن: الإيمان بالأخبار والأمور الغيبية التي أخبر بها اللهُ ورسولُه صلى الله عليه وسلم، لذا أُراني اليوم سأواصل بعون الله تعالى تكملةَ الكلام عن أمور الغيب وأشراط الساعة الكبرى متحدثاً عن الخسوفات الثلاث والدخان وطلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة والنار التي تحشر الناس بعدما مضى الحديث في الخطب الماضية عن المهدي والدجال ونزول عيسى عليه السلام وخروج يأجوج ومأجوج.
الخسوفات الثلاثة: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون بعدي خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب»، قالت: قلتُ يا رسول الله: أيخسف بالأرض وفيها الصالحون؟ قال: «إذا أكثر أهلها الخبث» (رواه الطبراني وبعضه في الصحيح).
وروى الإمام مسلم في صحيحه عن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف في جزيرة العرب والدخان والدجال ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونار تخرج من قعرة عدن تُرحِّل الناس»، وفي رواية: «والعاشرة نزول عيسى عليه السلام». قال ابن حجر رحمه الله: "وقد وجد الخسف في مواضع ولكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف الثلاثة قدراً زائداً على ما وُجِد كأن يكون أعظم منه مكاناً أو قدراً" (فتح الباري [13]).
الخسوفات الثلاث يا عباد الله التي ستقع في آخر الزمان ليست خسوفات عادية كالتي نشاهدها ونسمع بها بل هي خسوفات عظيمة وعامة لأماكن كثيرة من مشارق الأرض ومغاربها وفي جزيرة العرب لم تُشاهد من قبل ولم تعرف البشرية من أولها إلى آخرها لها مثيلاً، تُدمِّر مناطق واسعة من الأرض وتخرِّب ما عليها وتتغير أحوال الناس وتضطرب معايشهم مما يعتبر إيذاناً بقرب الساعة ودُنُوِّ قيامها.
الدخان: ومن العلامات الكبرى: الدخان. قال تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السّمَآءُ بِدُخَانٍ مّبِينٍ . يَغْشَى النّاسَ هَـَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان:10-11].
قال القرطبي رحمه الله: "والمعنى: انتظر يا محمد بهؤلاء الكفار يوم تأتي السماء بدخان مبين واضح يغشى الناس ويعمهم، وعند ذلك يقال لهم "هذا عذاب أليم" تقريعاً لهم وتوبيخاً، أو يقول بعضهم لبعض ذلك" (تفسير القرطبي 16/130).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال ستاً» وذكر منها: «الدخان» (رواه مسلم).
وعن عبد الله بن أبي مليكة قال: غدوت على ابن عباس رضي الله عنهما فقال: "ما نمت الليلة حتى أصبحت، قلت: لم؟ قال قالوا: طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يكون الدخان قد طرق فما نمت حتى أصبحت" (تفسير الطبري [25/113]، وابن كثير [7/235]).
الدخان آية عظيمة من آيات الله الكونية يرسله الله على الناس فيغشاهم ويعمهم جميعاً لا ينجو منه أحد ولا يفر منه مخلوق. يعذِّب به الكفار أشد العذاب وآلَمَهُ، أما المؤمن فلا يصيبه منه إلا كما تصيب الزكمةُ الإنسان.
عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم أنذركم ثلاثاً: الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه» (رواه الطبراني ومال ابن حجر إلى تحسينه بشواهده).
قال مجاهد: كان ابن مسعود يقول: "... يملأ ما بين السماء والأرض ولا يجد المؤمن منه إلا كالزكمة وأما الكافر فتثقب مسامعه".
طلوع الشمس من مغربها: قال صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذاك حين {لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيَ إِيمَانِهَا خَيْراً} [الأنعام من الآية:158]» (متفق عليه).
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون أين تذهب هذه الشمس»؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال: «إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرِّها تحت العرش فتخِّرُ ساجدةً فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئتِ، فترجع فتصبح طالعةً من مطلعها، ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرِّها تحت العرش فتخِّرُ ساجدةً ولا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئتِ فترجع فتصبح طالعةً من مطلعها، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئاً حتى تنتهي إلى مستقرِّها ذاك تحت العرش، فيقال لها: ارتفعي أصبحي طالعةً من مغربكِ فتصبح طالعةً من مغربها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون متى ذاكم؟ ذاك حين {لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيَ إِيمَانِهَا خَيْراً}» (رواه مسلم).
وسبب عدم قبول الإيمان ممن لم يؤمن قبل ذلك وعدم قبول توبة العاصي، أن طلوع الشمس آيةٌ عظيمةٌ يراها كل من كان في ذلك الزمان فتنكشف لهم الحقائق ويشاهدون من الأهوال ما يجعل أعناقَهم تلوي وتذعن إلى الإقرار والتصديق بالله وآياته. قال تعالى في سورة الأنعام: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام:158].
والمقصود من قوله تعالى: {بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} طلوع الشمس من مغربها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل جعل بالمغرب باباً عرضه مسيرة سبعين عاماً للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من قِبَله، وذلك قول الله تبارك وتعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}» (رواه الترمذي).
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» (رواه مسلم).
قال القرطبي رحمه الله تعالى: "قال العلماء: وإنما لا ينفع نفساً إيمانها عند طلوع الشمس من مغربها لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس وتفتر كل قوة من قوى البدن فيصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم وبطلانها من أبدانهم، فمن تاب في مثل هذه الحال لم تقبل توبته كما لا تقبل من حضره الموت" (التذكرة [706]، التفسير [7/146]).
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تنقطع الهجرة ما تُقُبِّلَت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب، فإذا طلعت طُبِعَ على كل قلبٍ بما فيه وكفى الناسَ العملُ» (رواه أحمد وصححه ابن كثير وأحمد شاكر).
لابد لنا من بعض الوقفات مع هذه الأشراط عبرةً وعظةً و{لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق من الآية:37].
فمن هذه الوقفات:
- أن كثرة الخبث وفشو المعاصي وشيوع الفواحش سبب لخسف الأرض واهتزازها وزلزلتها كما مرَّ في الأحاديث.
فقد اهتزت الأرض في المدينة على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال رضي الله عنه: "يا أهل المدينة إن عادت لا أساكنكم أبداً".
- ومن هذه الأمور:
أن غفلة الناس عن الآخرة وتعلقهم بالدنيا جعل بينهم وبين الإيمان بالله حجاباً كثيفاً لا يزول إلا برؤية آية عظيمة من آيات الله، وهذا ما يحدث للناس عند طلوع الشمس من مغربها فيؤمنون ويعودون إلى ربهم ويظهرون التوبة والخضوع ولكن لا ينفعهم ذلك فقد فات الأوان، وعندما تبلغ الروح الحلقوم وتبدأ بالغرغرة، يوقن العبد ويؤمن بوعد الله ووعيده فلا يقبل منه ذلك بعدما شاهد اليقين وأصبح بصره حديد، قال تعالى: {لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22].
إن تأخير التوبة أو التسويف بها لا يجوز فلا يدري أحد متى تحين ساعته ويدنو أجله فالموت يطلبه في كل ساعة وهو أقرب إليه من شراك نعله، قال صلى الله عليه وسلم: «الجنة أقرب لأحدكم من شراك نعله والنار كذلك» (أخرجه البخاري).
وللتوبة شروط:
فإذا كانت المعصية بين العبد وربه عليه أن يقلع عن الذنب فوراً وأن يعزم ألا يعود إليه ثانية وأن يندم على ما بدر منه، وإن كانت المعصية متعلقة بحق آدمي فهذه الشروط الثلاث ويُزاد عليها شرط رابع وهو أن يستحل من صاحب الحق، فإن كان له عنده مظلمة ردها عليه وإن كانت غبية استحله منها وهكذا في سائر المعاصي المتعلقة بحقوق الآدميين.
اللهم آمنا في أوطاننا اللهم آمنا في دورنا اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم اجمع شملنا وعلماءنا وحكامنا ودعاتنا ولا تفرِّح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً اللهم اهد ضالنا اللهم من ضل وتنكب الصراط اللهم رده إلى الحق رداً جميلاً.
اللهم عليك بمن تسلط وآذى ونال من مقام نبينا صلى الله عليه وسلم اللهم سلط عليهم جنودك التي لا يعلمها إلا أنت يا رب العالمين اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين يا ربّ العالمين اللهم ابسط لنا في عافية أبداننا وصلاح أعمالنا وسعة أرزاقنا وحسن أخلاقنا واستر على ذرياتنا واحفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك اللهم أحسن خاتمتنا في خير عمل يرضيك عنا ربنا لا تقبض أرواحنا على خزي ولا غفلة ولا فاحشة ولا معصية ولا تمتنا بحق مسلم في عرض أو دم أو مال نسألك اللهم عيشة هنية وميتةً سوية ومرداً إليك غير مخزٍ ولا فاضح.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56].
اللهم صلَّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وارضَ اللهم عن البقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنّا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر وَالْبَغْي يَعِظكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون..