سورية والنصيرية: قراءة تاريخية
أحمد بن عبد الرحمن القاضي
وهل الضلال إلا تحت عمامتك السوداء؟!
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:
ذكر مؤرخ الإسلام والسنة، الحافظ ابن كثير، رحمه الله، في حوادث سنة 717هـ: "صفة خروج المهدي الضال بأرض جبلة؛ وفي هذه السنة خرجت النصيرية عن الطاعة، وكان من بينهم رجل سَمَّوه: محمد بن الحسن المهدي، القائم بأمر الله، وتارة يدَّعي أنه علي بن أبي طالب، فاطر السموات والأرض، تعالى الله عمَّا يقولون علوًا كبيرًا، وتارة يدَّعي أنه محمد بن عبد الله، صاحب البلاد، وصرَّح بكفر المسلمين، وأن النصيرية على الحق، واحتوى هذا الرجل على عقول كثير من كبار النصيرية الضُّلاَّل، وعيّن لكل إنسان منهم تقدمة ألف، وبلادًا كثيرة، ونيابة قلعة، وحملوا على مدينة جبلة، فدخلوها، وقتلوا خلقًا من أهلها، وخرجوا منها يقولون: لا إله إلا علي، ولا حجاب إلا محمد، ولا باب إلا سلمان، وسبوا الشيخين، وصاح أهل البلد: واإسلاماه، واسلطاناه، واأميراه، فلم يكن لهم يومئذ ناصر، ولا منجد، وجعلوا يبكون، ويتضرعون إلى الله عز وجل، فجمع هذا الضال تلك الأموال، فقسمها على أصحابه، وأتباعه، قبحهم الله أجمعين، وقال لهم: لم يبق للمسلمين ذكر ولا دولة، ولو لم يبق معي سوى عشرة نفر لملكنا البلاد كلها، ونادى في تلك البلاد: إن المقاسمة بالعشر لا غير، ليُرغِّب الفلاحين فيه، وأمر أصحابه بخراب المساجد، واتخاذها خمارات، وكانوا يقولون لمن أسروه من المسلمين: قل لا إله إلا علي، واسجد لإلهك المهدي، الذي يحيي ويميت، حتى يحقن دمك، ويكتب لك فرمان، وتجهزوا، وعملوا أمرًا عظيمًا جدًا، فجردت إليهم العساكر، فهزموهم، وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا، وجمًا غفيرًا، وقتل المهدي الذي أضلهم، وهو يكون يوم القيامة مُقَدَّمُهم، وهاديهم إلى عذاب السعير، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ . كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [الحج:3-4]" (البداية والنهاية - [14/95]).
عجباً! عجباً! ما أشبه الليلة بالبارحة! تأمل:
أولاً: لم تزل الفرق الباطنية، المتفرعة عن شجرة الرفض الخبيثة، منبت فتن، وعُشَّ شر، تشق عصا الطاعة، وتهوى الفُرقة، وتخرج عن إجماع الأمة، وتشذ في النار.[/font]
ثانياً: لم تزل تلك الفرق الباطنية الرافضية تتخذ من (آل البيت) جُنَّة، بادِّعاء حبهم، ونصرتهم، وهم (ألدُّ الخصام) لهم! ولم تزل دعوى (المهدوية) قناعاً لكل أفَّاك أثيم، عُتُلٍّ زنيم، يتجارى به الهوى كما يتجارى الكَلَب بصاحبه، حتى يدَّعي النبوة، والألوهية.
ثالثاً: أن (النصيرية) المنسوبين إلى محمد بن نصير النميري، من أشد طوائف الرفض كفراً، بتأليههم علي، واعتقادهم عقيدة التثليث الباطنية (علي، محمد، سلمان). وهاهم أحفادهم يجددون عقيدة أجدادهم؛ حيث أظهرت الوثائق المصورة (مقاطع اليوتيوب) إرغامهم المسلمين على قول: لا إله إلا بشار! وحملهم إياهم على السجود لرسمه البالي.
رابعاً: أنهم ليسوا من الإسلام في شيء، وليسوا من أهل الشام في قليل ولا كثير. هذا حال أوائلهم، ومتأخريهم. ولهذا يخطئ من يقول عن بشار الشر: (رئيس يقتل شعبه!) فهم ليسوا شعبه، وهو لا يرى أنهم كذلك؛ بل يَعَضُّ عليهم الأنامل من الغيظ.
خامساً: الخداع الإعلامي الذي يفضي إلى هذه النتيجة "واحتوى هذا الرجل على عقول كثير من كبار النصيرية الضلال"، واعتبر ذلك بطاغوتهم "حسن نصر الشيطان" زعيم "حزب اللات" الذي استلب عقول كثير من السفهاء والسذج، قبل أن يهتك الله ستره.
سادساً: شراء الذمم، الذي يقع في فخه كثير ممن يريد الحياة الدنيا وزينتها، خوفاً على مصالحهم، وامتيازاتهم، من التجار، والمتنفذين، وعلماء السوء، أو طمعاً في لعاعة من الدنيا، ولو على أنقاض الدين، وأشلاء المسلمين.
تأمل قوله: "وعيَّن لكل إنسان منهم تقدمة ألف، وبلادًا كثيرة، ونيابة قلعة"، وقوله: "هذا الضال تلك الأموال، فقسمها على أصحابه، وأتباعه"، وقوله: "ونادى في تلك البلاد: إن المقاسمة بالعُشر لا غير، ليُرغِّب الفلاحين فيه"، وما أكثر من باع دينه بدنياه في هذه الفتنة، وتأكَّل باليتامى، والأرامل، واللاجئين، والله الموعد.
سابعاً: الفتك بأهل السنة، واستباحة مدنهم، وقراهم، ومساجدهم، وعقائدهم؛ فما صنعه نصيرية القرن الثامن الهجري؛ هو عين ما يصنعه نصيرية القرن الخامس عشر، وأشياعهم من رافضة إيران، ولبنان، بل المعاصرون أشد فتكاً، وضراوة، وإليك البيان:
- الأولون خربوا (جبلة)، وقتلوا خلقاً من أهلها، والمعاصرون ما تركوا بلدة إلا أفسدوها، وأمطروها بالقنابل، والصواريخ، وبراميل المتفجرات، إذا لم يتمكنوا من ذبح أهلها من وريد لوريد. ولن ينسى أهل الشام مجازر (درعا) و(حمص) و(حرستا) و(دوما) و(جديدة الفضل) و(بانياس) و(القصير)، وغيرها من شواهد العصر.
- الأولون خربوا المساجد، واتخذوها خمارات، وكذلك صنع المعاصرون، وحفظت الوثائق المصورة جنود الشر يعيثون في المساجد، ويقصفون المآذن.
- الأولون تبجحوا بالإلحاد، وسب الشيخين، وكذلك صنع المتأخرون، فسبوا الله، وألَّهوا سواه، وسبوا الصحابة الكرام، وطاف طائفهم على المكلومين في بانياس ينبزهم بأحفاد عائشة ومعاوية، ويتوعد باقيهم بالاستئصال، والويل والثبور، وعظائم الأمور.
ثامناً: المسلمون لا بواكي لهم: "وصاح أهل البلد: واإسلاماه، واسلطاناه، واأميراه، فلم يكن لهم يومئذ ناصر، ولا منجد، وجعلوا يبكون، ويتضرعون إلى الله عز وجل"، وهكذا حال أهل الشام اليوم يستصرخون وما من مجيب! صمت القبور يخيم على دول الجوار، إيران تجوس خلال الديار، وحزب الشيطان يرسل زبانيته، وجيش المهدي يتسلل من العراق، كل ذلك تحت سمع العالم وبصره، وبوعي دول السنة القابعة في الجوار، كما تقبع الشياه في الحظيرة، يستخرجها الجزار واحدة تلو الأخرى، لا تُحسِن حِراكاً، ولا تحير جواباً؛ بل تدور في فلك أمريكا، والغرب، الذي أشغلها وجود (جبهة النصرة) فتحول الجلاد إلى صديق، وصار يدعى للمحافل الدولية، لأنه أقرب رحماً، وأصدق مودة لإسرائيل.
تاسعاً: الدعاوى العريضة:
لم تزل الباطنية تطلق المزاعم الخيالية، والأماني الشيطانية الكاذبة، كما قال أولهم بعد استباحة جبلة الشامية: "لم يبق للمسلمين ذكر ولا دولة، ولو لم يبق معي سوى عشرة نفر لملكنا البلاد كلها"، وهاهو نصر الشيطان، زعيم حزب اللات يقول مؤيداً أتباعه الغزاة الذين يحاولون استباحة القصير، اليوم: "أنتم في القصير تقولون: لن تسبى زينب مرتين! كنت معكم، ليتني رصاصكم، وزغردة حناجركم، حياكم الله، ونصركم على الضلال كله، والكفر كله"!
وهل الضلال إلا تحت عمامتك السوداء؟!
عاشراً: النصر آت، وفرج الله قريب، ولو يشاء الله لانتصر منهم: كما ألمَّت تلك المحنة بأهل الإسلام في بلاد الشام مدة ثم انقضت، وعادت عساكر الإسلام منصورة، أعلام السنة منشورة (فجردت إليهم العساكر، فهزموهم، وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا، وجمًا غفيرًا، وقتل المهدي الذي أضلهم) فكذلك سنن الله، ووعده للمؤمنين بالنصر: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51]، وعما قريب، بإذن الله، تنقشع الغمة، ويُطوى بساط الرفض من أرض الشام الطاهرة، كما طوي من قلوب أهلها من قبل، {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم:4-5].