الخطة "فلفل حلو" لإلغاء الانتخابات البرلمانية (1)
أمير سعيد
علينا أن نستذكر ونحن نتابع أحداث إمبابة وغيرها أن "إسرائيل" التي يرى بعض خبرائها أن مصر ستؤول إلى دولة خارجة عن الفلك الأمريكي والنفوذ "الإسرائيلي" ستكون أخطر كثيراً من دولة العراق التي أخرجت من دائرة التهديد للكيان الصهيوني.
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
"في مخيم جنين كانت هناك امرأة عربية اسرائيلية حاولت أن تنشئ فرقة فنية لكنها هربت بسبب التهديدات، وكان قبلها عدة فلسطينيين حاولوا تطبيق معايير غربية على نضالهم وُلذعوا بالنار، هذا هو مصير جميع الثورات شبه الغربية التي تحدث في العالم العربي.
إن جيل الفيس بوك والتويتر في مصر اضطر إلى أن يسلم الدولة لجماعة عسكرية تعمل مع الإخوان المسلمين يدا بيد؛ ويلمع بين المتمردين في ليبيا نجم عناصر من القاعدة؛ وتُحرك الثورتين في البحرين واليمن وإيرانُ والقاعدة، في كل مكان في العالم العربي تنطلق فيه الروح الطبيعية والديمقراطية يقمعها آخر الأمر إسلاميون متطرفون أو مستبدون فاسدون". [غالينت/"تقوية وإضعاف حماس ضد احتلال غزة" ـ صحيفة هآرتس 8/4/2011]
لا يخرج هذا التحليل "الإسرائيلي" عن سياق التفسير الغربي للثورة المصرية وما تتلوها من أحداث؛ فالدولة الأكثر أهمية في منطقة الشرق الأوسط مهددة ـ وفقاً لبعض ما يصدر عن الصحافة العبرية والأمريكية ـ بأن تكون "أصولية" مزعجة، وهذا ما س?عمل القوى الدولية على ألا يكون أبداً، والترقب والحذر هو أولى الخطوات نحو التعامل مع هذا الزلزال المصري، والتدخل بطرق كثيرة وبفتح التوقعات على كل السيناريوهات سيكون هو الأرضية المتاحة لوقف هذا الزحف الديني الذي يهدد بقاء "إسرائيل" في المنطقة.
علينا أن نستذكر ونحن نتابع أحداث إمبابة وغيرها أن "إسرائيل" التي يرى بعض خبرائها أن مصر ستؤول إلى دولة خارجة عن الفلك الأمريكي والنفوذ "الإسرائيلي" ستكون أخطر كثيراً من دولة العراق التي أخرجت من دائرة التهديد للكيان الصهيوني عبر أربعة حروب متوالية آخرها أهلية لتستحيل دولة مهلهلة مفككة بعد أن احتلت لسبب وحيد أو ذي أولوية قصوى تفوق مسألة النفط وتتجاوز أكذوبة أسلحة الدمار الشامل، وهو "تأمين إسرائيل"، وقد كان بعد أن خرجت العراق من المعادلة كلية، لن تسكت "إسرائيل" على استقلال مصر، وأن الموروث الديني الذي يعتنقه الساسة داخل "إسرائيل" في توراتها بنسختها الحالية يختزن مقتاً شديداً لمصر كما العراق سواء بسواء، وكلاهما عامل "الأجداد" في بابل ومصر باحتقار وإذلال، ما بين سلسلة من السبي في الأولى، وقهر وعبودية ثم طرد في الثانية حسب ما يعتقدون.
العراق دولة ليست متجانسة دينياً وقومياً بخلاف مصر، كما أنها لا تجاور "إسرائيل"، ومشاركتها في الحرب عليها لا تضاهي الحروب المصرية / "الإسرائيلية"، ومع ذلك كانت هدفاً مباشراً للتحريض "الإسرائيلي"، وبعد أيام من الغزو الأمريكي كان شارون في قلب العاصمة العراقية بغداد في زيارة سرية.
لقد وصلت التقارير مبكرة إلى "العاصمتين"، تل أبيب وواشنطن، مشفوعة بتوصيات واضحة بضرورة اتخاذ خطوات حاسمة إثر الإعلان عن نتائج الاستفتاء على بعض مواد الدستور في الربع الثالث من مارس الماضي، حملت الطائرات الأمريكية عدة وفود إلى القاهرة، وجرت اتصالات مع المسؤولين فيها من تل أبيب، سرعان ما أصبحت القاهرة هي أكثر عاصمة في العالم يزورها مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى خلال الشهور الثلاثة الماضية، وأيضاً أضحت أعداد زيارات الأمريكيين إليها أكبر من أي وفد آخر يصل إلى مصر؛ ففي الحقيقة أبطأ الأشقاء العرب كثيراً عنها، وفضل بعضهم كالعادة أن تمر "مساعدتهم" لها في حال الأزمة عبر صندوق النقد الدولي الذي تهيمن عليه واشنطن بدرجة كبيرة، وأن تدفع مصر "الثورة" للاندفاع نحو واشنطن على افتراض توفر نية الابتعاد عنها جدلاً.
الاهتمام بما يدور في مصر معروف ويسبق 25 يناير الماضي بكثير، ولكنه بلغ ذروته في جمعة الغضب 28 يناير، عندها بدأت واشنطن في الاستعداد لمرحلة ما بعد مبارك، ومنذ ذلك الحين والمناقشات لم تتوقف حول الط?يقة التي يمكن بها الحؤول دون حلول نظام لا يبدي قدراً من "التعاطف" حيال تل أبيب، وربما تطور إلى نظام معادٍ في وقت لاحق.. هذا أمر غير مسموح به لا في تل أبيب ولا واشنطن ولا حتى العواصم الأوروبية، والفعل بطبيعة الحال يجاوز الأقوال إلى إعداد "مصر الجديدة" على نار أمريكية هادئة.
هناك أكثر من سيناريو وضع على الطاولة لتغيير الوضع بطريقة ناعمة، لكن حدث أمر تلقته تلك العواصم بانزعاج شديد، إنه نتائج الاستفتاء التي كانت بمثابة بالون اختبار قرأت معطياته دوائر صنع القرار هنا وهناك، غير أن واشنطن تحديداً لم تزل مطمئنة إلى حد ما، فمبارك قد خسر الحكم بالفعل، وجرت التضحية به بعد أن استنفد مرات "الرسوب"، ولم يعد قادراً على "العطاء"، لكن الولايات المتحدة لم تخسر أوراقها بعد في القاهرة، وما زال البعض يحتفظ بعلاقات دافئة مع واشنطن.
التغيير إذن ممكن، ولم يخرج بعد عن حدود السيطرة، وثمة أدوات يمكنها التنفيذ، لكن ثمة إشكالية عصية على الحل؛ هي النجاح في إيجاد نظام يتمتع بشعبية عالية وأرضية واسعة بيد أنه في الوقت عينه يرتبط استراتيجياً بالإدارة الأمريكية أياً كانت.
بعض النماذج "الاستعمارية" بمقدورها أن تعيد انتاج نفسها، التاريخ لا يمكن أن يتكرر، لكن بعض فصوله يمكن محاكاتها، والتجارب الناجحة يمكن تقليدها لكن مع إدخال تعديلات جوهرية تتماهى مع الواقع والاختلاف الجغرافي والتاريخي والديموجرافي.. الخ، وهناك تجربة في جنوب البحر المتوسط جديرة بإعادة النظر فيها.. الخصم "الكروي" لمصر وأبناء مبارك!، إنها الجزائر، حيث شهدت حالة من التحول الديمقراطي سرعان ما جرى وأدها بسرعة.
الظروف بدت متشابهة، لكن التجربة الجزائرية لم تصاحبها هذه الرياح التغييرية الموجهة، كما تختلف تركيبتها الحادة نسبياً عن طبيعة الشعب المصري الوادعة، وبالتالي لا بد أنهما سيفترقان عند منعطف ما.. لقد أدخلت الجزائر في تجربة ديمقراطية اضطرارية التجأ إليها الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد بعد أن كادت انتفاضة 1988م تقوض نظامه، والتزم أركان حكمه بالحياد المظهري، أثيرت أسباب كثيرة لوأد التجربة الديمقراطية لكن النظام بدا ماضياً قدماً في بناء مؤسسات الدولة وفقاً لنظام ديمقراطي شفاف.. الإعلام كان حراً لدرجة لم يألفها الجزائريون من قبل، أصبح تليفزيون الجزائر مزاراً دائماً لـ "السلفيين" وغيرهم من "الإسلاميين" في الجزائر.. أضحوا ضيوفاً مرغوباً بهم حتى لدى أركان الحكم، وأوحى لبعضهم أن النظام لا يريد أكثر من "ضمانات"، باتت كل الأجواء مهيأة لانتخابات حرة نزيهة حقاً، ولتحقيق نزاهة أعلى ستكون الصناديق زجاجية شفافة، وسيحضر من يشاء من مراقبين دوليين.
الجزائر باستثناء اعتقالات لبعض قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ (FIS)/الحزب الأقوى في المعادلة الجديدة، كانت حافلة بجميع الإرهاصات المبشرة بانتخابات لم يسبق لها مثيل.. لكن غير بعيد عن هذه الأجواء كانت خطة تعد بكل تفاصيلها في أروقة الاستخبارات الجزائرية تشمل العديد من الأصعدة والأدوات.. عندما ظهرت نتائج الانتخابات الأولية مسفرة عن فوز كاسح للإنقاذ كانت آخر رتوش خطة "فلفل حلو" قد أنجزت.