رُبَّ حَرفٍ قـادَ نَصْـرًا
أتخوض الكلمة حَربًا؟!
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
ضجَّتْ الأسئلةُ مِن حوله، وعلا استنكارها!
أتخوض الكلمة حَربًا؟!
أتبارز الأقلام في المعارك؟
أيحوز الحرف الهزيلُ نصرًا؟!
أغمِدْ قلمك.. لا وقتَ للشِّعرِ، لا وقتَ للنَّثرِ.. وحدها الدِّماء مَن تتحدَّث اليوم!
بثباتٍ مضَى.. اعتلَى الجَبلَ.. ركبَ الغيمةَ المسافرةَ، وهناك قربَ الشَّمسِ، مِن مَعينِ النُّورِ ملأ محبرته!
قلمٌ مؤمنٌ.. لا يسجدُ إلا للهِ، يؤدي مهمَّتَه بأمانةٍ وحبٍّ، لا تأخذه في الحقِّ لومَةَ لائِمٍ، يسيل حِبرُهُ حروفًا صادقةً.. كلماتٍ خالصةً.. فيشعُّ النَّـصُّ المجـاهدِ،
ويسري ضوءُه قناديلَ هدايَةٍ، ومنائرَ فرقانٍ!
قلمٌ حـرٌّ.. يعرفُ قَدْرَ نفسِهِ، ويُدرك قيمةَ الكلمة!
أليس مفتاح الجـنَّـةِ كلمة؟
وما أعظمها مِن كلمةٍ: أشهدُ أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم!
للكلماتِ أسْـرارٌ، عصيَّة على الاكتشاف أحيانًا!
فكَمْ مِن كلمةٍ جلَّتْ للأفهامِ السَّليمةِ الحقائق، وأماطَت عنها لثامَ الزَّيفِ والخديعَةِ!
وكَمْ مِن كلمةٍ أثارَتْ مكامِنَ التَّفكيرِ لدينا، فتركتنا في فضاء التَّأمل نبحثُ وندقِّقُ!
وكَمْ مِن كلمةٍ نثرَتْ في قلوبِنا بذرةَ خـيرٍ، لم نَعبأ بها لصغرها، امتدَّتْ جذورها بين حَنايانا، نمَتْ.. أثمرَتْ.. أضحَتْ شجرةً وارفةً، نلوذُ بظلِّها كلما لَفَحَنَا هجيرُ الشَّـرِّ!
وكَمْ مِن كلمةِ نصحٍ، هدَتْ قلوبنا، وثبَّـتتْ أقدامنا، حينما تهادَتْ إلى مسامِعِنا في رفقٍ ولينٍ!
وكَمْ مِن كلمةِ إيمانٍ صَدَحْنا بها في عِـزَّةٍ ويَقـينٍ، فجاءَ النَّصرُ والتَّمكينُ مِن ربِّ العالمين!
وتاريخنا حافلٌ بالمواقف والعِبَر..
فيوم أحُد، لما انقضت الحرب، أشرف أبو سفيان على الجبل، فنادى: أفيكم محمَّد؟ فلم يجيبوه.
فقال: أفيكم ابن أبـي قحافة؟ فلم يجيبوه.
فقال: أفيكم عمر بن الخطاب؟ فلم يجيبوه.
ولم يسأل إلا عن هؤلاء الثلاثة، لعلمه وعلم قومه أن قوام الإسلام بهم، فقال: أما هؤلاء، فقد كفيتموهم، فلم يملك عمر نفسه أن قال: يا عدو الله إن الذين ذكرتهم أحياءٌ، وقد أبقى الله لك ما يسوءُك.
فقال: قد كان في القوم مثلةٌ لم آمر بها، ولم تَسُؤْني، ثم قال: اعْلُ هُبَل.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «»
فقالوا: ما نقول؟
قال: «»
ثم قال: لنا العُزَّى، ولا عزى لكم.
قال: «»
قالوا: ما نقول؟
قال: «» (زاد المعاد في هدي خير العباد).
هل كانت مجرد كلمات؛ بلا روح.. بلا مَعنى.. بلا تأثير؟
أمْ إنها قذائف مُدوية أُلقيَتْ على أهلِ الكُفرِ فدَمَغَتْهُمْ دَمْغًا، وثبَّـتَتْ قلوبَ قومٍ مؤمنين!
وهناك.. على رمال الصحراء المُلتهبة، كان أمية بن خلف يُخرِج بلال بن رباح إذا حميتْ الظَّهيرة، ثم يأمر بالصَّخرةِ العظيمةِ فتوضعَ على صدرِهِ، ثم يقول له: لا والله لا تزال هكذا حتى تموت، أو تكفر بمحمَّدٍ، وتعبد اللاّت والعزى!
فيقول وهو فـي ذلك البلاء: أَحَـدٌ .. أحَـدٌ! (سيرة ابن هشام).
هل كانت ـ هي الأخرى ـ مجرد كلمة؛ بلا روح.. بلا مَعنى.. بلا تأثير؟
أم إنها كلمة نَبَعَتْ مِن القلبِ، فسَرَتْ مع الدِّماء غِذاءً و دواءً، فاسْتُعذِبَ الألم برغمِ مَرارتِـهِ!
رجاء محمد الجاهوش