الاستجابة لله حياة

ما الدليل على صدق إيمانكَ وقوة يقينك وشدة حبك لله ورسوله؟

  • التصنيفات: الزهد والرقائق -


في الاستجابة لله حياة، ما أكثر الناس الذين يتبجحون بحب الله وحب رسوله!

 

وكل يدعي وصلاً بليلى *** وليلى لا تقر لهم بذاكا


ما الدليل على صدق إيمانكَ وقوة يقينك وشدة حبك لله ورسوله؟
الدليل: هو سرعة استجابتك لأوامر الله ورسوله.
عندما تسمع آية فيها أمر الله سبحانه وتعالى، وعندما تسمع حديثاً فيه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل تتقبل ذلك مباشرة دون تلكؤ؟ دون تباطؤ؟ دون تململ؟ أم أننا نماطل، ونسوف، وحينما ربنا يهديني وحينما... وحينما.. مبررات لا أكثر!

تأمل معي قول الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24]، عندما يبلغك حكم الله في مسألة من شؤون حياتك، وعندما يبلغك حكم رسول الله في قضية من قضايا معاشك، كم يمضي عليك من الزمن لتمتثل حكم الله وحكم رسول الله؟ هل تطبق أمرهما بأسرع صورة ممكنة؟ أم تتريث حيناً من الدهر، يوماً، أسبوعاً، شهراً وربما أكثر من ذلك؟ا، ويقول أيضاً سبحانه وتعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65]، وقال أيضاً سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:51-52].

الأنبياء وسرعة الاستجابة إلى أوامر الله:

لما اختار موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام سبعين رجلاً لميقات وقَّته له رب العالمين، أسرع موسى للقاء الله تعالى وخلَّف قومه وراءه، فعجب الله منه، قال تعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى . قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:83-84].

هل أنت ممن يعجلون إلى الله بالتوبة؟ أم ممن يسوفونها إلى حيث لا تنفع التوبة، ونجد أيضاً سرعة استجابة رسول الله لأوامر الله تعالى، ففي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لمّا نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي: «يا بني فهر، يا بني عدي -لبطون من قريش- حتى اجتمعوا» (أخرجه البخاري في صحيحه)، ولنتأمل معاً كيف استجاب الصحابة لأوامر الله في تحريم الخمر، أخرج البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "ما كان لنا خمرٌ غير هذا الذي تسمونه الفضيح (شراب يتخذ من البسر- النهاية)، فإني لقائم أسقي أبا طلحة وفلاناً، وفلاناً إذ جاء رجل فقال: هل بلغكم الخبر؟! فقالوا: وما ذاك؟! قال: حُرِّمت الخمر، قالوا: أهرقْ هذه القلال يا أنس، قال: فما سألوا عنها ولا أرجعوها بعد خبر الرجل".

فهل شبابنا سمع النداء ولبا.. قد انتهينا ربنا قد انتهينا، الاستجابة لله حياة في أمر الحجاب، عن صفية بنت شيبة قالت: " بينما نحن عند عائشة، قالت: فذكرنا نساء قريش وفضلهن، فقالت عائشة رضي الله عنها: "إن لنساء قريش لفضلاً، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، أشد تصديقاً لكتاب الله، ولا إيماناً بالتنزيل؛ لما أنزلت سورة النور: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31]. انقلب رجالهن عليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابة، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مِرْطِها المُرَحَّل، فاعتجرت به؛ تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله من كتابه، فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرات، كأن على رؤوسهن الغربان" (رواه أبو داود وغيره).

فهذه الآية نزلت بالليل، فلم ينتظرن حتى الصباح، بل شققن الثياب وصنعن الخمر وصلين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم مختمرات، فرضي الله عنهن. وسبحان الله، ما أطهرها من قلوب، وما أنقاها من نفوس!

فيا أختي في الله، كيف استقبلت أمر الحجاب هل تلكأتِ؟ هل جادلتِ: عندما أكبر، عندما أتزوج، عندما أنجب أول طفل، إلى متى؟ يقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36].

الاستجابة لله في أمر الجهاد:

فهذا هو حنظلة غسيل الملائكة الذي كان حديث عهد بعرس، يسمع نداء الجهاد من منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فينطلق ملبياً النداء مسرعاً مستجيباً لداعي الله، ولم يتمهل حتى يغتسل من جنابته، وينطلق نحو المعركة، لتكون نهايته السعيدة ويلقى الله شهيداً وهو جنب فتغسله الملائكة.

على الجانب الآخر نجد بني إسرائيل عندما طلب منهم موسى أن يدخلوا القرية، ماذا كان ردهم؟ يقول المولى عز وجل: {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:26]، قعدوا عن الاستجابة لأوامر الله، فاستحقوا العقوبة من الله التيه في الأرض، فكم من تائه في هذه الدنيا؛ لأنه لم يسارع إلى تنفيذ شرع الله، وفي معركة خيبر والقدور تغلي بلحمها، والموائد في انتظارها والبطون جوعى، في هذا المشهد المهيب يأتي النهي عن الحمر الأهلية، يصرخ العباس بأعلى صوته: "إن الله ورسوله ينهيانكم عن أكل لحم الحمر الأهلية"، فما توانوا لحظة وما تأخروا برهة وما أعملوا عقولهم وما رحموا جوع بطونهم، وإنما أراقوا القدور بما فيها من لحوم وبحثوا من جديد عن طعام حلال خشية لله ورسوله واستجابة لنداء الرحمن.

الاستجابة لله ورسوله في أمر الزواج:

أخرج الإمام أحمد عن أَنَسٍ قَالَ: "خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى جُلَيْبِيبٍ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ إِلَى أَبِيهَا، فَقَالَ: حَتَّى أَسْتَأْمِرَ أُمَّهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَنَعَمْ إِذًا» قَالَ: فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهَا، فَقَالَتْ: لَاهَا اللَّهُ إِذًا مَا وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا جُلَيْبِيبًا وَقَدْ مَنَعْنَاهَا مِنْ فُلَانٍ وَفُلَان، قَالَ: وَالْجَارِيَةُ فِي سِتْرِهَا تَسْتَمِعُ، قَالَ: فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يُخْبِرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ، فَقَالَتْ الْجَارِيَةُ: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَرُدُّوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْرَهُ، إِنْ كَانَ قَدْ رَضِيَهُ لَكُمْ فَأَنْكِحُوهُ، فَكَأَنَّهَا جَلَّتْ عَنْ أَبَوَيْهَا، وَقَالَا: صَدَقْتِ، فَذَهَبَ أَبُوهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ قَدْ رَضِيتَهُ فَقَدْ رَضِينَاهُ، قَالَ: «فَإِنِّي قَدْ رَضِيتُهُ فَزَوَّجَهَا» ثُمَّ فُزِّعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَرَكِبَ جُلَيْبِيبٌ فَوَجَدُوهُ قَدْ قُتِلَ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ قَتَلَهُمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا وَإِنَّهَا لَمِنْ أَنْفَقِ بَيْتٍ فِي الْمَدِينَة".

أخرج الإمام مسلم عنْ أَبِى بَرْزَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي مَغْزًى لَهُ، فَأَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لأَصْحَابِهِ «هلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: نَعَمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: نَعَمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا، ثُمَ قَالَ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: لاَ، قَالَ: «لَكِنِّى أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا فَاطْلُبُوهُ»، فَطُلِبَ فِي الْقَتْلَى فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ ثُمَّ قَتَلُوهُ فَأَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «قَتَلَ سَبْعَةً ثُمَّ قَتَلُوهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ»، قَالَ فَوَضَعَهُ عَلَى سَاعِدَيْهِ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ سَاعِدَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: فَحُفِرَ لَهُ وَوُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلاً.

وحدث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثابتًا قال: "هل تعلم ما دعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «اللهم صب عليها الخير صبًّا، ولا تجعل عيشها كدًّا كدًّا»، قال: فما كان في الأنصار أيم أنفق منها".

حتى في أمر الزواج الاستجابة لله ولرسوله فيها الحياة الطيبة لهذه الأسرة الجديدة إذا اختار حسبما شرع الله بالنسبة للفتاة: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه»، وليس من تميل إليه الفتاه هوىً وحباً، وهو لا يصلي، ولا يتقي الله، وبالنسبة للفتى: «فظفر بذات الدين تربت يداك»، نعم، تنكح المرأة للجمال أو المال أو الحسب والنسب، ولكن نكاح أهل الإيمان على أساس الدين والخلق، فهل سارعنا للاستجابة لأوامر الله حتى لا تكون فتنة في الأرض وينتشر الفساد بزواج غير الأكفاء إلى بعضهم البعض.

وهناك قصة أخرى هي استجابة لأوامر الله في الصلاة قصة تحويل القبلة:

عن البراء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن تكون قبلته قِبَل البيت، فأمره الله عز وجل باستقبال المسجد الحرام، فقال تعالى: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ} [البقرة:144]، وقد كان تحويل القبلة في صلاة العصر فبعد الصلاة خرج ممن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر علىأهل مسجد يصلون تجاه المقدس، فقال: " أشهد بالله لقد صليت مع الرسول صلى الله عليه وسلم تجاه الكعبة، فما منهم إلا أن تحولوا جهة الكعبة، وهم راكعون، كان من الممكن أن يتحولوا في الصلاة التي تليها، ولكن من شدة الحرص على طاعة الله ورسوله لم يجاوزوا الصلاة حتى تحولوا، كم مرة أخرت صلاة عن ميعادها؟ ألم تسمع قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء:103] أين استجابة النداء؟

وهذه قصة أخرى:

قصة جلوس عبد الله بن رواحة خارج المسجد، فعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر يوم الجمعة، فقال: «اجلسوا» فسمع عبد الله ابن رواحة قول النبي صلى الله عليه وسلم : «اجلسوا»، فجلس في بني غنم، فقيل يا رسول الله ذاك ابن رواحة سمعك وأنت تقول للناس اجلسوا فجلس في مكانه.

إن من ثمرات المسارعة للاستجابة لأوامر الله:

أولًا: الاستجابة سبيل إلى الرشاد وإجابة الدعاء، كما قال تبارك وتعالى، وهو يعد أهل الاستجابة بهذه البشارة العظيمة: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186].

فالاستجابة لله سبحانه بفعل الأوامر التي أمر بها واجتناب النواهي التي نهى عنها، وآمن به وأحسن الظن بالله جل وعلا فإنه سبحانه وتعالى قريب مجيب دعوته. قال صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا» قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: «اللَّهُ أَكْثَرُ» (رواه الإمام أحمد من حديث أبي سعيد).

ثانياً: المستجيب حي، فعلى قدر الاستجابة تكون الحياة، فهي مراتب كلما زاد العبد في الاستجابة لله وطاعة أوامره كلما زاده الله هداية وتوفيقاً. وقد شبه الله المستجيب لنداء الله ورسوله بالحي، والذي لا يستجيب بالميت {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [الأنعام:36].

يقول صاحب الظلال في الاستجابة لأوامر الله: يصف صاحب الظلال هذه الدعوة الإلهية بأنها دعوة للحياة، للحياة الدائمة المتجددة، لا لحياة تاريخية محدودة في صفحة عابرة من صفحات التاريخ، إنها دعوة إلى الحياة بكل صور الحياة، وبكل معاني الحياة، إنَّه يدعوهم إلى عقيدة تحيي القلوب والعقول، وتطلقها من أوهاق الجهل والخرافة، ومن ضغط الوهم والأسطورة، ومن الخضوع المذل للأسباب الظاهرة والحتميات القاهرة، ومن العبودية لغير الله والمذلة للعبد أو للشهوات سواء، ويدعوهم إلى منهج للحياة، ومنهج للفكر، ومنهج للتصوّر.

فانظر أخي وأختي على قدر استجابتك يكون القلب حي مع الله، فإذا تلكأت عن أوامر الله فاعرف أن هناك ما يشوب القلب، فبادر إلى تطهيره.

أخر طريق الاستجابة الجنة، قال الحق تبارك وتعالى: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [الرعد:18]. قال البغوي: "قوله تعالى: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لربهم} أجابوا لِرَبِّهِمُ فأطاعوه، {الْحُسْنَى} الجنة، {وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ} أي: لبذلوا ذلك يوم القيامة افتداءً من النار، {أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ}"، قال إبراهيم النخعي: "سُوء الحساب: أن يحاسبَ الرجلُ بذنبه كلّه لا يغفر له منه شيء {وَمَأْوَاهُمْ} في الآخرة {جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} الفِراش، أي: بئس ما مُهِد لهم..." (التفسير[4/309]).

المستجيب وهداية الله:

قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص:50]. قال ابن قيم الجوزية طيب الله ثراه: " فقسم الأمر إلى أمرين لا ثالث لهما، إما الاستجابة لله والرسول وما جاء به، وإما إتباع الهوى، فكل ما لم يأت به الرسول فهو من الهوى، وقال تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص:26]، فقسم سبحانه طريق الحكم بين الناس إلى الحق وهو الوحي الذي أنزله الله على رسوله، وإلى الهوى وهو ما خالفه، وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُون. إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا ۚ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۖ وَاللَّـهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية:18-19]، فقسم الأمر بين الشريعة التي جعله هو سبحانه عليها، وأوحى إليه العمل بها، وأمر الأمة بها، وبين إتباع أهواء الذين لا يعلمون.

خامسًا: الاستجابة علامة للإيمان. فأهل الاستجابة هم المؤمنون حقًا، قال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور:51]؛ فقول أهل الإيمان إذا ما دعوا إلى الله ورسوله هو سمعنا وأطعنا، وقت النشاط والكسل، ووقت العسر واليسر، فحياتهم مبنية على الاستجابة لأمر الله ورسوله، أما المنافقون فشعارهم ودينهم الصد عن سبيل الله ومخالفة أوامر النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال الله عنهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء:61].

سادسا: سلامة العبد من حيلولة الله بينه وبين قلبه: لأن الله حذر من أن يحول بين العبد وقلبه فلا ينتفع بموعظة، ولا يتحرك قلبه بترغيب ولا ترهيب، قال الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24].

سابعا: تأخير الاستجابة لأمر الله ورسوله من صفات المنافقين، فالفرق بين المؤمنين والمنافقين سرعة الاستجابة لله ورسوله، والمبادرة إلى امتثال أوامر الله ورسوله، والسمع والطاعة، والانقياد للحق إذا ظهر واستبان له، يقول تعالى مبيناً صفات الفريقين في ذلك: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ . وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ . وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ . أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ . إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:48-52].

فهل تحب أن تكون منهم أعاذنا الله وإياكم؟!

ثامناً: الاستجابة لأوامر لله سبحانه نجاة في الدنيا والآخرة من هول يوم القيامة، قال الله تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} [الشورى:47].

فلنسارع بالاستجابة لأوامر الله؛ لنكون على خطى النبي والصحابة، لما نرضى بالدون ولا نطلب الدرجات العلى في الجنة من قبل أن يأتي يوم يرى المجرمون العذاب، فلا تكون لهم أمنية إلا العودة إلى الدنيا لتصحيح ما سلف منهم من تقصير وما أشد حاجة المسلمين اليوم إلى استجابة الله لهم، ليحييهم بعد مواتهم، ويكشف عنهم كرباتهم، ويزيل الظلم والظالمين عن كواهلهم، فلن تنكشف الغمة، وينصلح حال الأمة إلا بقيامها لله فرادى وجماعات، منيبين إليه، مستجيبين له ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيحميها ويغار عليها، ويثأر لها، وينصرها: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].


إيمان الخولي