يا أهل الغيرة .. أدركوا اللحظة الفارقة!

ما المطلوب من هذا المجتمع الذي يُستهدف في أهله وأعراضه؟!

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


لست أشك أن رؤوس التغريب ستختفي هذه اللحظات التاريخية، فبعد تسديدهم الضربة الأخيرة في جامعة نورة وتهديدهم للأعراض ستعود الرؤوس إلى جحورها لجسِّ نبض المجتمع المتدين ومدى غيرته على أعراضه، ولست أشك أيضا أنه حين تكون ردة الفعل باردةً؛ فالمستقبل ينطوي على ضربات أخرى تضرب في العمق، فلن تهدأ العصابة حتى تنقلب العفيفات الطاهرات إلى فتيات متعة وتزجية الفراغ في بهو الماريوت!

حين تتحدث عن عجلة التغريب التي تدوس كل يوم صرحا من صروح الفضيلة؛ فإنك لا تتحدث عن مشاريع تدار في جنح الظلام، وخطط تبحث عن مستندات لها محسوسة، بل كل المجتمع أصبح يدرك أولئك الذين يتآمرون على شرفِ العفيفات، ومن المعلوم أن المجتمع ربما يصبر على اليد التي امتدت لأمواله، لكنه لن يصبر على امتهان فضيلة نسائه، وما أخبار الاعتصامات التي صرنا نسمع عنها بسبب الحماقة التي ارتكبها قليلو المروءة إلا لونا من ألوان نفاد الصبر!

حسنا..لدى القارئ سؤال أشعرُ به الآن، وهو: ما المطلوب من هذا المجتمع الذي يُستهدف في أهله وأعراضه؟!

مِنَ المطلوب على أهل الغيرة: توزيع الأدوار بشكل جيد، وقيام كل مسلم على ثغر الفضيلة وهو يستشعر فيه أنه يحمي أهله وذويه!

فالحرب المنظمة على العفاف لن يغلبها إلا أفعال منظمة، ومن أكثر ما يخشى على أهل الغيرة وعموم المجتمع حين تستعرُ حرب التغريب أمران:


1- الرضوخ والاستسلام لضربات التيار التغريبي الأهوج، وذلك بإشاعة روح الانهزامية بأن المجتمع يدار بأيدي هؤلاء المتنفذين الكبار، فلا قدرة على سحب البساط من صاحب القرار، فبالتالي يظل الناس متفرجين على أعراضهم وهي تحت رحمة التغريبيين، ويندفع آخرون حمايةً لأعراضهم بتصرفات غير محسوبة، وهذا من أخطر ما يهدد المجتمع المسلم ويحيله مواتا لا حول له ولا قوة؛ فمن الواجب على أهل الغيرة والدعوة وذوي العلم أن يبثوا في الناس روح العمل الإيجابي، وينتدبوهم للدفاع عن الأعراض مهما توحش التغريب، فليست الهزيمة في أن يحقق العدو أهدافه ونحن نقاوم بكل ما نستطيع من منافذ مشروعة، إنما الهزيمة أن يتحكم التغريبي في أعراض المسلمات ونحن نتفرج!

والعمل الإيجابيُّ مهما كانت قوى الباطل نافذةً هو منهج قرآني صميم فـ{مَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ} [الأنعام من الآية:69]، ويبارك الله دوما في جهود العاملين، ويقر أعينهم بتحقيق آمالهم كلما امتثلوا أمره وصانوا الأعراض التي عظَّم سبحانه شأنها، وقد ذكر المفسرون في تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّـهُ مُهْلِكُهُمْ} [الأعراف من الآية:164] قصةً تحكي هذا المنهج القويم، فلما نهى الله بني إسرائيل عن الصيد يوم السبت انقلب بنو إسرائيل إلى ثلاث طوائف، العاصي، والمذعن لأمر الله، والقاعد،

فلنأخذ تلك القصة برواية أبي عبدالله القرطبي في تفسيره هذه الآية؛ قال: "قال جمهور المفسرين: إن بني إسرائيل افترقت ثلاث فرق، وهو الظاهر من الضمائر في الآية، فرقة عصت وصادت، وكانوا نحوا من سبعين ألفا، وفرقة اعتزلت ولم تنه ولم تعص، وإن هذه الطائفة قالت للناهية: لم تعظون قوما-تريد العاصية- الله مهلكهم أو معذبهم على غلبة الظن، وما عهد من فعل الله تعالى حينئذ بالأمم العاصية، فقالت الناهية: موعظتنا معذرة إلى الله لعلهم يتقون".

فانظر كيف ساق الله حجة هؤلاء الناهين على القاعدين.. هل انتهت القصة هنا؟!
كلا!


فالمشهد لا يزال ناقصا، ويكتمل الفصل الأخير منه بهذه الآية التي من قرأها بتمعن قفز قلبه من بين الضلوع وطمع أن يكون من أولئك الناجين حين ينزل العذاب، تأمل قول الله بعد الآية السابقة: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف:165]، وهذا المعنى (نجاة المصلحين) شهيرٌ متواردٌ في كتاب الله كنحو قول الله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:117]. فالنجاة لا تكون بالقعود والصلاح الذاتي وإنما بالإصلاح المتعدي.

2- الانخداع بخط الدفاع الأولي في جيش التغريب، ألا وهم ثلة من المنتسبين للشريعة ركبوا أهواءهم وغدوا مطيَّة للمتنفذ، وهذه الثلة كما قال ابن القيم عن أشباههم -ممن مُنع التوفيق وصُدَّ عن الطريق- هم في الأغلب على استعداد لشرعنة كل ما يريده الأكابر وأصحاب القرار، فهم ارتضوا لأنفسهم مكانةً تبعية حيثما اتجهت بوصلة التغريب عبر اجتزاء النصوص وبترها من سياقاتها وعدم الاعتبار بالناسخ والمنسوخ وما نزل قبل الحجاب وما نزل بعده، فكل هذه الاعتبارات ساقطة، الأهم هو تقديم السند الشرعي المطلوب لكل مرحلة، وينخرط في سلك ذلك ما يفعله بعض الناس من الخلط في أصول الاستدلال والقفز بين المذاهب، أو ترك المذاهب كلها والعمل بظاهر السنة، أو ترك ذلك كله والعمل بظاهر القرآن.

فحين يريد سوق الأدلة على كشف الوجه يروي لك قول المذاهب ويفخِّم من قول الجمهور ويعظم عليك مخالفته، أما في مسألة الغناء فإنه يدع هذا كله ليحدثك عن ابن حزم، وإذا أراد تقرير مسألة ما والمخالف فيها ابن حزم وحده، قال: ولم يقل بهذا إلا ابن حزم! أما إذا جاء لمسألة الغناء قال: أباحه الإمام الموسوعي أبو محمد ابن حزم!
فيا لمسالك النفوس!
وما أرادوا إلا تهتيك وشائج الفضيلة، واللحاق بأي حافلة متجهة غربا!


علينا أن نعترف بقدرة هؤلاء على التشويش وإثارة الغبار وبلبلة المفاهيم، لا سيما بين البعيدين عن التعمق الشرعي، ومن أعظم ما يفتُّ في أعضاد أولئك؛ هو نشر نصوص الفضيلة وبث وصايا القرآن المتعلقة بالعفاف في الناس، وفضح جهل هؤلاء بنصوص الوحيين القطعية، فتحريم الاختلاط الدائم ليس ابتكارا من فقهاء متزمتين، وإنما حرم بنصوص متضافرة في الشريعة، وللفقهاء نصوص قاطعة في تحريم الاختلاط الدائم بالنساء؛ ما يفعل من يريد تحطيم الحواجز الشرعية بين الجنسين بمثل قوله تعالى: {فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب من الأية:53].
ومثل قوله: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [النور من الآية:32].
ومثل قوله: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ} [الأحزاب من الآية:33].
ومثل قوله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ} [النور من الآية:31].
ومثل قوله: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب من الأية:59].
ومثل قوله: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور من الآية:31].
ومثل قوله: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور من الآية:30].
ومثل قوله: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور من الآية:31].

ومثل قوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة في الصحيحين: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها». ومثل قوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي موسى: «أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية».
ومثل قوله صلى الله عليه وسلم من حديث عقبة بن عامر في الصحيحين: «إياكم والدخول على النساء» إلخ..

لكن أيها القارئ الغيور على محارم الله؛ أتدري ما يفعل الاختلاطيون من المنتسبين للعلم بهذه النصوص الشرعية التي تنقض أصولهم من القواعد؟!
لهم في ذلك مسلك ظريف جدا.. أتدري ما هو؟
إنهم يغفلونها تماما تماما كما لو لم تنزل!
فهم يريدون شرعا مفصلا على قدِّ الحضارة المعاصرة، وهذه النصوص ربما تشوه جسدنا الحضاري أمام الغرب، فأفضل وسيلة هو إلغاؤها ودسها بالتراب!


أخيرا.. تأمل أخي القارئ هذه الآية التي من قرأها استغنى عن كثير من التفصيلات وتتبع النصوص وشعر ببرد اليقين ينساب بين ضلوعه، إنها آية الأحزاب الجليلة، وهي قوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} [النور من الآية:31].
قال السعدي عند تفسيره هذه الآية: "أي: لايضربن الأرض بأرجلهن، ليصوّت ماعليهن من حلي، كخلاخل وغيرها، فتعلم زينتها بسببه، فيكون وسيلة إلى الفتنة، ويؤخذ من هذا ونحوه، قاعدة سد الوسائل، وأن الأمر إذا كان مباحا، ولكنه يفضي إلى محرم، أو يخاف من وقوعه، فإنه يمنع منه، فالضرب بالرجل في الأرض، الأصل أنه مباح، ولكن لما كان وسيلة لعلم الزينة، منع منه".

إذن فالشريعة تنهى المرأة عن مجرد الضرب بقدميها كي لا يسمع صوت خلخالها المستور!
هذا الميزانُ الشرعيُّ الجلي في ستر النساء خذه بيدك واضرب به من شئت وما شئت من دعاوى فهم الشريعة!..

ثمة جملة تحترق في حلقي، لكني سأقولها على مضض:
يوما ما سيُكتب على حائط التاريخ أن اليد التي لم تفتأ تنخر جدار الفضيلة صافحتها يد فقيه أغمض عينيه عن مكر الليل والنهار، وطفق يتحدث بلغة باهتة: ليس كل الاختلاط حرام!
من قال هذا أصلا؟!
يقوم المنكر القطعي فينكره أهل الغيرة فيقوم هذا المتفقه ويسد سيل الإنكار بقصاصات واجتزاءات ونصوص مبتورة وفق الطلب!
يا من درستم الشريعة وقرأتم القرآن وعرفتم مقصود الشارع في عزل المرأة عن الرجل، بينوا هذا للناس، أدركوا اللحظة الفارقة لترجحوا كفة الفضيلة في معركة فرض الاختلاط!


سليمان العبودي