الزواج مثنى وثلاث ورباع
إن الحكمة من إباحة الإسلام لتعدد الزوجات يمكن أن نجدها في معرفة البناء العقدي والأخلاقي للإسلام، فهل يرضى أحد من المسلمين لأمه أو أخته أو ابنته أو عمته أو خالته أن تكون زانية؟ هل يرضى مسلم أن تصبح مهنة الخنا والفجور مهنة رسمية تصرح بها الحكومات وتفرض عليها الضرائب؟ هل يرضى مسلم لابنه أن يكون من رواد مثل هذه الأماكن القذرة؟ هل ترضى مسلمة أن تعيش هانئة سعيدة وترى حولها نساء لا يجدن فرصة لدخول أبواب الحياة الزوجية؟ ألا يخالف موقف المرأة الرافضة لمشاركة أخرى لها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
مقدمة:
الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فالإسلام كله خير، وكيف لا وهو النعمة التي أتمها الله على عباده بقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [1]، ولما كان الإسلام قد اكتمل ورضيه الله لعباده ديناً فكيف لبشر مهما أوتي من قوة الذكاء والعقل أن يقول برأيه في أحكام هذا الدين..
وتعدد الزوجات من بين تلك الأحكام التي أمر بعض البشر أن تكون كلمتهم هي النافذة فيها، وهي مسألة إن لم تكن أخطر المسائل فإنها من أخطرها. وليس الزواج بأكثر من واحدة مسألة جديدة فقد حاربته أوروبا في عصر (النهضة الحديثة) حينما اتفق رجال الدين عندهم مع رجال القانون المدني الوضعي على إلغاء حق الرجل في الزواج بأكثر من واحدة مهما كانت الأسباب والدوافع. وحينما خرجت أوروبا من نطاق حدودها الجغرافية لتهيمن على معظم أرجاء العالم الإسلامي مبتدئة بالسيطرة العسكرية والسياسية والاقتصادية، حيث سلبت الشعوب الإسلامية قدرتها على حكم نفسها واستغلال ثرواتها. وتحول الاستعمار فيما بعد إلى سيطرة على كل شؤون الحياة حينما استسلم العالم الإسلامي لحالة التبعية المطلقة، ورضي أن يكون في وضع (المغلوب المغرم دائماً بتقليد الغالب)، وهذه هي المرحلة التي تكون فيها الأمة مغزوة في عقيدتها وفكرها، وكان مما تأثرنا به أن أصبحنا نستهجن تعدد الزوجات كما يستهجنونه، وأن نأكل الربا كما يأكلونه، وأن نستخف بالزنا والخنا كما يفعلون إلا من رحم الله.
أعلمُ أن موضوع تعدد الزوجات ليس جديداً في تناوله من وجهة النظر الإسلامية، فثمة عشرات الكتب التي تناولته، فمنها ما اختلفت مستوياتها في درس هذا الموضوع حتى لجأ بعض الكتاب إلى أسلوب الدفاع والتبرير، وهذا الأسلوب يضطر أصحابه إلى الوقوف موقف الضعف، والإسلام دين القوة لأنه موصول بالله عز وجل السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، وما تناولنا هذه القضية بأسلوب الجدل العلمي المنطقي لأنه لا يشغل بالنا إلا هي ولكن لتكون مدخلاً لنا لنأخذ الإسلام كلاً لا يتجزأ، ولنضع مسألة التعدد في إطارها الصحيح من بناء الإسلام الكامل الشامل، ولأن أعداء الإسلام يتناولون جزئيات صغيرة ويكيلون الهجوم للإسلام وأهله.
ومنهج هذا البحث في الوصول إلى هدفه يبدأ بتمهيد يشير إلى العقيدة والأخلاق كأساس للتشريع الإسلامي بصفة عامة ولتشريع التعدد بصفة خاصة، وليعلم الناس أن لا خيار لهم فيما شرع الله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [2]، وإلى فصلين أولهما تمهيدي فيه إشارة إلى العقيدة والأخلاق ثم العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع الإسلامي ونظرة الإسلام إلى الزواج، والفصل الثاني عن الزواج بأكثر من زوجة وفقاً لهذا البناء المتكامل، ومن حق القارئ أن أوضح له معنى عنوان هذا البحث، فقد عدلت عن كلمة (تعدد) لأنها مصطلح غير إسلامي؛ فهذه اللفظة مأخوذة عن الإنكليزية (Pologymy) وإنما الزواج في الإسلام محدد بأربع مثنى وثلاث ورباع أو واحدة.
أسأل الله عز وجل أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه وأن ينير بصائرنا ويجنبنا الزلل وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، والحمد لله رب العالمين.
الفصل الأول: الزواج مثنى وثلاث ورباع
مقدمة:
إن بناء الأسرة يستغرق جهوداً عظيمة ابتداء بالبناء العقدي والأخلاقي، ومن المعروف أن موقف الإسلام من المرأة يعد رائداً متميزاً مقارنة بالأمم الأخرى قديماً وحديثاً، ومن الواضح أن الأسرة المسلمة يتربى أفرادها أولاً تربية عقدية أخلاقية، ثم لا يكون تأسيسها لأسرة جديدة عشوائياً بل يخضع لاختبارات من قبل أهل الفتاة، وكذلك عند أهل الزوج حتى إذا تكونت الأسرة واكبها الإسلام بالتوجيهات والنصح وأحاطها بالأهداف السامية العظيمة. لهذا كله لما جاء الإسلام ووجد أن التعدد موجود ولكن لا ينتظمه نظام ولا حدود ولا قيود ما كان منه إلا أن وضع له نظاماً تشريعياً، ونود أن نشير هنا إلى أن الكتابة عن التعدد لم تكن تحتل مساحة كبيرة في تراثنا الإسلامي أيام عظمة المسلمين وحضاراتهم، فما كان الأمر يتعدى كتاب النكاح والعدل بين الزوجات دون إطالة زائدة أو حديث حول الأصل في الزواج هل هو التعدد أو الزوجة الواحدة؟ وما أجمل ما قاله سيد قطب رحمه الله: "أن الإسلام لم ينشئ التعدد بل حدده، ولم يأمر بالتعدد بل رخص فيه وقيده وأنه رخص فيه لمواجهة واقعيات الحياة البشرية، وضرورات الفطر الإنسانية، فالحكمة والمصلحة مفترضتان وواقعتان في كل تشريع إلهي، سواء أدركها البشر أم لم يدركوها في فترة من فترات التاريخ الإنساني القصير عن طريق الإدراك البشري المحدود" [3].
وفي هذا الفصل نتناول الزواج بأكثر من زوجة بالحديث أولاً عن التعدد عند اليهود وعند النصارى وفي الواقع الأليم، ثم نتناول حكمة الزواج بأكثر من زوجة في الإسلام ونحاول بعد ذلك التعرف على حكم هذا الزواج، هل هو للضرورة أو للحاجة أو هل هو مباح وغير ذلك من المصطلحات الفقهية، ويكون خاتمة البحث الحديث عن ضوابط الزواج بأكثر من زوجة.
1- التعدد عند اليهود:
هل تعدد الزوجات نظام جديد على البشرية؟! الحقيقة أنه نظام قديم جداً لكنه لم يعرف التنظيم والضوابط إلا في التشريع الإسلامي؛ فاليهود عرفوا تعدد الزوجات وكان لهم أمراً طبيعياً فقد كثر ذكر زوجات الأنبياء من بني إسرائيل كما وردت عبارات في كتابهم (المحرف) حول مسائل التعدد من مثل "إذا كان لرجل امرأتان إحداهما محبوبة والأخرى مكروهة فولدتا له بنين المحبوبة والمكروهة... إلخ" [4]. ومن الدواعي للتعدد عند اليهود دعوة كتابهم (المقدس) لهم أن يكثروا من التناسل ليملؤا الأرض: "خلق الله الإنسان ذكراً وأنثى وخلقهم وباركهم الله وقال لهم أثمروا وأكثروا واملؤا الأرض واخضعوها" [5]، وقد دعا هذا علماء اليهود أن يسنوا القوانين الداعية للزواج كما جاء في كتاب الأحكام العبرية: "النكاح بنية التناسل ودوام حفظ النوع الإنساني فرض على كل يهودي، ومن تأخر عن أداء هذا الفرض وعاش عزباً بدون زواج كان سبباً في غضب الله على بني إسرائيل" [6]. ولما كان دأب اليهود والنصارى أن يخضعوا لأحبارهم ورهبانهم فيما يشرعون من دون الله فقد رأى هؤلاء الزعماء الدينيين أن يحدثوا تغييرات في شرع تعدد الزوجات، فقد ذكر عبد الناصر العطار بعد استقرائه لتشريعات اليهود أن: "أحبارهم كرهوا تعدد الزوجات فحاولوا التضييق منه وذلك لتحديد عدد الزوجات بأربع واشتراط وجود مبرر شرعي عند الزواج بأخرى واشتراط قدرة الرجل على الإنفاق على زوجاته واستطاعته العدل بينهن" [7].
2- التعدد عند النصارى:
من المعلوم أن عيسى عليه السلام صرح لأتباعه وفقاً لما جاء في الإنجيل أنه لم يأت بتشريع جديد: "لا تظنوا أني جئت لأنقص الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقص بل لأكمل" [8]. ومن أبرز النصوص التي زعم النصارى أنها تمنع تعدد الزوجات ما جاء على لسان المسيح عند سؤاله عن الطلاق قوله: "من بدأ الخليقة ذكراً وأنثى خلقهما الله، من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق –ويلزم- بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً إذ ليسا بعد اثنين بل جسد واحد، فالذي جمعه الله لا يفرقه الإنسان" [9]. وقد وردت تفسيرات عديدة لهذه العبارة أبرزها أنه لمنع الطلاق منعاً باتاً وليس لمنع التعدد، ذلك أن التعدد كان شائعاً عند اليهود ولم يأت المسيح عليه السلام إلا مكملاً وليس ناقضاً، وفي ذلك يقول أحمد عبد الوهاب: "إن الحديث عن الرجل والمرأة كجسد واحد ليس إذن حديثاً عن نظام الزوجة الواحدة لكنه حديث عن استمرارية العلاقة بينهما ومن ثم فهو حديث يتعلق بالطلاق وليس بتعدد الزوجات" [10]. لكن هذا الموقف لم يتبناه جميع النصارى فقد ظهر منهم رجال دين يبيحون الزواج مرة ثانية وثالثة ورابعة، بل ويبيحون الجمع بين أكثر من زوجة، ومن هؤلاء فرقة (أنَّا نابتست) Ananabaptistes، والمورمون Mormon، هؤلاء الأخيرون ظلوا يمارسون التعدد حتى أوائل القرن التاسع عشر [11]، بل ظهرت دعوات من مفكرين وعلمائهم تدعو إلى إباحة تعدد الزوجات وبخاصة بعد أن عانت أوروبا من نقص شديد في عدد الرجال نتيجة للحربين العالميتين اللتين قتل فيهما أكثر من ثمانية وأربعين مليون رجل [12]، وكذلك لانتشار الفواحش والزنا وزيادة عدد اللقطاء ومن هؤلاء بول بيرو Boul Bureou، وفرديناند دريفوس Ferdinand Dryfus، وبن لندسي Ben Lindsey، وغيرهم.
3- التعدد الأثيم في الواقع الأليم:
ظن اليهود والنصارى أنهم بإصرارهم على منع التعدد وإجبار الرجل على الزواج بزوجة واحدة قد بلغوا قمة العقل والرشد في التشريع. مع أن حقيقة دينهم وكتبهم مهما دخلها من تحريف لا تمنع التعدد مطلقاً وإلا كيف ينظرون إلى أنبيائهم الذين تزوجوا العديد من النساء وكان لبعضهم السراري الكثر؟ أليس النبي قدوة لمن آمن به، لكنهم قوم يجهلون. ظل الطلاق محرماً في ظل الكنيسة زمناً طويلاً حتى حدث الانفصام بين الكنيسة والدولة فأباحت التشريعات الوضعية الطلاق ثم تبعتها بعض الطوائف المسيحية، أما تعدد النساء فإنه ما زال محرماً وإن نظرت إليه طائفة أو طائفتان على أنه مباح وما زالوا يمارسونه بشكل سري في بعض الولايات الأمريكية.
هل انتهى التعدد بمجرد وجود هذه التشريعات الجاهلة؟ الحق أنه موجود لكنه تعدد إباحي فاسق فاجر، وإليك صورة موجزة عن أحوال المرأة في المجتمعات الغربية وغيرها من المجتمعات التي أخذت بقانون منع الزواج بأكثر من زوجة. قد تبدو الأرقام التي سنوردها عن الخيانة الزوجية مبالغاً فيها، ولكن المصدر الذي أورد هذه الإحصائية وهي جريدة عربية يومية تصدر في لندن وليس بقصد انتقاد الغرب أو إظهار محاسن الإسلام بل لكونها مجرد خبر صحفي، فقد جاء في هذه الإحصائية (29/5/1980) أن 75% من الأزواج يخونون زوجاتهم في أوروبا، وأن نسبة أقل من المتزوجات يفعلن الشيء ذاته [13]. وينقل المودودي رحمه الله تعالى عن بول بيورد عن انتشار الزنا بين المتزوجين والمتزوجات قوله: "وإن زنا المحصنين والمحصنات لا يعد من العيب أو اللوم في فرنسا، فإذا كان أحد من المحصنين متخذاً خليلة دون زوجته فلا يرى لإخفاء الأمر لزوم ويعد المجتمع فعله ذلك شيئاً عادياً طبيعياً في الرجال" [14]. أما عن نتائج هذه الإباحية ومنع التعدد فمنها ازدياد الأطفال غير الشرعيين زيادة كبيرة جداً، ففي إحدى الإحصائيات أن عدد هؤلاء الأطفال يفوق المليون سنوياً في أمريكا وحدها وقد كان هذا عام 1979م، أما الآن فقد يكون الرقم أكثر من هذا [15]. ولن تكون هذه النتائج السيئة قاصرة على المجتمعات الغربية، فإن البلاد الإسلامية التي تأثرت بالغرب ابتداء من إخراج المرأة وسفورها، واختلاطها بالرجال بالإضافة إلى دفعها للعمل تحت شتى المبررات ومن التشريعات المختلفة للحد من الزواج بأكثر من زوجة أو تحريمه مطلقاً، فلا بد أن تكون قد جنت الثمار الخبيثة لذلك كله.
4- الزواج مثنى وثلاث ورباع:
لا شك أن الذين كتبوا عن المرأة وأفردوا فصولاً للحديث عن تعدد الزوجات قد تناولوا أسباب الزواج بأكثر من واحدة، ولكن هل يحتاج الأمر حقاً إلى إجهاد الفكر للبحث عن أسباب التعدد وحكمته؟ هل التعدد قضية ينبغي أن تنفرد بالكتابة حولها؟ يبدو أن احتكاك العالم الإسلامي بالغرب الأوروبي النصراني واليهودي والملحد زمناً طويلاً وتحول المسلمون من وضع الأمة الغالبة إلى وضع المغلوب (المولع دائماً بتقليد الغالب) قد فرض على الكتاب الإسلاميين والكتاب المتغربين أن يتناولوا هذه المسألة كل من وجهة النظر التي يعتنقها. فالإسلاميون يرون أن الإسلام وحده هو الذي أعطى المرأة حريتها وكرامتها واعترف بها إنساناً كامل الإنسانية ونظر إلى طبيعتها وطبيعة الرجل فحدد نظاماً اجتماعياً يكفل مشاركة الجميع مشاركة فعالة، بينما يرى المتغربون -المغلوبون حقاً- أن الإسلام لم يعترف للمرأة بكيان مستقل وأنها في وضع أدنى من الرجل وحرمها من المساواة التي يتطلع إليها هؤلاء.
ومن اللافت للانتباه أن الدراسات الغربية باللغات الأوروبية المختلفة حول المرأة في العالم الإسلامي تفوق بوضوح حجم الكتابات التي كتبها الإسلاميون، كما تفوقها في الانتشار، ولعل من أبرز الدلائل على هذا العدد الكبير من المجلات الأسبوعية النسائية وغير النسائية المنتشرة بلغات المسلمين وهي تحمل الفكر المتغرب بصراحة [16]. وما زالت الكتب الداعية إلى خروج المرأة وسفورها تصدر تباعاً منذ كتاب قاسم أمين (تحرير المرأة) وكتاب الطاهر الحداد (امرأتنا في المجتمع والشريعة) حيث دعا كلاهما إلى خروج المرأة وسفورها وحارب الزواج بأكثر من زوجة، وبين يدي كتاب تولت اليونسكو نشره باللغة الإنجليزية أولاً ثم مولت ترجمته ونشره إلى اللغة العربية بعنوان (الدراسات الاجتماعية عن المرأة في العالم العربي) وفي هذا الكتاب تكرار لدعوة قاسم أمين ولكن بأسلوب أكثر تطوراً باستخدام معطيات عن الاجتماع ومصطلحاته. لهذا يبدو أنه لا بد من الاستمرار في الكتابة في هذا الموضوع وإجراء البحوث والدراسات الاجتماعية حول قضايا الأمة المختلفة وبخاصة موضوع المرأة، ولا بد من أخذ زمام المبادرة من دعاة التغريب، ولقد أصبح القارئ من كثرة ما يجد من هذه الدراسات التي تزعم لنفسها العلمية والمنهجية أن يقع فريسة لطروحاتها.
أما الحكمة من إباحة الإسلام لتعدد الزوجات فيمكن أن نجدها في معرفة البناء العقدي والأخلاقي للإسلام، فهل يرضى أحد من المسلمين لأمه أو أخته أو ابنته أو عمته أو خالته أن تكون زانية؟ هل يرضى مسلم أن تصبح مهنة الخنا والفجور مهنة رسمية تصرح بها الحكومات وتفرض عليها الضرائب؟ هل يرضى مسلم لابنه أن يكون من رواد مثل هذه الأماكن القذرة؟ هل ترضى مسلمة أن تعيش هانئة سعيدة وترى حولها نساء لا يجدن فرصة لدخول أبواب الحياة الزوجية؟ ألا يخالف موقف المرأة الرافضة لمشاركة أخرى لها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» [17]. لا شك أن التربية العقدية والأخلاقية للمسلم تجعله ينفر من الزنا والخنا والفجور لأنه يسأل ربه دائماً أن يرزقه العفاف والغنى، كما أن التربية العقدية في الإسلام لا تركز على الجانب الفردي على حساب الجماعة بل المسلم بطبيعته صاحب نظرة شاملة يهمه دائماً أمر الإسلام والمسلمين، بالرغم من هذا الوضوح في تشريعات الإسلام العقدية والأخلاقية، إلاّ أنه ظهر من المسلمين وغير المسلمين من أثار الشبهات حول إباحة التعدد، وفيما يأتي بعض هذه الأحكام التي أمر بعض البشر أن تكون كلمتهم هي النافذة فيها، وهي مسألة إن لم تكن أخطر المسائل فإنها من أخطرها، وليس الزواج بأكثر من واحدة مسألة جديدة فقد حاربته أوروبا في عصر (النهضة الحديثة) حينما اتفق رجال الدين عندهم مع رجال القانون المدني الوضعي على إلغاء حق الرجل في الزواج بأكثر من واحدة مهما كانت الأسباب والدوافع. خرجت أوروبا من نطاق حدودها الجغرافية لتهيمن على أرجاء العالم الإسلامي مبتدئة بالسيطرة العسكرية والسياسية والاقتصادية، حيث سلبت الشعوب الإسلامية قدرتها على حكم نفسها واستغلال ثرواتها، وتحول الاستعمار فيما بعد إلى سيطرة على شؤون الحياة حينما استسلم العالم الإسلامي لحالة التبعية المطلقة ورضي أن يكون في وضع (المغلوب المغرم دائماً بتقليد الغالب). وهذه هي المرحلة التي تكون فيها الأمة مغزوة في عقيدتها وفكرها. وكان مما تأثرنا به أن أصبحنا نستهجن تعدد الزوجات كم يستهجنونه، وأن نأكل الربا كما يأكلونه، وأن نستخف بالزنا والخنا كما يفعلون إلا من رحم الله. أعلم أن موضوع تعدد الزوجات ليس جديداً في تناوله من وجهة النظر الإسلامية، فثمة عشرات الكتب التي تناولته، لمنها اختلفت بالإنفاق على العديد من أولاده وزوجاته في الوقت الذي ازدادت فيه مطالب كل فرد وقلت الموارد المالية [18].
5- الرد على هذه الشبهات:
إن معرفة الإسلام صحيحة كفيلة بالرد على هذه الشبهات فالزعم بأن التعدد كان في بداية الإسلام منتشر في العالم حيث كان ينظر إلى المرأة نظرة دونية. فإذا كان الإسلام قد جاء في القرن السادس الميلادي فلماذا استمر نظام التعدد معمولاً به في جميع أنحاء العالم حتى القرن السادس عشر، فأي مغالطة هذه؟ أما المغالطة الثانية فهي ربط التعدد باحتقار المرأة، ألا يكفيه أن يعرف حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: «النساء شقائق الرجال» [19]، وحديث: «إن الله يوصيكم بأمهاتكم ثلاثاً…» [20]، أو حديث: «من كان عنده ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو ابنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة» [21]، بالإضافة إلى التشريعات الإسلامية كلها التي تساوي بين المرأة والرجل في التكاليف والأجر والثواب إلا ما كان من اختلاف في الخلقة والتكوين بين المرأة والرجل. لا شك أن إباحة الزواج بأكثر من زوجة سيعطي الفرصة للكثير من النساء للنجاة من براثن العنوسة بل ولعله يعطيهن الفرصة ليصبحن أمهات ويجدن من يبرهن حين نعلم توجيه رسولنا صلى الله عليه وسلم لمن سأله: أي الناس أحق بحسن صحابتي؟ فقال له: «أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك» [22].
أما الإدعاء بالمحافظة على شعور المرأة من أن تشاركها زوجة أخرى في زوجها فأمر نرد عليه بأن نسأل هؤلاء: هل الأولى أن تشاركها امرأة أخرى شريفة عفيفة ذات خلق إسلامي أو ترضى لنفسها أن تستقبل زوجاً يعاشر الساقطات؟ إن المرأة تقبل راضية أو كارهة أن ينشغل عنها زوجها بأعماله الكثيرة وسفره المتواصل والتقائه مع النساء سواء في محيط عمله أو خارجه ولا ترضى أن يكون لها ضرة. ويبدو لي أن كثيراً من النساء يفضلن زوجة أخرى على مثل هذا العمل الذي يساوي أكثر من عشرات النساء!! وحين يزعمون بوجود الخصومة والشقاق بين أبناء الرجل من زوجات مختلفات، فنذكر هؤلاء بأن الإسلام حريص جداً على تماسك المجتمع الإسلامي الأباعد منهم والأقارب، وفيما يأتي بعض التوجيهات القرآنية التي تؤكد ذلك: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [23]، وقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [24]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» [25]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» [26]، هذا بين من تجمعهم كذلك أخوة النسب بانتمائهم إلى أب واحد. إن المغالاة في تصوير النزاعات المتوهمة بين أبناء العلات قد سيقت للتشكيك في إباحة تعدد الزوجات، بل جعلهم ذلك يركبون الصعب للعبث بالشريعة الإسلامية. فماذا عليهم لو حكموا عقولهم ونظروا في أحوال البلاد التي قيدت الزواج وقيدت الطلاق كيف أصبح حال شبابها ونسائها، إن الدعارة قد أصبحت في هذه البلاد مؤسسة ضخمة تدر مئات الملايين من الدولارات شهرياً أو سنوياً، وأصبح عدد اللقطاء قريباً من عدد الأبناء الشرعيين، بل إن الأبناء الشرعيين توشك شرعيتهم أن تضيع لما أصاب النساء والرجال من الانحراف والفساد. ويمكن أن نضيف التساؤل حول الأرامل والمطلقات ولا سيما ذوات الأبناء هل يحرمون من الزواج من رجل متزوج من أجل هذه النزاعات والشقاقات المتوهمة أو المتوقعة؟ أما التاريخ فيقول عن أبناء الرجال الذين تزوجوا زوجتين وأكثر هؤلاء هم الذين فتحوا الدنيا وأناروها بالإسلام فلو كانوا حقاً في شقاق ونزاع لما خرجوا من جزيرة العرب بل هم لم يخرجوا من الجزيرة حينما كانوا يعددون الزوجات بلا حدود ولا قيود وكانوا لا يقيمون للمرأة وزنا.
وللرد على مسألة الاحتياجات الاقتصادية فنقول بأن الأرض لم تضق يوماً برزق من عليها والله عز وجل يقول: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [27]، ويقول سبحانه: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [28]، وقد قسمت الكرة الأرضية بعد سيطرة الغرب وهيمنته إلى قسمين؛ مجتمعات الوفرة والفائض التي تحارب التعدد، ومجتمعات الجوع والفقر، وليس سبب هذا التقسيم أن الفقراء لا يملكون بل هم يملكون ولا يعرفون كيف يستغلون ما عندهم فيقعون ضحية لقوة الغرب الذي يأخذ ما عندهم، ألا ترى الدول الصناعية تأخذ الخامات من الدول الفقيرة لتصنيعها فإذا ما صنعتها أعادتها منتجات (أوهموا العالم بأنها ضرورية) وبيعت بأسعار تفوق قيمتها الحقيقة عشرات المرات بل بلغ من جشع هذه الدول أنها تلقي بفائض إنتاجها في البحر أو تحرقه أو تتلفه بأي وسيلة حتى لا يتدنى سعره في الأسواق فأي حضارة هذه تموت فيها الملايين من أجل ترف المترفين، ولا بد أن نذكر أن المرأة حين تتزوج بصفتها ثانية أو ثالثة فهي تأتي برزقها ذلك أن كل مولود يكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد قبل أن يولد. فهي من مخلوقات الله التي تكفل برزقها كما أن هذه المرأة قد تكون صاحبة فكر وتدبير أو صنعة أو مهن قد تعين الرجل في عمله فينتقل من حالة الفقر والعوز إلى الغنى.
ويزعمون أيضاً أن التعدد برهان على تمكن الغريزة البهيمية من الرجل، فهل يقولون هذا من علم وبينة؟ {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [29]، هل الدين الذي يأمر بالعفة وغض البصر وحفظ الفرج ويعاقب على الزنا -متى توفرت شروط العقوبة- بالجلد أو الرجم هل مثل هذا الدين يسمح بالبهيمية؟ أم أن البهيمية تتمثل في الاختلاط والتبرج والسفور ووسائل الفن الداعية إلى الرذيلة بما تعرضه من مفاتن المرأة؟. ولكن لنرد بأسلوب آخر فالمسلم يتحمل أضخم مسؤولية عرفها الإنسان؛ لأن أمته هي الأمة الوسط وهو المسؤول عن دعوة البشرية جميعا إلى الدين الحق وإقامة شرع الله فيها؛ فالرسل قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يبعثون إلى أقوامهم خاصة وهم يتحملون مسؤولية الدعوة جميعها، أما أتباع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد أمروا أن يبلغوا فيشاركوا الرسول في مهمته: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [30]، وجاء عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قوله: «نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما وعاها فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» [31]، فكيف لمن حمل هذه الدعوة والمسؤولية أن يكون بهيمياً؟ كيف لمن حثه الإسلام على قيام الليل والغزو في سبيل الله، ولمن دعاه الإسلام إلى التقلل من متع الدنيا: {كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} [32] أن يكون بهيمياً؟ كيف لمن يؤمن بالإسلام الذي جاء من عند الله عز وجل القائل في كتابه: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [33] كيف لهذا أن يكون بهيمياً؟
المسلم الحق لا تسيطر عليه الشهوانية والبهيمية إن سيطرت على غيره، فهذه الصفة لو لم تكن حقاً مسيطرة على المجتمعات الغربية لما امتهنت المرأة هناك امتهاناً مزرياً بها وأصبحت تمتهن البغاء أو تمارسه دون أن تمتهن غيره من عشرات المجالات، ثم متى كانت المرأة محترمة إذا أوقفت في شباك زجاجي لتتلوى كالثعبان تعرض الأزياء؟ أو تظهر في شتى الصور المثيرة التي تعرض فيها منتجات هذه الحضارة من الأحذية إلى الإطارات إلى الخطوط الجوية إلى أغلفة المجلات والكتب وغيرها. وثمة جانب آخر فالإسلام حين أباح التعدد راعى أن للمرأة غريزة مثل الرجل، وفي ذلك يقول محمد قطب: "ولكن حاجتها الطبيعية كيف تقضيها؟ وما لم تكن معصومة فهل أمامها سبيل إلا الارتماء في أحضان الرجال لحظات خاطفة في ليل أو نهار؟ ثم حاجتها إلى الأولاد… كيف تشبعها؟ والنسل رغبة لا ينجو منها أحد" [34]، ولكنها لدى المرأة أعمق بكثير من الرجل، إلى أن يقول: "فهل من سبيل إلى قضاء تلك الحاجات بالنسبة للمرأة بصرف النظر عن حاجة المجتمع إلى أخلاق نظيفة تحفظه من التحلل الذي أصاب دولاً كثيرة فأزالها من قائمة الدول التي كان لها دور في التاريخ- هل من سبيل إلى ذلك غير اشتراك أكثر من امرأة في رجل واحد علانية وبتصريح من الشرع" [35]. إن شرع الله لا يسأل فيه البشر أيرضونه أم لا؟ أيحبونه أم لا؟
ولكن متى كان دعاة ما يسمى بتحرير المرأة والنساء القاصرات النظر اللاتي تطغى عليهن غريزة حب التملك أو المتغربون الذين باعوا عقولهم للغرب يسألون عن شرع الله؟ إن الغرب نفسه كما ذكرنا يشكو من مشكلة اللقطاء والبغاء وبيع الأطفال وقتل الأطفال المتسكعين بلا مأوى، هذا الغرب لا يمكن أن ينظر إلى رأيه، ثم هل درسنا التاريخ الإسلامي دراسة اجتماعية؟ هل سألنا النساء اللاتي شاركن غيرهن في رجل يلتزم بقيم الإسلام وأخلاقه؟ لا شك أننا لو استقرأنا التاريخ استقراء صادقا ولو التزم المسلمون بالإسلام لما ظهرت مشكلة يطلق عليها تعدد الزوجات.
6- زواج الرسول صلى الله عليه وسلم [36]:
وإن من أبلغ ما يمكن الرد به على من يثير قضية تعدد الزوجات أن نعرض موجزاً حول تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم فإن فيها النور والهداية والحكمة والعقل. عرف الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة قبل البعثة بالصدق والأمانة والعفة واستقامة الخلق فلم يُعرَف عنه مطلقاً أن شارك في أي الزواج بها كبار أشراف قريش وكانت قد بلغت الأربعين من العمر، تزوجها محمد صلى الله عليه وسلم وعاش معها في وئام زوجي وتفاهم وود حتى توفاها الله بعد أن بلغت الخمسين من العمر. وظل يتذكر هذه الزوجة بكل الوفاء والمحبة لأنها آمنت برسالته وكانت قد جعلت مالها في سبيل الدعوة إلى الله، وأنجبت له الذرية التي حرمها من غيرها من زوجاته. وكان زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة من امرأة أرملة مسنة هي سودة بنت زمعة رضي الله عنها، مات عنها زوجها وهي في الحبشة التي هاجرت إليها فراراً بدينها، فما كان من النبي إلا أن تزوجها إكراما لها على تضحيتها في سبيل هذا الدين وخوفاً عليها من العودة إلى والدها المشرك، ولكونها امرأة كبيرة في السن تستطيع أن ترعى شؤون أبنائه من خديجة رضي الله عنها التي توفيت منذ وقت قصير. وبعد سودة بنت زمعة التي شرفها الرسول صلى الله عليه وسلم بزواجه منها ولم تكن تملك مؤهلات الزوجة من الجمال والشباب تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن أبيها رفيق دعوته وخليله. إن زواجه صلى الله عليه وسلم من عائشة الشابة الجميلة كان زيادة في القرب من أبي بكر الصديق، ولأن الصديقة رضي الله عنها كانت ذات ذكاء وفهم وفطنة فهي التي ستنقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً من العلم لهذه الأمة، ولو كان تزوجها للمتعة لما تزوج بعدها، ولكن عائشة رضي الله عنها قد جاء بعدها نساء ينافسنها في الجمال والشباب. أما زواج الرسول صلى الله عليه وسلم الرابع فكان من حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، تلك المرأة التي بدأت تتخطى سن الشباب فقد كانت من الذين هاجروا إلى الحبشة وكانت متزوجة وتوفي زوجها بعد أن شهد بدراً وأحداً فتأيمت فما كان من أبيها إلا أن عرض تزويجها على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها إكراماً لها ولأبيها.
وتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك زينب بنت خزيمة (أم المساكين) وكانت متزوجة قبله ولم تمكث طويلاً حيث عاشت معه عدة أشهر وتوفاها الله. وكان زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سلمة هند بنت أمية التي هاجرت مع زوجها إلى الحبشة ولما هاجرت مرة أخرى مع زوجها إلى المدينة استشهد زوجها يوم أحد وكانت قد كبرت في السن ولها أطفال ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يعلم أمته الرحمة والرأفة فضمها إلى زوجاته. وتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بعد أن طلقها زيد بن حارثة وكان زيد رضي الله عنه يدعى في الناس بزيد بن محمد ولكن الله عز وجل أراد أن يبطل التبني فلا يدعي أحد نسباً لأحد ما هو شرعي وكذلك أن المولى أو من كان في حكم المتبنى يحق للولي أن يتزوج امرأته إذا طلقها، إنه درس عظيم أراد الله عز وجل أن يتعلمه المسلمون فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون القدوة، والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي زوج زيداً بزينب ولم تكن زينب بعيدة عنه لا يعرفها حتى إذا أصبحت زوجاً لغيره أحبها، إن هذا لهو الافتراء حقاً، ومن ذلك زعم رؤية الرسول لها وإعجابه بها بل وحبه لها وولهه بها صلى الله عليه وسلم!! كيف يستسيغ عاقل أن ينسب للرسول صلى الله عليه وسلم مثل هذا الأمر، وهل مسؤوليات النبوة والقيادة والقدوة كانت تترك الرسول صلى الله عليه وسلم لينظر إلى جمال امرأة وهو الذي تزوج الأرامل والمسنات لإكرامهن وتكريمهن ألم يكن لبشريته صلى الله عليه وسلم أن تظهر إلا في هذا الأمر. ونذكر من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث التي كان المسلمون في حرب مع قومها فوقعت في الأسر وكانت من نصيب أحد المسلمين وجاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تستعين به لفك أسرها فخيرها بين العتق أو أن يتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم وقبلت بالزواج من الرسول صلى الله عليه وسلم، وهنا تسابق المسلمون لعتق أسراهم فكانت بركة على قومها أي بركة. وتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب اليهودي بعد مقتل زوجها وكان أقاربها من أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعداء الإسلام ولكنها اختارت الإسلام فتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة بها. ومن أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان قائد معسكر الكفر قبل إسلامه، وقد تزوجها وهي في الحبشة بعد أن ارتد زوجها عن الإسلام، وحرصاً من النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تضيع هذه المرأة المسلمة في أرض الغربة وكّل النجاشي أن يعقد له عليها فكانت بذلك محل إكرام من المسلمين ومن النجاشي.
فماذا في هذا التعدد؟ إن من أجمل ما قرأت قول الشيخ محمد علي الصابوني في رد الشبهات حول مسألة تعدد الزوجات حيث يقول: "ما الذي يفعله الرجل الشهواني الغارق في لذات الجسد إذا بلغ في المكانة والسلطان ما بلغه محمد بين قومه؟ لم يكن عسيراً عليه أن يجمع إليه بنات العرب وأفتن جواري الفرس والروم على تخوم الجزيرة العربية، ولم يكن عسيراً عليه أن يوفر لنفسه ولأهله من الطعام والكساء والزينة مالم يتوفر لسيد من سادات الجزيرة في زمانه، فهل فعل محمد ذلك بعد نجاحه؟ هل فعل محمد ذلك في مطلع حياته؟ كلا لم يفعله قط، بل فعل نقيضه وكاد أن يفقد زوجاته لشكايتهن من شظف العيش في داره" [37]. فهل في مثل هذا التعدد ما يشين؟ كلا والله بل إنه لفخر وأي فخر للإسلام والمسلمين.
7- الأسباب الداعية إلى الزواج مثنى وثلاث ورباع:
وإتماماً للحديث عن هذه القضية نورد فيما يأتي الأسباب الداعية للزواج بأكثر من زوجة كما أوردها بعض من سبق إلى درساة هذا الموضوع، هناك أسباب عامة وأخرى خاصة، ولنبدأ بالأسباب العامة.
أولاً: زيادة عدد العوانس والمطلقات [38]:
يزداد عدد العوانس في أي مجتمع يعزف الشباب فيه عن الزواج لأسباب عديدة قد يكون منها توفر الفرص للالتقاء بالنساء خارج إطار الزواج ومسؤولياته، أو قد تكون مسؤوليات الزواج وتكاليفه مما تنوء به ظهور الشباب عندما لا يجد المسكن المناسب، وإن وجده لا يجد ما يدفع مهراً، إلى غير ذلك من تكاليف تجعله يعزف عن الزواج. وقد يزداد عدد العوانس لأسباب اجتماعية كأن لا يقبل الأب زوجاً لابنته إلا من طبقة اجتماعية أو انتماء قبلي معين. أما زيادة الأرامل والمطلقات فيمكن أن تحدث لأسباب منها: أن مؤسسة الزواج أو الأسرة لم تعد لها احترامها ومكانتها فيكثر الطلاق، أما الترمل فهو نتيجة الأحداث والحوادث من حروب وغيرها، ويتعجب المرء حين يقرأ في تاريخنا الإسلامي أن امرأة مات زوجها فتزوجها آخر بسرعة، إن طلقها أحدهم تزوجها الآخر، هل كانت النساء قلة أو أن المرأة كانت شخصيتها في ذلك الزمن أكثر جاذبية وأرقى مما وصلنا إليه في هذا الزمن، لا شك أن في هذا الأمر بعض الصحة. ومن أسباب الترمل أيضاً أن النساء يعشن في المتوسط أكثر من الرجل لما يتعرض له الرجل من مخاطر في حياته.
ثانياً: نقص عدد الرجال نقصاً كبيراً نتيجة الحروب:
من الأمثلة الحديثة على هذا الأمر ما وقع في أوروبا من حربين عالميتين قضت على الملايين من الرجال مما دعا بعض المفكرين الغربيين أن ينصحوا بإقرار تعدد الزوجات، ولكن أوروبا أصمت سمعها عن النصيحة مضحية بالقيم والأخلاق.
الأسباب الخاصة للتعدد [39]:
1- العقم:
من أبرز أهداف الزواج الذرية، فلو ثبت أن المرأة لا تجنب وعاش الرجل معها أعواماً أينكر العشرة والمودة بينهما فيطلقها ويتزوج أخرى أم يبقيها معززة مكرمة؟ إن الأطفال الذين قد تنجبهم المرأة الأخرى سيصبحون كأنهم أطفالها لصلتها بوالدهم، والواقع يصدق ذلك كثيراً، كذلك سيكون بيت المرأة التي ليس عندها أطفال مكانا لراحته وهدوئه فتكسبه مرتين. أما إذا كان الرجل عقيماً فمن حق المرأة أن تطلب الطلاق.
2- العجز عن القيام بالواجبات الزوجية لمرض أو سواه:
وهذا إكرام آخر للمرأة فإن قعد بها المرض عن أداء واجباتها الزوجية فمن الوفاء لها إبقاؤها على ذمة الزوج والزواج بامرأة أخرى.
3- رغبة الرجل في الاقتران بامرأة أحبها:
ثمة مناسبات تجعل الرجل يتعرف إلى امرأة ما وبخاصة المجتمعات التي فيها قدر من الاختلاط أو سمع بمزاياها وقد لا تكون لزوجته مثل هذه المزايا فيرغب في الزواج منها، فحرصاً على عفافه والتزامه الطريق السليم يتقدم للأخرى. فهل يكون من الإنصاف للأولى أن يطلقها أو أن يحاول الوصول إلى المرأة الأخرى خارج نطاق الزواج.
4- كره الرجل لزوجته:
«القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء» [40]، فمن كان حبيب اليوم لقد تغير نحوه غداً وقد تشتد الكراهية وتكثر الخصومات فبدلاً من التفريق بين الزوجين، وبخاصة إذا كان عندهما أطفال فلا بأس أن يتزوج بأخرى، الأمر الذي قد يؤدي إلى هدوء العش الزوجي بل وربما عودة الحب من جديد، وكم من رجل كره زوجته وتزوج بأخرى فعاد إلى الأولى أشد حباً وتقديراً فتكون قد كسبت مرتين، انتهاء الكراهية بينهما وازدياد حبه لها من جهة أخرى.
5- كثرة أسفار الزوج وإقامته في بلد آخر قد تطول فهل يتخذ زوجة يعيش معها بطريقة مشروعة أو يترك الرجل ليقع في الخطأ؟ إن بعض الرجال ينتقل عمله من بلد إلى آخر فتأبى زوجته الانتقال معه وهو لا يريد مفارقتها فهل يتركها وأطفالها بالطلاق أو تبقى على ذمته يزورها ويؤدي واجبه نحوها.
6- الدافع الجنسي:
سبق أن أوردنا الآية: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} [41] وبعض الرجال أصحاب طاقة تفوق المعدل بل إن طاقة الرجل حتى في الأحوال العادية تستطيع أن توفي بحق أكثر من زوجة والدليل على ذلك أن المجتمعات الغربية (أو الشرقية) المنفتحة جداً قليلاً ما تجد رجلاً يكتفي بزوجته الوحيدة، ويمكن أن نضيف أن العلاقة بين الرجل والمرأة ليست دائماً على نموذج قيس وليلى أو روميو وجوليت أي رومانس (غرام) لامرأة واحدة.
7- نظرة المرأة إلى الرجل:
قد يكون الرجل من أهل الصلاح والورع أو صاحب شخصية جذابة وذا مكانة اجتماعية مرموقة فترى كثير من النساء أنه مما يشرفهن الارتباط بمثل هذا الرجل، والمثل الأعلى للمسلمين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وهبت بعض النساء أنفسهن له وقد كان معروفاً عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه خير من تزوج وخير من طلق.
8- زوجة واحدة أم تعدد؟
يقول مصطفى السباعي رحمه الله تعالى: "فما من شك أن وحدة الزوجة أولى وأقرب للفطرة وأحق للأسرة وأدعى لتماسكها وتحاب أفرادها، ومن أجل ذلك كان هذا النظام الطبيعي الذي لا يفكر الإنسان المتزوج العاقل في العدول عنه إلا عند الضرورات وهي التي تسبغ عليه وصف الحسن وتضفي عليه الحسنات" [42]. ويقول محمد قطب: "أما تعدد الزوجات فتشريع للطوارئ وليس هو الأصل في الإسلام" [43]. والحقيقة أن تشريع التعدد يستجيب للفطرة ويحقق العفة للرجل والمرأة على السواء، لذا بدأ القرآن بالتعدد وجعل الإفراد هو الاستثناء {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [44]، والقول بأن الخوف من عدم العدل متحقق دائماً يتعارض مع شرع التعدد مما لا يتصور فيه أن الشارع الحكيم قصد إليه ومن ثم فالأولى هو القول بأن الخوف من عدم العدل هو الاستثناء وهو ما نتبينه من صياغة الآية الكريمة، أما الاحتجاج بالآية الأخرى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [45]، فمردود بأن العدل المقصود هنا هو العدل القلبي وهو غير مطلوب في القسمة بين النساء لأنه غير مقدور عليه، أما العدل المقصود فهو العدل الظاهر في القسمة بين النساء وهو عدل ممكن إذا تمسك الرجال بمبادئ الإسلام وأخلاقه [46].
الضوابط:
ونأتي هنا للضوابط التي وضعها الإسلام للزواج مثنى وثلاث ورباع ولعل أبرز هذه الضوابط أن لا يتجاوز عدد النساء أربعة والعدل بينهن، ويضيف بعض الكتاب مسألة القدرة على الإنفاق، ولكن الحقيقة أنه لا يمكن للإنسان أن يضمن ذلك ولو كان عنده زوجة واحدة فقط، وفي الغالب أن الرجل لا يقدم على الزواج إلا وهو يأنس من نفسه القدرة على الإنفاق، أما اشتراط امتلاك الرجل للمال الوفير للزوج فلم يجعله الإسلام شرطاً، وإلا كيف تفسر تزويج الرسول صلى الله عليه وسلم لرجل بأن قال له: «التمس ولو خاتماً من حديد» [47]، وزوج الرجل نفسه بما معه من القرآن الكريم أن يُحفظ تلك السور زوجته [48]، والزوجة الأولى أو غيرها هي من عباد الله الذين تكفل الله لهم برزقهم كما جاء في الآية الكريمة: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [49]. وورد في الحديث الشريف أيضاً أن كل نفس يكتب رزقها وأجلها قبل أن تولد.
أما ضابط العدد فقد وردت الأحاديث الشريفة أو السنة الفعلية للرسول صلى الله عليه وسلم كما يأتي:
1) روى البخاري أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشرة نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اختر منهن أربعاً» [50]. ومسألة العدل مسألة جوهرية في تربية المسلم وقد جاءت الآيات القرآنية الكثيرة التي تأمر بالعدل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [51]، ومن أروع الآيات التي تأمر بالعدل وإن كان معناها جاء حول البيع: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ . الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ . وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [52]، وجاءت التوجيهات النبوية الكريمة تأمر بالعدل كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط» [53].
ومن صور العدل (المساواة بين الزوجات في المعاملة)؛ وذلك في نفقتها الخاصة بمأكلها وملبسها بحيث لا تزيد واحدة عن أخرى، وكذلك العدل في المسكن حيث يكون لكل زوجة مسكن مستقل، ومن ذلك أيضاً المساواة في المبيت، أما الجانب الذي يصعب العدل فيه فيكفينا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي روته عائشة وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» [54]. وكان قدوتنا صلى الله عليه وسلم يضرب المثل في العدل حتى لما كان في مرضه الذي مات فيه كان يسأل أين أنا غدًا؟ يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه أن يكون حيث يشاء فكان في بيت عائشة حتى مات عندها [55]. ومن عدله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه [56] وكيف لا يكون المسلم عادلاً؟ وإن لم يكون المسلم عادلاً فمن يكون؟ وفي هذا يقول مصطفى السباعي رحمه الله تعالى: "وكان من إصلاح الإسلام في هذا الأمر أن ربى ضمير الزوج على خوف الله ومراقبته ورغبته إن نفذ أوامره وخشيته من عذابه إن خالفها" [57]. وثمة قيد آخر هو تحريم الجمع بين الأختين أو بين المرأة وعمتها أو ابنتها والعلة واضحة في ذلك وهي الحفاظ على المجتمع الإسلامي من التمزق بسبب الغيرة التي يمكن أن تحدث بين الضرائر.
الخاتمة:
الزواج بأكثر من زوجة واحدة حتى أربع رخصة أو أمر أباحه الإسلام للرجل الذي تربى عقدياً وأخلاقياً على مائدة القرآن، يعيش بضمير حي يراقب الله عز وجل فيما يفعل أو يترك. هذا المسلم يعتقد أن (النساء شقائق الرجال) وأنهن كيان مستقل يتحملن التكليف ويترقين في درجات التقوى حتى كانت منهن مثلين للذين آمنوا كما جاء عن امرأة فرعون ومريم عليها السلام. والمرأة المسلمة تعتقد بقوامة الرجل عليها لأنه مكلف بالإنفاق عليها زوجاً أو أماً أو أختاً، ومن تكاليف الرجل أن أوصي بإكرام المرأة أماً وزوجة: «أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك»، و«خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، وبنتاً وأختاً «من كان عنده أختان أو ابنتان». من هذه المنطلقات تُبنى الأسرة المسلمة: اختيار للمرأة ذات الدين، وللرجل المرضي في دينه وخلقه وبعد ذلك حدد الشرع الكريم حقوق كل طرف.
وتناول البحث بإيجاز تعدد الزوجات تجنبنا فيه الخوض في القضايا الفقهية التي لها أهلها ولكن أوضحنا أن المجتمع المسلم حين لم تكن قضية الزواج بأكثر من واحدة سوى مسألة فرعية كان مشتغلاً بالدعوة إلى الله وكان همه إنقاذ البشرية مما وصلت إليه من انحراف وفساد وزيغ وضلال، كانت قضية المسلمين الأولى أن يحكم شرع الله وهنا ساد أبناء الرجال الذين تزوجوا بأكثر من واحدة، وساروا على نهج آبائهم. ويهدف هذا الكتاب إلى وضع مسألة التعدد في وضعها الصحيح بأن نخرج من دائرة النفوذ التغريبي الذي يستهجن الزواج بأكثر من واحدة، وليؤكد على أن القضية الأكبر هي طهارة المجتمع المسلم أولاً، ثم المجتمع الإنساني ثانياً من العقائد الفاسدة والأخلاق المنحرفة وأن مسؤولية المسلمين في هذا الزمن أكبر وأشد إلحاحاً لتقدم وسائل المواصلات والاتصالات فلم يعد ما يحدث في أي بلد بعيد عنا مهما كانت المسافات. وقد أوضح هذا البحث كيف عانى الغرب ويعاني من منع التعدد ومن غير ذلك من مثل التحلل من المثل والقيم، وتجدر الإشارة إلى أن هؤلاء سرعان ما ينتقدون التعدد في الإسلام رغم ما تعج به مجتمعاتهم من مشكلات ونحن في هذا نلتزم بالمنهج القرآني في دعوة الكفار حيث يوضح القرآن الكريم عيوب مجتمعاتهم وعيوب نظمهم بدلاً من الوقوف موقف الدفاع.
والحقيقة أن تكون المرأة زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة خير بألف مرة من أن تكون زوجة وحيدة عند أوروبي أو غيره بنى بها نتيجة قصة غرام فما هو إلا عنصر لوقت وتنطفئ شعلة الحب ثم لا تجد منه المعروف والإحسان وأنى له ذلك وهو لا يرجو الله ولا اليوم الآخر.
نرجوا الله أن يبصرنا بطريق الحق وأن يردنا إلى الإسلام رداً جميلاً، ونسأله سبحانه أن يغفر زلاتنا إنه سميع مجيب. والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــ
المـراجـع:
1- القرآن الكريم.
2- السنة المطهرة.
3- ابن كثير، السيرة النبوية.
4- أمين، قاسم، تحرير المرأة، الجزائر، موفم للنشر 1988.
5- البار، محمد علي، عمل المرأة في الميزان، جدة، الدار السعودية للنشر- 1401/1981.
6- جاويش، عبد العزيز، الإسلام دين الفطرة، الجزائر، دار الكتب الجزائرية 1988م.
7- الجبري، عبد المتعال محمد، المرأة في التصور الإسلام، القاهرة، مكتبة وهبي، ط2، 1396/1976.
8- الخولي، البهي، الإسلام والمرأة المعاصرة، الكويت، الدار القلم، ط3، (بدون تاريخ).
9- الدراسات الاجتماعية عن المرأة في العالم العربي، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 1984م (تأليف مجموعة من المؤلفين باللغة الإنجليزية ونشرته اليونسكوومولت ترجمته أيضاً).
10- الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان، السيرة النبوية، تحقيق حسام الدين القدسي، بيروت، دار الكتب العلمية 1401/1981.
11- ريان، أحمد علي طه، تعدد الزوجات ومعيار تحقيق العدالة بينهن في الشريعة الإسلامية، القاهرة، دار الاعتصام، (بدون تاريخ).
12- مصطفى، السباعي، المرأة بين الفقه والقانون، بيروت، المكب الإسلامي ومؤسسة الرسالة، ط3، (بدون تاريخ).
13- شلبي، أحمد، مقارنة الأديان- اليهودية، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، ط8، 1988.
14- الشرفى، عبد المجيد، الفكر الإسلامي في الرد على النصارى إلى نهاية القرن الرابع، تونس: الدار التونسية للنشر، والجزائر: المؤسسة الوطنية للكتاب، 1986.
15- الصابوني، محمد علي، شبهات وأباطيل حول: تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم. (بدون ناشر)، 1400/1980.
16- صالح، سعاد إبراهيم، أضواء على نظام الأسرة في الإسلام، جدة: تهامة (الكتاب الجامعي) 1403/1982.
17- صبري، مصطفى، قولي في المرأة ومقارنته بأقوال مقلدة الغرب، بيروت: دار الرائد العربي، ط2، 1402/1982.
18- عبد الوهاب، أحمد، تعدد نساء الأنبياء ومكانة المرأة في اليهويدة والمسيحية والإسلام، القاهرة، مكتبة وهبة 1409/1989.
19- العسال، أحمد محمد، الإسلام وبناء المجتمع، الكويت، دار القليم، ط5، 1402/1982.
20- عسيري، جابر بن علي بن عبد الله، تعدد الزوجات والاحتساب فيه، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير في قسم الدعوة والاحتساب بالمعهد العالي للدعوة الإسلامية بالمدينة المنورة، 1405/1406.
21- العطار، عبد الناصر توفيق، تعدد الزوجات من النواحي الدينية والاجتماعية والقانونية، بيروت: مؤسسة الرسالة، ودار الشروق، 1396/1976.
22- العقاد، عباس محمود، المرأة في القرآن، بيروت: دار الكتاب العربي، ط3، 1969.
23- غاوجي، وهبي سليمان، المرأة المسلمة، بيروت: دار القلم ومؤسسة الرسالة، ط5، 1402/1982.
24- فائز، أحمد، دستور الأسرة في ظلال القرآن، بيروت: مؤسسة الرسالة 1400/1980.
25- قطب، سيد، في ظلال القرآن، بيروت: دار الشروق، 393/1973.
26- قطب، محمد، شبهات حول الإسلام، بيروت: دار الشروق، ط16، 1403/1983.
27- لطيف، شكري، الإسلاميون والمرأة، تونس، بيرم للنشر، ط2، 1988.
28- المودودي، أبوالأعلى، الحجاب، بيروت: دار الرسالة، 1401/1981.
_____________________________________
[1] سورة المائدة، آية 3.
[2] سورة الأحزاب، آية 36.
[3] سيد قطب، في ظلال القرآن م1 ص 582 – 583.
[4] سفر التثنية 21: 15 وما بعدها.
[5] التكوين 1: 27 وما بعده.
[6] أحمد عبد الوهاب، تعدد نساء الأنبياء ومكانة المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام، ص 116.
[7] عطار، تعدد الزوجات من النواحي الدينية والاجتماعية والقانونية، ص 86.
[8] متى 5: 17 وما بعدها.
[9] إنجيل مرقس.
[10] عبد الوهاب، مرجع سابق ص146.
[11] عطار، مرجع سابق ص108 عن محمود سلام زناتي، النظم القانونية الإفريقية وتطورها (1966) ص101- 107.
[12] قتل في الحرب العالمية الأولى 5- 8 مليون كما أشار إلى ذلك نور الدين حاطوم في الموسوعة التاريخية الحديثة- تاريخ القرن العشرين (لبنان، 1385 ـ 1965) ص 122. وفي الحرب العالمية الثانية قتل أكثر من 40 مليون عن:
Encyclopaedia International (U.S.A: 1981) voi. 19 P 493
[13] محمد علي البار، عمل المرأة في الميزان ص 131.
[14] المودودي، الحجاب ص95 عن بول بيرول ص 76- 77 من كتابه نحو انهيار أخلاقي، نشر في لندن سنة 1925.
[15] محمد علي البار، مرجع سابق ص 131.
[16] يذكر الآن عن الجزائر بعد انتشار الصحوة الإسلامية ومشاركة المرأة المسلمة في المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية أن قام المتغربون -المغلوبون حقاً- بإصدار عدد من المجلات النسائية لإفساد المرأة ليكون ذلك مدخلاً لهم.
[17] يذكر الآن عن الجزائر بعد انتشار الصحوة الإسلامية ومشاركة المرأة المسلمة في المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية أن قام المتغربون -المغلوبون حقاً- بإصدار عدد من المجلات النسائية لإفساد المرأة ليكون ذلك مدخلاً لهم.
[18] عطار، تعدد الزوجات ص62 مرجع سابق.113.
[19] الترمذي، كتاب الطهارة حديث 113.
[20] ابن ماجة، أبواب الآداب- باب برناردلويس الوالدين حديث 3705.
[21] الترمذي كتاب البر والصلة حديث 1916.
[22] البخاري كتاب الأدب 71/2007.
[23] سورة الحجرات آية 10.
[24] سورة آل عمران آية 103.
[25] البخاري، كتاب الإيمان 2/13، الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع 38/2515.
[26] البخاري، كتاب الإيمان 2/10.
[27] سورة الذاريات، آية 22.
[28] سورة هود، آية 6.
[29] سورة البقرة، آية 111.
[30] سورة يوسف، آية 108.
[31] أحمد ج1 ص131، وفي شرح السنة للبغوي ج10 ص44، والترمذي رقم 2658.
[32] الترمذي كتاب الزهد 37/2333.
[33] سورة آل عمران، آية 14.
[34] هذه الرغبة في النسل أودعها الله في نفوس البشر وهي ضرورية لرعاية النسل والاهتمام به ويبدو أن التعبير بـ(لا ينجو منها أحد) غير مناسب.
[35] محمد قطب، شبهات جول الإسلام ص136.
[36] رجعت في هذا الجزء أساساً إلى كتاب أحمد عبد الوهاب، تعدد نساء الأنبياء ص50 ـ 90.
[37] محمد علي الصابوني، شبهات وأباطيل حول تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، 1400 ـ 1980م.
[38] عطار، تعدد الزوجات، مرجع سابق ص37.
[39] أخذنا هذه الأسباب من كتاب مصطفى السباعي، )المرأة بين الفقه والقانون)، وكتاب عبد الناصر عطار (تعدد الزوجات) وغيرهما.
[40] الترمذي، كتاب القدر 33/2140.
[41] سورة آل عمران آية 14.
[42] مصطفى السباعي، المرأة بين الفقه والقانون، مرجع سابق ص80.
[43] محمد قطب، شبهات حول الإسلام ص135.
[44] سورة النساء، آية 3.
[45] سورة النساء، آية 128.
[46] اشترك فضيلة الدكتور المستشار علي جريشة في صياغة هذه الأفكار في لقاء شخصي في المدينة المنورة.
[47] صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب التزويج على تعليم القرآن المختصر حديث 82 م4/143.
[48] الحديث نفسه.
[49] سورة الذاريات، آية 22.
[50] الترمذي، كتاب النكاح 9/1128.
[51] سورة النحل، آية 90.
[52] سورة المطففين، الآيات 1- 3.
[53] الترمذي، كتاب النكاح حديث رقم 1141.
[54] الترمذي، كتاب النكاح 9/1140.
[55] البخاري 6/155.
[56] البخاري 6/154.
[57]مصطفى السباعي: المرأة بين الفقه والقانون، مرجع سابق ص 102.
مازن مطبقاتي