قف وتأمل مع هذا الدعاء المجمل

من الأدعية المأثورة والجميلة التي كثيراً ما نرددها " اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه " وكم من المعاني العظيمة التي تحملها تلك الكلمات والتي تجبرنا على الوقوف عندها والتأمل فيها.

  • التصنيفات: الذكر والدعاء -


 

 

من الأدعية المأثورة والجميلة التي كثيراً ما نرددها " اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه "

وكم من المعاني العظيمة التي تحملها تلك الكلمات والتي تجبرنا على الوقوف عندها والتأمل فيها.

الشطر الأول: " اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه "

المعنى الأول: ( الحق )
إن من الأسس والبديهيات التي قامت عليها الحياة أن يكون هناك حق وباطل، وكلاهما واضح جلي، ولكل منهما صفات ودلائل ولكل منهما تبعات، والإنسان مخير بين الطريقين أيهما يشاء يتخذه سبيلا، فالذي اختار سبيل الحق فهو من أهله والذي تركه فهو من أهل الباطل ذلك أنه ليس بينهما سبيل.. {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ} [محمد: 3]

وما اتبع الحق إلا المؤمنين الذين آمنوا أن محمد عبدالله ونبيه ورسوله حق، وأن عيسى عبد الله ونبيه ورسوله حق، وأن الكتب والرسل والملائكة حق، وأن الموت حق، وأن البعث حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق.

المعنى الثاني: ( أرنا الحق حقاً )
لا يكفي أن يكون هناك حق لتحصل النجاة، وإنما تحصل النجاة لو أرانا الله ذلك الحق أنه حق، فكم من الناس والأمم جاءهم الحق من ربهم ولكن طمست قلوبهم وعميت أبصارهم عنه فما رأوه حقاً واعتبروه باطلاً فنكروه بالكلية وحاربوه وعاندوا واستكبروا، {وَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف: 30]

ولك في قصص وسير الأنبياء جميعاً أكبر الدليل على ذلك، فما من نبي أرسل من الله إلا عاده قومه وردوه وأنكروا ما جاء به وهو الحق من ربه.. {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [السجدة: 3]

وإنها لدرجة كريمة ومنّة عظيمة من الله على عبده لما يُريّه الحق حقاً، فحريّ بالعبد آنذاك أن يحمد ربه ويقول الحمد لله الذي عافنا مما ابتلى به غيرنا وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا.

المعنى الثالث: ( وارزقنا إتباعه )
يا لحظ وسعادة من أراه الله الحق حقاً ثم رزقه اتباعه، ولنا القدوة في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما جاءهم الحق من ربهم إلا آمنوا به وصدّقوا النبي واتبعوه، اتباع المستسلم المسلّم لأمر الله ورسوله، لا اتباع العقلانيين!!

فكان اتباعهم في القول والفعل، وفي الشكل والمضمون، وفي الجوهر والمظهر وفي كل صغير وكبير ولم يكن من النبي شيء صغير، أما غيرهم مما عرفوا الحق من ربهم ورأوه حقاً ولكن لم يوفقوا لاتباعه فكان اتباعهم للهوى أكبر ومن اتبع الهوى هوى... {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26].

الشطر الثاني: " وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه "

المعنى الأول: ( الباطل )
إن الله هو الحق، ومن سننه كما سبق وقلنا أنه وفي كل أمر كما يوجد الحق يوجد الباطل فالضد بالضد يعرف، والحق قوي والباطل ضعيف لذا ما دخل الحق على باطلا إلا زهقه... {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18]، وكما أن للحق أئمة يدعون له فإن للباطل دعاة وأئمة نسأل الله أن يحفظنا من شرورهم... {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ} [القصص: 41].

المعنى الثاني: ( وأرنا الباطل باطلاً )
كم من باطل زينه الشيطان عند بعض القوم وألبس عليهم فتعاملوا معه وكأنه الحق ويظنون أنهم يرضون ربهم باتباعه، فهل يعقل مثلاً أن لعن أبي بكر وعمر وعائشة يكون قربة لله!!

وهل يعقل أن التبرك بآثار رجل ميت والطواف حول قبره والذبح له وسؤاله ما لا يملك هل يعقل أن ذلك لمرضاة الله، قاتِل ع?مان بن عفان طعنه تسع طعنات وقسمها قائلاً أما هذه فلي وأما هذه فلله!!

فهل يكون قتل عثمان لله؟!!
وكذلك الشقي عبد الرحمن بن ملجم الذي قتل علي بن أبي طالب سن سيفه ووضعه في السهم شهراً وقال ليسلطه الله على أشقى الناس.. فهل علي أشقى الناس يا شقي!!
لا حول ولا قوة إلا بالله... ما أشقى قوم ألبسوا على الناس فصيّروا الباطل حقاً ثم ماتوا عليه.

المعنى الثالث: ( وارزقنا اجتنابه )
كل نبي أرسل جاء لقومه بالآيات من الله، وكلما رأوا آية وعلموا أن الله هو الحق وما هم عليه باطلاً ما ازدادوا إلا تمسكاً به، فمنهم من كانت علته في ذلك اتباع الآباء {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} [الزخرف: 22]

ومنهم من خاف على ضياع جاهه وماله وملكه إن ترك ما هو عليه من الباطل فآثر الحياة الدنيا على الآخرة فهلك، ومنهم من حالت نزعته القِبلية وحمية الجاهلية دون اجتنابه للباطل مع علمه به ومثل ذلك قوم مسيلمة الكذاب، لما خرج فيهم وادعى النبوة قالوا له إن محمداً يتلو آيات ويقول أنها من وحي ربه فقل لنا مثل ما يقول، فألف بعض الخزعبلات من الأقوال وادعى أنها من وحي الله له، وتعالى الله سبحانه أن يكون ذلك من كلامه، فما أن سمعه قومه وعرفوا كذبه إلا أن قالوا: والله إنا لنعلم إنك لكذاب ولكن أن يكون لنا نبي نتبعه من قومنا خير لنا من أن نتبع نبي من قريش!!

ومن الناس وما أكثرهم في زماننا هذا من عرفوا الباطل وأوغلوا فيه لما عظّموا عقولهم، يأتيهم الدليل من الشرع واضح بيّن على ما هم فيه من الضلالة فيستكبروا ويعاندوا ويردوه بعد احتكامهم لعقولهم الخاوية وقلوبهم المريضة ولهم في ذلك أسوة في معلمهم الأول إبليس لعنة الله عليه لما أبى الامتثال لأمر ذي الإكرام والجلال حسدا من عند نفسه {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف: 12].

اللهم أرنا الحق وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
هذا والله أعلى وأعلم


أبو عمر

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام