لاءات أزهرية في وجه نجاد
لقد كانت زيارة نجاد بشكل عام زيارة مثيرة وتستدعي دوام اليقظة والانتباه للمكائد الإيرانية والشيعية.
- التصنيفات: مذاهب باطلة - الواقع المعاصر -
شهدت زيارة أحمدي نجاد كأول رئيس إيراني يزور القاهرة منذ ثورة الخميني للمشاركة في اجتماع قمة منظمة المؤتمر الإسلامي الكثير من الجدل والنقاش، ولكن الجميع متفق على أن هذه الزيارة ليست زيارة بريئة أو عادية، بل هي زيارة لها أبعاد كثيرة جدًا وعلى أصعدة متعددة منها:
* الصعيد الشخصي لنجاد، الذي سيرحل قريبًا عن السلطة في طهران ويريد أن يختم مسيرته بإنجاز يسجل له بكسر مقاطعة مصر لإيران، خاصة أنه يخوض الآن صراعًا عنيفًا مع المرشد الأعلى علي خامنئي والجيش والعديد من المحافظين الذين يتهمونه بالانحراف ومعاداة الإسلام، حيث صرح محمد علي سعيدي -وهو حلقة الوصل بين خامنئي وقوات الحرس الثري- للمراسلين الصحفيين بأن الجيش قد ارتكب (خطأً فادحًا) بمساعدة أحمدي نجاد على أن يصبح رئيسًا للبلاد، مُضيفًا: "لم نكن نعلم أنه سيصبح خطرًا على النظام وعلى الإسلام"! فإذا كان هذا موقف نجاد تجاه بلاده فكيف سيكون موقفه تجاهنا؟
* الصعيد الإيراني الخاص بتحدى العقوبات والحصار الدولي، ولذلك تحرص إيران على المشاركة في أي اجتماع دولي أو إقليمي.
* الصعيد الإيراني الساعي لاختراق مناطق جديدة لتوسيع نفوذه وعلاقاته، ولذلك حرص نجاد على اللقاء بالجماعات السياسية الإسلامية والليبرالية الحاكمة والمعارضة.
* الصعيد الشيعي الهادف للتمدد والهيمنة في المنطقة، ولذلك حرص نجاد على زيارة الأزهر ومسجد الحسين واللقاء بالمتشعين في مصر، وقد اعترض كثير من الشخصيات والهيئات على أصل الزيارة، ولكن كونها زيارة تخص مؤتمرًا عامًا ولا يخص مصر كما يحدث من زيارة نجاد لأمريكا لحضور اجتماعات الأمم المتحدة، أو زياراته لكثير من الدول العربية والخليجية لحضور مؤتمرات رسمية، وأيضًا فإن دولنا تستقبل من قادة الأعداء الكثير كالإسرائيليين والأمريكان والروس والصينيين وغيرهم، فمِن هذا الباب تفهّم الكثير من الناس هذه الزيارة ولكنهم اعترضوا على تساهل القيادة السياسية مع برنامج نجاد في القاهرة، والذي أظهر وقاحة إيران بطلب مقابلة رموز المعارضة وزيارة ميدان التحرير ومسجد الحسين والأزهر، بينما في إيران لا يتمكن الضيف إلا من زيارة قبر الخميني، وإلا فهل ستسمح إيران بلقاء قادة دول بالمعارضة الإيرانية الموالية مثل محمد خاتمي أو مير موسوي فضلًا عن طلب زيارة زعماء أهل السنة المضطهدين في بلوشستان والأحواز وغيرهما؟
ولكن هناك إيجابيتان جديدتان في هذه الزيارة وهما اللتان يجب أن نركز عليهما ونراكم عليهما وتصبحا منهجًا ثابتًا في التعامل مع نجاد ومع من سيخلفه وبقية قادة إيران، وهما:
1. أن تنفصل مواقف الهيئات الشرعية كالأزهر عن مقتضيات المجاملة الدبلوماسية التي تتورط بها دولنا، وتعلن موقفها الشرعي الصحيح من مشاريع إيران الدينية الساعية لنشر التشيع والتعدي على ثوابت الإسلام بسبّ الصحابة وأمهات المؤمنين وزعم تحريف القرآن، وكذلك موقفها من المشاريع السياسية الإيرانية التي تضطهد أهل السنة في إيران وأماكن نفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها، واحتلال الأحواز.
2. الإيجابية الثانية في زيارة نجاد ترسيخ قيم حرية التعبير وإعلان الرأي، فحين رُجم نجاد بالأحذية في القاهرة، سرعان ما أفرجت السلطات المصرية عن الذين قاموا بذلك بكفالة مالية قيمتها 500 جنيه في خطوة ديمقراطية راقية لم تعرفها الدول العربية من قبل، وهذه سياسة يجب أن تعمّم، فعلى قادة إيران أن يتقبلوا تعبير الجماهير عن شعورهم تجاههم ولو رجموهم بالأحذية؛ وعلى السلطات في البلاد الإسلامية ألاّ تتوتر بسبب ذلك وإنما ترسخ قيمة حرية التعبير للأفراد، أليست إيران وقادتها يزعمون بأنهم أنصار الشعوب والساعون لتمكينها من التعبير عن نفسها بوجه المستكبرين، وإذا انتقلنا لتأمل بعض تفاصيل زيارة نجاد للأزهر وما انطوت عليه من مكائد وخبث إيراني وشيعي في نموذج فريد يجسد لنا بوضوح كثيرًا من معالم سياسات إيران والشيعة المعاصرة على النحو التالي:
1. صحيفة صوت الأزهر لخّصت موقف الأزهر ورسالته لنجاد وإيران بعنوانها الكبير: 4 لاءات أزهرية للرئيس الإيراني.. لا للمدّ الشيعي.. لا لنزيف الدم السوري.. لا للتدخل في شئون الخليج.. لا لهضم حقوق الأحواز.. وبسبب ذلك الموقف الجرئ غالب من رضي بمقابلة نجاد من الأحزاب السياسية والشخصيات العامة في مقر القائم بالأعمال الإيراني إلتزم بسقف هذه المطالب ولم يفرط فيها، بما يشبه الإجماع المصري على الموقف من إيران.
وهذا الموقف الصريح والواضح للأزهر يؤكد صحة المواقف الرافضة لتطبيع العلاقات مع إيران والشيعة دون أن تغير إيران والشيعة من مواقفهما وسياساتهما العدوانية، وهو الذي حاول نجاد تمريره من خلال التهديد بالانسحاب من المؤتمر الصحفي في الأزهر مع الشيخ حسن الشافعي، فقد سعى نجاد لترسيخ صورة التفاهم والتكامل مع الأزهر فقد حاول نجاد أن يقصر المؤتمر الصحفي على بيان شكلي يصوّره مبتسمًا مع ممثل الأزهر في رسالة مزورة عن نجاحه في الوحدة والتفاهم مع الأزهر، مما كان سيخدع ملايين البسطاء والعامة بطيبة وسلامة إيران والشيعة لولا إعلان الشيخ الشافعي لحقيقة موقف الأزهر الرافض لعدوان إيران والذي طرح في الجلسة الخاصة! ومن هذا الخداع الإعلامي للجماهير قيام نجاد بإمساك يد شيخ الأزهر لمدة طويلة في اللقاء مع ابتسامة أمام الكاميرات برغم ضيق شيخ الأزهر من هذا السلوك كما يظهر من تعابير وجه في الصور.
2. احتوى كلام نجاد على مراوغات كثيرة، فحين تعرض لموضوع سبّ الصحابة حاول أن يحصر بحث هذه الجريمة بلقاءات العلماء الشرعيين بين السنة والشيعة، رغم أن شيخ الأزهر صرح له أن جلّ تلك اللقاءات كانت تصب في مصلحة الشيعة على حساب السنة لعدم جديتهم، والأعجب من هذا أن نجاد نفسه قد اتهم بعض الصحابة وخصوصًا الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله رضوان الله عليهم بالردة في لقاء تلفزيوني وقد رفعت عليه قضية في مصر لمنعه من دخولها سنة 2009 في مؤتمر قمة عدم الانحياز.
3. ركز نجاد في حديثه مع شيخ الأزهر على قضية الوحدة الإسلامية وبين قصده بهذه الوحدة في حواره مع صحيفة الأهرام بقوله: لقد دعمنا الشعب الفلسطيني بصورة كاملة، وكذلك الشعب اللبناني، وندعم جميع الشعوب، كما ساندنا ودعمنا الشعبين الأفغاني والعراقي)، وعجيب هذا الدعم للشعب الفلسطيني اليوم بقصف مخيم اليرموك بطائرات نظام بشار الأسد الحليف المقدس لإيران، ومن قبل دعم حزب الله مخيم عين الحلوة بالشعارات الرنانة وهو يُسوى بالأرض، وأيضًا كان لجيش المهدي والميلشيات الشيعية بالعراق شرف قتل وتهجير فلسيطينيي العراق بعد الاحتلال الأمريكي، ومن قبلهم سكت الخميني عن إبادة المخيمات الفلسطينية على يد ميلشيات حركة أمل في الثمانينات لأنه معتكف في العشر الأواخر من رمضان كما روى فهمي هويدي القصة كشاهد عيان في كتابه (إيران من الداخل).
أما الشعب اللبناني فهو ينعم بحالة باردة من الحرب الأهلية بفضل الدعم الإيراني له، أما مساندة الشعبين الأفغاني والعراقي فقد كانت بتطويق أعناقهم بقيد الاحتلال الأمريكي كما يصرح قادة إيران، فهل تريدون وحدة إسلامية أفضل من هذا؟!
4. أما إعلان نجاد إلغاء التأشيرات للمصريين الراغبين بزيارة طهران ومطالبة مصر بالقيام بعمل مماثل، فهذه خدعة كبيرة جدًا، فالمصريون الراغبون بزيارة إيران قلة صغيرة جدًا وهم من المتشيعين وهؤلاء لا مشكلة عندهم في التأشيرات، بخلاف الإيرانيين الذي يتلهف النظام الإيراني على توريد مئات الآلاف منهم لمصر ليدس بينهم آلاف العناصر من الأجهزة الأمنية كما فعل في العراق وسوريا ولبنان والسعودية، ومن العجيب أن إيران التي تدعو المصريين لزيارتها وتعلن عن إلغاء التأشيرات تعاملت بشكل أمني مبالغ فيه حتى مع الوفود المصرية التي استضافتها كما روت ذلك الصحفية المصرية نشوى الحوفي، فما هي مصلحة المصريين في زيارة طهران وهي تعاني الحصار والتلوث والحالة البوليسية!
وفي الختام: لقد كانت زيارة نجاد بشكل عام زيارة مثيرة وتستدعي دوام اليقظة والانتباه للمكائد الإيرانية والشيعية.
تعقيب على رد (نصري الطرزيمن جديد) يواصل الطرزي التهرب من الإجابة على الأسئلة بحجج شتى حتى لا تفتضح حقيقة المشروع الذي يتم الترويج له من خلال سيداو، ويهرب من نقاش الموقف الشرعي الرسمي لدائرة الإفتاء ضد سيداو، ويلجأ إلى إلقاء التهم المعلبة والجاهزة، لذلك أعتقد أن وقت القارئ أثمن من تضييعه بجدل عقيم، وأنا على ثقة بقدرة القراء الكرام على تقييم رؤيتينا المتعارضتين.
أسامه شحادة