الخطب الأجل في (الإسلام هو الحل)
هل الإسلام هو الحل؟ قطعاً! لكن على يدي من يحسن القيام به مخلصاً، واضح الرؤية للتفاصيل عن الأهداف الشرعية والكيفية الشرعية معاً، مقدماً رضا الله على رضا غيره، ملتزماً بشريعته على كل حال، مسخراً في سبيل ذلك كل حنكة سياسية وشرعية ودنيوية ممكنة.
- التصنيفات: الواقع المعاصر - قضايا إسلامية معاصرة -
المرحلة الحالية مفصلية في تكوين الوعي الشعبي على المدى الطويل فيما يخص تمكن الأحزاب الإسلامية من المواقع المتقدمة في الحكم، سواء ما أُتيح لها منصب الرئاسة مباشرة أو ما أتيح لها العمل بحرية، وبالتالي تحصيل أغلبية برلمانية أو كليهما معا، ولا يخفى على أحد اليوم أن المنتج الطبيعي لإتاحة الخيار الحر للشعوب المسلمة هو تقدم الأحزاب الإسلامية، فهي بمجرد حملها لشعارات إسلامية تحوز المرتبة الأولى في القلوب بلا منازع، وبانت بدهية هذه النتيجة بُعيد موجات التغيير الإقليمية التي جاء بها الربيع العربي.
الواضح أن المسافة الفاصلة بين ما يطمح إليه الناس حقًا حين وضعوا علامة الانتخاب على ورقة التصويت لصالح الإسلاميين وبين ما حصلوا عليه فعلاً جراء ذلك، والتباين بين ما تتوقع الحصول عليه من منتج ما وبين ما تتحصله حقا في الواقع -إذا ما استطار- أنتج زبائن غير راضين، والزبائن غير الراضون لا يكررون التجربة..
والزبائن هنا زبائن الانتخابات الذين صوتوا للإسلاميين، انتخبوا الإخوان المسلمين ظانين أنهم سيحققون لهم مطالب مشتركة، على تباين بين فرد وآخر، تقع بين ثنايا النقاط التالية:
1- تحقيق الحكم بشريعة الله -الكتاب والسنة- وما ينتج عن ذلك.
2- العدل الأمني والحقوقي، والاجتماعي والاقتصادي.
3- وما ينضوي تحت ذلك من كف اليد عن الحرام والنزاهة والشفافية والرفاه.
وواقع الحال الذي لا يخفى أن للإخوان المسلمين خصوماً يضادونهم في السياسة أو العقيدة أو المنهج أو المصالح، وأنه يصدف غالبا التقاء مصلحة أولئك الخصوم مع مصلحة القوى الاستعمارية الغربية -أمريكا ومن دار في فلكها- وقوى محلية إقليمية في إضعاف حكم الإخوان وتقويض سلطتهم، كلٌ لغرضه ومصلحته، هذا التضاد الذي يلزمه الخصوم اتخذ أشكالا مختلفة، منها السياسي النظيف، وعامتها ما لجأ إلى أبشع أنواع العنف وتشكيل المليشيات وتقويض الأمن وبث الأكاذيب والشائعات والدعوة العلنية للتدخل الدولي ضد بلادهم أنفسها، ولتهييج العسكر للانقلاب على السلطة، وكل ما يمكن تخيله من أشكال الضرب تحت الحزام.
أقول: هذا التضاد الذي اتخذ الأوجه أعلاه مصحوباً بطاقات إعلامية ذات ميزانيات ضخمة للتقليل من منجزات الإخوان، والتركيز على أوجه فشلهم وقصورهم كله قوض بلا شك من فرص الإخوان في تحقيق منجزات كبيرة على الأرض يعتدّون بها أمام قاعدتم الجماهيرية، وأمام المتابعين للتجربة الوليدة حول العالم، هذا لا شك صحيح إلا أنه يضاف إليه تخاذل الإخوان عن مواجهة خصومهم الذين يعيثون فساداً في الأرض حتى من جاوز منهم القانون، خوفا وخجلاً من أن يتهموا باستعمال مرافق الدولة من جيش وشرطة لصالحهم الخاص، ويعزز ذلك حرصهم على عدم التقدم في خطوات الإصلاح التي يطالب بها الشارع إلا بعد التوافق التام والرضا -الذي لن يتحصل يوماً- مع كافة الخصوم، كل هذه الظروف مجتمعة أودت بنا إلى حيث نقف اليوم: تجربة نتائجها ليست على المستوى المطلوب.
الخطير في الموضوع الخلط الحاصل جهلاً عند القاعدة الجماهيرية للإسلاميين، وإغراضاً عند خصوم الإخوان وخصوم الإسلام الشرعي والسياسي، وهو الخلط الحاصل بين الإسلام من جهة، وبين الإخوان المسلمين من جهة أخرى، وهذا الخلط الخطير يحمّل الإسلام كله، والمشروع الإسلامي الذي يحمله المصلحون والدعاة والعلماء وعامة المسلمين مغبة الأخطاء والنتائج غير الإيجابية، التي نتجت عرضياً عن تقدم الإخوان المسلمين من قلوب السجون والتنكيل إلى صهوة الكراسي والتمكين.
والإيجابي في الموضوع رمية من غير رام: أن خصوم الإسلاميين من يساريين وشيوعيين وناصريين، وممثلين للقوى الغربية والشرقية كلهم أحرقوا أنفسهم إلى غير رجعة، وأظهروا وجوههم الحقيقية أمام شعوبهم بلا استحياء في استماتتهم لمد الأيدي لكل جهة دولية تحرم مواثيق الشرف الوطني والسياسي والأخلاقي التعاون معها، أملاً في دعم يكسر الإرادة الشعبية التي جاءت بالإخوان من صناديق انتخابات نزيهة، وينصبهم هم مكانهم.
تقييم تجربة الإخوان في الحكم يجب أن لا يعدو قدره: هو تقييم لحكم الإخوان المسلمين كحزب سياسي مثله مثل أي حزب سياسي آخر، لا لحكم الإسلام كشريعة، ومما لا شك فيه أن تحمل الإخوان لمسؤولية القرار على المستوى الأعلى في البلاد كشف لمعادنهم، واستعدادهم للتنازل عن مبادئ ظن منتخبوهم ومؤيدوهم أنه لا فكاك عنها، في سبيل مكاسب سياسية تارة ومكاسب اقتصادية تارة أخرى، وهو يكشف للناس الإمكانيات الحقيقية لهم، سلباً وإيجاباً، ويعطي مرجعية لشعوب الدول الأخرى التي لم تفلح بعد في قلع حكامها وانتخاب آخرين بإرادة حرة عن الخيار الصحيح الذي يتوجب عليهم انتهاجه في التصويت، وعن حجم التوقعات المرجوة من كل منها.
الخلاصة أن الساحة الإسلامية متاحة لقوى إسلامية أخرى، ترث القاعدة التي عهدت عهداً أخفق الإخوان في تحمل مسؤوليته في الدول التي فازوا فيها، ولا بد لهذه القوى البديلة أن تتقدم من خلال تمسك أكثر بالثوابت المبدئية والشرعية، مع رؤية معلنة عن كيفية العمل بها في ظل الظروف المعروف مسبقاً مدى صعوبتها، والمحاربة التي لا يسع عاقلا إلا تنبؤها والتهيؤ لها، وإلا الإحجام عن الإقدام وترك الموقع لمن هو أقدر منه من عباد الله الصالحين.
هل الإسلام هو الحل؟ قطعاً! لكن على يدي من يحسن القيام به مخلصاً، واضح الرؤية للتفاصيل عن الأهداف الشرعية والكيفية الشرعية معاً، مقدماً رضا الله على رضا غيره، ملتزماً بشريعته على كل حال، مسخراً في سبيل ذلك كل حنكة سياسية وشرعية ودنيوية ممكنة.
خالد جرار