ثمرة الغلو الليبرالي
أمير سعيد
على عظم ما قد اقترفه الكاتب المسيء حينما جاوز كل حد شرعي بمقاله المستفز لمشاعر المسلمين بادعاء معرفة الغيب لبشر، وزعمه علمه بما هو كائن وما سيكون مستقبلاً، إلا أن هذه الجريمة ليست أسوأ ما في القضية بكل أسف؛ فحين تصير الخطايا والكبائر وغيرها سلوكاً فردياً لا يذيع ولا ينتشر، ولا يفسح له المجال للظهور والانتشار على مساحة واسعة؛ فهي على فداحتها تكون محدودة الأثر لا سيما إذا واجهها المجتمع بكل صرامة توفرها الأنظمة والقوانين..
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
على عظم ما قد اقترفه الكاتب المسيء حينما جاوز كل حد شرعي بمقاله المستفز لمشاعر المسلمين بادعاء معرفة الغيب لبشر، وزعمه علمه بما هو كائن وما سيكون مستقبلاً، إلا أن هذه الجريمة ليست أسوأ ما في القضية بكل أسف؛ فحين تصير الخطايا والكبائر وغيرها سلوكاً فردياً لا يذيع ولا ينتشر، ولا يفسح له المجال للظهور والانتشار على مساحة واسعة؛ فهي على فداحتها تكون محدودة الأثر لا سيما إذا واجهها المجتمع بكل صرامة توفرها الأنظمة والقوانين..
لكن حين يفسح لها المجال لتظهر وتنتشر وتتكرر كل فترة فهي المصيبة العظمى، لا سيما في بلاد عرفها العالم باسم "بلاد التوحيد"، وبلاد التوحيد لم تتشرف باسمها هذا إلا مع ذيوع العلم في أركانها به وبمقتضيات الإيمان، ودراسة أبنائها مفاهيم العقيدة والتوحيد في مدارسها وجامعاتها بما لا يسمح لهم بجهل مفهومه وأقسامه ونواقضه بدقة، فضلاً عما هو معلوم من الدين بالضرورة مما يعرفه كل منتسبٍ لهذا الدين، ومن ثم يصير تكرار مثل هذه الحوادث والسقطات في تلك البلاد مريعاً أكثر من بلدان أخرى، ربما لا تحظى بمثل هذا الاهتمام بحماية جناب التوحيد وتعليم القاصي والداني هذا العلم الشريف.
الأسوأ في هذه الإساءة الكبيرة ليس في فرديتها، وإنما في تكرارها، لا سيما في صحف ووسائل إعلام شهدت حوادث مماثلة استفزت مشاعر الملايين، ولم تزل تلك الوسائل تمارس هذا الخزي والخذلان بإصرارها على استكتاب شخصيات تصادم هذا الشعب وغيره من الشعوب الإسلامية في أغلى ما تملكه، وهو (إسلامها) الذي هو مصدر عزها وسعادتها في الدارين وأمنها واستقرارها، وهو ما يمثل توفيراً لحواضن إعلامية تنشر الغلو التغريبي وتمنحه مساحات واسعة للانتشار تنقص من أطراف قيم هذه البلاد وتقوض وحدتها التي لا مقوم لها إلا هذا الدين العظيم.
الأسوأ فيها هو ما تستشعره من رغبة جموح متمردة على كل قيمة، وتفشٍ لظاهرة قبيحة لا تصب في النهاية إلا في مستنقع الآثمين من القوى المتربصة بهذا الوطن ووحدته واستقراره ولحمته الداخلية، وهي رغبة لا يبدو أنها منبعثة من (خيانة لفظ لصاحبه)، وإنما مأخوذة في سياق واحد، تتكرر شواهده وتتعاضد مؤذنة بتفكك مجتمعي عبر تعويد الآذان على سماع مثل هذه الأقوال الجاحدة والمتردية من خلال كاتب جامح هنا، ومدون مهرطق هناك، وثالثة تمهد، ورابع يدافع ويبرر، وخامس يدوّل، وسادس (حقوقي) يزمجر.. وهكذا دواليك.
إن علينا ألا نأخذ تكرار هذه الإساءات ببراءة، ولا نعزلها عن سياقها الحقيقي، لا سيما حين تتزاحم مسرعة، وتعاود مفزعة؛ فالجريمة كبيرة، والشركاء كثيرون، والهدف واضح نقرأ ملامحه في عيون المسيئين وأشياعهم،
ولولا وقفة من ثلة من العلماء حازمة طالبوا فيها بوقف هذا الغلو ومحاسبة المسؤولين عنه، وبينوا ونددوا لصارت الأمور إلى الأسوأ بالسكوت عن هذه الإساءة الفجة الفاقعة..
فمثل هذه التجاوزات لا بد أن يقف المجتمع منها مناوئاً وناهياً عن مناكيرها الواضحة، ولقد قام بعض العلماء وأهل العلم بواجبهم في هذا الخصوص، وينتظر الناس أن تتوقف مثل هذه الجرائم اللفظية المؤذية لمشاعر المسلمين -كل المسلمين-، وأن تتجنب البلاد شر تكرارها وذيوعها، لا سيما أنها مثلما حملت إساءة للقيم الإسلامية؛ فقد عبرت عن وجه قبيح لا يشرف الثقافة السعودية بالمرة؛ فالبلدان تحتاج (غلاة بناء) لا (غلاة مدح وإطراء) بما يجاوز حدود الشرع؛ فشعوبنا بحاجة لمثقفين رواداً في التبصير والتنوير والإبداع بمعانيها الحقيقية، لا تلك الزائفة المسروقة التي لا تفرز إلا ظواهر ثقافية شائهة، لا تقدم جديداً سوى مفردات النفاق والغلو اللذين لا يقدمان شيئاً في نهضة الأمم.