انتخاب روحاني.. تعويم إيران
إن انتخاب روحاني هو يأتي بالأساس لتعويم أزمة الثقة الإقليمية الرسمية والشعبية في نظام الملالي الإيراني، وهو بالأصل يسعى نحو إيران ناهضة جديدة بعد تعثر اقتصادي لافت.
- التصنيفات: الواقع المعاصر - أحداث عالمية وقضايا سياسية -
على ذات النسق الأمريكي، يأتي رئيس إيراني بوجه هادئ وسياسة تبدو لأول وهلة أنها معتدلة في أعقاب حكم رئيس متشدد.
كارتر، كلينتون، أوباما، جاءوا في أعقاب نيكسون وريجان وبوش الأب ثم الابن.
رفسنجاني، خاتمي، روحاني، نفس الشيء.
بعد الحروب، والإنفاق الباهظ، والسياسة الخارجية التوسعية المكلفة، تأتي الحاجة إلى رئيس يلتفت إلى مشكلات الداخل، ويحسن من الصورة الكالحة التي وضعتها الشعوب لهذه الأنظمة الراديكالية والعسكرية الاحتلالية.
لا يمكن للإيرانيين في هذا الظرف إلا أن يديروا ظهورهم قليلاً للخارج، ويلتفتوا إلى المشكلات المتفاقمة في الداخل، ويلجؤوا إلى صيغة توافقية مع الجيران تبيض بعض الشيء وجهاً مسوداً.
اختاروا حسن روحاني، أو اختير لهم، لا فرق، فالإيرانيون قد اعتادوا أن يختار لهم المرشد الأعلى أو "الولي الفقيه" أو "نائب صاحب الزمان" مجموعة من المرشحين، ويترك لهم حرية الاختيار بعد توجيه كبير، وقليل من التزوير إن احتاج الأمر، اختاروه وهم يتطلعون إلى انتشالهم من أزمة مالية خانقة، أفرزتها استراتيجية إيرانية غذيت بنار الحقد الطائفي؛ فحرقت أصابع الإيرانيين أنفسهم؛ فالاقتصاد المتداعي نتيجة إنفاق ما يزيد عن 20 ملايين دولار يومياً لدعم نظام بشار الأسد، والتورط في دعم "حزب الله" في مقامرته في العام 2006 ثم "إعمار" الجنوب اللبناني بأموال طائلة تفوق ما وضع من ميزانيات لقوميات غير فارسية، واختاروه، وفي شعورهم أنهم بذلك سيكونون قادرين على تأمين بلادهم أكثر ضد أي عدوان مفترض، تحت عنوان إجهاض مشروع بلادهم النووي.
واختاره لهم مرشدهم لئلا يستمر نزيف فقدان الثقة المتدفق في نظامهم بين دول الجوار، حيث تعرض المشروع الصفوي الإيراني لأكبر هزاته على الإطلاق مع انكشاف أهداف الحكم الثيوقراطي المستبد في طهران، والممتد في عدوانه على الجيران من العرب والمسلمين، وقد كان النظام يغسل كل خطاياه ومشروعاته الدنسة ومخططاته الخبيثة من ماء "المقاومة" و"الممانعة" و"احتضان" منظماتها، ولقد كان يهرع إلى "حزب الله" الشيعي لتجميل صورته، وإلى نظام بشار لتحسين وضعه، فانخرط الاثنان في حرب إبادة، وارتكب كلاهما مجازر بشعة بحق السوريين، وظل يتقرب إلى حركة حماس الفلسطينية السنية بغية ادعاء مساندة المقاومين؛ فانقلبت عليه مؤخراً؛ فلم يعد ثمة ما يحمي ظهره، وذابت "تقيته" عنه، ومن ذابت تقيته من أنظمة الطوائف الباطنية تراجع مشروعه وانهزم.
وبرغم التوجيه وضعف المنافسين؛ فإن فوز حسن روحاني، السياسي والقانوني الإيراني وثيق الصلة بالملالي الحاكمين من الجولة الأولى بنسبة تفوق كل منافسه مجتمعين تدل على اجتماع كلمة أهل الحكم الحقيقيين (المرشد وخاصته والحرس الثوري)، والشعب على ضرورة إحلال شخصية تبدو "معتدلة" محل المتشدد نجاد؛ فالدولة الإيرانية التي لم تزل تقاتل على جبهات عراقية وسورية ويمنية تريد أن تكتفي بتلك الجبهات، وتقلص وجودها، وتوقف نزيف سمعتها مع تسوية ظالمة في سوريا، وقمع ممنهج منضبط في العراق، واكتفاء ذاتي في اليمن، وهي تبدو معنية جداً بترميم سمعتها المتردية في الإقليم، واتخاذ قوى قديمة أو جديدة (ربما تخلف حزب الله) دوراً تصالحياً (ظاهرياً) مع الإقليم السني، وتدخلاً مستتراً في سوريا، وهذا ربما يمكن تحقيقه عبر وجه "تصالحي" أو "إصلاحي" مفترض ومفاوض بارع كروحاني.
إن انتخاب روحاني هو يأتي بالأساس لتعويم أزمة الثقة الإقليمية الرسمية والشعبية في نظام الملالي الإيراني، وهو بالأصل يسعى نحو إيران ناهضة جديدة بعد تعثر اقتصادي لافت.