كيف نستفيد من الصيام؟
فهلا تنبهنا ونحن ندرس سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وصفاته لحكمة الصوم وأهميته، وأثره على الجسم البشري؟ وهلا فكرنا وأنعمنا التفكير: لماذا أوحى الله لنبيه بكثرة الصوم وهو المنوط به صلى الله عليه وسلم قيام الدولة الإسلامية وسيتعرض لغزوات متلاحقة ولهجرة ولقيادة أمة وهذا كله يحتاج لمجهود بدني وذهني؟!
- التصنيفات: مناسبات دورية - ملفات شهر رمضان -
هلال رمضان:
في مثل هذا الوقت من كل عام تفتح علينا القنوات الفضائية أبواقها، وتمطرنا الصحف والمجلات بوابل من الوعظ والإرشاد، والأحاديث والآيات، والأقوال والمأثورات، وأفعال السلف والخلف في رمضان، حتى أصبح الأمر مكررًا.. واسمحوا لي أن أواجه الحقيقة، وأقول: أصبح الأمر مملاً. وحتى لا نطلق الاتهامات على عناتها دعوني أبرهن على ما أقول:
- فلقد أصبح الصوم عادة لا عبادة، ومعظمنا يظل طيلة الشهر غافلاً عن الحكمة من الصيام.
- البعض قد ينسى أنه صائم فيسب ويلعن، وقد يأكل ويشرب ناسياً.
- إذا دخل رمضان هرول الجميع وبشراهة إلى محلات بيع المواد الغذائية وقام بتخزين ما لذ وطاب.
- عملنا ميزانيات خاصة لنواجه الزيادة في المشتريات لرمضان.
- طالبنا بالإجازات من ?لأعمال.
- غيّرنا برنامجنا اليومي -أقصد النومي- فأصبحنا ننام نهاره ونسهر ليله.
- وتحلو الزيارات في رمضان، وتكثر الحفلات والغبقات، والأفراح والليالي الملاح، هذا فضلاً عن اللهو المباح وما يفعله المتدينون الملتزمون.
- أما ما يفعله غيرهم من أهل الفسق -والعياذ بالله- فحدِّث ولا حرج، بداية من هجمة القنوات الفضائية الشرسة التي لا يمكن أبدًا بأي حال من الأحوال ملاحقتها، مرورًا بالسهرات الرمضانية، على الأنغام الشرقية، وانتهاء بالشيشة الرمضانية والسحور الراقص على شاطئ كذا وكذا، تحييه الفنانة "س" أو "ص" أو"ع".
ثم نقول: لقد مر رمضان مرور الكرام، والله كان جميلاً وخفيفاً، و"يا ليتك سنة يا رمضان".
مر رمضان ولم نعرف لماذا جاء، ولماذا ذهب، وعندما كنا أطفالاً سألنا عن الحكمة من الصيام، كان يقال لنا: حتى يشعر الغني بالجوع الذي يعاني منه الفقير، فيشعر بشعوره، وكنا نقول في داخلنا ودون أن يسمعنا أحد: إذن لماذا يصوم الفقير، ولو كان الأمر كذلك لأعفي الفقير من الصيام، ولأعطي الحرية المطلقة في أن يأكل كيف شاء ومتى شاء في رمضان.
ونسوا وأنسونا معهم أن الهدف من الصيام هو:
1ـ تقوى الله تعالى أو مزيد من التقوى إن كانت موجودة سلفًا، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
2ـ الحصول على جسم سليم صحيح، كما قال صلى الله عليه وسلم، إذ يروي عنه أبو هريرة رضي الله عنه قوله: « » (رواه الطبراني في الأوسط).
ولقد حثنا الحبيب صلى الله عليه وسلم على الصيام والإكثار منه في مناسبات كثيرة:
- قال صلى الله عليه وسلم: « » (رواه البخاري ومسلم).
- وقال صلى الله عليه وسلم: « » (رواه مسلم)، لما سُئل صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة.
- وقال صلى الله عليه وسلم: « » (رواه مسلم).
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى صوم الاثنين والخميس" (رواه الترمذي).
- وقال ابن عباسرضي الله عنهما: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه" (متفق عليه).
ولقد حبّبنا صلى الله عليه وسلم في الصوم بكل طرق الترغيب، فهو يحب أن ترفع أعماله إلى الله وهو صائم، وأشاد بصيام داود، وهو الذي كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، وكان صلى الله عليه وسلم كلما سأل أهله عن طعام فلم يجد قال: « »، ومع كل هذا كان هو القوي الفتِيُّ، الذي يُحتمى به في الشدائد، "كنا إذا اشتد البأس احتمينا برسول الله صلى الله عليه وسلم"، ففي غزوة "الخندق" عندما تعذر على الصحابة كسر صخرة كبيرة قاسية لجؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو المقاتل المبارز، الرجل شديد الرجولة والفحل شديد الفحولة.
فهلا تنبهنا ونحن ندرس سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وصفاته لحكمة الصوم وأهميته، وأثره على الجسم البشري؟ وهلا فكرنا وأنعمنا التفكير: لماذا أوحى الله لنبيه بكثرة الصوم وهو المنوط به صلى الله عليه وسلم قيام الدولة الإسلامية وسيتعرض لغزوات متلاحقة ولهجرة ولقيادة أمة وهذا كله يحتاج لمجهود بدني وذهني؟!
إذن لا بدّ أن يكون ذلك الصوم ليس معرقلاً لهذه الجهود ولكنه لا بدّ أن يكون -وهو والله كذلك- باعثاً على النشاط والقوة البدنية والذهنية والنفسية.
وقد يقول قائل: إننا نصوم منذ عشرات السنين، لكننا ما شعرنا لا بالتقوى، ولا بالصحة، ولا بالرشاقة، ولا سلمنا من الأمراض.
فأقول: إن العيب فينا لا في إسلامنا، فنحن نأكل ما نشاء، وقتما نشاء، وكيفما نشاء، وحسبما نشاء لا نراعي في ذلك شرعاً ولا سنة، مع أن نبينا ما ترك خيراً إلا ودلنا عليه ولا ترك شراً إلا وحذرنا منه، والله تعالى يقول: {مَّا فّرَّطًنّا فٌي الكٌتّابٌ مٌن شّيًءُ} [الأنعام: 38].
فإذا أردنا أن نستفيد من ذلك الصيام كما وعدنا الله تعالى بالتقوى، وكما وعدنا رسوله الأمين بالصحة، فلا بدّ لنا أن نتبع كلام الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم القولية والعملية في الصيام.
عادل شلبي