التغيير بالقلب

محمد العبدة

إنها ثلاث وسائل لمقاومة الشر والفساد في المجتمع، فأعلاها التغيير العملي لمن توافرت لديه الاستطاعة والتمكن، وهي في الأصل من عمل الدولة المسلمة التي تضع القوة في خدمة العدل والنظام الأخلاقي، وهي أيضًا للأفراد والهيئات إن استطاعت، دون أن يكون تغيير هذا المنكر يؤدي إلى منكر أكبر منه. ويليه التغيير باللسان، وهي مهمة العلماء والدعاة ورجال الفكر والوعظ، وكل من له نفوذ معنوي بفضل مواهبه المختلفة. وآخر الوسائل وأدناها: التغيير بالقلب.

  • التصنيفات: أعمال القلوب -

 

عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»، صحيح مسلم (باب الإيمان/49).


إنها ثلاث وسائل لمقاومة الشر والفساد في المجتمع، فأعلاها التغيير العملي لمن توافرت لديه الاستطاعة والتمكن، وهي في الأصل من عمل الدولة المسلمة التي تضع القوة في خدمة العدل والنظام الأخلاقي، وهي أيضًا للأفراد والهيئات إن استطاعت، دون أن يكون تغيير هذا المنكر يؤدي إلى منكر أكبر منه.


ويليه التغيير باللسان، وهي مهمة العلماء والدعاة ورجال الفكر والوعظ، وكل من له نفوذ معنوي بفضل مواهبه المختلفة.


وآخر الوسائل وأدناها: التغيير بالقلب، وهنا لابد من التنبيه إلى خطأ شائع في معنى التغيير بالقلب، حيث يظن كثير من الناس أن التغيير بالقلب هو أن يكره الإنسان الشر فيما بينه وبين نفسه ويقول: (اللهم هذا منكر لا أرضاه)، دون أن يبدو أي أثر لهذه الكراهة، ودون أن يكون هذا التغيير الذي هو أضعف الإيمان احتجاجًا صامتًا ورفضًا للتواطؤ مع الظلم، وترقبًا لفرصة القول ثم العمل، وهو يعني أيضًا بُغض المتلبَّس به -وهو شئ مقدور عليه- وإلا فقد خسر أضعف الإيمان.


يقول الشيخ دراز رحمه الله حول الفهم الخاطئ للتغيير بالقلب: "والواقع أن هذا الفهم تحريف لمعاني الكلمات في اللغة العربية، وتحريف لمقاصد الشريعة، لأن الإنكار بالقلب مجردًا من كل مظهر إيجابي أو سلبي، هذا لا يسمى تغييرًا للمنكر، بل يسمى إقرارًا سكوتيًا وتشجيعًا عليه، وأما أنه تحريف لمقاصد الشريعة فلأن إبقاء المعاملة لصاحب المنكر على وجه البشاشة والمحافظة على إكرامه وتحيته، هذا هو صريح النفاق، قال تعالى: {{C}{C}وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ{C}{C}} [الأنعام:68]، فأقل مايخرج به المرء من المشاركة في الآثام هو الإعراض عن أصحابها وهجر مجالسهم" (دراسات إسلامية/64).


إن كلمة (المنكر) هكذا بعمومها وشموليتها دون ذكر تفاصيلها دليل على أن المقصود المنكر الصغير والكبير، الظلم والفسق والعمل السيء والتواني عن الواجب، وعندما تحدث ابن حزم عن المنكرات في عصره وفي بلده الأندلس قال عن جماهير الناس: (فلو اجتمع كل من ينكر هذا بقلبه لما غُلبوا)، رسائل ابن حزم 3/173. فهذا العالم الجليل الذي عاش محنة تفرق المسلمين في الأندلس وعاش دون الطوائف، يتمنى أن يجتمع المسلمون على إنكار المنكر الذي يدل على موقف ورفض للواقع، إذن لما غُلبوا ولتغيرت الأوضاع .