صرخات
ملفات متنوعة
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
عمان / ياسر الزعاترة
14/5/1427
كانت صرخات الطفلة هدى وهي تنادي والدها الممدد أمامها بعدما قتلته
القذائف الإسرائيلية على شاطئ غزة هي الأكثر مرارة وإثارة للقهر في
المشهد الفلسطيني خلال الشهور الأخيرة، بل منذ مشهد محمد الدرة. لكنَّ
توالي سقوط الشهداء واعتقال خيرة رجال المقاومة في الضفة الغربية
وقطاع غزة، وآخرهم القائد البطل جمال أبو سمهدانة، لا يقل إثارة
للقهر.
نقول ذلك على رغم أن مشهد القتل اليومي ليس جديداً على
الفلسطينيين، إذ أنهم عاشوه طوال سنوات انتفاضة الأقصى الخمس التي
كانت أروع مراحل التاريخ الفلسطيني، والسبب هو الفارق الشاسع بين
المشهدين، ففي انتفاضة الأقصى كان الفلسطينيون يوجعون عدوهم ويحشرونه
في دائرة سوداء من التهديد الوجودي لم يعرفها في تاريخه.
واليوم يُقتل الفلسطينيون في ظلِّ تهدئةٍ لم يختاروها، فهم لم يُهزموا ولم يَطلبوا فرصة للراحة، بل كان عدوهم هو المأزوم، وكان خروجه من قطاع غزة محاولة لحل أزمته أمام العالم، لكن لعبة السياسة هي التي فعلت فعلها من خلال قيادة فلسطينية جديدة جاءت على أنقاض قيادة أقصيت بالقوة، فقد قًتل ياسر عرفات وجيء بمن سعوا إلى الانقلاب عليه لحساب برنامج مختلف يدعمه الأمريكيون والإٍسرائيليون. إنه برنامج رفض المقاومة أو رفض العسكرة كما يطلقون عليه. إنه برنامج الحب والتفاهم مع الإسرائيليين، إنه برنامج القادة الذين يُرسلون إلى لندن لكي يتعلموا اللغة الإنجليزية. إنه برنامج الذين وُضعت الملايين بين أيديهم من أجل إعادة تشكيل حركة فتح والسيطرة على السلطة الفلسطينية.
هؤلاء لم يكونوا وحدهم الذين طعنوا الفلسطينيين ومقاومتهم في الظهر، فإلى جانبهم كان ثمَّة نظامٌ عربيٌ مهزوم يتراجع بعضه أمام دعوات الإصلاح (الابتزاز في واقع الحال)، وذلك بعد احتلال العراق، فيما يبادر آخرون إلى التعاون لأسباب أخرى !!
هكذا تواطأ الجميع على التنكر لدماء الرئيس المقتول وترتيب لعبة "الخلافة" لرجل آخر لا يؤمن بالمقاومة ولا بالسلاح، ومن ثَمَّ فُرض مسارٌ جديد على الوضع الفلسطيني لم تتمكن قوى المقاومة من مجابهته، وكانت فصول المسلسل التالية ومفاجأة الانتخابات.
من هنا يمكن القول إن الدماء التي نزفت على شاطئ غزة من دون ثمنٍ وما تزال تنزف منذ عام ونيف هي مسؤولية الذين باعوا المقاومة، واختاروا الاستجداء في القيادة الفلسطينية، وهي مسؤولية الوضع العربي الذي دفع في هذا الاتجاه، وحاصر الفلسطينيين وحرمهم الدواء والغذاء ... وطالبهم بوقف المقاومة.
هذا ما ينبغي أن يعرفه الفلسطينيون، والذين يتحدثون عن غياب
المقاومة في فلسطين إنما يزايدون على شعبٍ أعزل فُرضت عليه قيادةٌ
ترفض المقاومة، فيما فُرض عليه الحصار من كل جانب، أما الأسوأ فيتمثل
في مطالبته بمنح عدوه اعترافاً جماعياً مجانياً كما لم يحدث في
التاريخ الفلسطيني كله.
الآن على القيادة الفلسطينية أن تسرّع في تنظيم الاستفتاء من
أجل أن يبصم الفلسطينيون على منح عدوهم 78 % من وطنهم، وذلك كمكافأة
على العدوان المتواصل عليهم، ولها أن تبوء بإثم ذلك، ومعها جميع الذين
شاركوا في الحصار من الأنظمة العربية.
نقول ذلك على رغم ثقتنا من أن شعبنا سيقول لا للاعتراف
بعدوه، ولن تغريه قصة الأسرى ووثيقتهم المزعومة التي رتبها القوم
بطريقتهم، لأن الرفض هو رفض للمبدأ؛ مبدأ أن يستفتى شعب على ما إذا
كانت أرضه له أم لعدوه. فكيف حين يحدث ذلك في ظل حالة من الحصار
والتجويع؟
بقي أن نشير إلى أن العودة إلى مسار المقاومة لن تكون أمراً سهلاً
بحال، ففي ظل سلطةٍ ترفضها، ووضعٍ عربيٍ يحاصرها خضوعاً لرغبات واشنطن
الداعمة بلا هوادة للعدوان الصهيوني، في ظل ذلك كله ستكون المهمة
بالغة الصعوبة، ما يعني أن الصمود وعدم التفريط سيكون إنجازاً، فكيف
حين يتزامن مع ما تيسر من المقاومة. وقد أحسنت كتائب القسام إذ أعلنت
استئناف عملياتها في هذا التوقيت بالذات.
صرخات هدى ستظل تستصرخ الفلسطينيين والأمة أن لا تنسوا
فلسطين، ولا تأمنوا للعدو الأمريكي الذي رفض إدانة قتل عائلتها، وكما
تركت جريمة محمد الدرة آثارها في وعي الأمة، سيكون لهدى وصرخاتها
أصداءً من الكراهية للصهاينة وأذنابهم في واشنطن والمنطقة.
من لم تتحرك مشاعره مع هذا المشهد فليس إنساناً... فحتى غير المسلمون
دمعت عيونهم ...
هـــــــــدى
الطفلة الفلسطينية (10 أعوام) التي ظهرت على شاشات القنوات الفضائية
على سطح الأرض بأكملها.
ليس لانها تشجع فريقاً ضمن المنتخبات التي تشترك في مباريات كأس
العالم،
ولم يكن ظهورها للاحتفال بنجاحها كما هم أبناؤنا،
ولم يكن احتفالاً شيعياً لإسالة الدماء كما يحدث في النجف،
ولم تكن تتراقص في ملهىً ليلي كما هي أمتنا الإسلامية في هذه الأيام،
ولم يكن حفلاً في زواج.
بل هي بكل اختصار لتشهد على خيانة الأمة الإسلامية وانحنائها أمام
اليهود
وأمام جبروت بوش.
استغاثت بعد أن فقدت أسرتها في لحظة (أفراد أسرتها الخمسة
جميعاً)
على يد إخوان القردة والخنازير،
تنتظر معتصماً بالله يخرج من الأمة الإسلامية لينتصر لها.
لكنها فوجئت أن العالم الإسلامي أصبح معتصماً بتهديدات
بوش!!!
صُدمت في أسرتها،
ولكن حُطِّمتْ من أمتها الإسلامية
سنُسألُ جميعاً عن ما حدث لهدى...
سنُسألُ جميعاً عن إيقاف الدعم للفلسطينيين...
سنُسألُ عن التخلي عن حماس التي وصلت إلى الحكم عن طريق الانتخابات...
لم تغتصب حماس السلطة، ولكنهم قاطعوها ومنعوا عنها الدعم لأن هذه
رغبة اليهود على لسان أمريكا.
خرج الأمريكيون ليبرروا قتل اليهود لأسرةِ هدى بأنه دفاع عن
النفس!!!
نعم. إسرائيل مهددةٌ بالزوال لأن أسرة هدى خرجت للبحر لتنطلق من هناك
لازالة اسرائيل!!!
ليس ضرورياُ ما قالته أمريكا،
فأعمالها في العراق تشهد بأنهم نازيو العصر الحديث،
بل أشد من النازيين أنفسهم.
المهم ماذا قالت الأمة التي ضَحِكَتْ من هزلها الأمم!!
لا لا لا لا
لا شيء
فأنتم ياهـدى ............
إرهابـــــــــــــــــــيون
كما قاله لنا
الـــــــــــــغرب!!!
غزة... الجرح الدامي والألم القاسي... في مشهد تنفطر من قسوته
القلوب!
في مشهدٍ تلفزيوني درامي أقرب ما يكون للخيال، وتقشعر من هولتة
الأبدان، وتتألم من بشاعته وقسوتة القلوب، وتلفظه كل معاني القيم
والإنسانية، طوت قوات الاحتلال الهمجية صفحةً جديدة -مفتوحة- من
مجازرها ومذابحها ضد الإنسانية والبشرية !!.
وحسب تقرير لوكالة "معا" فإن المشاهد التي تناقلها تلفزيون فلسطين على الهواء مباشرة، لطفلة تائهة بالأحزان والضياع وهي تصرخ من أعماق قلبها المقهور والمذبوح، بالقرب من جثة والدها، ستبقى راسخةً في ذاكرة الفلسطينيين وأصحاب الضمائر الحية في العالم -إن وُجِدوا- أو كانت تعي ضمائرهم هول الفاجعة التي لحقت بعائلة "غالية".
فصرخات الطفلة الناجية الوحيدة من الجريمة البشعة على شاطئ بحر غزة، قطَّعت نياط القلب، وحولت المستقبل إلى صورة سوداوية، ولما لا وهي الطفلة البريئة، مشتتة الوعي، متخبطة في أفعالها وردة أفعالها، فتراها تذهب شرقاً وغرباً، تبحث عن من كانوا يلاعبونها !!.
مشتتة ما بين جثة والدها الممدة على شاطئ البحر وبين جثامين أخواتها وإخوتها وأمها، التي مزقتها قذائف ورصاص البوارج البحرية الإسرائيلية الحاقدة على الإنسانية وأطفال فلسطين، لتقتل عائلة بكاملها فلا ينجو منها سوى تلك الطفلة التي رآها العالم أجمع وهي...
وهي تصرخ بصوتها المخنوق وبأعلى صوتها يابا ... يابا ... يابا ... يابا دون أن يجيبها والدها أو أحد من أسرتها لأن قذائف الحقد كانت أسرع إليهم من صوتها الضعيف !!! .
فعائلة "غالية" الفلسطينية المنكوبة بفقدان سبعة من أبنائها
هم الأب والأم وخمسة من أبنائهما، لم تكن تعلم أن بهروبها من حر الطقس
الصيفي، وضيق المخيم والحصار الاقتصادي والسياسي المفروض على الشعب
الفلسطيني وعلى العائلة، سوف يكلفها ثمناً غالياً وجلاحاً كبيراً لن
يندمل أبداً.
فبعد ساعةٍ من وصول الأسرة إلى شاطئ البحر، وقبل أن يبدأ الجميع في
نسيان هموم حياتهم، تسابقهم حمم القذائف الإسرائيلية الحاقدة،
التي...
التي... انهمرت عليهم من الزوارق الحربية لتحول أجسادهم إلى أشلاء
ممزقة خاصة جسد هيثم ذوي العام الواحد، في جريمة علنية أمام الملايين
من المشاهدين على شاشات ومحطات الفضائيات العربية والدولية، ولتقتل
هذه القذائف والصواريخ سبعة شهداء هم عائلة بكاملها: علي غالية (45
عاماً)، صابرين غالية (3 أعوام)، هيثم غالية (عام واحد)، هنادي غالية
(عامين)، إلهام غالية (7 أعوام)، علية غالية (25 عاماً)، رئيفة غالية
(26 عاماً) ولتصيب عشرات من الطفال والنساء والرجال الذين جاءوا
ليصطفوا على شاطي البحر ترويحاً عن أنفسهم.
لقد أعادت هذه الجريمة إلى الأذهان سجلاً أسودَ من التاريخ الإجرامي
الإسرائيلي، فاليوم نتذكر صرخات محمد الدرة ووالده !! ونتذكر إيمان
حجو !! والطفلة سارة في نابلس، ونتذكر صبرا وشاتيلا ومدينة نابلس
ومخيم جنين !!.
وكانت الطائرات الحربية الإسرائيلية، قد أطلقت عدة وصواريخ صوب
سيارة كانت تقل نشطاء من ألويه الناصر صلاح الدين مما أدى إلى إصابة
أحدهم، وأثناء تفقد أقاربهم له في مستشفى كمال عدوان شمال القطاع
أطلقت الطائرات "السادية" المتلذذة بقتل الفلسطينيين والمواطنين
الأبرياء صواريخها، مما أدى إلى مقتل ثلاثة منهم وهم الشقيقان باسل
وأحمد عطا الزعانين وابن عمهم خالد الزعانين، وهم مواطنون عاديون ليس
لهم علاقة بالتنظيمات الفلسطينية.
الطائرات الإسرائيلية المجرمة لم تكتف بهذا القصف والقتل ولم تشبع من دماء الأطفال والنساء الغزيرة التي سالت على شاطئ البحر، فقامت بملاحقة سيارة من نوع "سكودا" كان يستقلها ثلاثةٌ من كوادر القسام على طريق صلاح الدين، شمال غزة، وقامت بقصفها مما أدى إلى إصابتهما وعدد آخر من المواطنين بجروح خطيرة ومتوسطة، لتسبح غزة بدمائها العزيزة من جنوبها إلى شمالها ومن شرقها إلى غربها، دون أن يحرك العالم ساكناً، أو يهتز ضمير أحرار العالم من هول المجازر وبشاعتها، ودون أن ترتجف جفونهم من صرخات الطفلة وهي تبكي حظها المتعثر بفقدان كل أفراد أسرتها لتقضي بقية حياتها وحيدة مع أحزانها وجرحها والى الأبد !!.
دون أن تلاعبها أمٌ أو يعطف عليها أخٌ أو أخت، ودون أن تردد من
جديد كلمة بابا .. بابا، فمصيبتها لا يتحملها أشد الرجال، فكان الله
في عون الطفلة هدى وكان الله في عوننا جميعاً!!
والله غالبٌ على أمره