انتهاك حرمة دم المسلمين في مصر

ومع كل هذا الوعيد والتحذير والوعيد, ما يزال انتهاك حرمة دم المسلمين في مصر مستمرا ومتكررا, فمنذ أيام وفي مستهل استقبال المسلمين لهلال رمضان المبارك, كانت مجزرة الحرس الجمهوري الذي استشهد فيه قرابة مئة شخص, وبالأمس ارتفعت أرواح ثلاث نسوة إلى الدار الآخرة, بعد إصابات بطلق ناري.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


تُعتبَر جريمة قتل المسلم من أكبر الكبائر في الإسلام، كيف لا وقد توعد الله تعالى القاتل في القرآن بأشد أنواع العقوبة والعذاب في الدنيا والآخرة، فلا وجود لوعيد في القرآن أشد من وعيد قاتل المؤمن بغير حق، قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]، وقد اقترن قتل النفس بغير حق مع الشرك بالله تعالى والعياذ بالله.

وقد جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتؤكد عظيم جريمة قتل النفس بغير حق، وعقوبة من يقترف ذلك في الدنيا والآخرة، فقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء» (صحيح البخاري [8/111] برقم [6533]).

وفي حديث آخر، قال صلى الله عليه وسلم: «لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار» (سنن الترمذي برقم [1398]).

وفي حديث ثالث: «من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة، جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله» (سنن البيهقي الكبرى برقم [15643])، والأحاديث كثيرة في هذا الجانب.

إن حرمة دم المؤمن والمسلم عند الله أشد من حرمة الكعبة، كما ورد في سنن الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه نظر يوما إلى البيت أو إلى الكعبة فقال: «ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك» (سنن الترمذي برقم [2032])، بل إن حرمة دم المسلم أعظم حرمة من الدنيا وما فيها، ففي الحديث في سنن الترمذي وغيره عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم» وفي رواية: «مؤمن بغير حق» (والروايتان صححهما الألباني برقم [5077]، وَ[5078]).

ومع كل هذا الوعيد والتحذير والوعيد، ما يزال انتهاك حرمة دم المسلمين في مصر مستمراً ومتكرراً، فمنذ أيام وفي مستهل استقبال المسلمين لهلال رمضان المبارك، كانت مجزرة الحرس الجمهوري الذي استشهد فيه قرابة مئة شخص، وبالأمس ارتفعت أرواح ثلاث نسوة إلى الدار الآخرة، بعد إصابات بطلق ناري.

فقد لقي ثلاثة نساء مصرعهن أمس خلال اعتداءات تعرض لها مؤيدو الرئيس المصري محمد مرسي في مدينة المنصورة من قبل البلطجية، وسط تخاذل أجهزة الأمن والشرطة عن حماية المظاهرات السلمية هناك.

وكان الآلاف من مؤيدي الشرعية قد نظموا مسيرة خرجت من أمام القرية الأوليمبية عقب صلاة التراويح، ورددوا هتافات معادية لقادة الانقلاب العسكري، مؤكدين استمرار الفعاليات حتى تراجعهم عن الانقلاب وعودة الشرعية مرة أخرى.

في غضون ذلك، تعرضت المسيرة لهجوم شرس من قبل البلطجية والمسجلين خطر، استخدموا فيها أسلحة نارية وبيضاء وسلاح الخرطوش، ما أدى إلى وقوع عشرات الإصابات، واستشهاد ثلاثة نسوة هن: "إسلام عبد الغني" (38 سنة) قد توفيت بطلق ناري في الرأس، و"هالة أبو شعيشع" (20 سنة) توفيت باختناق، و"آمال متولي فرحات" (45 سنة) توفيت بطلق ناري في البطن، كما أفاد تقرير طبي مبدئي.

وفي أولى ردود الفعل على هذه الجريمة النكراء، استنكر بشدة المحامي عصام سلطان -نائب رئيس حزب الوسط- مقتل نساء المنصورة بالرصاص الحي، واللاتي توفيْن خلال تظاهرتهن السلمية دفاعًا عن الشرعية، مؤكدًا أنهن شرف الثورة المصرية.

وفي تدويناته على الفيس بوك قال: "أنتن الحرية التي داسها السيسي وكفنها أحمد الطيب وصلى عليها تواضروس إمامًا وائتم به البرادعي وحزب النور، أنتن المستقبل لدولة وأمة وحضارة ستنهض بإذن الله رضي الكارهون أم أبوا، وستبنى حضارة كالتي بنتها أول مرة، لأن دماءكن الطاهرة المطهرة التي سالت في المنصورة قد غسلت مصر كلها من الخطايا بأفضل من الماء والثلج والبرد".

وشدد القيادي بحزب الوسط على أنه: ستظل دماؤكن على مدى التاريخ لعنة على المجرمين السفاحين القتلة، الذين قرب يومهم، إنه الصبح.. أليس الصبح بقريب.

ولا تقتصر خطورة الأمر في العقوبة الشديدة على القاتل في الدنيا والآخرة، بل تتعدى ذلك إلى تهديد الأمن القومي المصري برمته، فتكرار القتل بهذه الصورة، وتساهل السلطات الأمنية والعسكرية في ملاحقة ومعاقبة المجرمين الفاعلين، يعرض السلم والأمن المجتمعي المصري للخطر، وينذر بعواقب كارثية لا يمكن لأحد أن يتحملها.

لقد جعل الله تعالى القصاص عقوبة رادعة للمجرم وأمثاله، ومانعة لأولياء الدم من الوقوع في آفة الثأر والانتقام، وحافظة للمجتمع من الانجرار لفوضى أخذ الحق باليد والساعد، في حال تقاعست الدولة عن أخذ الحق لأولياء المجني عليه.

وإذا كان التيار الإسلامي في مصر، حريصاً كل الحرص على حفظ السلم الأهلي، ومدرك كل الإدراك لخطورة الانجرار للعنف، فإن على الطرف الآخر أن يدرك ذلك أيضاً، وأن يعمل على ملاحقة هؤلاء المجرمين ومحاكمتهم ومعاقبتهم قبل فوات الأوان.
 

المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث