أولادنا والإجازة

أنَّكم إن لم تُخَطِّطوا لأنفسكم وأولادكم، فإن الأعداء يُخَطِّطون لكم ولهم؛ مِن أجل أن يغرقوكمْ في بحار اللَّهْو والمجون، ويعلقوا قلوب الشباب، ويملؤوا نفوسهم بحبِّ الشهوات والفواحش، حتى يأمنوا جانبهم، ويطمئِنُّوا أنهم لا يفكِّرون في قضاياهم، ولا يعدوا العُدَّة لحربِ أعدائهم وجهادهم، ولا يصلحوا دنياهم، ولا يعودوا إلى دينهم.

  • التصنيفات: ملفات إجازة الصيف -

 

الحمد لله الذي جعل الأولاد زينة للحياة، وغرس لهم في نفوس الوالدين حبًّا وحنانًا لا يُدْرَك مداه.
فهم سرج البيوت وأنوارها، ورياحين القلوب وأزهارها، بِصلاحِهم تضرب السعادة أطنابها، وبفسادهم تعمل فينا الشقاوة مخلبها ونابها، وهم مِن أعظم الأمانات التي أمر الله بِحفْظها، وتوعَّد بالعذاب على مَن تعرَّض لخيانتها أو رفضها، والصلاة والسلام على نبيِّ الرحمة، الذي وضع للتربية الفاضلة أصولاً، ورسم للأمة منهاجًا وفصولاً، فمَنِ اتبع منهجه في ذلك، أفلح ونجح، ومنْ حاد عنه، وقع في الخسارة وإليها جنح، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، الذين تَرَبَّوْا على عينه، ونهلوا من معينه، ومَن اهتدى بهديهم، واستنَّ بسنتهم إلى يوم الدين.

وأشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله الصادق الأمين.

الوصية بالتقوى:
عباد الله:
تحدَّثْنا في الأسبوع الماضي عنِ الامتحانات، وقدِ انقضتِ الامتحانات عند أكثر الطلاب والطالبات، وأقبلتْ علينا الإجازة بفراغها، والفراغ سُمٌّ قاتل، ومرض عضال، لو سمعنا بمرضٍ متوقعٍ، لبادَرْنا جميعًا بتحصين أطفالنا منه، فهل بادرنا بتحصين أولادنا مِن مرض الفراغ ?لذي تفرضه علينا الإجازة، أَوَما سمعنا قول الشاعر:
 

إِنَّ الشَّبَابَ وَالفَرَاغَ وَالجِدَهْ *** مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدَهْ؟


ولذلك؛ فإنَّ الله قد أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يسدَّ الفراغ، بطاعة الله، والرغبة إليه؛ قال تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ . وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 7، 8]، قال السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره: "{{C}{C}فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ{C}{C}} أي: إذا تَفَرَّغْتَ من أشغالك، ولم يبقَ في قلبكَ ما يعوقه، فاجتهدْ في العبادة والدعاء، {{C}{C}وَإِلَى رَبِّكَ{C}{C}} وَحْدَهُ {{C}{C}فَارْغَبْ{C}{C}} أي: أعظم الرَّغبة في إجابة دعائكَ، وقَبول دعوتكَ، ولا تكنْ ممن إذا فرغوا لعبوا، وأعرضوا عن رَبِّهم، وعن ذِكْره، فتكون منَ الخاسرين".

إذًا؛ لا بدَّ منَ الاستعداد للإجازة استعدادًا مدْرُوسًا قويًّا حازِمًا، ولا بدَّ لكل أسرة أن تضعَ لأبنائها خطة؛ لقضاء إجازتهم، تحفظهم منَ الضياع، وتنفعهم في دينهم ودنياهم، دون أن نحرمهم من حقوقهم في الاستجمام والرَّاحة.

واعلموا رحمكم الله:
أنَّكم إن لم تُخَطِّطوا لأنفسكم وأولادكم، فإن الأعداء يُخَطِّطون لكم ولهم؛ مِن أجل أن يغرقوكمْ في بحار اللَّهْو والمجون، ويعلقوا قلوب الشباب، ويملؤوا نفوسهم بحبِّ الشهوات والفواحش، حتى يأمنوا جانبهم، ويطمئِنُّوا أنهم لا يفكِّرون في قضاياهم، ولا يعدوا العُدَّة لحربِ أعدائهم وجهادهم، ولا يصلحوا دنياهم، ولا يعودوا إلى دينهم.

ومِن هذه الخُطط التي يعدها الأعداء لإغراق شبابنا في جوٍّ منَ الفِسْق والمجون والفواحش واللهو المحرَّم:
تقديم برنامج هابط وجذاب في القنوات الفضائية؛ استغلالاً لهذا الفراغ، حتى يشحنوا الشباب بثقافتهم التي تجعل الجيل العربي مستسلمًا لهم ولاستعمارهم، وغزوهم الثقافي والعسكري، ومن ذلك البرنامج الهابط الذي أثار ضَجَّةً كبيرة والذي وصل بلادنا عبر سماسرة الفساد من أصحاب القنوات المشَفَّرة والكابلات التلفزيونية المسمى "ستار أكاديمي".
هذا البرنامج الذي يقول عنه وعن أمثاله صحفي إسرائيلي: "إن الواقع يقول: إن العرب والمسلمين الذين يؤمنون بعقيدة محو إسرائيل منَ الخريطة أصبحوا قلائل جدًّا، وإن برنامج "سوبر ستار" أعطانا الأمل لوجود جيل عربي مسلمٍ، متسامح للعيش مع دولة إسرائيل اليهودية".

فهذه خُطط الأعداء، وسوف تصل إلى كلِّ بيت إلاَّ ما شاء الله، فما خط?نا لمواجهتها؟

وليستِ القنوات الفضائيَّة هي المشكلة الوحيدة؛ ولكن الشارع يعجُّ بالمشاكل وبالمخاطِر على أبنائنا:
1- فهناك العِصابات المُجرِمة، عصابات الفساد، التي تَتَرَقَّب العطلة؛ لتُمارِس نشاطاتها الشريرة من ترويج مخدرات، ونشْر فواحش الزِّنا واللواط، وغيرها منَ الأمراض.

2- هناك الكثيرُ من أماكن تجمُّع الأطفال مِن أماكن ألعاب جيم، وكمبيوتر، وغيرها، يترصد فيها ذئاب بشرية؛ لافتراس أبنائكم، والولوغ في أعراضهم، وإفساد مستقبلهم.

3- هناك الأطفال السائبون في الشوارع؛ كالبهائم الذين لا يسأل عنهم أهلهم، ولا يدرون أين يذهبون، ولا مع مَن يسيرون، ولا ماذا يفعلون، وهم يمارسون عادات سيئة كبيرة وكثيرة؛ من أقلها: السَّب والشَّتم وسوء الأخلاق، وأنواع منَ الألعاب الضارة، ومنها استخدام "المناطب"، التي قد تَتَسَبَّب في أضرار بليغة في أجساد الأطفال، وربما فقد أبصار، وكسر أسنان.

هذه بعض الأخطار، فما الحلول؟
الحل الأول: ملْء فراغهم بما ينفعهم:
- شغلهم بالدراسة والاستعداد للعام القادم.
- شغلهم بأعمال البيت أو استصحابهم مع آبائهم إلى العمل.
- شغلهم بالتسجيل في دورات التعليم وتحفيظ القرآن.
- رَبْطهم بصحبة طيبة يلازمونها، ويستفيدون منها.

الحل الثاني: حاولوا أن تفرغوا من أوقاتكم لمشاركتهم فراغهم، والترفيه عنهم برحلات عائلية، كلٌّ حسب طاقته.

الحل الثالث: اشغلوهم في البيوت بتوفير اللَّهو البريء النظيف والمُقيد، عبر أشرطة فيديو نافعة، أو ألعابٍ مفيدةٍ، أو مع الحذر الشديد لمن ابتلي بالدِّش والقنوات أن يختاروا قنواتٍ مفيدة؛ من أهمها: قناة المجد للأطفال، فهي أنظف الموجود، أو ما أشبهها مما عرف بُعده عنِ الفِتَن والمضارِّ.
ملاحَظة: الحِفاظ على الكُتُب المدرسية، وعدم رمْيها في القمامة والطرق؛ لما فيها من كلام محترمٍ، من آياتٍ قرآنية وأحاديث، وذكر واسم الله، واسم الرسول، وحتى الحرف العربي ينبغي ألاَّ يُهانَ.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
 

 

أحمد بن حسن المعلِّم