استفتاء الوثيقة.. خيانة لفلسطين والعرب والمسلمين

ملفات متنوعة

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

محمد صادق مكي
صحفي مصري


مفكرةالإسلام: دون أدنى مبالغة.. يمكننا القول إن عرض ما يطلق عليه 'وثيقةالأسرى' للاستفتاء العام في فلسطين المحتلة هو بمثابة تفريط مجاني في أرضفلسطين التاريخية بل هو دون مبالغة خيانة على المستويين العربي والإسلاميمن وجهة نظري الشخصية.


وحتى لا نتهمبإتباعنهج التفسير التآمري للأحداث أو إلقاء التهم جزافًا أو التصدي لقضية لسناطرفًا بها، لنبدأ بتحليل موضوعي لمحتوى الوثيقة لنرى مدى صدقية الافتراضالمطروح في بداية هذا المقال.

نود أن نشير أولاً إلى أننا لانشكك في وطنية واضعي الوثيقة وهم على غير ما تم الترويج له ليسوا ممثلينعن الفصائل الفلسطينية وإنما هم قيادات في تلك الفصائل في سجن واحد فقط منأصل العشرات من سجون الاحتلال التي يقبع بها الأسرى الفلسطينيون وضعوا تلكالوثيقة أملاً منهم أن تكون أساسًا للحوار بين الفصائل لنزع فتيل الأزمةالتي يشهدها الشارع الفلسطيني منذ فوز حماس في الانتخابات التشريعيةوتشكيلها للحكومة.


ويشهد الجميع للرئيس الفلسطيني محمود عباس بموقفهحين أقر بنتيجة الانتخابات التي أسفرت عن فوز حماس وهزيمة حركة فتح التييتزعمها، لكن هذا الموقف ظهر على حقيقته حين بدأ سعي عباس منذ اليوم الأولللحكومة إلى نزع كافة الصلاحيات عنها بدءًا من نقل الإشراف على التلفزيونمن الحكومة إلى الرئاسة وانتهاء بسيطرته على كافة الأجهزة الأمنية إمامباشرة أو عبر تعيين أتباعه في مراكز القيادة في وزارة الداخلية ليصبح حظحماس من كل وزارة هو مكتب الوزير أما شئون الوزارة فهي في أيدي أنصارعباس. وإساءة التصرف في الوزارة ستنسب في النهاية إلى حماس.


وتلاقىهوى مؤسسة الرئاسة مع مخطط صهيوني أمريكي لإسقاط الحكومة عبر حصارها وحصارالشعب الفلسطيني بأسره وتجويعه. ثم جاءت وثيقة الأسرى وهي في الواقع لاتعبر إلا عن بعض الأسرى في سجن هداريم وليس كل أسرى السجن ناهيك عن أسرىالسجون الأخرى.


تؤكد الوثيقة على حق المقاومة وتدعو لتوحيدها وتؤكد علىحق عودة اللاجئين وتدعو إلى الحوار بين الفصائل إلى نبذ الاقتتال الداخليوتحرير الأسرى والمعتقلين وكلها أمور لا غبار عليها وهي أمور يفهم منتصريحات قيادات فتح تخليهم عنها أو عن بعضها. كما تدعو إلى تشكيل حكومةوحدة وطنية وإلى تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وضم حركتي حماس والجهادالإسلامي إليها باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
أماالبند الخطير في الوثيقة فهو بندها الأول الذي نص على حق الشعب الفلسطينيفي 'إقامة دولته المستقلة وعاصمتها مدينة القدس الشريف على جميع الأراضيالمحتلة عام 1967' استنادًا إلى 'ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي،وما كفلته الشرعية الدولية'.

وهنا ثمة تحول في موقف مؤسسة الرئاسةمن السعي بكافة السبل للإطاحة بحماس إلى ارتكاب خطأ تاريخي. فيعني إقرارالوثيقة في استفتاء شعبي ـ إن أقرت ـ بما فيها هذا البند عدة أمور أهمها:


1-
التخلي عن كافة الحقوق في فلسطين المحتلة عام 1948 عبر استغلال حالة تجويعالفلسطينيين التي قادتها الولايات المتحدة من خلال رسالة ضمنية مفادها إماأن تظلوا في الجوع وتخرجوا أبناءكم من المدارس وتكفوا عن علاج أطفالكم أوأن تقبلوا بهذه الوثيقة لترضى عنا واشنطن ويعود تدفق الأموال إلينا.


2-
الخيانة هنا ليست لقضية فلسطينية لا تعني إلاالفلسطينين،ففلسطين أرض عربية إسلامية وخيانتها خيانة للعرب والمسلمين أجمع وبالتالي فالتفريط هنا في أرض فلسطينية عربية إسلامية.


3-
سيعني إجراء الاستفتاء الاحتكام في أحد ثوابت القضية الفلسطينية إلى نحوثلث الفلسطينيين فقط وهم الفلسطينيون المقيمون في الداخل مع تجاهل كافةالفلسطينيين المقيمين في الخارج.


4-
إجراء الاستفتاء سيتكلف ملايينالدولارات فتُرى من أين حصلت مؤسسة الرئاسة على هذه الملايين؟ فإن كانتموجودة من قبل فلماذا لم يتم إغاثة الجوعى والمرضى الفلسطينيين بها؟ وإنكانت ليست موجودة من قبل فمن أين حصلت عليها مؤسسة الرئاسة؟


5-
إجراء الاستفتاء سيتم رغم رفض خمس فصائل فلسطينية لها وزنها للوثيقة وهي حركة المقاومةالإسلاميةحماس وحركة الجهادالإسلاميوجبهة التحرير العربية والجبهة الشعبية القيادة العامة وطلائع حرب التحريرالشعبية الصاعقة إضافة إلى تحفظ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عن بعض بنودالوثيقة.


6-
رغم رفضنا لمبدأ التفريط من أساسه إلا أن مؤسسة الرئاسة الفلسطينية تقدمهذا التفريط على طبق من فضة دون أي مقابل ودون أن تحصل حتى على أية مكاسبللفلسطينيين مقابل هذا التفريط.


7-
تبدت خطورة الوثيقة بشكل أكبر حين أعربت واشنطن عن تأييدها لإجراء الاستفتاء عليها.


وهناحماس تواجه مأزقًا حقيقيًا فهي تقف وحدها أمام مؤسسة الرئاسة وأمريكاوإسرائيل بينما يقف العرب والمسلمون بين مؤيد لأمريكا ومحايد ومؤيد لحماس'بقلبه'. فماذا عساها تفعل حين يدعو عباس للاستفتاء؟

إما أنتشارك وتسعى لحشد الرفض الشعبي للوثيقة وهذا أمر تكتنفه المخاطر فإن فهيلا تضمن أن يتم رفض الوثيقة فإن شاركت وتم قبول الوثيقة أصبحت الحركةملزمة بما ورد فيها. وإما أن تقاطع الاستفتاء وهنا ستزيد فرص إقرارها وهوما ترفضه مطلقاً. وهنا أزمة ربما لم تضعها حماس في الحسبان حين قررت خوضلعبةالديمقراطية. ولن يفيد حماس أن تردد ليل نهار أن الاستفتاء غير قانوني فمن الواضح أنعباس سيمضي قدمًا في إجرائه سواء نجح الحوار الفلسطيني أم فشل وسواء كانالاستفتاء قانونياً أم لا.