وا مصرااااااه

غريبة هي حياة المصريين تطورت بشكل سريع ومتناقض، فقد تحمّل المصريون عذابات ومشقات بلا حدود وبلا نهاية لاسيما حين تتدخل المؤسسة العسكرية في إدارة شئون البلاد.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


غريبة هي حياة المصريين تطورت بشكل سريع ومتناقض، فقد تحمّل المصريون عذابات ومشقات بلا حدود وبلا نهاية لاسيما حين تتدخل المؤسسة العسكرية في إدارة شئون البلاد.

فقبل ثورة العسكر في 1952م كانت هناك صفات مميزة للمصريين من الشهامة والمروءة، ومقاومة المستعمر والجهاد، والتضحية والفداء، والحرية والكرامة والمشاركة الجماهيرية، واحترام الكبير والعطف علي الصغير وكبير العائلة، وصلة الأرحام وتقديم الغير على النفس، فكانت المصلحة العامة مقدمة على الخاصة والمصلحة الجماعية قبل المصلحة الفردية.

وبعد ثورة 52 م تغيرت الجينات الوراثية للمصريين بفعل أباطيل وأكاذيب العسكر، فقلبوا الحقيقة وخونوا الأمين وصدقوا الكاذب واستذلوا الأحرار وسجنوا الشرفاء وشوهوا صورة الإسلام والمسلمين، فأبعد كل ما هو إسلامي وعلمنوا الحياة وأذلوا العباد سجنًا واعتقالاً وقتلاً، ونكسوا راية البلاد فأضاعوا سيناء وغزة، وفصلت السودان وقتل جنودنا في اليمن وفي 56م و67م وفشلت الوحدة مع الأشقاء فتحولت كثير من نفوس المصريين إلي الخوف والجبن والخضوع والخنوع، واللامبالاة والسكوت عن الحق، وامشي جنب الحائط وماليش دعوة، والحائط له ودان، وهاروح وراء الشمس، والجري خلف لقمة العيش، وشيء من الأنانية وما يحتاجه البيت يحرم على الجامع، وأنا وأخويا على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب.

وبعد ثورة 25 يناير أسقط رأس النظام ولكن ظلت خفافيش العسكر تتحرك وتحوم في الظلام تخرج سمومها، فبعدما سار الشعب في بداية طريق الحرية عادت الأيادي الخفية لدولة العسكر السحيقة العميقة تتلاعب بالضعفاء، تشتت انتباههم وتضعف عزمهم وتصرفهم عن أهدافهم وثوابتهم وتفتعل أزمات ومشكلات، وتضعف المؤسسات وتعوق النجاحات وتظهر السوءات وتعلي الأنا والذات وتخون الأخر، وتقسم المجتمع وتقدمت المصلحة الخاصة على العامة والمصلحة الفردية على الجماعية.

فحدثت حالة من فوضى ممارسة الحرية، وحالة من حالات الإسهال اللفظي تنتاب الكثيرين دون ضبط لعملية الإخراج ندعو لكل من أصيب به بالشفاء العاجل.

لك الله يا مصــــر

كم هي عظيمة هذه الشدائد التي تظهر معادن الرجال، وأثر التربية المتكاملة الشاملة في حياتهم وأهدافهم وتضحياتهم ومبادئهم، ليميز الله الخبيث من الطيب ولتتمايز الصفوف وتظهر رواحل المجتمع الحقيقية (النَّاسُ كإبلٍ مائةٍ لا تَكادُ تجدُ فيها راحِلةً).

فبعد ظهور خيانة الخائنين وحقد الحاقدين ومكر الماكرين ومؤامرات المتآمرين ودموية الانقلابين ونفاق المنافقين وتواطؤ المتواطئين وإجرام المجرمين سافكي دماء الركع السجود (السلميين المسالمين مطالبي الحرية و إقرار الشرعية)، ومحاصري بيوت الله وحارقي كتابه يحادون الله ورسوله خونة البلاد والعباد ناكصي العهود والعقود أذلاء العصر.

ورب ضارة نافعة؛ فتوحدت الأمة من جديد واستيقظت جينات العزة والكرامة في نفوس الشعوب الأبية من جديد فاستعذبت المعاناة وافترشت الشوارع والميادين وانطلقت من بيوت الله تضحي بوقتها وجهدها وأموالها وأنفسها وكل غال وثمين فداءا لدينها وحريتها وشرعيتها، تغيرت الجينات الوراثية للمصريين لتعود إلى أصلها بعد إزاحة غبار وغبش الكذابين الأفاقين من عليها، عادت الأمة من جديد لتصدع بكلمة الحق عند سلطان جائر خائن خسيس.

عادت الأمة تعلن بالقول والعمل أن الموت في سبيل الله أسمي الأمنيات والغايات.

عادت الأمة لأجمل ما فينا (أخلاقنا الأساسية والإسلامية) بكل ما فيها من روعة وإخلاص، وصدق وحب، وانتماء واستيقاظ الضمائر، وإعمال العقول والتمييز الشديد بين الحق والباطل، وفضح أساطين الزور، حتى لو كانوا من نبي جلدتنا يرتدون عممنا ويلتحون لحيتنا {إنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [النور:11].

عادت الأمة إلى دينها وعلمائها ومربيها ومجاهديها وأفاضلها، عادت الأمة إلي الإسلام الشامل الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم الحكومة جزء منه والحرية فريضة من فرائضه.

عادة الأمة إلي الانتماء من جديد.

فحب الوطن والانتماء إليه ليس شعارا أو جنسية أو أرضاً أو عَلماً أو موقعاً أو شهادة ميلاد فقط؛ بل الانتماء روح وحب وإحساس وتضحية والتزام وخلق وسلوك وأمانة ودعوة ورسالة، وقدوة وعلم وعمل وتفوق وإجادة وريادة وتفاهم وقناعة، وأدب وتسامح وحوار وذوق عال ومسؤولية، والعمل للوطن مسؤولية الجميع بكل انتماءاتهم الفكرية والثقافية والعقائدية والصادق من يشغله العمل والبناء وهموم الوطن عن نفسه، فمن عاش لنفسه عاش صغيرًا ومات وحيدًا، ومن عاش لغيره امتد أثره في الحياة وبعد الممات.
{رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}


ماهر إبراهيم جعوان
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام