نحو فتاة مثالية

تربية المراهقات أمر ليس باليسير وإنما هي عملية صعبة وتحتاج لجهد كبير في ظل الإغراءات والمفسدات التي تحيط بنا من كل جانب، والفكرة في التربية ليست فقط في حل المشكلات وإنما أيضًا في بناء الإيجابيات وتعليم الأخلاق الفاضلة، لأن التربية على حل المشكلات فقط هي تربية سلبية تعتمد على أسلوب رد الفعل وليس المبادرة، والمربي الحاذق يدرك أن بناء الشخصية من الأهمية بمكان بجوار حل المشكلات.

  • التصنيفات: تربية الأبناء في الإسلام -

 

تربية المراهقات أمر ليس باليسير وإنما هي عملية صعبة وتحتاج لجهد كبير في ظل الإغراءات والمفسدات التي تحيط بنا من كل جانب، والفكرة في التربية ليست فقط في حل المشكلات وإنما أيضًا في بناء الإيجابيات وتعليم الأخلاق الفاضلة، لأن التربية على حل المشكلات فقط هي تربية سلبية تعتمد على أسلوب رد الفعل وليس المبادرة، والمربي الحاذق يدرك أن بناء الشخصية من الأهمية بمكان بجوار حل المشكلات.

وفي هذه المقالة نتعرض لبعض الجوانب الهامة في تطوير المراهقة وبناء شخصيتها واعتماديتها على نفسها وتحقيق التوازن النفسي والروحي لها..
تحمل المسئولية: كي تجعل ابنك يتحمل المسئولية تحرك معه في ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول: معاملة فعالة:
يتأثر المراهق بنوع المعاملة التي يلقاها من والديه ومربيه، فهي إما أن تعوده على الأخذ والعطاء، والمبادرة والمشاركة، وإما أن تجعله سلبيًا منزويًا لا رأي له، يعتمد على الكبار في كل شيء، وهذه بعض أساليب المعاملة الفعالة الإيجابية:

- استخدام الحوار والنقاش مع الشباب عند طرح الآراء في المجالس، وعند تقويم الأحداث والأفكار والأشخاص، وعند إصدار الأوامر والنواهي، ويكون ذلك مثلًا (من خلال إشراك الأب لابنه المراهق في اتخاذ القرار، أو العلاج المناسب لحل المشكلة، أو تحسين الأداء، وكذلك البدائل التي سوف تطرح).

- استخدام الشورى في المناسبات المتعلقة بالأسرة والعائلة والمدرسة، (كمناسبات الزواج، والرحلات، والتنقلات، ونوع المدرسة، والسيارة، والبيت)، نستطيع أن نقول باختصار، إن الشورى في كل ما يصلح للمربي أن يشاور فيه أبناءه؛ لتعويدهم على القيام بدورهم وتحمل المسئولية.

- التعويد على اتخاذ القرارات، فقد يعمد الأب أو المربي إلى وضع الابن في مواضع التنفيذ، وفي المواقف الحرجة، التي تحتاج إلى المبادأة، وإلى اتخاذ القرارات، وتحمل ما يترتب عليها، وذلك تعويدًا له على مواجهة الحياة والتفاعل معها.

الاتجاه الثاني: مع الأسرة: وللمشاركة الأسرية صور متعددة، ومنها:
- التعويد على القيام ببعض المسئوليات؛ كالإشراف على الأسرة والقيام ببعض شئونها أحيانًا، وخصوصًا في غياب ولي الأمر، والإشراف على بعض الرحلات الأسرية، والقيام بها استقلالًا أحيانًا، والسعي في الإجراءات المدرسية، والإدارية، والوظيفية، التي تتعلق بالأسرة... إلخ.

- التعويد على النفقة والاستقلالية المالية، وذلك بمنحه مصروفًا ماليًا كل شهر أو كل أسبوع، ويقوم بالصرف على البيت، وعلى نفسه، مع مساعدته بإعطاء المعلومات والخبرة اللازمة، وقد لا يتولى الصرف بشكل كلي، وإنما يقوم بالصرف على جوانب معينة في بادئ الأمر، وقد يستعمل الآباء والمربون صورًا أخرى تكون أنجح وأيسر، والمهم هو العناية بهذا الجانب، والاعتماد على النفس.

ومن الأهمية بمكان: التعويد على التخطيط للمستقبل، وبدء التنفيذ؛ بإشعار المراهق أنه يستقبل الحياة، ولابد أن يتحمل تبعاتها، وأن يخطط لها، فيكون إيجابيًا في اختيار توجهه الدراسي، والوظيفي، والزوجي، والدور الاجتماعي، وأن يُربط بأهمية التخطيط الواقعي، والعملي لمستقبله.

الاتجاه الثالث مع المجتمع:
المشاركة الاجتماعية مجال رحب وواسع؛ لتدريب المراهق، وعن طريق المجتمع يتعود المراهق على مسئوليات قد لا يجد لها مثيلًا في الأسرة أو الرفقة، وهناك مجالات شتى وكثيرة للمشاركة في المجتمع ومسئولياته، حري بالمراهق أن يطرق أبوابها، وأن يسبر أغوارها، ومنها مثلًا:

- ممارسة الدعوة إلى الله، عن طريق برامج التوعية والثقافة الإسلامية في المدارس أو الجامعات، وعن طريق نشاط المساجد في تحفيظ القرآن، والندوات الثقافية، والحلق العلمية والمكتبات، وعن طريق الرحلات الدعوية، والخلوية، ورحلات الحج والعمرة، وغير ذلك من الأنشطة.

- ومن ضمن المشاراكات الاجتماعية، التي تهيأ المراهق وتدربه على تحمل المسئولية؛ القيام بالأعمال التطوعية، وهي مرتبطة بسابقاتها، إذ أن الأعمال التطوعية تدخل في الأعمال الدعوية، لكنها تأخذ طابع المساعدات الاجتماعية؛ كمساعدة الفقراء والمحتاجين، وتفقد أحوالهم، والمشاركة في المواسم العبادية، مثل رمضان والأعياد بتوزيع الصدقات والهدايا، كذلك زيارة المرضى ومساعدتهم، ومن ذلك المساعدات الدراسية في حل الواجبات المدرسية، ومساعدة زملائه عند الحاجة، هذا بالإضافة إلى المشاركة في الجمعيات التي تقوم بمثل هذه الأعمال وما يشابهها، وهذه الأعمال تعد من أحب الأعمال إلى الشباب، وأكثرها إعجابًا وجذبًا لهم في هذه المرحلة.

ثلاثية هامة:
امنح ابنك المراهق بعض الأساليب البسيطة لتساعده على تنظيم حياته:
- أعطه مخططًا يوميًا أو أجندة لتدوين بعض الملاحظات، ومواعيد النادي، والأحداث الاجتماعية التي سيحضرها، ومواعيد العزومات.
- شجعه على تطوير إجراءات تنظيمية معينة حتى تصبح عادة راسخة لديه، مثل تعليق مفاتيحه بجوار الباب، وترتيب ثيابه بمجرد خلعها، وتحضير حقيبة المدرسة في الليلة السابقة.

توقف عن التدخل:
- توقف عن تدخلك من أجل حل المآزق التي يضع ابنك نفسه فيها؛ وذلك حتى يرى أن أفعاله يمكن أن يكون لها عواقب... مثلًا إذا نسيت الكتب التي تحتاجها في البيت، فلا تهرع إلى المدرسة؛ لكي تحضرها لها، وإذا كانت تحتاج إلى ملابس من أجل اليوم التالي للمدرسة، فلتدعها الأم تتأكد من أن ملابسها جاهزة بنفسها، ولا تقومي بعملية غسيل طارئة لعبائتها التي تركتها مهملة على أرضية الحجرة.

تحكم في نفسك:
ما سنطلبه الآن أكثر صعوبة... تعمد في بعض المواقف أن تدع عواقب أفعال ابنك المراهق تحدث أمامه! وتحكَّم في نفسك ولا تتدخل، رغم أن المسألة صعبة للغاية -أن تترك ابنك يفسد الأمور أمامك- فالغريزة الطبيعية تدفعك إلى التدخل وتحسين الأمور:

على سبيل المثال: إذا تأخرت عن موعد حفلتها مع صديقاتها لأنها لم تبذل مجهودًا في الوصول إليها في الوقت المناسب، فدعها تفتها، فسوف تتعلم.

في المجال الأخلاقي:
لا بد أن يجعل الوالدان من حياتهما مع المراهق قدوة عملية له في الجانب الأخلاقي، فيرى فيهما الصدق والأمانة والشجاعة... إلخ، من المهم جدًا استغلال الأبوين للمناسبات والمواقف، والوقوف عندها للحديث عن الخلاق الإيجابية، أو بيان قبح الأخلاق السيئة.

القصص من أكثر الوسائل تأثيرًا فليقص الوالد على ابنه بعض القصص الاجتماعية المعبرة، في قضية الأخلاق.
تدارس الأبوين مع المراهق بعض الكتب الحاوية على قصص الشرفاء، والذين تمتعوا بأخلاق عالية كالأنبياء و الصحابة والعلماء والصالحين، أهمية توجيه المراهق لاختيار الصحبة الصالحة للمراهق، لما لها من أثر على سلوكه (فالصاحب ساحب).

من الوسائل النافعة شراء الأهل لبعض الكتب التي تتحدث عن قضية الأخلاق بصورة ميسرة وعملية؛ والدفع بها للمراهق..
هناك بعض الرياضات التي تنمي الأخلاق وروح الشهامة والكرامة لدى الإنسان؛ كركوب الخيل والرمي، فليوجه المراهق إليها.
ابتعاد الأبوين عن السلوكيات غير المناسبة، كالتدخين والكذب ... إلخ، له الأثر الأكبر في تغيير سلوكيات المراهق السيئة.
المراهق لديه طاقه هائلة، فمن الضروري أن ينشغل بالمفيد حتى يمتلئ وقته، حتى لا ينصرف في سلوكيات منحرفة، ومن وسائل ذلك (اشتراكه في الدورات العلمية، الأعمال الخيرية... إلخ).
ينبغي أن يتنبه الوالدين إلى أن المشاكل التي يعاني منها المراهق، قد تسبب له مشكلة أخلاقية؛ باعتبار أن الضغوط النفسية قد تسبب أحيانًا لجوءه إلى الانحراف.
عن ممارسة المراهق لبعض الأخلاق السيئة، من المهم أن يتعاون الأهل مع أهل الاختصاص والصلاح ومشاورتهم في حل مثل هذه القضايا.

في المجال الثقافي:
على الوالدين أن يبينا للمراهق أهمية العلم ومنزلة العالم، والفرق بين العالم والجاهل.
ليحرص الوالدان على إدخال المصادر الثقافية المفيدة للبيت من كتب والمجلات وجرائد ونشرات.
إرشاد المراهق إلى المصادر الثقافية المفيدة.
تشجيع المراهق عند إقدامه على الإطلاع، بالكلمة والهدية، ولعل الهدية إن كانت كتاباً تكون أفضل.
تهيئة الجو المناسب للدراسة والإطلاع.
لفت انتباه من في المنزل إلى احترام القارئ، وتوفير الجو المناسب له.
ذكر الوالدين لقصص العلماء والمثابرة على الدرس والتحصيل.
جلب الوسائل الثقافية إلى المنزل: الكمبيوتر والأشرطة العلمية: كاسيت وفيديو.
تحذير الوالدين للمراهق من رفقة السوء، وما لها من تأثير سلبي على مستوى ونوعية الثقافة وكمية تحصيلها.
تعريف المراهق بالمنتجات الثقافية هي أحد أساليب تنمية الثقافة لدى المراهق، ومن طرق تعريف المراهق:

قيام الوالدين بالمناقشات الثقافية المفيدة أمام المراهق.
جلب الوالدين للمنتجات الثقافية المناسبة.
قيام الوالدين بزيارة مراكز إنتاج المصادر الثقافية بصحبة المراهق مثل المكتبات العامة، المراكز الثقافية.
تحفيز المراهق للمشاركة في الدورات الثقافية والعلمية التي يقيمها النادي أو المدرسة.
تخصيص جوائز لمسابقة تقام بين الأبناء، على أن تكون هذه المسابقة في مجال الاطلاع وعمل الأبحاث.

في المجال الاجتماعي:
قيام الوالدين بواجب صلة الرحم وتحسين العلاقات مع الآخرين هو العامل الرئيسي في تنشئة المراهق تنشئة اجتماعية مناسبة.
اصطحاب الوالدين للمراهق في زيارات أسبوعية؛ لصلة للأرحام والحديث سويًا عن فضل ذلك.
يستحب إظهار حسن الخلق في هذه الزيارات مثل جلب هدية للأقارب والتلطف في الحديث معهم.
استغلال المواقف المناسبة للحديث عن صلة الرحم وواجبات المرء تجاه غيره من الناس.
تدارس أبواب صلة الأرحام وحقوق الناس من خلال كتب الآداب الإسلامية له أثر بالغ.
توجيه المراهق إلى مساعدة الآخرين وحب العمل الخيري، كمساعدة الجيران، أو مساعدة الفقراء ممن تقوم الأسرة بمساعدتهم.
المشاركة في الأعمال الخيرية التي تقيمها الجمعيات الخيرية له أثر بالغ في تنشئة المراهق تنشئة اجتماعية جيدة، فليحرص الوالد على التحاق ولده بهذه الجمعيات.
_______________

المصادر:
المراهقون، د.عبد العزيز النغيمشي.
المراهقون المزعجون، د. مصطفى أبو سعد.
المراهق.. كيف نفهمه وكيف نوجهه، د. عبد الكريم بكار.
هكذا نربي، د. مصطفى أبو سعد.
 

 

محمد السيد عبد الرازق
 

 

المصدر: مفكرة الإسلام