تحولات المواقف الدولية في الشأن السوري
إبراهيم بن محمد الحقيل
تعد الكتابة في التحولات المفاجئة في المواقف السياسية مغامرة محفوفة بالخطأ والظن والوهم، ذلك أن لهذه التحولات أسبابًا خفية، لا يطلع عليها في الغالب إلا من يمارس العمل الدبلوماسي والسياسي في القضية التي تتغير فيها المواقف، ومن الملاحظ أن تبدلًا في المواقف حصل بشكل مفاجئ هذا الأسبوع يتعلق بالأزمة السورية...
تعد الكتابة في التحولات المفاجئة في المواقف السياسية مغامرة محفوفة بالخطأ والظن والوهم، ذلك أن لهذه التحولات أسبابًا خفية، لا يطلع عليها في الغالب إلا من يمارس العمل الدبلوماسي والسياسي في القضية التي تتغير فيها المواقف، ومن الملاحظ أن تبدلًا في المواقف حصل بشكل مفاجئ هذا الأسبوع يتعلق بالأزمة السورية، فتبدَّل الموقف الأمريكي والمصري والأوربي، وخاض الناس في ذلك كثيرًا، وتفاءل بعضهم إلى حد الظن أن سوريا ستحرر من طاغوتها النصيري اليوم قبل الغد، وسيحكمها أهلها، في حين تشاءم آخرون بأن نذر حرب عالمية في الشرق الإسلامي لا تبقي ولا تذر، يحشد لها وقد تشتعل في أي لحظة، وبين هاتين النظرتين نظرات أخرى كثيرة، وهذه محاولة لعرض أهم الاحتمالات التي تنتظرنا في مقتبل الأيام، لكني أقدم بمسلمات يجب أن لا تعزب عن بال المسلم وهو يترقب ما سيحدث:
الأولى: أن تبدل الموقف الغربي عامة، والأمريكي خاصة لن يكون نصرة للشعب السوري، ولا رحمة بأطفاله ونسائه، ولا شفقة على ضعفائه، وذلك أن الشعب السوري عانى كثيرًا من النصيريين طيلة أربعة عقود، ولم يحرك الغرب ساكنًا، ومنذ بداية الثورة قبل نحو ثلاث سنوات، والأطفال يذبحون، والنساء تغتصب، والشعب السوري يستصرخ، فلم يتحرك الغرب لإنقاذه، بل كتَّف الدول التي ستعين الثوار بالأسلحة الثقيلة ومضادات الطائرات، وراقب مسربي الثوار (تركيا والأردن)، لئلا تتسرب أسلحة ثقيلة عبرهما إلى الثوار، في حين أن نظام بشار وعصابات إيران وأذنابها تستخدم كافة الأسلحة بما فيها الطيران والصواريخ، والأسلحة الكيماوية، وكانت إيران وروسيا تنقلان أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة والخبراء لمساندة النظام النصيري، فكان الغرب بدوله ومنظماته الدولية شريكًا في الجريمة السورية، ولاعبًا أساسيًا في ذبح السوريين.
الثانية: أن المواقف السياسية الثابتة والمتحولة في عالم اليوم مبنية على النفعية (البرجماتية) ولا مكان فيها للدين والأخلاق والعواطف، لأن المبدأ الرأسمالي العلماني الذي يحكم العالم، وعليه بنيت سياسات الدول كلها، لا يؤمن إلا بمبدأ القوة والمصلحة، ولا أحد يأبه بالضعيف المذبوح المعذب إذا لم يكن من وراء وقف عذابه وذبحه مصلحة لمن سيتدخل.
الثالثة: أن النظام العالمي اليوم بكافة دوله ومنظماته يُفزعه الجهاد في سبيل الله تعالى، لأن في الجهاد قوة المسلمين، وقوة المسلمين تقوض النظام العالمي الطاغوتي الجائر، وتعيد لأمة الإسلام مجدها وعزها، كما تعيد للعالم كله ما فقده من العدل والأمن، وتقضي على مصاصي الدماء، والمقتاتين على جثث الأبرياء، وهم من يحكم عالم اليوم.
الرابعة: أن الإسلام قادم لا محالة، شاء من شاء، وأبى من أبى، ودائرة اتساع الإسلام وانتشاره، وازدياد قوته تتضخم يوما بعد يوم، حتى صار تحكيم الشريعة الإسلامية مطلبا يجاهر به المسلمون في أكثر الدول، في حين أنه كان من قبل جريمة يؤخذ بها صاحبها، والتغني بعودة الخلافة الإسلامية الآن جريمة، يتهم بها الليبراليون وأدعياء السلفية كافة الإسلاميين الحركيين، ويخوفون العالم منهم بها -يا لها من تهمة- وسيأتي اليوم الذي يصبح هذا المطلب من المطالب الملحة التي تجتمع عليها الشعوب المسلمة كلها.
الخامسة: أن إيران والروافض وكافة الباطنية أقرب إلى أمريكا والغرب والصهاينة من أهل السنة معتقدا وتاريخا وواقعا، ولو أظهر الغربيون غير ذلك، فالبرجماتية الفارسية تلتقي مع البرجماتية الغربية، والباطنية يغيرون في دينهم بحسب مصالحهم، والتاريخ يخبرنا أن الروافض وسائر الباطنية كانوا حلفاء للصليبيين والتتر وكافة المستعمرين قديمًا وحديثًا، والواقع ينبئنا أن احتلال أفغانستان والعراق ما تم إلا بمعونة الروافض وإيران، وفتوى السيستاني حمت الأمريكان من رصاص الراوفض في العراق، فجعجعة أمريكا والغرب ضد إيران لم تتجاوز العداء الإعلامي فقط في حين أن الغرب يسمح لإيران بتصدير ثورتها، وتشييع العالم، بينما يجفف الغرب منابع دعوة أهل السنة، ويحاصر جمعياتها الخيرية، ويراقب أرصدتها المالية، ويحسب عليها كل تحرك، ثم كانت المكافأة الأمريكية المجزية لإيران بتسليمها العراق، وقلب ظهر المجن لدول الخليج التي أنفقت الكثير والكثير على الإمريكان، ومن المفارقات أن حرب إيران في سوريا الآن تمول من بترول السنة في العراق حين نهبه الروافض بعد تسلمهم العراق من أمريكا.
بعد عرض هذه المسلمات الخمس فإن ثمة احتمالات لما نشهده من تغير مفاجئ في الموقف الأمريكي والأوربي هذه الأيام:
الاحتمال الأول: أن تبدل المواقف الدولية تجاه القضية السورية كان بسبب دعوة علماء الأمة إلى الجهاد في سبيل الله تعالى، والحكم بوجوبه بالنفس والمال في سوريا، بعد دخول روافض لبنان وإيران والعراق واليمن الحرب مع النظام النصيري، وإعلان تجهيز آلاف مؤلفة من أهل السنة في الكويت وإندونيسيا، غير من يتدفقون على سوريا من شتى الدول لنجدة أهل السنة، خاصة بعد ملحمة القصير، مما عده البعض قدوم معركة ذي قار جديدة يُكسر فيها الفرس وأذنابهم، فيكون التدخل الأمريكي -على هذا الاحتمال- إنقاذا للروافض والنصيرية من انتقام أهل السنة منهم، ووقفا لمشروع جهادي ينمو بسرعة، مع وجود المسوغات لنموه وعدم وقفه ما دامت الأزمة السورية لم تحل، وهذا يهدد المشروعين الصهيوني والصفوي على حد سواء، وفيه خطر مؤكد على الغرب.
ويؤكد هذه الرؤية مقالات أحد رموز الخطاب المتصهين في الخليج ينتقد فيها أداء أوباما الرافض للتدخل في الشأن السوري أو المتردد فيه، ويشيد بضغط الجمهوريين عليه للتدخل، ويحذر أمريكا من خطر الجهاديين الذي ينمو بشكل كبير في سوريا. كما يؤكده استبسال أهل السنة رغم قلة العدة والعتاد، وإثخانهم في الروافض والنصيرية في كثير من المعارك، مما أدهش كثيرا من الغربيين! فكيف إذا جاءهم المدد من كل مكان، وأحييت شعيرة الجهاد؟
الاحتمال الثاني: أن روسيا وحلفاءها قد باعوا النظام السوري بعد يأسهم من انتصاره، ولا سيما أن المعركة تستنزفهم بشكل كبير، واتفقوا مع أمريكا على سقوطه، وقبضوا ثمن ذلك أو سيقبضونه، وروسيا قد باعت من قبل صدام حسين، وتخلت عن القذافي ومليسوفتش، فليس أمرا جديدا عليها بيع حلفائها.. وهذا الاحتمال لا يعارض الاحتمال الأول، وإن كانت روسيا إلى هذه اللحظة تقف بتصريحاتها مع النظام السوري، وتنتقد تصريحات البيت الأبيض بشأن استخدام سوريا الكيماوي ضد الثوار، لكن مقابلة مع بوتين يوم الثلاثاء الماضي (2- شعبان)، في شبكة قنوات روسيا اليوم، فُهم منها أنه ربما تتخلى روسيا عن النظام السوري، ولن تتخلى روسيا بلا ثمن، فمن سيدفع الثمن وخسارة روسيا في سوريا؟!
قال بوتين في تلك المقابلة: "إن الإصلاحات الجدية نضجت منذ وقت طويل في هذا البلد -يعني سوريا- وكان على قادة البلاد أن يشعروا بذلك في حينه، ويبدءوا بتحقيق هذه الإصلاحات، ولو فعلوا ذلك لما حدث ما يحدث الآن هناك، كما قلت: إننا لسنا محامين للحكومة السورية القائمة والرئيس الحالي بشار الأسد، أود أن أقول أيضًا: إننا لا نريد التدخل في صراعات بين تيارات مختلفة داخل الإسلام، بين الشيعة والسنة، إنه أمر إسلامي داخلي، لدينا علاقات جيدة جدا مع العالم العربي وكذلك مع إيرانَ وغيرها" (اهـ). وكلامه واضح في أنه قد يتخلى عن دعم النظام السوري، ويحتمل أنه يناور الغرب لإبطاء تدخله في الأزمة السورية، من جهة أنه يموه على الغرب بأنه سيوقف دعمه للنظام بحيث يُسقطه الثوار.
الاحتمال الثالث: أن العالم قد انقسم في الشأن السوري إلى حلفين متضادين: (غربي) بقيادة أمريكا وتتبعها بريطانيا وفرنسا ودول الخليج يريد إسقاط النظام السوري، و(شرقي) بقيادة روسيا وتتبعها الصين وإيران يستميت في الإبقاء على النظام السوري، وأن رقعة الحرب في سوريا ستتسع لتصبح إقليمية، وقد تتحول إلى حرب عالمية، حتى ظن البعض أن زمن الملاحم الكبرى على أرض الشام قد أزف، وأن الأمة مقبلة على محن شديدة، وابتلاءات عظيمة، وموت ذريع..
وأيًّا ما كان الأمر، فالمؤمن يعلم أن القدر بيد الله تعالى لا بيد الخلق، وهو مأمور بالصبر والتقوى، والولاء لإخوانه المؤمنين، والبراءة من الكفر وأهله، والعمل لدين الله تعالى على قدر جهده ووسعه، إلى أن يلقى الله تعالى وهو لم يبدل ولم يغير شيئًا من دينه لأجل دنيا يصيبها، أو مكروه يتقيه: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران:120].
وما أحوج الأمة المسلمة في هذه الأيام حكومات وشعوبا وجماعات وأحزابا إلى اجتماع الكلمة، ورأب الصدع، وتجاوز الخلافات، وتأجيل الصراعات، إلى زوال هذه الغم وكشف الكربة، مع الإعداد الحسي والمعنوي لمواجهة ما هو مخبوء في القدر، فإن الأمة الصفوية الحاقدة تتربص بنا الدوائر، وتنتظر الضوء الأخضر من أمريكا للانقضاض علينا، واستباحتنا كما استباحوا سوريا والعراق.
نسأل الله تعالى أن يدفعهم عن أهل السنة هم والصليبيين والصهاينة، وأن يعز الإسلام وأهله، وأن يذل الكفر والنفاق وجندهما، وأن ينصر المجاهدين في سوريا وفي كل مكان إنه سميع قريب.