سُبُل مجاهدة الشيطان

في الكتاب والسنة الصحيحة عشرات من الوسائل لرد كيده وتلبيسه لمن أخلص النية لله في كل قول أو فعل حتى لا يكون له سلطان علينا كما قال تعالى: {إنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَذِينَ آمَنُوا وعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . إنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ والَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل:99-100].

  • التصنيفات: تزكية النفس - النهي عن البدع والمنكرات -

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

قال تعالى: {إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُواً إنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ . الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وأَجْرٌ كَبِيرٌ} [فاطر:6-7].

ومن ثم كان لابد من مجاهدته ورد كيده وتلبيسه لاستحالة القضاء عليه لقول الله تعالى: {قَالَ أَنظِرْنِي إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . قَالَ إنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ . قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ} [الأعراف:14-16].

"إذًا الوسيلة الوحيدة هي مجاهدته، وليس كيد الشيطان بالقوة التي يظنها ضعاف النفوس والإيمان بالله بل أن كيده ضعيف كما أخبرنا الله تعالى في قوله: {إنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [النساء:76].

وفي الكتاب والسنة الصحيحة عشرات من الوسائل لرد كيده وتلبيسه لمن أخلص النية لله في كل قول أو فعل حتى لا يكون له سلطان علينا كما قال تعالى: {إنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَذِينَ آمَنُوا وعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . إنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ والَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل:99-100].

ومن ثم يتبين لك أخي القارىء أن الشيطان عاجزٌ تماماً من النيل منك شريطة أن تكون على طاعة الله وأمره.

وهاهي بعضا من الوسائل أو السبل، والله المستعان.

الوسيلة الأولى؛ القران الكريم:


للقران الكريم بصفة عامة مفعول السحر في تحجيم الشيطان وتلبيسه لك، وبصفة خاصة قراءة آية الكرسي: {اللَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ ومَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إلاَّ بِإذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ومَا خَلْفَهُمْ ولا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إلاَّ بِمَا شَاءَ وسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ ولا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ} [البقرة:225].

وهذه الآية أعظم آية في القران تأثيراً على الشيطان باعتراف الشيطان نفسه! فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، فقال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صدقك وهو كذوب ذاك شيطان» (أخرجه البخاري في بدء الخلق ح:[3275]).

وكذلك سورة البقرة عموماً لقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» (رواه مسلم).

الوسيلة الثانية؛ ذكر الله تعالى:


ذكر الله تعالى دوماً يطرد الشيطان ويحجم تلبيسه، وقد أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر في أحوال كثيرة منها:

- الذكر بتوحيد الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء إلا رجل عمل أكثر منه» (أخرجه البخاري في الدعوات ح:[6403]، ومسلم في الذكر والدعاء ح:[2691]).

- الذكر عند دخول المنزل وعند تناول الطعام؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل الرجل بيته فذكر الله -أي يقول بسم الله- عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء» (أخرجه مسلم في الأشربة ح:[2018]).

- الذكر عند دخول الخلاء والخروج منه؛ قال النبي صلي الله عليه وسلم عن أَنَسً قال: "كَانَ النَّبِيُّ  صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» والخبث ذكور الجن والخبائث إناثهم" (أخرجه البخاري في الوضوء ح:[142]، ومسلم في الحيض ح:[375]).

- الذكر والدعاء في صلاة الليل في بيتك لحديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبر ثم يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك» ثم يقول: «لا إله إلا الله» ثلاثًا ثم يقول: «الله أكبر كبيرًا» ثلاثا. ثم يقول:«أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه» ثم يقرأ (وصحح الألباني إسناده في صحيح سنن أبي داود ح:[775]).

- الذكر بالليل وغلق الأبواب وإطفاء المصابيح؛ لحديث: «إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفُّوا صبيانكم فإن الشيطان ينتشر حينئذٍ فإذا ذهب ساعة من الليل فخلُّوهم وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقاً وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله وخمِّروا آنيتكم واذكروا اسم الله ولو أن تعرضوا عليها شيئاً وأطفئوا مصابيحكم» (أخرجه مسلم في الأشربة ح:[2010]، والبخاري في بدء الخلق ح:[3280]).

قال النووي في شرحه: "هذا الحديث فيه جمل من أنواع الخير والأدب الجامعة لمصالح الآخرة والدنيا، فأمر صلى الله عليه وسلم بهذه الآداب التي هي سبب للسلامة من إيذاء الشيطان، وجعل الله عز وجل هذه الأسباب أسبابًا للسلامة من إيذائه فلا يقدر على كشف إناءٍ ولا حلِّ سقاء، ولا فتح باب، ولا إيذاء صبي وغيره، إذا وجدت هذه الأسباب". ثم قال: "إن العبد إذا سَمَّى عند دخول بيته قال الشيطان: لا مبيت، أي: لا سلطان لنا على المبيت عند هؤلاء، وكذلك إذا قال الرجل عند جماع أهله: «اللهم جنّبنا الشيطان وجنِّب الشيطان ما رزقتنا» كان سبب سلامة المولود من ضرر الشيطان، وكذلك شِبْه هذا مما هو مشهور في الأحاديث الصحيحة".

وفي هذا الحديث: الحث على ذكر الله تعالى في هذه المواضع، ويلحق بها ما في معناها. ا. هـ.

الوسيلة الثالثة؛ طرد الكلاب وإتلاف الصور:


لأن الكلاب والصور تمنع دخول الملائكة للمنزل وبالتالي ترتع الشياطين فيه وتفسد العلاقة بين أهله وساكنيه ودليل ذلك قوله صلي الله عليه وسلم: «أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ لِي: أَتَيْتُكَ الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْبَابِ تَمَاثِيلُ وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي فِي الْبَيْتِ يُقْطَعُ فَيَصِيرُ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ فَلْيُجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ مَنْبُوذَتَيْنِ تُوطَآَنِ وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَلْيُخْرَج»، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا الْكَلْبُ لِحَسَنٍ أَوْ حُسَيْنٍ كَانَ تَحْتَ نَضَدٍ لَهُمْ فَأُمِرَ بِهِ فَأُخْرِجَ (صحح الألباني إسناده في صحيح سنن أبي داود ح:[4158]).

الوسيلة الرابعة؛ كظم الغيظ عند الخلافات الزوجية:


وذلك لتفويت الفرصة على الشياطين في إفساد العلاقة بين المرء وزوجه لقوله صلي الله عليه وسلم: «إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول فعلتُ كذا وكذا فيقول ما صنعتَ شيئًا، قال ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرّقتُ بينه وبين امرأته قال فيدنيه منه ويقول نعم أنت» (أخرجه مسلم في صفة القيامة ح:[2813]).

الوسيلة الخامسة؛ الاستعاذة بالله منه:


لقوله صلى الله عليه وسلم: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا وكذا حتى يقول له من خلق ربك فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته» (أخرجه مسلم في الإيمان ح:[134]، والبخاري في بدء الخلق ح:[3276]).

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

 

 

سيد مبارك أبو بلال