تضييع الدم السوري بين (القبائل)

صارت كرامة (العم سام) في الوحل، على يد صبيهم السفيه الأرعن بشار الأسد، الذي ورث عن أبيه الهالك كل أحقاده ودمويته، لكنه لم يأخذ عنه قدرته الفائقة على التمثيل الخادع بصورة كانت تبهر أتباعه وتغيظ خصومه

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


على غرار مؤامرة كفار مكة على قتل رسول الله ليلة هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، لعب الغرب لعبته لتوزيع الدم السوري وتشتيته بين (القبائل)، عندما وجد نفسه في مهانة علنية، حيث بدت الخطوط الحمر التي رسمها باراك أوباما قبل سنة لنيرون العصر، بدت كاريكاتيرية وجعلت الرئيس الأمريكي محل استهزاء (الشبيحة)، فطاغية الشام استعمل السلاح الكيميائي 38 مرة في خمس محافظات سورية منذ شهر أغطس 2012م، لكنه أسرف في جرعة وحشيته في أغسطس 2013م، حيث فتكت سمومه الكيميائية بـ1465 سورياً في الغوطة الشرقية، باعتراف وزير الخارجية الأمريكية جون كيري شخصياً، وكان أكثر من نصفهم من النساء والأطفال!!

صارت كرامة (العم سام) في الوحل، على يد صبيهم السفيه الأرعن بشار الأسد، الذي ورث عن أبيه الهالك كل أحقاده ودمويته، لكنه لم يأخذ عنه قدرته الفائقة على التمثيل الخادع بصورة كانت تبهر أتباعه وتغيظ خصومه.

لا شك في أن التفكير بتسديد ضربة محدودة لبشار راودت مخيلة البيت الأبيض عقب مجزرة الغوطة، ولا سيما مع ارتفاع وتيرة النقد الإعلامي الأمريكي لضعفه، وتعريضه مكانة أمريكا لإذلال غير مسبوق. والضربة المقترحة تداعب مخيلة قلة من العقول الإستراتيجية الخبيثة، حيث يبدو الأمريكيون بمظهر من استعاد كرامته قليلاً، ويحققون أهدافاً كبرى خفية، لإعادة تركيب سوريا بحسب رؤية الكيان الصهيوني الممسك بخيوط اللعبة كلها.

غير أن التردد الذي تتم نسبته إلى شخصية أوباما تارةً الضعيفة، وإلى برنامجه للتخلي عن المغامرات العسكرية الخارجية تارةً أخرى، يراد منه حجب الأسباب الحقيقية لعدم تنفيذ الضربة التأديبية التي حرص المسؤولون الأمريكيون منذ البدء على تأكيد أنها محدودة في الزمان (24- 48 ساعة)، والمكان (ما يتعلق بالسلاح الكيميائي فقط)، والهدف (ردع النظام لا إسقاطه ولا إضعافه)!!

الأرجح حتى هذه اللحظة، هو غض النظر عن الضربة المحدودة نهائياً، من خلال مماطلة مدروسة لتمييع القضية ومسخها أكثر من مسخها الجوهري الذي وقع منذ الأيام الأولى التي تلت محرقة الغوطة. والشواهد تكمن في أن الشخصيات الصهيونية الأقوى نفوذاً ما زالت ترى أنها لن تفرط بعائلة الأسد التي ثبتت كفاءتها في الخيانة وخدمة العدو اليهودي، إلا إذا أتيح للغرب أن يعيد تركيب سوريا الجديدة كعميل بديل مضمون الولاء، وهو أمر متاح من جهة الأقليات المتحالفة مع النصيريين ضد أهل السنة، لكن الإشكال الأساسي يتمثل في ثبات المجاهدين من الإسلاميين وشرفاء الجيش الحر، بالرغم من الشح الممنهج في تضييق قدرتهم على التسلح ولو في نطاق الأسلحة المتوسطة.

من هنا، لم يبقَ أمام أوباما سوى اصطناع طريقة لتمييع المسألة عبر الزمن من جهة، واختلاق عوائق معقولة من جهة أخرى. كانت بريطانيا نقطة الانطلاق، إذ بثت على الهواء مسرحية رفض مجلس العموم مشاركة بلادهم في الضربة إلا بقرار يعلمون استحالته من مجلس الأمن!! بالطبع يظن القوم أن الآخرين مغفلون، وإلا فأين أغلبية النواب الذين يحكم باسمهم كاميرون؟ فهذا كلام خبيء معناه ليست لنا عقول، وإلا لطارت الحكومة لفقد الثقة!!

لم تكن الخطوة الإنجليزية كافية، فعمد البيت الأبيض إلى خطوة مسرحية أخرى، أكثر انفضاحاً من سابقتها، تلخصت في إصرار الرئيس على إقرار الكونجرس للـ(قرار) الرئاسي، بالرغم من أن صلاحيات الرئيس تسمح له بما هو أكثر من ضربة جراحية ضئيلة وهزيلة، كالتي زعموا أنهم سيوجهونها لجزار الشام. والكونجرس في عطلة رسمية تنتهي بعد بضعة أيام!! وجاء النشاز من عضوي مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري: جون ماكين ولندسي جراهام، اللذين يطالبان بتحطيم قوة طاغية سوريا بإطلاق الصواريخ الذكية من البحر، مع تسليح فعال للمقاتلين السوريين، حتى إسقاط النظام الدموي في دمشق.

مع ذلك، فربما يضطر الأمريكيون في النهاية إلى القيام بضربة (تجميلية بحسب تسمية ماكين لها)، لا تفعل شيئاً عسكرياً ولا سياسياً، وهي صيغة جرى تسريبها من أوساط روسية نافذة. وحينئذٍ يصبح هدف العملية مجرد لقطات متلفزة لا أكثر ولا أقل، ولو أطلقت الصواريخ على مواقع مهجورة. فالرهان (الصهيوني الصليبي الصفوي) يرتكز على إنهاء المقاومة العسكرية للثوار السوريين، وما سوى ذلك فليس فيه أدنى تنازع حتى في التفاصيل، فالبديل نظام قمعي بديكور مدني، يخفي أنياب أجهزة القمع الوقحة في العهد الأسدي، ويكون الحكم الفعلي في أيدي حلف من الأقليات: النصارى والنصيريين والدروز والإسماعيليين، وتكون الواجهة فقط من الخونة المؤكدة عمالتهم من قبل من المنتسبين بالاسم إلى أهل السنة.

ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.