حل الصراع بين الأزواج

الكثير من الناس يقولون: "إن الزواج استقرار ونهاية لمتاعب وفوضى حياة الشباب وقد يكون ذلك صحيحًا". لكن هناك من الدلائل ما يؤكد أن الزواج قد يكون البداية لمتاعبَ ومشكلاتٍ مختلفة..

  • التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -


الكثير من الناس يقولون: "إن الزواج استقرار ونهاية لمتاعب وفوضى حياة الشباب وقد يكون ذلك صحيحًا". لكن هناك من الدلائل ما يؤكد أن الزواج قد يكون البداية لمتاعبَ ومشكلاتٍ مختلفة.

ماذا يحدث في بداية الزواج؟!

مهما كانت درجة التعارف بين الزوجين في فترة الخطوبة التي تسبق الزواج فإن الأيام الأولى للانتقال إلى حياة الزوجية ووجودهما معًا لها طابع خاص، وسواءً كان الزواج من النوع التقليدي دون فترة كافية من التعارف أو سبقه قصة حب عاطفية في فترة العقد، فإن وجود الزوجين وجهاً لوجه في مكان مغلق والتعامل بينهما في تفاصيل الحياة على مدى ساعات اليوم وتوالي الأيام بما فيها من مواقف مختلفة.

كل هذا من شأنه أن يجعل طِباع وسلوكيات كل منهما مكشوفة أمام الآخر، وبالتالي تبدو الصفات الخافية في شخصية كل من الزوج والزوجة والتي ربما حَرِصَ كل منهما ألا تظهر قبل الزواج أو لم تكن هناك مناسبة لظهورها، ومن الملاحظ بصفة عامة أن الفترة الأولى للزواج تشهد بعض الشد والجذب من جانب كل من الزوج والزوجة بهدف السيطرة على الطرف الآخر وفرض أسلوب معين، وهنا قد تبدأ الخلافات حتى في فترة الزواج الأولى التي يُطلق عليها "شهر العسل".

لماذا تحدث المشاكل في الفترة الأولى من الزواج؟

ولعل الأسباب الرئيسية للمشكلات في فترة الزواج الأولى تعود إلي التوقعات التي يحملها الشباب والفتيات والصورة التي يرسمها كل منهما في ذهنه لِما ستكون عليه الحياة الزوجية، وقد تكون هذه التوقعات والفكرة المسبقة عن الحياة الزوجية غير واقعية أو تتسم بالمبالغة والخيال، وهنا تكون الصدمة حين تحدث المواجهة مع المسئوليات والأعباء بدلاً من الأحلام الوردية، وهذا دليل على أهمية البرامج التي يتم إعدادها للمقبلين على الزواج، وأهمية الإعداد النفسي والصحي لكِلا الزوجين قبل الزواج وتأثير ذلك إيجابياً على التوافق فيما بينهما بعد الزواج.

حيل الزوجات والأزواج في حال الخلافات.

حين لا تكون الطرق المباشرة ملائمة للتعامل والحصول على ما تطلبه الزوجة من زوجها أو ما يريده الزوج من زوجته، أو حين يحاول أحد الزوجين تغيير أسلوب الطرف الآخر أو كسب عطفه أو مساندته أو تأييده في موقفٍ ما فإن الحيلة التي يستخدم فيها الدهاء والتمثيل أو الكذب تصبح الأسلوب الذي يتم اللجوء إليه كي يحصل أي من الزوجين على ما يريد.

وقد تبدأ الزوجة في استخدام سلاح الأنوثة الطبيعي، أو تحاول السيطرة والتحكم في مشاعر الزوج عن طريق إظهار الود له والمبالغة في تدليله، أو تلجأ إلي البكاء والخصام من حينٍ لآخر للضغط على الزوج حتى يشعر بالذنب، أما الزوج فإنه يحاول أيضاً التحكم في مشاعر زوجته حسب المفاتيح التي تؤثر فيها من واقع معرفته لها.

وقد يصل الأمر إلى العيادة النفسية حين تفشل الحيل المعتادة فيكون الحل هنا هو ادّعاء المرض الجسدي والنفسي، وتبدأ الشكوى من مشكلات صحية متعددة مثل الصداع وآلام الظهر واضطراب المعدة والقولون، والإجهاد، وغير ذلك من الأعراض المرضية التي عادةً ما تشكو منها الزوجات مما يدفع الزوج إلى التعاطف، وهنا يتم اللجوء للطبيب، وفي نفس الوقت تحصل الزوجة على ما تريد حين تقنع زوجها بأنه تسبب في مرضها، ومن الاضطرابات الشائعة في السيدات حالات الهستيريا التي تتميز بأعراض تشبه المرض العضوي وأسبابها نفسية، وحالات الأمراض النفسية الجسدية Psychosomatic disorders وهي أمراض عضوية تعود في الأصل إلى الانفعالات المكبوتة التي لا يتم التعبير عنها.

لماذا يستمر الزواج حتى مع وجود الصراع بين الزوجين؟

في العلاقات الزوجية قد تكون القاعدة هي الصراع المستمر بين الزوج والزوجة، وقد يصل الأمر إلى حالة من التوتر الدائم تُشبه حافة الحرب التي سادت العالم أثناء الحرب الباردة، وقد يتطور الأمر إلى العنف اللفظي بتبادل السبّ والشتائم، أو العنف البدني باستخدام الضرب للقمع أو التأديب، وكثيراً ما نرى بعض الأزواج والزوجات في هذه الحالة الشديدة من التوتر وعدم الوفاق، ورغم ذلك تستمر الحياة الزوجية، وهنا قد يتساءل من يلاحظ ذلك عن السبب في الاستمرار لهذه الحالات غير الناجحة من الزواج، وقد تكون أسباب الزواج غير المتوافق اقتصادية أو مادية حيث يكون المال هو الدافع لعدم تخلي أي من الزوجين عن الآخر والمخاطرة بتحمل المتاعب المادية نتيجة ذلك.

ـ أو يكون السبب اجتماعيًا حيث أن المرأة مثلًا قد تقبل الحياة في جحيم الزواج بدلًا من مواجهة المجتمع وهي مطلقة، كما يحرص الرجل على الشكل الاجتماعي له كشخص متزوج وربّ أسرة يحظى بالاحترام الاجتماعي.

ـ ومن الناحية النفسية فإن الكثير من الأزواج والزوجات يفضلون الصبر على أمل أو توقع أن يحدث مع الوقت تغيير في الوضع السيئ للحياة الزوجية، وتتفاوت قوة احتمال الأزواج والزوجات في ظل الصبر انتظارًا لأمل قد يأتي أو لا يحدث.

كما أننا في ممارسة الطب النفسي نلاحظ أن بعض الحالات الزواج تستمر بحكم العادة فقط، وهنا يتم التعود على أسلوب التعامل غير السوي من جانب كِلا الزوجين مع إدراك كل منهما لمساوئ الآخر، ويكون هذا الوضع أفضل من وجهة نظر كل منهما من الانفصال ومواجهة نمط آخر غير معلوم من الحياة.

ـ وقد تكون هناك احتياجات غير مرئية في بعض النواحي النفسية والعاطفية فيما بين الزوج والزوجة لا يراها الآخرون، تساعد على استمرار الزواج رغم الخلافات الحادة التي تبدو على السطح!

الحياة في ظل الصراعات الزوجية:

رغم أن الأصل في الزواج أنه رِباطٌ دائم، وبداية لتكوين الأسرة وهي وحدة بناء المجتمع، فإن الأبحاث تؤكد نتائج أن الحياة في ظل خلافات وصراعات زوجية له تأثير سلبي على طرفي الزواج وعلى الأبناء أيضًا، ويؤدي مع الوقت إلى ظهور الاضطرابات النفسية والمشكلات السلوكية، وتؤكد نتائج بعض الأبحاث أن الانفصال بالطلاق وتواجد الأبناء مع أحد الأبوين أفضل بكثير من وجودهما مع الأب والأم معاً في جو من التوتر الدائم، ومن هنا كانت أهمية حلّ المشكلات بين الأزواج والزوجات قبل أن تتفاقم وتؤدي إلي نتائج وخيمة.

حل الصراع بين الأزواج؟

حل الخلافات الزوجية أولاً بأول؛ لأن ذلك أفضل من تركها تتعقّد مع الوقت.

وعدم السماح لأطراف خارجية بالتدخل؛ حتى لا يكون هناك مجال للمبالغة في الأمور البسيطة.

ومن وجهة نظر الطب النفسي، فإن الوقاية من المشكلات الزوجية المتوقعة يكون بإعداد المقبلين للزواج وتأهيلهم نفسيًا لأعباء الحياة الجديدة بعيدًا عن التوقعات الخيالية.

فلا داعي للنظر للزواج على أنه الإنقاذ من الصعوبات والتعويض عن الحرمان في مراحل الحياة السابقة.

بل يجب الاهتمام بمهارات التعامل مع الطرف الآخر واحترام مشاعره واحتياجاته.

العلاج الزواجي Marital therapy وفيه يتم التعرف على جذور المشكلة من الزوجين معاً ووضع الأسس لحلها ولضمان العلاقة السليمة فيما بينهما في المستقبل.

الاستشارات الزوجية Marital Counseling حل المشكلات التي تسبب الخلاف بين الأزواج والزوجات. ليكن تقديرنا للمواقف فيما يخص الأمور المشتركة واقعياً وموضوعيًا، ولِنُحاول دون انفعال أن نعرِف وجهة نظر الطرف الآخر ونستمع إليه ونتحاور معه.


أم عبد الرحمن محمد يوسف
 

المصدر: مفكرة الإسلام