وفي الصومال آمال
حامد بن عبد الله العلي
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
لم تكن روح الجهاد النهضوي الإسلامي العالمي لتخطىء محطة الصومال، ولم يكن رجال الصومال ليخطئوا سنام الإسلام، وهـم أحقّ به وأهله، منذ كانت قوات الجهاد التابعة للزعيم الصومالي سيد محمد بن عبدالله، الذي كان يلقبه البريطانيون بـ ( الملاّ المجنون ) تدكّ معاقل الإحتلال البريطاني، وتذيقهم حرّ المنون، إلى عام 1920م، حين وقع الصومال تحت الإحتلال الأوربي كسائر بلاد الإسلام.
ولم يبق الصومال -بلا ريب- بعيداً عن أنظار شياطين الحملة الصهيوصليبية المستعرة نارها في العالم الإسلامي، لاسيما وهم يريدون كذلك عقوبة الشعب الصومالي على مقاماته البطولية في رفض الاحتلال الأمريكي أول التسعينات الميلادية.
فجنّدوا أبالستهم لحرب الإسلام فيه، ولنشر التنصير، ولتفريخ أتباع لهم يفتحون الباب لكلّ أطماع المحتلين في هذا البلد الإسلامي العريق المشهور منذ القدم بالعناية بحفظ القرآن.
ولهذا لم يكن الأمريكيون يُبالون بالمجاعة في الصومال، كيف ؟! وهــم الذين لم يعـْـنِهِمْ قطّ هـلاك البشر؛ فهم أصحاب أكبر سجل في إبادة بني آدم عبر التاريخ؟!
بل كان الذي يقلقهم -كعادة الشياطين- اتساع النشاط الإسلامي في هذا البلد الذي لم يزل أهله يعتزون بإسلامهم.
وقد كانت هيئة المحاكم الإسلامية المباركة -التي ترعى الدعوة الإسلامية في الصومال- قد اتسع نفوذها ببركة نشاط دؤوب، يقوم عليه رجال العلم والحلم والحروب، وامتلكت أجهزةً أمنيةً وقضائيةً في العاصمة مقديشيو، فأسهمت إلى حدٍّ كبير في إعادة الأمن، وبسط السلم، وتحكيم الشريعة، ومحاربة الرذائل، وتعليم الناس، وهي تلقى قبولاً بين الشعب الصومالي، ويزداد قبوله للدعوة الإسلامية كلّ يوم.
كما استطاعت الهيئة ومن يتعاون معها من الدعاة، أن تجمع أموالا كثيرة، وتقوم بنشاط عظيم خلال حملة إغاثة متضرري المجاعة التي تهدد القرن الأفريقي؛ وذلك لكيْ تحول دون وقوع الحروب بين القبائل على المراعي والمياه.
فأزعـج ذلك كلّه، الأمريكيين ومعهم أهل النفاق والردّة، الذين أضحوْا في كلّ بلد يبحثون عن فتات المشروع الأمريكي الذي يُلقــى لكلّ منافق يواليهم، فيبيعون دينهم بعرض من الدنيا، وهم يعلمون علم اليقين أنّ حصولهم على مبتغاهم إنما يتوقف على إبقاء الصومال مفككاً ممزقـاً، وعلى القضاء على تصاعد التيار الإسلامي، وإنهاء جهود الإغاثة، وتخريب أعمال الدعوة الإسلامية، التي ضربت أروع المثل في مكافحة حملات التنصير في الصومال وأفريقيا.
فوسوست شياطين الصليبين إليهم أن يصنعوا لهم في الصومال دُمى يحاربون بها الإسلام، و(كرزايات) صومالية جديدة، مستغلّين حملتهم الصليبية العالمية على الإسلام، التي يطلقون عليها زوُرا (حرب الإرهاب)..
فصنعوا هذه الدمية: "تحالف استعادة السلام ومكافحة الإرهاب"، يقودها وزير الداخلية الصومالي، وعدد من تُجَّار وأمراء الحرب في الصومال، بعد أن صاروا وزراء في الحكومة التي هوت بجبهتها ساجدة لفرعون البيت الأسود.
وهؤلاء كمثل سائر من تجنّده أمريكا في حربها القذرة على الإسلام عبر العالم، لصوص، وقطاع طرق، ومافيا الفساد، فقد رصدت تقارير الأزمات الدولية الكثير من الجرائم التي ترتكب ضد الشعب الصومالي مـن هؤلاء الخونة: أمراء الحرب، وتجار الدمار، والدماء. فإنهم -على سبيل المثال- يستولون على ما يقدر بـ 300 مليون دولار سنوياً، مقابل السماح لسفن صيد أجنبية أن تستنزف الصيد بطريقة غير مشروعة داخل المياه الإقليمية الصومالية، كما يمتهنون تجارة تهريب الأفارقة مقابل خمسين دولار للفرد عن طريق مناطق نفوذ هؤلاء الأمراء الفاسدين.
وهذا قليلٌ من كثير من جرائمهم، شأنهم في ذلك شأن أمراء الحرب الأفغان الموالين لحكومة كرزاي، الذين أعادوا تجارة المخدّرات إلى أعلى مستوياتها، بعد أن قضت عليها طالبان، وملئوا الأرض فساداً، وعاثوا فيها إفساداً. وكشأن أمراء الحرب في العراق سواء.
وكعادة الحملة الصليبية، لا تريد من دُمَاها إلاّ القيام بالدور الأمني -أيْ بالإرهاب والقتل والمطاردة لكل ناشط إسلامي، تحت شعار السلام والتنمية والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان-، فقامت هذه الهيئة الصومالية الدمية، بنشاط أمني مكثف في محاربة واغتيال العلماء، وتسليمهم إلى الدول المتورطة في الحرب على الإسلام، وغدت التقارير الإمريكية التي باتت تنسب كلّ عمل إسلامي إلى الإرهاب، تزاول عملها في إغلاق مؤسسات العمل الخيري الإسلامي، فأوقفت نشاط مؤسسة الحرمين الخيرية السعودية التي كانت تعُول نحو 2600 يتيم وأسرة فقيرة في الصومال، وأغلقت بنك البركات، متجاهلة تقارير الأمم المتحدة نفسها؛ فقد شهدت أنه ليس له علاقة بما تدعيه أمريكا بنشاطات إرهابية، وحذّرت من إغلاقه، وأنه كارثة على أمن واستقرار الصومال.
ثم جاء النشاط التنصيري ليطمّ الوادي على القريِّ، فهرعت منظمة كنسية هي (Swiss church) إلى الصومال، وألقت حمولةً تزن الأطنان في مدينة مركا، وهي علب كرتونية تحتوي قصص الإنجيل، ونشرات تدعو إلى الردة الصريحة عن الإسلام، إضافة إلى لعب أطفال وميداليات مفاتيح عليها علامات الصليب.
وتتابع النشاط التنصيري هناك، حتى فتحت بعض المدارس الغربية ذات الطابع التنصيري أبوابها للفتيـات شريطة نزع النقاب! واتخذت أمريكا من سفنها في سواحل الصومال سجوناً، يقذفون فيها كلّ من يُتهم بالإرهاب، وينتهكون كلّ حقوق الإنسان، فتحوّلت إلى معتقلات لكلّ من لا يدين بالولاء للمستعمر الجديد!
فما كان من رجال الصومال إلاّ التنادي لحماية دينهم، والذود عن حرماتهم، كما يفعل كلّ شعب حــرّ مسلم.
فقامت رابطة علماء الصومــال بتسيير أكبر مظاهرة ضخمة في مقديشو، بالتعاون مع اتحاد المحاكم الإسلامية ضد ما يُسمَّى بـ"تحالف السلام ومكافحة الإرهاب"، هؤلاء الخونة الذين باعوا أمتهم للأجنبي.
ووجهت الرابطة نداءً لإيقاف تدخلات أمريكا السافرة في شئون بلاد الصومال، وأكّدت أنه ليس في الصومال ما تدّعيه من (الإرهاب) و(الإرهابيين )، وإنما هو غطاء للهيمنة، ومسوّغ للإحتلال، ومدخل للنشاط التنصيري، وأنَّ جهود هيئة المحاكم الإسلامية ما هي إلا محاولةٌ شعبية من الشعب الصومالي لإشاعة الأمن، ومساعدة المحتاجين والفقراء على شؤون حياتهم.
ولكن هيهات أن يصدّ ذلك الأمريكيين، الذين أضحى معهم إخوانهم في الدين الأثيوبيين ردفَهم، يصفقون لهم ويطبّلون، فرحين بهذا الرزف بالمكر الصليبي على الصومال وأهله. بل صعّدت الاستخبارات الأمريكية نشاطها في الصومال، وكثفت لقاءاتها مع أمراء الحرب المنضوين في التنظيم الجديد لمكافحة "الإرهاب" وأمدّتهم بالسلاح والخبراء، وجعلت قوّاتها -لاسيما الجوية- إسناداً في أيّ مواجهة ضد هيئة المحاكم الإسلامية، وقد نشرت بعض هذه اللقاءات صحفٌ صومالية.
وقبل نحو أسبوعين قدم وفـد من الاستخبارات الأمريكية، والتقى أمراء الحرب الذين يطلقون على أنفسهم (مكافحة الإرهاب)،وذلك لتنسيق حملة عسكرية على هيئة المحاكم الإسلامية والنشاط الإسلامي في الصومال. ودارت رحى معركة حامية الوطيس، سجّل فيها المجاهدون الصوماليون الأبطال أروع الأمثلة في الاستبسال، حتى أزاحوا العدوّ فتمزّق شمله، وتفرّق جمعه، ولاذ فراراً، وأحكم المجاهدون السيطرة على ميناء المعن ومطار السالي، وألحقوا خسائر فادحة في قوات أمراء الحرب الموالية للحملة الصليبية.
فقد نشرت وكالات الأنباء الخبر، وفي بعضها كما يلي:
"استولي 300 مسلح من الميليشيات الإسلامية على ميناء هام ومطار في شمال شرقي العاصمة الصومالية يوم السبت 25 مارس، بعد معركة قتل فيها ما لا يقل عن 73 شخصاً.
يقول قادة الميليشيات أن مقاتلين موالين لعلماء الإسلام الراديكاليين، هاجموا القوات المسيطرة علي الطريق الرئيسي المؤدي لميناء المعن ومطار السالي، وكان المقاتلون شديدي التسليح حيث استخدموا راجمات صواريخ، وقذائف صاروخية محمولة على شاحنات، وقاذفات مضادة للطائرات. ولم يتسن التأكد من عدد القتلى، بسبب شدة المعارك.
هذا وكانت مجموعة من أمراء الحرب ورجال الأعمال (المرتدّين) كوّنت تحالفاً في الشهر الماضي لتحدّ من تنامي قوة المسلحين الإسلاميين (المجاهدين)، وكنتيجة لهذا التحالف فقد التحم الطرفان في قتال للسيطرة علي مناطق من العاصمة.
ويسعى المقاتلون الإسلاميون إلى تعزيز سيطرة العلماء الراديكاليين الذين يحاولون أن يحكموا قبضتهم على السلطة كقوة سياسية بديلة".أهـ.
وبعد هذه المعركة، يستعدّ المجاهدون الأبطال في الصومال لجولات جديدة، وصولات عديدة، وهم كإخوانهم المجاهدين في كل بلاد الإسلام، أكفّهم على أرواحهم مبذولة لنصر الإسلام وحفظ حماه أن يُدنس، ودماؤهم رخيصة لتبقى قلاع الدين طاهرة لاتُنجّس.
فيا أيها العلماء والدعاة والخطباء والكتّاب والمفكرون، ولـّـوا شطر وجوهكم إلى شمس في الصومال أشرقت بالأمجاد، ونحو نجوم حول مقديشو تربـّع عليها الآساد.
تابعوا أخبارها، وانقلوا أحداثها، ومجّدوا جهادها ورجالها، وحضّوا على نصرهم، بالمال والنفس، فإنّهم يُحيط بهم مكرٌ خبيث، يريد ليطفئ نور الإسلام فيهم، غير أن الله تعالى سيخزيه، كما أخزاه أوّل مرة، و يرده خائبا كما ارتد أول كـرّة.
{وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف:21]