الناطقون باسم الشعب المُكمَّم!
يُعد التضليل أحد أخطر الركائز الأساسية التي يعتمد عليها الطغاة في تثبيت طغيانهم، والتضليل يتكون من شقين، أولهما: التعتيم الشديد على ممارسات النظام الدموية والوحشية، والآخر: احتكار الطاغية حق التحدث باسم الشعب أو الأمة بعد تكميم أفواه الناس بالقبضة الفولاذية.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
يُعد التضليل أحد أخطر الركائز الأساسية التي يعتمد عليها الطغاة في تثبيت طغيانهم، والتضليل يتكون من شقين، أولهما: التعتيم الشديد على ممارسات النظام الدموية والوحشية، والآخر: احتكار الطاغية حق التحدث باسم الشعب أو الأمة بعد تكميم أفواه الناس بالقبضة الفولاذية.
وسبحان الله الذي ضرب المثل بأشهر الطواغيت في التاريخ (فرعون)، الذي ادّعى الألوهية لنفسه، وفرض على رعيته أن تنقاد وراءه مغمضة العينين، عندما أطلق مقولته الفاجرة: {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر من الآية:29].
الفراعين في عصرنا ما زالوا على درب ذلك الطاغوت، بالرغم من التقدُّم الهائل في وسائط التواصل وتدفق المعلومات. إنها الذهنية الفرعونية البائدة ذاتها: افرض على الجميع الصمت وتكلّم وحدك باسم الناس المقموعين، فما دام صوتهم محجوباً فإنك تستطيع الادّعاء أنك تتكلم بالنيابة عنهم!
في الثورات الشعبية العربية على الطغاة في السنوات الثلاث الماضية، لوحظت الشراسة الفائقة التي تتعامل بها أجهزة القمع الاستبدادية مع أي مسعى لنقل حقيقة ما يجري، ولذلك كان تركيز القتلة على اغتيال الذين يُصوِّرون الاحتجاجات ولو بعدسة جوال!
في سوريا مثلاً؛ قتل وحوش العصابة الأسدية مئات الناشطين، الذين نجحوا في كسر الحصار الإعلامي المطلق الذي فرضه المجرمون على البلاد، ولم يَنْجُ من دمويتهم صحفيون أجانب لقوا حتفهم لئلا ينقلوا الصورة الحقيقية لجرائم العصابة النصيرية وأزلامها في حق السوريين العزل.
الانقلاب العسكري الذي وقع في مصر قبل شهرين، شن -منذ ساعاته الأولى- حملة ضارية على وسائل الإعلام التي يُدرِك أنها لن ترضخ لإملاءاته، فأغلقها وضيَّق على القنوات الإخبارية غير المصرية، بإقفال مكاتبها بعد اقتحام مقراتها حتى في استوديو يبث برامج على الهواء، وبسجن كوادرها بلا سبب.
كل ذلك لم يكن كافياً؛ فقد ترافقت الإجراءات التعسفية الصلفة، مع حملة من الأبواق الرسمية وشبه الرسمية، لشيطنة كل وسيلة إعلامية أبت الاستكانة. وكان نصيب قناة الجزيرة هو الأكبر بالنظر إلى تأثيرها الواسع وإصرارها على مهنيتها.
لكن تلك الأبواق لم تتمكن من غسل أدمغة ملايين المصريين الذين يتابعونها، بعد أن تحوّل الإعلام الانقلابي إلى منابر للشتم الفج والتشويه السوقي لكل من رفض دخول بيت الطاعة. هنا اضطر العسكر إلى دخول الحكومة علانية على الخط، فخرجت وزيرة إعلام الانقلاب تتهم القناة بالعمل بلا ترخيص!
فهي تضحك على نفسها قبل أن تضحك على أحد؛ لأن القناة تعمل في القاهرة منذ انطلاقها قبل 17 سنة، ومكتبها هناك يقع في أشهر مكان هو ميدان التحرير! لا تجد وزيرة العسكريتاريا-الليبرالية!- أي غضاضة وهي تُكرِّر هراء أعوان مبارك ضد القناة في أثناء ثورة يناير 2011م! بل إن الوزيرة بالغت في كذبها فقالت: "إن إغلاق قناة الجزيرة أصبح مطلباً شعبياً!".
كما أسلفنا؛ فإن الكذب باسم الشعب هو العملة المفضلة لدى كل طاغية يستبد ببلدٍ ما، فكيف لا تُطلق الوزيرة كذبة بهذه الضخامة، وهي مجرّد مسمار في آلة الانقلاب، الذي جاء باسم الشعب المفترى عليه، ويواصل جرائمه في حق مصر والمصريين باسم الشعب!
غير أن الوزيرة لا تُخفي مرارتها وهي تُشير إلى أن منع الجزيرة من العمل في مصر، لن يمنعها من الوصول إلى المصريين "... وبمجرد منعها ستظهر من أماكن أخرى نظراً لوجودها على أقمار أخرى، فضلاً عن القمر الذي ستطلقه بعد شهر، وهناك ألاعيب كثيرة، وإغلاق المكاتب لن يحكم السيطرة عليها".
السؤال الذي يظنه بعض الناس ساذجاً يقول: ألا يتعلم الطغاة الجدد أبداً من الطغاة الهالكين أو المخلوعين؟ فما دامت القناة ستصل إلى جمهورها، فلِمَ الإصرار الغبي على منعها بهذه العدائية الفجة؟
مهند الخليل