سيناء والأنفاق.. هل هي أزمة الأمن القومي المصري؟

تشهد منطقة شمال سيناء المصرية عملية عسكرية للجيش المصري، يصاحب ذلك عملية هدم للأنفاق على طول الشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر والبالغ 12 كم، الأهداف المعلنة للعملية إعادة السيطرة والضبط بذريعة الأمن القومي المصري...


تمهيد
تشهد منطقة شمال سيناء المصرية عملية عسكرية للجيش المصري، يصاحب ذلك عملية هدم للأنفاق على طول الشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر والبالغ 12 كم، الأهداف المعلنة للعملية إعادة السيطرة والضبط بذريعة الأمن القومي المصري، في ظل الظروف التي تمر بها مصر منذ الانقلاب العسكري في يوليو الماضي، العملية العسكرية حتى الآن هدمت العديد من الأنفاق، كما قتلت العديد من الأفراد منهم مسلحين والغالبية العظمى من المواطنين العاديين، مما زاد من التوتر في منطقة شمال سيناء، و شكل بداية لحصار قطاع غزة العمق الأمني لمصر، الذي كان يعتمد على الأنفاق كبديل عن المعابر مع الاحتلال، فشكلت عموداً من أعمدة الصمود والمقاومة، وخط إمداد نجحت المقاومة في الاستفادة منه، وطورت قدراتها العسكرية بشكل ملحوظ وملفت، ولعل المواجهة مع الاحتلال في نهاية 2012 لخير دليل على مدى الجاهزية والاعتماد على الإمداد الخلفي من مصر.

نبذة عن الأنفاق
الأنفاق ليست وليدة السنوات الأخيرة بل هي موجودة منذ أن سيطر الاحتلال على الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة، كانت تستخدم لنقل السلاح وعمليات التهريب في ظل سيطرة الاحتلال على القطاع، وظلت في حالتها السرية طوال تلك السنوات، إلى أن فرض الاحتلال الإغلاق التام على قطاع غزة في وسط العام 2007، وشعر المواطن الغزي بالضيق الشديد والحصار الخانق، فانفجرت الجماهير الفلسطينية في يناير من العام 2008 وكسرت الجدار الفاصل بين القطاع ومصر، وذهبت للبحث عن احتياجاتها الاستهلاكية فدفع الفلسطينيون ما يقارب الربع مليار دولار خلال ثلاثة أيام تسوق، بعدها أغلق الجدار وتحولت الاحتياجات إلى المرور عبر الأنفاق، وانتشرت على طول الشريط الحدودي وكان ذلك بعلم الأجهزة الأمنية المصرية.

لماذا هدم الانفاق؟
للإجابة على هذا التساؤل لابد لنا من الحديث عن دور المقاومة المتصاعد في قطاع غزة، الذي أجبر الاحتلال على الخروج تحت ضرباته، فكان لانسحاب الاحتلال من قطاع غزة في سبتمبر 2005 دوراً محورياً في تطوير قدرات المقاومة الفلسطينية، ففتحت الآفاق لها بالتواصل مع المهربين للحصول على السلاح بكافة أشكاله، وبعد المواجهة الساخنة مع الاحتلال في نهاية 2008 أدركت المقاومة ضرورة توسيع نشاطاتها العسكرية ضد الاحتلال، فطورت من وسائلها وإمدادها بالسلاح النوعي الذي يؤلم العدو، وكانت المواجهة الأخيرة مع الاحتلال بضرب مدينتي القدس وتل الربيع ( تل أبيب ) في عمق الأراضي المحتلة، لذلك فإن عملية هدم الأنفاق والملاحقة الشرسة من قبل الجيش المصري لخطوط إمداد المقاومة الفلسطينية يشكل هدية مجانية للاحتلال ويضعف من قدرة المقاومة التي تعتمد على خط الإمداد الخلفي من سيناء، ويجعل المقاومة محصورة بين خيارات صعبة في مواجهة الاحتلال، وعزلة عن تطوير قدراتها القتالية، وكأن التاريخ يعود بنا إلى مؤتمر شرم الشيخ 1996، الذي عقد من أجل محاربة المقاومة وتقليم أظافرها، فالمشهد اليوم يتكرر في فرض حصار جديد على المقاومة، يضعها أمام تحدي كبير أمام الاحتلال، الذي يضغط مع الولايات المتحدة على الجانب المصري بكل قوة من أجل تنفيذ وعود سابقة بخنق المقاومة، مستغلة حالة الانقلاب والرغبة في الحصول على اعتراف دولي، الأمر لم يتوقف حتى الآن على خطوط إمداد المقاومة، بل شمل أيضاً جوانب الحياة اليومية لقطاع غزة، والتي تشكل العمود الفقري والجبهة الداخلية للمقاومة.

هل تشكل الأنفاق خطراً على الأمن القومي المصري
منذ تولي حركة حماس زمام الأمور في قطاع غزة والحديث عن الأمن القومي المصري يتزايد، لا شك في أن العقلية الأمنية المصرية لديها صورة عدائية للإخوان المسلمين، فحماس تشكل لها هاجساً مستمراً مبنياً على معطيات مغلوطة في الغالب، وبالرغم من العلاقة التي توسعت مع جهاز المخابرات المصرية وحماس في السنوات الأخيرة التي أنجزت فيها صفقة تبادل الأسرى، و التعاون المستمر في فترة تولي الرئيس مرسي الحكم في قضايا سيناء والجنود المختطفين، إلا أن الأمر لم يختلف كثيراً لدى المخابرات الحربية المصرية التي لم تجري اتصالات بحماس، فلم تشهد طوال تلك الفترة أي خطر أمني من قطاع غزة، وبدّدت الهاجس من دخول حماس المعركة لصالح الإخوان، بل على العكس تماماً الحكومة في غزة حريصة كل الحرص على الأمن القومي المصري، ففي ثورة الخامس والعشرين من يناير تم ضبط الحدود بصورة محكمة، بل قدمت الدعم اللوجستي من الغذاء وغيره للجيش المصري المرابط على حدود القطاع بعد انقطاع التواصل مع القيادة المركزية، وحافظت على الحدود آمنة في كافة التوترات الداخلية المصرية خلال الفترة السابقة، وبالرغم من الحملة الإعلامية المصرية المركزة على تشويه المقاومة إلا كافة المعلومات كاذبة، ولم تثبت الأجهزة الأمنية المصرية أية حالة تورط لعناصر من غزة تخل بالأمن القومي لمصر.

سيناء عقود من التهميش
لا يستطيع أحد أن ينكر بأن شمال سيناء يعاني من الفوضى والتهميش، يعود ذلك إلى إهمال الدولة المصرية لهذا المجتمع، فمنذ انسحاب الاحتلال من سيناء وهي لم تشهد أي اهتمام أو تطور، ويشعر الأهالي بأنهم مواطنون مصريون من الدرجة الثانية، فتنوع التهميش من الحرمان من الخدمات الصحية و التعليم والتطوير، حيث يبلغ عدد سكان سيناء ما يقارب 400 ألف نسمة، قد يعود جانب من هذا الإهمال للاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال الإسرائيلي، لكن الدولة ظلت تنظر بعين الريبة لهذه المنطقة، فلجأ أهل سيناء إلى العمل في التهريب مع الاحتلال، مثل المخدرات والبشر والسلاح، وكان التعامل الأمني هو سيد الموقف، لذلك تجد العداء بين الدولة وأهل سيناء متجذراً، وأصبحت ملجأً للعديد من الجماعات التكفيرية التي هربت من بطش النظام المصري في الثمانينات والتسعينات، فسيناء لا تحتاج إلى معالجة أمنية إنما تحتاج إلى تطوير، وهذا ما كان يحاول نظام الرئيس مرسي تعويضه، و نجح في التوصل لتفاهمات مع الأهالي للتنمية، كما نجح في الإفراج عن الجنود السبعة المختطفين في مايو 2013 بدون قتال.

سيناء والأنفاق مع قطاع غزة
لقد شكلت حركة التجارة بين قطاع غزة وسيناء مصدر رزق للأهالي، وأصبحت تدر عليهم الأرباح الطائلة، والنشاط التجاري المتواصل، والذي شكل نهوضاً اقتصادياً لسيناء في ظل التهميش الرسمي المصري، ووصل حجم التجارة إلى ما يقارب سبعة مليارات جنيه مصري سنوياً، لذلك عمل الجانب السيناوي على الحفاظ على الأمن المصري وعدم مخالفته من أجل الحفاظ على التجارة الجديدة، أما محاولة ربط الفلتان الأمني في سيناء بتطور الأوضاع في غزة أو بالأنفاق فهذا مخالف تماماً للواقع، فقد شهدت منطقة ذهب وشرم الشيخ تفجيرات في عامي 2004 و 2005 أي قبل انسحاب الاحتلال من قطاع غزة وسيطرة حركة حماس، و دخل الجيش والشرطة المصريين في ذلك الوقت معركة شرسة مع المسلحين في منطقة تسمى جبل الحلال أوقعت العشرات من القتلى من الجانبين، ولعل تعزيز التجارة مع غزة جاء أيضاً بعد بناء دولة الاحتلال جداراً على طوال الحدود المصرية، فضعفت أو حتى انعدمت سبل التهريب فتحولت إلى الأنفاق مع غزة.
سيناء فرض سيادة أم ثمن الموقف
مما لا شك فيه بأن المعركة في سيناء هي حرب طويلة، لا يستطيع الجيش الانتصار فيها، مما يجعله يتوغل في وحل الرمال المتحركة، فهي حرب اضطرارية جر إليها الجيش المصري ثمناً للانقلاب العسكري، وبضغط من الاحتلال والولايات المتحدة من أجل تسويق الانقلاب على المستوى الدولي، فأي حرب سيادة يكون فيها دخول القوات المصرية إلى سيناء بإذن من الاحتلال وموافقته، ويكون التعاون والتنسيق معه على أعلى مستوى، وبتدخل الاحتلال في سيناء عبر تحليق طيران الاستطلاع فوق أجواء سيناء وتنفيذ عمليات قصف بها، كما قامت بخطف مواطن غزي دخل الجانب المصري بشكل رسمي وفقدت أثره في سيناء في منتصف العام الحالي واعترف الاحتلال بأنه معتقل لديه.

الجيش يخوض عملية عسكرية لم يحضر لها من قبل، وجُرَّ إليها، وهي لن تحقق له الاستقرار أو الهدف المنشود الذي يبحث عنه، فأزمة سيناء لا تحل بعملية عسكرية تمتد أسبوعاً أو أسبوعين، فهي تحتاج إلى معالجة جذرية، والبحث فيها عن الانتصار هو وهم، فالجيش المصري اليوم يغرق في صراع مع المواطن المسالم بعد قصف المساجد والبيوت، مما يعقد أدائه على الأرض، ويبقى يبحث عن انتصار يستنزف موارده دون أي نتيجة، في ظل تزايد الضغط الشعبي الداخلي الرافض للانقلاب، والأزمة الاقتصادية المتزايدة.

الاحتلال والمكاسب المجانية
يعتبر الاحتلال هو المستفيد الرئيس من الأوضاع الأمنية في سيناء وعملية ردم الأنفاق، فهو يحقق مجموعة من الأهداف على صعيد المقاومة وعلى صعيد سيناء، ففي غزة يستفيد من قطع الإمدادات العسكرية للمقاومة مما يخفف مخاطر المواجهة المستمرة مع المقاومة الفلسطينية، وكذلك يضعف الجبهة الداخلية الفلسطينية عبر حصار شديد يرهقها، أما على صعيد سيناء وهي المنطقة الاستراتيجية له فقد نجح الاحتلال في جر الجيش المصري وزجه في حرب استنزاف طاحنة يستنزف موارده فيها، كما ستشكل الحالة الأمنية في سيناء تهديداً للملاحة المصرية في قناة السويس مما يفتح الفرص للاحتلال لتسويق مشروعه الاستراتيجي، في نقل البضائع القادمة من آسيا عبر ميناء إيلات على البحر الميت، منها إلى ميناء أسدود على البحر المتوسط، بتنفيذ مشروع سكة الحديد الواصلة بين الميناءين، مما يشكل منافساً تجارياً لقناة السويس، كذلك نجح الاحتلال في الدخول في المنظمة الأمنية لسيناء باستخدام طائرات الاستطلاع مما يسهل عليه تأمين حدوده وتحقيق أهدافه في ملاحقة إمدادات المقاومة، ولعل تفكير الاحتلال المتواصل في سلخ سيناء عن الكيان المصري وجعلها جزءاً بديلاً ديمغرافياً لسكان قطاع غزة -الذي من المرجح أن يشهد انفجاراً سكانياً في العام 2020- بتوسيع القطاع على حساب سيناء يمكن تمريره في ظل الظرف الأمني الحالي.

خلاصة
لن تنجح شيطنة غزة وهدم الأنفاق في فرض السيطرة الأمنية في سيناء، ولا دخول معركة مع الأهالي يمكن أن يخرج الجيش منها منتصراً، وسيبقى يغرق في وحل سيناء للبحث عن هذا الانتصار، قوة المقاومة في قطاع غزة ومواصلة تصديها للاحتلال يجعلها خط الدفاع الأول لمصر ضد الاحتلال، كذلك فإن الاستفادة من موارد سيناء ومعالجة مشاكلها بشكل تدريجي وشامل هي أقصر الطرق لإحكام السيطرة عليها، فلا غزة ولا سيناء تشكل خطراً على الأمن القومي لمصر، الاتفاقيات الأمنية المجحفة هي الإشكالية الأولى، والاحتلال منذ أن خرج من سيناء وهو يفكر بالعودة إليها بأسلوب مغاير عن احتلال الأرض، على الجيش المصري أن يعيد حساباته جيداً على حدود قطاع غزة، ومعالجة الوضع الأمني في سيناء، حتى يصل هو إلى بر الأمان.

أما على جانب المقاومة الفلسطينية فالمطلوب منها، تحويل البوصلة نحو العدو الإسرائيلي والضغط عليه بطريقة شعبية وسليمة خلال المرحلة القادمة، هي أقصر الطرق لرفع الحصار وإعادة تفعيل القضايا المركزية لفلسطين كعودة اللاجئين والقدس، تكرار الحملات الإعلامية السابقة عن الحصار لا أعتقد أنها تجدي نفعاً في المرحلة المقبلة، وتحميل مصر المسؤولية يجب أن نتجاوزه والتركيز على الاحتلال، ولعل فكرة الاعتصامات والتفاعلات الشعبية على حدود قطاع غزة بشكل مكثف خطوة قد تكون مجدية في هذا الإطار.


حمزة إسماعيل أبو شنب