قصة من وحي الواقع - الحلقة الأولى (راؤول الأكبر)

خالد غريب

فاجئني ابني الصغير صباح أحد الأيام باختراعه الجديد حيث دخل علي حاملًا جهازًا كبيرًا يسع شخص في حجمي، سألته عن هذا الاختراع، ذكر لي أنه آلة الزمن التي سمعنا عنها في أفلام وقصص الخيال العلمي.
طلبت منه أن أُجرِّب هذا الاختراع ولا سيما أني قرأت عنه كثيرًا فوافق وأدخلني داخله، وسألني إلى أي عامٍ أريد السفر؟
فجاوبت إلى عام 2030م.

  • التصنيفات: قصص مؤثرة -


فاجئني ابني الصغير صباح أحد الأيام باختراعه الجديد حيث دخل علي حاملًا جهازًا كبيرًا يسع شخص في حجمي، سألته عن هذا الاختراع، ذكر لي أنه آلة الزمن التي سمعنا عنها في أفلام وقصص الخيال العلمي.

طلبت منه أن أُجرِّب هذا الاختراع ولا سيما أني قرأت عنه كثيرًا فوافق وأدخلني داخله، وسألني إلى أي عامٍ أريد السفر؟
فجاوبت إلى عام 2030م.

عبث ببعض المفاتيح بالآلة الغريبة ثم أغلق عليَّ الباب بعد أن أعطاني بعض الملابس المتنوعة تحسباً للتغيرات المناخية الغير مضمونة خلال تلك المسافة الزمنية.

أخذتْ تلك الآلة في إصدار أصوات عجيبة وبدأت تهتز بشكلٍ مريب، ثم انطفأ النور ولم أعد أرى شيئًا، وغبتُ عن الوعي بعض الوقت لا أستطيع حسابه ثم استفقت لأنظر، وإذا بالباب يفتح وأرى ابني الصغير أصبح رجلًا كبيرًا صاحب شوارب تُشبه شارب صدام حسين بعد أن تركته وبراءة الأطفال لم تفارق قسماته الجميلة.


رحب بي ابني، وقال لي: "شالوم أبي" وسألني عن الرحلة؟

اندهشت من الكلمة ولكني لم أتوقف عندها لأني أعرفه كان يحب المزاح معي دائمًا.

جاوبته أني غبت عن الوعي ولا أدري كم من الوقت مضى على هذه الحالة، ابتسم لي وقال: "وكيف تريد بدء رحلتك الآن؟"

قلت له: "أين أختك مريم؟"

قال: "هي الآن ذهبت إلى جامعتها" سألته: "وأين جامعتها؟" فرد: "في تل أبيب" تسمّرتُ مكاني وتعجبتُ من سلوك الولد الذي لم يعبأ بحالتي واتجه إلى التلفاز، ويبدو أنه كان يريد اختصار ما حدث بأن يعرض لي بعض نشرات الأخبار لعلي أُحيط بالأحداث في زمن قليل.

وبالفعل فتح التلفاز؛ وكانت نشرة أخبار وإذا بالمذيع شكله غريب ويرتدي قبعة صغيرة على منتصف رأسه.

وكان يتحدث عن موضوع أكثر غرابة، ويذكر خبر عجيب!

الخبر يقول:

بعد فوز الولايات المتحدة في انتخابات الرئاسة العالمية؛ بفارق 20 مليون صوت عن الاتحاد الشيوعي العالمي (روسيا والصين) أصدرت الولايات المتحدة أول قرار جمهوري عالمي بتشكيل لجنة المائة لمناقشة بعض التغييرات في الدستور العالمي والذي أُقرَّ منذ عامًا كاملًا.

إلا أن إسرائيل قدّمت بعض الملاحظات على بعض المواد، وتمت الموافقة على تغييرها بناءًا على طلب إقليم إسرائيل الكبير، وكانت الموافقة على خلفية أهمية الموقع الجغرافي لإقليم إسرائيل الذي يضم منطقة الشرق الأوسط وجزء كبير من جنوب القارة الافريقية، مما دفع الحكومة العالمية المؤقتة برئاسة الاتحاد الأوروبي إلى الموافقة على التغييرات.

كان هذا الخبر الذي سمعته؛ وقبل أن يُنهي مقدِّم النشرة كلامه، إذا بابني يخبرني بأن أخته وصلت فسألته: "كيف عرفت؟"

فشاور إلى شاشة أعلى السقف، ومسك بالريموت في يده، وإذا بي أرى ابنتي في تلك الشاشة تقترب من المنزل فعلاً.

وبادرني بالقول: "يا أبي انتظر ستعرف كل شيء".

لا أُخفي عليكم انتابتني حالة شللٍ فكري وكأن عقلي دخل في غيبوبةٍ كاملة، وبعد ثواني فوجئت بابنتي وقد دخلت مرتدية نقاب شرعي! فاندهشتُ أكثر، ولكني شعرتُ بسعادة غامرة، حيث تركتها طفلة لم تكن ترتدي النقاب إلا أنه تناقضًا عجيبًا بين ما شاهدته وبين حال تلك الابنة.

المهم فرحت الابنة برؤيتي فرحًا كبيرًا، ولكنها أيضًا بادرتني بنفس كلمة أخيها مما كاد أن يتسبّب في أن يُغمى عليّ: "شالوم داد"؟

وازدادت حالة الغيبوبة العقلية التي تمرُّ بي، وتجمّدتُ الحروف والكلماتُ في فمي، ولاحظتْ ابنتي -بحنيتها المعتادة بي منذ صغرها- تلك الحالة التي أنا عليها، فأسرعت في محاولة للتخفيف عني وابتسمت ابتسامتها الجميلة البريئة التي لم تتغير برغم كبرها، وقالت: "هوِّن عليك يا أبي سأحكي لك كل شيء".

طلبت منهما النزول إلى الشارع والذهاب إلى مكتبي، فرد الابن ماسكًا بالريموت الخاص بالشاشة المعلقة بالسقف: "انظر يا أبي هذا مكتبك"؛ وإذا بمكتبي يظهر على الشاشة ويظهر بعض العاملين فيه وتحدّث معهم ابني وأخبرهم بعودتي وهم منهمكين في العمل ولكنهم يتحدثون إليه دون حتى أن ينظروا إلى الشاشة.

وفرحوا بعودتي ولكن بشكلٍ غير كافي بالنسبة لي، أو بالقدر الغير منتظر!

وسألوه عن موعد حضوري، فأجابهم ابني "قريبًا".

إلا أنني لاحظتُ أيضا أشخاصًا لا أعرفهم بمكتبي يرتدون نفس القبعة الصغيرة في منتصف الرأس، ويبدو عليهم أيضاً الانهماك في العمل، حيث أرى الموظفين الذين أعرفهم يَعرضون على هؤلاء الأشخاص أصحاب القباعات كل شيء ويتلقَّون منهم التوجيهات!

المهم لازالت الكلمات متجمدة داخل عقلي الذي كان هو بدوره في غيبوبة، أكاد أحفظ توازني بصعوبةٍ بالغة.

سارعت ابنتي -بمشاعرها الحانية- في الشروع لإعداد الطعام لي، وأعدّت لي بعض الملابس الجديدة وتقديم بعض المشروبات والعصائر الطازجة، وأنا لازلتُ أنظر يميناً ويسارًا محاولًا البحث عن عقلي، عن ذهني الشارد!

الشاهد:

انتبهتُ إلى التلفاز بعد أن لاحظتُ ابني يحاول رفع الصوت يبدو لشدّ انتباهي لما يُقال.

وإذا بنفس مقدِّم النشرة السابقة ومعه مقدِّمة برامج امرأة أخرى عارية تمامًا! فقط يستر عورتها المكتب الذي امامها!

ومعهما شخص يبدو أنه ضيف حلقة حوارية يرتدي نفس القبعة الصغيرة منتصف الرأس، حاولتُ التركيز مرة أخرى مع التلفاز وإذا بالضيف يكتب اسمه على التلفاز (السيد موردخاي هيكل بنيامين) وتحت اسمه مكتوب نائب محافظ إقليم إسرائيل الكبير.

سألته المذيعة العارية "سيد موردخاي: إذًا لماذا حتى الآن لم يُنفَّذ قرار السيد راؤول الأعظم، محافظ الإقليم بهدم البقعة السوداء بمدينة فاران (مكة سابقًا) وكذلك الأهرامات في مدينة جوزوييم (الجيزة سابقًا) وأيضاً هدم المعبد الأرثوذكسي بمدينة اسكندرازوس (الإسكندرية سابقًا)؟


ولماذا تم منع السيد الفريق أول تيتاني قائد شرطة الجوييم من التنفيذ في اللحظات الأخيرة برغم استعداداته العالية والسريعة لذلك؟"

أجاب الضيف: "في الحقيقة نحن بانتظار التغييرات التي طلبناها في مواد الدستور العالمي الجديد الذي يمنع هدم المزارات السياحية القديمة، إلا أننا وضعنا تعديلات للتفريق بين المعالم السياحية وبعض الأماكن المهجورة التي ممكن أن يتسبب بقاءها في إيذاء مشاعر أبناءنا وشعبنا، ولا سيما أن معظم الجوييم يؤيدون توجهاتنا فضلًا عن إمكانيات السيد الفريق أول تيتاني والمؤهلة للقيام بتلك المهمة، دون رد فعل يذكر".

كنتُ أثناء هذا الحوار لازلتُ فاتح فمي، وعيني تقريبًا أصبحت ملئ وجهي كله،

وإذا بابنتي تضع كوبًا به عصير على فمي محاولة أن تسقينيه، ولاحظتُ من نظراتها قلقًا بالغًا عليّ، استسلمتُ لها وبدأتُ في شرب العصير من شدة جفاف حلقي وأيضاً طمعًا في أن يساعدني العصير لتحريك العقل من غيبوبته وفك جمود الأحرف والكلمات.

بعد أن انتهت الابنة، استأذنت مني لدقيقة، وخرجت إلى فناء المنزل، ثم عادت بعد دقيقة فعلاً، ووجدتها تشرع في الصلاة.

برغم عدم سماعي لآذان ولا أي دليل على دخول وقت الصلاة، فجاهدتُ لساني وجمّعتُ بعض الكلمات وسألت ابني: "أي فرض تُصليه أختك؟"

فأجاب باقتضاب: "العصر".

فاسترسلتُ "وكيف عرَفتْ دخول وقت العصر ولم تسمع آذان؟"

فأشار لي أن أتبعه إلى الشرفة، وبالفعل تبعته وإذا بساعة رملية كبيرة بها بعض التروس، وأشياء أخرى لا أفهمها وضعتها ابنتي في فناء المنزل، وشرح لي كيف اخترعتها ابنتي وضبطتها على مواقيت دخول الصلوات حيث قضت وقتًا كبيرًا في ذلك حتى تمكنت من كيفية حساب فوارق دخول أوقات الصلاة عبر المواسم والأيام، واليل والنهار ...إلخ.

فبادرته بدهشةٍ "وأين المساجد؟ والمؤسسات؟ والتلفزيزن والراديو؟ وأين السعودية؟"

وبدأ الدوار يسيطر عليّ من جديد، فجلستُ مكاني وأجاب ابني مبتسمًا: "مساجد! سعودية! يا أبي هوِّن عليك ستعلم كل شيء".

انتهى ابني من الكلام، وانتهت ابنتي من الصلاة، وذهبتْ الابنة مسرعة إلى الطعام الذي كانت قد شرعت بإعداده لي. بينما طلب الابن الإذن بالمغادرة بعد أن نظر إلى الشاشة أعلى السقف وتحدّث إلى أحد الأشخاص الظاهرين عليها وهو ممسكًا بالريموت.

كانا يتحدثان بلغةٍ لم أفهمها نهائيًا، ولكنها تُشبه العبرية إلى حدٍ كبير. استأذن على أن يعود لي بعد ساعةٍ عسى أن أكون ارتحتُ واستعدتُ حيويتي ونشاطي، فأذِنتُ له بإماءة رأسي.

أيها الأخوة الأحبة أكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، على موعد آخر للقاء لأقص عليكم ما شاهدته في العام 2030م؛ نظرًا لأني سأكل الطعام الذي تُعدِّه لي ابنتي ثم أنام قليلاً. ليس لأني أريد النوم بعد ما شاهدته ولكن عسى أن يُعيد لي النوم ذهني الشارد بعيدًا.

فإلى اللقاء في الحلقة القادمة إذا قدَّر لنا الله البقاء.

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام