الإباحية وخراب البيوت (2/3)

استكمالاً لِما مرَّ من كلامٍ عن بلاء مُشاهَدة كثيرٍ من الأزواج والزوجات للصُّوَر والأفلام الإباحية، وخطر هدم البيوت بسببها، وذكْر هذه الأسباب، نعاود الحديث ثانية من جوانب أخرى.

  • التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -


استكمالاً لِما مرَّ من كلامٍ عن بلاء مُشاهَدة كثيرٍ من الأزواج والزوجات للصُّوَر والأفلام الإباحية، وخطر هدم البيوت بسببها، وذكْر هذه الأسباب، نعاود الحديث ثانية من جوانب أخرى.

فقه التعامل مع الزوج المُبتَلَى بمشاهدة المواد الإباحية:

إدمان الزوج لمشاهدة العورات المحرَّمة عبر الفضائيَّات أو شبكة الإنترنت، يضع الزوجة أمام امتِحان إيماني وعقلي ونفسي، امتحان ليس سهلاً بحالٍ من الأحوال؛ بل امتحان صعب خطير، قلَّ من النساء مَن تَتجاوَزه بلا خسائر معنويَّة أو ماديَّة.

والزوجة عادةً ما ترفض وضْع مشاهدة الزوج لتلك المحرَّمات، ترفض بدافع الدين، أو الأخلاق، أو العقل، أو الأعراف والمَبادِئ، وهذا كلُّه يُحمَد، وكلامنا هنا خارِجٌ عن الزوجة الراضية بمشاهدة زوجها لتلك المحرَّمات، فإن من الزوجات مَن لا ترى بأسًا في هذا -والعياذ بالله- وهذا من قِلَّة الدِّين، وفساد التصوُّرات، وغِياب الآداب والأخلاق.

وفقه المعاملة الصحيحة للزوجة العاقلة مع زوجها المُبتَلَى بمثْل هذا، جزءٌ كبيرٌ جدًّا من إقلاعه وعلاجه، فضلاً عن امتِداد حبل المودَّة والألفة والتقدير بينهما، وهذا منها من حُسْنِ العشرة وتَمام النَّصِيحة، وعلى العكس من ذلك سوء تعامُلها وفَساد رأيها يعني الوحشة والبُعْد بينها وبين زوجها؛ بل وخراب بيتهما في كثيرٍ من الأحيان!

من هنا كان لا بدَّ للمرأة من معرفة واجِباتها إزاء هذه المحنة الكبيرة والخطيرة، والاستِعانة بالله تعالى في تطبيقها على أكمل وجه مُطَاق.

تنبيه مهم:

أحوال الرِّجال المُشاهِدين للموادِّ الإباحيَّة مختلفة باختلاف تديُّنهم وأخلاقهم، وبيئتهم ومستوى تفكيرهم، وتَفاوُتُ كلِّ هذا من شأنه أن يُغَيِّر من عملية المعاملة بين رجل وآخر؛ لذا فإنَّ كثيرًا ممَّا يأتي من مُقتَرحات وتَوصِيات إنما هو عامٌّ قابِلٌ للاستِثناءات والتخصيصات؛ إذ المرجو حصولُ المصلحة وزوال المفسَدة، وهذا لا يخضع لقانونٍ واحدٍ في المعاملة.

أوَّل ما يجب على الزوجة:

عدم إطْلاع زوجِها على مَعرِفتها بأمر مُشاهَدته للموادِّ الإباحيَّة، وهذا إذا لم يكن الزوج عَلِمَ بمعرِفَتها، فلا فائدة في البداية من إطْلاع الزوجة بمعرِفتها؛ بل هذا يَكسِر الزوج إن كان صاحب دِين وأخلاق، أو مبادئ وقِيَم، كما أنَّه يجعل الزوج يستَمرِئ هذه المشاهدات المحرَّمة ويَعتادُها أمام زوجته نفسها، إن كان ضعيف الدين والعقل، قليل الآداب والأخلاق.

ولا علاقة بين إخفاء الزوجة على زوجها معرفتها وبين واجبها وإيجابيتها في نَصِيحته والأَخْذ بيده عن الحرام، فإنَّ ما يغلب على الظن في إعلامه بمعرفتها أنه يُفسِد ولا يُصلِح.

كيف تُناصِح المرأة زوجها وهو لا يعلم بمعرفتها مشاهدته للموادِّ الإباحية؟

المُناصَحة أكبر بكثيرٍ من أن تَقتَصِر على توجيه النُّصْح القولي؛ لذا فإنَّ أبواب نُصْحِ المرأة لزوجها كثيرة، والمقصد في النهاية انتِهاء الزوج عن هذه المحرَّمات.

- ومن نصح الزوجة لزوجها المُبتَلَى بمشاهدة المحرَّمات، صناعة الجوِّ الإيماني في البيت، بالمحافَظَة على الأَوْراد التعبُّدية، والاهتِمام دَوْمًا بمتابعة الفضائيات الإسلامية، وعمل مشروع خيري مُصَغَّر للفُقَراء والمحتاجين ولو بشكل محدود، وكلُّ هذا وغيره يهدف لشغل الزوج بالخير المُذهِب للشر، وخلقِ هدف لحياته وغاية صحيحة له.

- ومن نُصْحِ الزوجة لزوجها كذلك حسنُ حالها مع الله تعالى وصلاحها، فإنَّ كلَّ إنسان مهما اجتَمَع فيه من شرٍّ، يتأثَّر بحال مَن حوله من أهل الخير والفَلاح، فكيف إذا كان هذا من أقرب وربما أحب الناس إليه؟

وهذا في الحقيقة هو الاقتِداء؛ فإنَّ المرء يقتَدِي بمَن يُعجَب به ويُؤَثِّر فيه، وكثيرًا ما تكون الزوجة الديِّنة سببَ صلاحِ زوجها دون دعوة مباشرة له، وأقلُّ ما في هذا أن يستحيِيَ الرجل ويتحرَّج من حاله السيِّئ وهو ينظر لحال زوجته الطيب.

- ومن نُصْحِ الزوجة لزوجها أيضًا تضييق الخناق على الزوج بشكل غير ملحوظ، وهذا حتى لا يصل للموادِّ الإباحية، ومثال ذلك بأن تسهر معه إذا كانت عادته السهر، وتُحاوِل الجلوس معه إذا جلس منفردًا... وهكذا.

والزوجة الفَطِنَة تقوم بمنْع زوجها من معصية الله تعالى بإعمال ذكائها ولُطْفِ أسلوبها، وهذا وإن لم يكن بَتْرًا للمرض من أصوله، إلا أنه نافع إذا ضُمَّ إلى غيره من أسباب العلاج والمُعافَاة، وفي الحديث أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَن هَمَّ بسيئةٍ فلم يعملها، لم تُكتَب شيئًا» (أخرجه مسلم من حديث أنس).

- ومن نُصْحِ الزوجة لزوجها الإلحاحُ في الدُّعاء له بالمُعافَاة من هذه المعصية، والاستِغفار له من هذا الذنب، والإلحاح يعني: كثرة الدعاء، ويعني: التذلُّل لله في الدُّعاء، ويعني: ثقة القلب في استجابة الله للداعي.

ويقول صلَّى الله عليه وسلَّم: «يُستَجاب لأحدكم ما لم يَعْجَل، يقول: قد دعوت فلم يُستَجَب لي» (أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة)، فقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما لم يعجل» هو معنى الإلحاح في الدعاء.

كتم أمر الزوج:

لا يحلُّ لمسلم فضحُ مسلمٍ وإن لم تجمعهما علاقة أو صلة؛ يقول صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَن ستر مسلمًا، ستَرَه الله في الدنيا والآخرة» (أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة)، فكيف إذا كان هذا المسلم هو الزوجَ وله حقوق عظيمة؟ وحقوق الزوج باقية وإن وقع في معصية الله تعالى فإن هذا لا يُسَوِّغ بحال فضح زوجته له.

وإضافةً إلى كون إفشاء معصية الزوج لأيِّ أحدٍ محرَّمًا؛ بل وقد يدخل في كبائر الذنوب، إضافة إلى كلِّ هذا فإن فَضْحَ المرأة لزوجها المُشاهِد للموادِّ الإباحيَّة لا يُفِيد الزوجَ ولا الزوجة؛ بل يصنع النفرة ويُورِث الوحشة بين الزوجين، كما أنَّه لا يُرجِع الزوج عن غَيِّه ورغبته في مُشاهَدة المحرَّمات.

نعم، قد تحتاج المرأة لِمَن تُشاوِره في أمر زوجها، ومَن يُساعِدها على إخراجه من مِحنَتِه، وهذا وإن كان يَتَطلَّب أحيانًا ذكْر بعض حال الزوج، إلاَّ أنَّ هذا ينبغي أن يضبط، بحيث يكون بدايةً بعيدًا عن أُذُن الزوج، فلا يسمعه أو يعلم به، وكذلك يكون التصريح بأقل قدر مُمكِن، فإن أمكن مثلاً أن تُخفِي الزوجة، فلا تصرِّح مع المسؤول أو المُستشار أو الناصِح أنها تتكلَّم عن زوجها، فهذا هو الواجب، وإن احتاجت الزوجة للتصريح فليكن بقدر الكفاية، ولا تَستَرسِل في الحديث عن عورات زوجها ومساوئه.

مُناصَحَة الزوجة زوجَها إذا اتَّضح له معرفة زوجته بأمر مشاهدته:

وهذه المُناصَحة ينبغي أن تُحَضِّر لها الزوجة جيدًا قبل الإقدام عليها، فلا تَتَعجَّل فيها فيترتَّب عليها مفسدة أخرى، ربَّما هي الأكبر.

والإنسان عادَةً يتَّضح له بعد التفكير ومُشاوَرة الآخَرين والاستِعانة بالله عزَّ وجلَّ ما لا يظهر له أوَّل الأمر، وقد يُحَتِّم الشرع أو العقل تأخيرَ النصيحة.

ماذا تفعل الزوجة إذا دخلت على زوجها فوجدَتْه يُشاهِد تلك الإباحيَّات؟

قد تدخل الزوجة على زوجها -كما يحدث كثيرًا- فتجده يشاهد تلك المحرَّمات، فإن تعجَّلت في النصيحة وهي مَصدُومة أو مَذهُولة أو غاضِبة، لم تَتمالَك ألفاظها، ولم تَضبِط انفعالاتها، وأفسدتْ أكثر ممَّا يجب عليها أن تُصلِح، نعم، سيَظهَر عليها -رغمًا عنها- استياؤها وأسَفُها، لكن لتُحاوِل أن تُؤَخِّر الكلام، وتُظهِر لزوجها بالفعل أن مكانته محفوظة، وحقوقه لم تتأثَّر، وتأخذه لشيءٍ آخر بعيدًا عن هذا الأمر.

وعادةً يَتَعجَّل الزوج الحديثَ مع زوجتها حوْل ما رأَتْ، أو يسعَى لمعرفة ردِّ فعلها ونظرتها إليه، هذا إذا كان الزوج ذا دين أو خلق، أمَّا إن لم يكن كذلك فإنَّه عادةً لا يُبالِي -والعِياذ بالله- بما رأَتْه عليه زوجته! وربما تبجَّح وتعَلَّل بجهل وهوى.

إذا ألَحَّ الزوج على الزوجة في الحديث عمَّا شاهدَتْه عليه، فهل تجاوبه الحديث؟

نعم تجاوبه، ولتُبدِي له استياءها من مشاهدته لهذه المحرَّمات، ثم لتُحِرِّك مشاعِرَه الطيِّبة في نفسه، بأنْ تقول له: "أنت بأخلاقك ودينك أكبر من هذا"، أو: "لعلَّها هفوة أو ذنب لا تُكَرِّره"، ومثل هذه العبارات الرقراقة.

وقد تحتاج الزوجة أن تَعِظَ زوجها بشيءٍ فيه تخويفٌ من الله تعالى وتحذيرٌ من عقوبة فِعلته تلك، كأنْ تقول له مثلا: "أنت تتجرَّأ بهذا على مَحارِم الله ولا تُراعِي نظره إليك"، أو: "أنا أخشى على بيتنا وعلاقتنا من هذه المعصية"، ومثل هذا.

وكلُّ امرأةٍ أدرى أي أسلوب أولى وأنفع مع زوجها؛ فهذا أمر تقديري ونسبي يختَلِف باختلاف الشخصيات ذاتها.

وللحديث بقيَّة إن شاء الله تعالى.



حسن عبد الحي