يا أهل فلسطين... فاثبتوا

إيهاب عدلي أبو المجد

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

الحمد لله والصلاة والسلام على من جُعل رزقه تحت ظل رمحه، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

وبعد، فإن اليهود قد أقبلوا عليكم إخواني بخيلهم ورَجْلِهِم، وقد نفخ الشيطان في صدورهم. قد خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله... ولكن إخواني، اعلموا أن الله بما يعملون محيط.

 

وقد زيّن لهم الشيطان أعمالهم كما زيّن لكفار قريش من قبل، فقال لهم: {لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ} [الأنفال:48]. وها هم المنافقون ممن حولكم -إخواني- قد قالوا كما قال سلفهم من أهل النفاق: {غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ} [الأنفال:49]. وليس لكم إخواني إلا التوكل على الله مع الأخذ بأسباب النصر. يا إخواني المجاهدين من أهل فلسطين، اسمعوا قول الله عز وجل في سورة الأنفال وقد جمع المولى تبارك وتعالى فيه أسباب النصر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ . وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}. [الأنفال:45-46].

 

إذاً إخوتاه: عند لقاء الكفار لابد من خمسة أمور يأتي بعدها النصر من عند الجبار جل وعلا.

 

أولاً: الثبات.

 

اعلموا إخواني أن الثبات لن يأتي إلا بعد أن تسألوا الله الذي بيده ملكوت كل شئ أن يرزقكم إياه. قال الإمام ابن رجب: "فالاستقامة والثبات لا قدرة للعبد عليه بنفسه فلذلك يحتاج أن يسأل ربه". قلت: وقد جاءت الإشارة إلى طلب الثبات على وجهي المدح والحكاية في كتاب الله تعالى:

 

* أما على وجه المدح ففي قوله تعالى في مدح الربانيين المقاتلين بجانب أنبياء الله تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ . وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:146-147].

 

فهنا مدحهم الله تعالى على عدة أمور منها سؤالهم الله تبارك وتعالى الثبات عند مواجهة الأعداء، وأكد سبحانه أنه استجاب لهم في الآية التي بعدها فقال تعالى: {فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين} [آل عمران:148].

 

فيارب، يارب، يارب ثبّت أقدام إخواننا المسلمين في فلسطين وفي كل مكان وانصرهم على أعدائك يا كريم.

 

* أما على وجه الحكاية: وهى تتصنمن مدحاً أيضاً:

 

قال تعالى حاكياً عن السحرة بعد دخول الإيمان في قلوبهم، وبعد أن توعدهم فرعون وحاول إرعابهم -وإن كانت الحكاية ليست نصاً في الثبات، ولكنها تحمل في معناها قمة الثبات وسؤاله: {قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ . وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} [الأعراف:125-126]، فهنا طلبُ الثبات إلى الممات.

فالله الله يا إخواني في فلسطين أن تتأسوا بمن آمن من سحرة القبط.

 

وفي سورة البقرة حكاية عن مؤمني بني إسرائيل تحت قيادة طالوت: {وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:250]، فاستجاب تعالى لتلك الفئة المباركة الموحدة آنذاك، فقال تعالى: { فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ } [البقرة:251]. وقد بيّن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أنه لا يملك لنفسه ثباتاً وأن الثبات بيد الله تبارك وتعالى يمنّ به على من يشاء: {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً} [الإسراء: 74].

 

فالآن إخواني انقلب الأمر... فأصبح موحدوا الأمس هم الوثنيين اليوم، وصار وثنيوا الأمس هم الموحدين اليوم! فالله الله يا موحدي اليوم، فالله الله يا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم اليوم أن تتأسوا بموحدي الأمس، وأتباع أنبياء الأمس، فلا يبتعد عنكم موعود الله القريب المجيب، اللهم ثبتهم وانصرهم يا كريم.

 

وهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عرفوا هذه الحقيقة: أنهم لا يملكون لأنفسهم ثباتاً ولا نصراً ولا استقامة وأن ذلك من فضل الله تعالى... ففي صحيح مسلم أن عامر بن الأكوع وهم في طريقهم لفتح خيبر أرجز بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

والله لولا أنت ما اهتدينا *** ولا تصدقنا ولا صلينا

 

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدقت». فقال عامر:

 

فانزلن سكينة علينا              وثبِّت الأقدام إن لاقينا

 

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يرحمه الله ». فقُتِلَ شهيداً يوم خير رضي الله عنه.

 

وفي صحيح مسلم: "باب من فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه:

وساق بسنده عن جرير أنه قال: ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسليم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي. ولقد شكوت إليه أني لا أثبت على الخيل، فضرب بيده في صدري وقال: « اللهم ثبّته، واجعله هادياً مهديّاً ».

وإليك سبب هذه الدعوة، وأنها كانت لثباته على الفرس حال جهاده في سبيل الله، لا للهو، وإن كان من الحق.

 

وفي صحيح مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يا جرير ألا تريحني من ذي الخَلَصَة» -بيت لخثعم كان يدعى كعبة اليمانية- قال جرير فنفرت في خمسين ومائة فارس وكنت لا أثبت على الخيل، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب بيده في صدري، فقال: «اللهم ثبته واجعله هادياً مهدياً».

 

يقول الراوي عن جرير وهو قيس بن أبي حازم: فانطلق فحرقها بالنار، ثم بعث جرير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يبشره، يكنّى أبا أرطأة منا، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما جئتك حتى تركتاها كأنها جمل أجرب، فبرَّك رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات.

وفي البخاري: حتى رأيت أثر أصابعه في صدري.

فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثبات على الخيل من أجل الجهاد ولم يدع النبي صلى الله عليه وسلم لمن لا يثبت على الراحلة لكبر سنة من أجل الحج لبيت الله. فتأمل هذا فإنك لن تجد الإشارة إليه في موضعٍ آخر ولله الحمد والمنة.

 

 

أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالثبات عند لقاء الأعداء

 

روى عبد الرزاق بسنده عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاثبتوا، واذكروا الله، فإن اجلبوا وضجوا فعليكم بالصمت ».

 

يا أرض فلسطين: اثبتي تحت أقدام المجاهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

يا أرض فلسطين: تزلزلي باليهود ودكيهم دكاً.

يا أرض فلسطين: إن الله وصفك بالبركة والقدسية في كتابه الكريم، فطهارتك وطهارة جبل أحدٍ الذي يحب المؤمنين، والذي هو من جبال الجنة ثابتة بالنقل الصحيح.

يا أرض فلسطين: ألا تغارين من جبل أحد حين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اثبت أحد فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان».

 

يا مجاهدي فلسطين قولوا: "اللهم منزل الكتاب، ومجرى السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم".

يا أهل فلسطين اثبتوا فإن الجنة تحت ظلال السيوف، وإن رزقكم تحت ظل رمحكم.

قولوا جميعاً لأعداكم، قولوا جميعاً للمنافقين، قولوا جميعاً للذين في قلوبهم مرض: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ} [التوبة:52]، فهذا يا إخواني في فلسطين خيار مصلحة: عذاب لليهود من عند الله أو عذاب لهم بأيديكم. فإن استطعتم أن تعذبوهم وتوهنوا قواهم بأيديكم فلا يجوز لكم انتظار عذاب الله لهم.

وإن لم تستطيعوا: فإليكم وعد الله فيما حكاه عن نبيه هود: {فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ . فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ} [الأعراف:71-72].

 

يا معشر اليهود: {قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى} [طه:135]، وتربصوا معشر ثم تربصوا واغتروا ثم اغتروا: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ . قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} [الطور:30-31].

 

إخواني في فلسطين: بعد دعاء الله الثبات لابد أن تعلموا أن الثبات أيضاً يجب أن ينبعث من أنفسكم: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} [البقرة:265].

 

عليكم إخواني بكتاب الله قراءة وتدبراً وعملاً فهو من أجل عوامل الثبات. قال تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل:102].

واعلموا إخواني أنكم إذا نصرتم الله بتوحيده وباحترام دمائكم وأعراضكم وأموالكم جاءكم من الله تعالى الثبات. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7].

 

اقرؤوا قصص الأنباء وما نصرهم الله به، ما أهلك به أعداءهم، قال تعالى: {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120].

 

إخواني في فلسطين: لو تخلى عنكم القريب فاعلموا أن الله القريب معكم. قال تعالى: {وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:36].

 

إخواني في فلسطين: اعلموا واستيقنوا أن الكفر لو وقف مع اليهود وعاونهم لم يقف معكم ولم يساندكم أحد، فضعوا هذه في قلوبكم: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:12].

 

وأخيراً وليس بآخر: أقول لكم ولمسلمي العالم كله: قال تعالى في بيان وقود الثبات: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا . وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيمًا . وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} [النساء:66-68].

الإيمان الإيمان... فهو وقود الثبات وسببه ومقدمة حصوله: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} [إبراهيم:27].

 

 

إخواني في فلسطين: إليكم البشرى، وكما قلت لكم: كتابُ الله فيه التثبيت لكم، أنتم الآن قليل... أنتم الله مستضعفون في الأرض... أنتم الآن تخافون أن يتخطفكم الناس... أليس كذلك؟ قولوا: بلى.

 

خذوا البشرى إذ تركها غيركم. قال تعالى: {وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال:26].

 

 

إخواني في فلسطين:

أنتم الآن مستكم البأساء والضراء من الجوع والألم، وقد زلزلتم... أليس كذلك؟ قولوا: بلى.

خذوا البشرى إذ تركها غيركم. قال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين امنوا معه متى نصر الله ألا نصر الله قريب}.

 

اعلموا أن النصر من علاماته أن يتقدمه الكرب والزلزلة والضيق الذي يصيب المؤمنين.

 

انظر إلى الترابط في كتاب الله عز وجل: جاء الأحزاب عام غزوة الأحزاب، قال تعالى: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً} [الأحزاب: 10-11].

 

الفقهاء من أصحاب سيدنا رسول الله يعلمون أن هذه مقدمة النصر: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناَ وتسليماَ} [الأحزاب: 22].

يعنى هذه الزلزلة والشدة والكرب هو الذي وُعِدنا عليه بالنصر.

 

قال تعالى: {يا أيها الذين امنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً}. [الأحزاب: 9]، وقال الله تعالى: {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاَ * وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقاَ تقتلون وتأسرون فريقاَ * وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضاَ لم تطؤوها وكان الله على كل شئ قديراً} [الأحزاب: 27].

وهذا النصر كله جاء بعد الضر والبأس والزلزلة.

 

اللهم نصرك الذي وعدت عبادك المؤمنين ........ آمين.

 

إليكم إخواني هذه الصورة لتعرفوا و تقارنوا ثم لتثقوا وتوقنوا وإذاً لتثبتوا. في الصحيح عن محمد بن كعب القرظي قال: قال رجل من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله: أرأيتم رسول الله وصحبتموه؟

قال: نعم يا ابن أخي. قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجهد. فقال الرجل: والله لو أدركناه ما تركناه يمشى على الأرض و لحملناه على أعناقنا. فقال حذيفة: يا ابن أخي: والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق في ليلة باردة مطيرة، وما أتت علينا قط أشد ظلمة ولا أشد ريحاً، في أصوات ريحها مثل الصواعق، وهي ظلمة ما يرى أحدنا أصبعه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يقوم فينظر ما فعل القوم وأضمن له رجوعه سالماً؟ قال حذيفة: والله ما قام منا أحد ورسول الله أحب إليهم من أعينهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ينظر ما فعل القوم ثم يرجع ويضمن له الرجعة؟ أسال الله أن يكون رفيقي في الجنة". قال حذيفة: فما قام رجل من القوم من شدة الخوف، وشدة الجوع وشدة البرد.

 

 

إذاً إخواني... مع كل هذا ومع وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجوع سالماً من أتى بالخبر وأن يكون رفيقه في الجنة، منعهم الخوف من الاستجابة لعرضه الغير ملزم... جاءهم بفضل الله النصرُ.

 

يا أهل جنين: قال المسيح عليه السلام: "إنكم لن تلجوا ملكوت السماوات حتى تولدوا مرتين" فأبشروا فقد ولدتم الولادة الثانية.

 

يا يهود... يا أصحاب الغرقد... لن يغني عنكم شيئاً ولو كثر وإن الله مع المؤمنين.

 

يا حماس: إن أهل أحمس ليسوا منكم ببعيد، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة في خيلهم ورجالهم خمساً. بارك الله في خيلكم ورجالكم. فخلصوا الدنيا من اليهود كما خلص جرير وأهل أحمس رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من ذي الخلصة.

 

إن صواريخ القسام قضيتكم... وقضية كتائب شهداء الأقصى وكل المجاهدين على أرض فلسطين قضية لا لبس فيها كما دخل اللبس في قضايا غيرهم.

 

فلا تنازعوا... هذه النصيحة الثانية.

 

واذكروا الله... هذه الثالثة.

 

وأطيعوا الله ورسوله... الرابعة.

 

واصبروا الخامسة... خمس مباركة وأي مباركة.

 

"لا تنازعوا... لا تنازعوا... فإثم دماء الأبرياء وأرضهم وأعراضهم في رقبة من تسبب في التنازع المذهب لريح قوتكم".

 

يا مسلمي العالم: جاء في سنن في الترمذي وقال حديث حسن صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "شر ما في المرء شحّ هالع، وجبن خالع" قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فلا تتم رعاية الخلق وسياستهم إلا بالجود الذي هو العطاء، والنجدة التي هي الشجاعة. بل لا يصلح الدين والدنيا إلا بذلك" أ.هـ.

 

ويقول في موضع آخر: "الناس أربعة أصناف:

1 - من يعمل لله بشجاعة وسماحة فهولاء هم المؤمنون المسحقون للجنة.

2 - ومن يعمل لغير الله بشجاعة وسماحة فهذا ينتفع بذلك في الدنيا وليس له في الآخرة من خلاق.

3 - ومن يعمل لله لكن لا بشجاعة ولا سماحة فهذا فيه من النفاق ونقص الإيمان بقدر ذلك.

4 - ومن لا يعمل لله وليس فيه شجاعة ولا سماحة فهذا ليس له دنيا ولا آخرة" أ.هـ.

 

انظروا أين أنتم من هذه الأقسام؟ فإن جبنتم بأنفسكم فلا تبخلوا بأموالكم على إخوانكم المسلمين في فلسطين، فإنهم قد كفوكم الجهاد بالنفس. {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}.

 

فالله الله في الجهاد... الله الله في فلسطين.