طفلي مفرط الحركة

خالد سعد النجار

فرط الحركة "النشاط الزائد" حالة طبية مرضية سلوكية يتم تشخيصها لدى الأطفال والمراهقين، يظهر في صورة زيادة ملحوظة جداً في مستوى النشاط الحركي للطفل، تخرج عن حدود المعدل الطبيعي، سواءً في المنزل أو الشارع أو المدرسة، مما يُسبِّب له فشلاً في حياته بسبب قلة التركيز، مع اندفاعيته المفرطة وتعجله الزائد والدائم.

  • التصنيفات: تربية الأبناء في الإسلام -


بسم الله الرحمن الرحيم

فرط الحركة "النشاط الزائد" حالة طبية مرضية سلوكية يتم تشخيصها لدى الأطفال والمراهقين، يظهر في صورة زيادة ملحوظة جداً في مستوى النشاط الحركي للطفل، تخرج عن حدود المعدل الطبيعي، سواءً في المنزل أو الشارع أو المدرسة، مما يُسبِّب له فشلاً في حياته بسبب قلة التركيز، مع اندفاعيته المفرطة وتعجله الزائد والدائم.

تبدأ هذه الظاهرة لدى الأطفال في السنة الثانية إلى السادسة، وتضعف شدة الحركة عادة عند البلوغ، ولكن الأعراض الأخرى قد تبقى مصاحبة لهذه الحالة. وتنتشر هذه المشكلة بين الأولاد أكثر من البنات، وبين أبناء الطبقة الفقيرة والأطفال المتخلفين عقلياً أكثر من العاديين، وبين الأطفال الميالين إلى الاستكشاف والأذكياء جداً. وأوضحت الدراسات أن حوالي 5-10% من الأطفال لديهم نشاطٌ زائد، وأن 40% من الأطفال المصابين يحالون إلى عيادات الصحة النفسية.

بين الطبيعي والمرضي شعرة:

ليس كل طفل كثير الحركة من وجهة نظر والديه فهو مريض؛ فحركة الأطفال قد تكون دليلاً على الحيوية والنشاط، خاصةً لأولئك الصغار الذين بدؤوا حديثاً في المشي وغمرتهم السعادة في اكتساب مهارة جديدة وهي المشي والجري والوصول للأشياء. فنرى الطفل يجري هنا وهناك، ويستكشف هذا المكان أو ذاك. وقد تكون الحركة الكثيرة داخل الفصل الدراسي إشارة إلى ارتفاع معدل الذكاء لأولئك الصغار الذين يقيدهم منهج دراسي موجّه لمتوسطي الذكاء .

وبعض الأمهات يشتكين من حركة أطفالهن الزائدة، وحينما يتم تقييم هؤلاء الأطفال يتضح أن حركتهم لا تزال في الحدود الطبيعية، لكن تحمل أُسرهم لهم ورحابة صدورهم تجاههم قد تكون ضيقة، وقد يكون ذلك لوجود عوامل خارجية مثل ضيق المنزل وعدم وجود أماكن مناسبة ينفِّس الأطفال فيها عن نشاطهم الطبيعي، وربما يرجع ذلك إلى عدم وجود وسائل تسلية وألعاب مناسبة يفرغ الأطفال فيها طاقاتهم الطبيعية. كما قد يُعبِّر الأطفال عن إحساسهم بالكآبة وإحباطاتهم وعدم استقرارهم الأسري والعاطفي بالحركة الزائدة.

طفلي مريض:

لا يمكن اعتبار الطفل مريضاً بتناذر فرط الحركة إلا إذا ظهرت عليه الأعراض التالية:

• زيادة الحركة: لا يستطيعون أن يبقوا في مكانهم أو مقاعدهم فترة وجيزة. عادةً ما يتسلقون ويجرون في كل مكان في البيت وفي السوق، ويوصفون بأنهم لا يهدؤون أبداً.

• قلة الانتباه: يتصف هؤلاء الأطفال بأن المدة الزمنية لدرجة انتباههم قصيرة جداً، لايستطيعون أن يستمروا في إنهاء نشاط أو لعبة معينة، يبدون وكأنهم لا يسمعون عندما نتحدث إليهم، عادة ما يفقدوا أغراضهم أو ينسوا أين وضعوا أقلامهم أو كتبهم.

• الاندفاع: يجاوبون على الأسئلة قبل الانتهاء من سماع السؤال. لا يستطيعون أن ينتظروا دورهم في أي نشاط. يقاطعون المتحدث أثناء كلامه.

الأسباب مجهولة:

الأسباب الحقيقة وراء هذا المرض مازالت لغزاً يُحيِّر العلماء، إلا أن البعض يرى مجموعة من العوامل قد تُسبِّب في حدوث هذا الانحراف السلوكي من أهمها:

• اضطراب في المواد الكيماوية التي تحمل الرسائل إلى الدماغ، حيث يعتقد الباحثون أن هناك نقصاً في مادة "الدوبامين" التي تعمل كناقل عصبي، وبنقصها تضطرب عملية النقل العصبي إلى بعض أقسام الدماغ وخاصةً الفص الأمامي الذي يتم فيه ضبط كثير من السلوكيات والتصرفات؛ وهو ما يؤدي إلى اضطراب وفوضى في التحكم في كثير من الحركات ونقص في الانتباه وتشوُّش في التركيز وزيادة في الشرود.

• إذا كان أحد الوالدين مصاباً فقد يُصاب الأبناء، أي أن هذا النقص في مادة "الدوبامين" هو من أصل وراثي في حوالي 95% من الحالات، ومما يدعم هذه النظرية أن الحالة موجودة عند آباء هؤلاء الأطفال بنسبة 35% من الحالات، وعند أمهاتهم بنسبة 17% من الحالات.

وأما الأسباب العامة لفرط النشاط لدى الأطفال، فهي متعددة؛ فقد تكون طبية كالأنيميا المزمنة، والأنيميا الوراثية، وضعف الغدة الدرقية، ونقص السكر في الدم، والتسمم بالرصاص، والإصابة بالطفيليات، وضعف النظر والسمع، وإصابات بالمخ (أثناء الحمل أو الولادة)، والحوادث التي تؤثر على الجمجمة.

وقد تحدُث نتيجة لإصابة الطفل بالأمراض المعدية، خاصة الأمراض التي تؤدي إلى إصابة المخ مثل: الحمى الشوكية، والحميات المختلفة التي قد تؤثر في المخ إذا لم تعالج في الوقت المناسب بالعلاج السليم.

وتعد الأمراض النفسية الناتجة عن تفكك الأسرة أو التعرض لحوادث خطرة، أو مواقف مؤلمة من العوامل المؤدية إلى إصابة الطفل بفرط النشاط الحركي.

وقد تتسبّب بعض الأطعمة والمواد الحافظة في تطوّر وزيادة المرض لدى الأطفال المصابين، لذا ينصح بتزويد الطفل بغذاءٍ صحي خالٍ من الصبغات الصناعية والمواد الحافظة.

العلاج دوائي ونفسي:

لا يوجد علاج شافي ونهائي للمرض، ويشمل العلاج الدوائي تناول العقاقير التي تُحفِّز إنتاج "الدوبامين والنورأدرينالين" (المنبهات العصبية)، وفي بعض الحالات يمكن إضافة المعالجات النفسية، كأن نحاول أن نعطي للطفل لعبة القوالب الخشبية لحوالي 15-20 دقيقة، فإذ ركّز معنا في هذا الوقت، نُجرِّب أن نلعب معه لعبة فريز باستخدام الساعة، حيث يقف ثابت (متجمد) لبضع ثوان ثم نزيد بالوقت تدريجياً، فهذا يُساعده على التركيز أكثر.

ودور الأهل في العلاج مهم جداً، ويكون عموماً بوضع جدول يومي لحياة الطفل يساعده على تنظيم حياته اليومية؛ فمثلاً نُحدِّد للطفل الوقت الذي يستيقظ فيه، ومتى يجب عليه أن يعود من المدرسة، ومتى وقت التلفاز... وهكذا، ويمكن أن نُشرِكه بنشاط وبرنامج رياضي مثل السباحة أو ألعاب القوى حتى ينمي مهاراته الحركية ويوجهها التوجيه السليم، ومن المهم أن لا نترك الطفل وحده في أماكن يجدها مناسبة ليأخذ حريته مثل الحدائق العامة.

واستخدام أسلوب الثواب والعقاب من أنفع الوسائل العلاجية ويكون باستخدام شيء يشدُّ انتباه الطفل مع تلازم الثواب للأداء الجيد؛ بمعنى أن يتبع الأداء الجيد مباشرة بالجائزة، وتمنع الجائزة في حالة عدم الالتزام بالأداء.

إضافة إلى الحزم في تطبيق هذا النوع من العلاج. ويجب الابتعاد عن العقاب الجسدي تماماً، وأفضل ما نفعله كأب أو كأم عندما يقوم طفلك بتصرُّف خطأ هو تجاهل الأمر والعودة لمناقشته مع الطفل عندما يهدأ.

أما في المدرسة فيجد الطفل كثير الحركة صعوبة كبيرة في التأقلم مع قوانين المدرسة، ولذلك من الضروري أن نشرح وضع الطفل لإدارة المدرسة بحيث تُقدِّم له المساعدة، ويفضل إبقاء الطفل المصاب ضمن مجموعات صغيرة من الطلاب وليس ضمن أعداد كبيرة، علماً بأن الطفل المصاب بكثرة الحركة ونقص الانتباه ليس لديه نقص في الذكاء ويستفيد من الدروس القصيرة أكثر مما يستفيد من الدروس الطويلة.