التوقيت المحلي لتغيير أخلاق المصريين

ربما أصبح من المعتاد سماع عبارات مثل: "إيه اللي حصلنا؟ إحنا مكناش كدا؟ هيا الرجالة بقت مالها؟ هما الستات حصلهم إيه؟ أيه اللي جرا للبنات؟ الولاد مكانوش كدا خالص؟"، وهذه العبارات عادةً ما تصدر عن جيل يقارن بينه وبين الجيل الأحدث، وبخاصة الجيل الحالي والذي قبله، وقبل أن أتحدّث عنهم أود تسليط الضوء أولاً عن التغيير الأقل بطئاً (إن صح التعبير) الذي حدث للمصريين منذ نهاية العهد الملكي إلى تسعينات القرن الماضي.

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -


هلّا تساءلت يوماً، كيف حدث هذا؟

كيف ولماذا ساعد هؤلاء اللصوص هذا المسن؟

لماذا يتبرّع تُجاّر المخدرات أحياناً بأموالهم؟

لماذا نقف لاشعورياً لنساعد رجلاً صدمته سيارة؟

هل نعاني من مرض نفسي بحيث يجعلنا فجأة رقيقي المشاعر ومستعدين للتضحية قبل أن نتحوّل ونعود إلى حالتنا الأصلية؟

والإجابة بكل بساطة:


إنها الفطرة يا عزيزي! فنحن مفطورون على مجموعة من القيم الأخلاقية التي تُغرَس لتكون متأصلة في الجذور لتتحوّل لحالة تلقائية وسلوك معتاد في العقل الباطن لا يتغير إلا بمتغيرات أخرى وعوامل تؤثر بشكلٍ مباشر وغير مباشر على هذا السلوك لتُحوِّله إلى حالة أخرى غير الحالة الأولى.

ربما أصبح من المعتاد سماع عبارات مثل: "إيه اللي حصلنا؟ إحنا مكناش كدا؟ هيا الرجالة بقت مالها؟ هما الستات حصلهم إيه؟ أيه اللي جرا للبنات؟ الولاد مكانوش كدا خالص؟"، وهذه العبارات عادةً ما تصدر عن جيل يقارن بينه وبين الجيل الأحدث، وبخاصة الجيل الحالي والذي قبله، وقبل أن أتحدّث عنهم أود تسليط الضوء أولاً عن التغيير الأقل بطئاً (إن صح التعبير) الذي حدث للمصريين منذ نهاية العهد الملكي إلى تسعينات القرن الماضي.

يقول الدكتور جلال أمين في كتابه (ماذا حدث للمصريين) عن جزئية التغريب تحديداً إن مصر حينما قرّرت أن تنهض بعد انقلاب الضباط الأحرار فإنها لم تكن تملك مشروعاً حضارياً متكاملاً للنهضة، ولذلك لم يكن في وسِع القائمين على الأمر إلا نسخ التجارب الغربية والشرقية؛ فعلى سبيل المثال كان الاهتمام ببناء المدارس بدون اهتمام بنهضة للمناهج التعليمية وخَلق نهضةً محلية غير مستوردة، وقِس على ذلك في المصانع والمنتجات الصناعية وغيره، عكس اليابان التي حينما قرّرت أن تنهض؛ نهضت بمشروعها المتكامل الذي لا يأخذ من الغرب إلا بعض الجزئيات التي هي مجرّد أدوات وتفاصيل على الهامش لا تؤثر في البنية المجتمعية وقابلة للتغيير والتطوير.

وعودة للسنوات الأخيرة والأجيال متعاقبة وتحديداً الأجيال التي وُلدت من السبعينات حتى التسعينات، أجيال عاشت على وتيرة واحدة، خاض فيها المجتمع تحولاً شديد القسوة إلى نظام رأسمالي عشوائي للغاية، وإذا كان لديك مجتمع يعيش بلا أهداف واضحة مع رأسمالية عشوائية جشعة سيتولد لديك طبقة من أصحاب المال والنفوذ -كما حدث- تحدث هزّةٍ عنيفة لكل القيم التي تستسلم تِباعاً للتحوّل في فلك هذه الطبقة.

المجتمع يعيش في سلام ولا نية لحروب أخرى، أصحاب المال في يد واحدة مع أصحاب السلطة والنفوذ، والاثنان معاً يستغلان الطبقات المسحوقة في أي مناسبة، مما أدّى بالطبع إلى نظر طبقات الشعب مع مرور الوقت إلى هذه الطبقة على أنها قدوة وأن الغاية هي التحوّل إليها مهما تكن الوسائل، فتأثرت البنية الاقتصادية، والاجتماعية، والدينية، والثقافية، والأخلاقية، وأصبح الهم الأول والأخير هو التوحّد نحو هدف واحد وهو المال لا شيء سواه.

نتج عن هذا التحول حالة من الانفصام المجتمعي، بين عقل جمعي يدعو لنسخ التجربة النهضوية الغربية، وعقل جمعي يشعر بالخطر من نقل التجربة كلها ويدعو لخلق نهضة ذاتية بمشروع خاص، وراح المجتمع يرزح تحت نيران التأرجح بين الاثنين، فأصبح من المعتاد رؤية المحجبة بغطاء الرأس فقط، وأئمة في الأزهر لا يحملون من الإسلام إلا الاسم فقط، وعملية تعليمية في الجامعات والمدارس لا تحمل إلّا الشكل والهيكل فقط بلا مضمون، أصبحت الهوية مشكوك في أمرها، وأصبحت الثوابت تقبل أن تتحوّل إلى متغيرات، أصبحت الأخلاق أمراً نسبياً فما كان عيباً فهو عند غيرنا ليس كذلك وبالتالي فمن المقبول حدوثه، مجتمع متأرجح لا تدري أهو شاخص أمامك أم هو سراب، أهو رجل أم امرأة، لماذا نرى أشباه الرجال في الشوارع؟ لماذا لا يدافعون عن البنات المتحرش بهن؟ ماذا الذي حدث للبنات؟... إلخ.

طبعا تتساءل متى إذاً هذا التوقيت المحلي الذي ذكرته؟

الإجابة:


وقت الحرب! لا داعي للصدمة، فالحروب تعدل كثيراً من الانحرافات السلوكية لدى المجتمع ولفترة طويلة، ففي وقت الأزمات ستتعجب من أخلاق هذا الشعب، وسترى أسئلة من نوعية "لماذا لا يفكر الجميع في المال مثل السابق؟ لماذا يتطوّع كل هؤلاء للمشاركة في الحرب؟ لماذا يتبرّع كل هؤلاء المحتاجين بأموالهم؟ لماذا قلّ معدل الجرائم؟ لماذا أصبحت الهوية من المسلمات التي لا جدال فيها؟"... ولماذا ولماذا؟

ويبقى السؤال الأهم هو: متى تحدث الحرب حتى تتغير حقاً أخلاق المصريين؟

عبد الرحمن فرج


 

المصدر: رابطة النهضة والإصلاح