كم هي رائعة
الابتسامة سلوك إسلامي راقٍ، بل هي عبادة نجني من ورائها الحسنات، عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وتبسمك في وجه أخيك صدقة» (صححه الألباني).
- التصنيفات: تربية النفس -
أعزائي المربين والمربيات.
الابتسامة سلوك إسلامي راقٍ، بل هي عبادة نجني من ورائها الحسنات، عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وتبسمك في وجه أخيك صدقة» (صححه الألباني).
ولكن أحيانًا؛ تفارق الابتسامة وجوه أبنائنا وبناتنا خصوصًا في مرحلة المراهقة، ويغلب عليهم العبوس والكآبة واستصعاب الأمور، خصوصًا عند استقبالهم لمواسم الدراسة، أو تكليفهم بالقيام ببعض المسئوليات داخل الأسرة، أو عند تعرضهم لبعض النوازل والمصائب، أو حتى عند حدوث خلاف بينهم وبين الوالدين، أو الأصدقاء.
وقد يرجع ذلك إلى أنهم مازالوا لا يتمتعون بالصلابة النفسية الكافية التي تمكنهم من عبور الأزمات واجتياز المواقف الصعبة، وقد تكون طبيعة المرحلة وما يعتريهم فيها من اضطرابات تصاحب طفرة النمو الجسدي سببًا في ذلك.
أعزائي؛ أيًا كان السبب، يبقى دورنا نحن الآباء والأمهات أن نمنح أبناءنا وبناتنا الشحنات الإيمانية العالية والتدعيم النفسي والدفء العاطفي اللازم ليكونوا أصحاب شخصيات متفائلة، دائمي البشر لا تغيب عنهم الابتسامة حتى في أصعب المواقف.
كيف ننقل الأبناء من العبوس على الابتسام؟
إن أفضل الطرق لتنشئة أبناء وبنات بشوشين، لا يعتمدون العبوس وتقطيب الجبين أسلوبًا لهم هو أن نكون نحن الآباء والأمهات كذلك، فللقدوة أثر كبير في توجيه نفسية الأبناء نحو البِشر والانفتاح والمرح أو العكس، كذلك يمكن التركيز على عدة نقاط في التربية وتغيير الأفكار مع الأبناء، مثل:
- التأكيد على التربية الإيمانية الراسخة: إن تربية المراهق -المراهِقة- على العقيدة الصحيحة في الله تعالى وترسيخ عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر في نفسه يكسبه الرضا بما قسم الله تعالى له، وعدم الجزع إذا ألمت به مصيبة أو نازلة، كما يجعله ينشأ على عدم الندم أو الحسرة على ما فات، إيمانًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك» (رواه الترمذي).
كما ينشأ الفتى والفتاة على التفاؤل والرضا، والإحساس الدائم بالأمن والأمان والطمأنينة والسكينة، المستمدة من الثقة التامة في أن كل ما يقدره الله تعالى للمؤمن هو خير له (حنان عطية الطوري: الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة، ص: [135]، بتصرّف).
- تربية الأبناء على أن الإسلام يبني شخصية المسلم على القوة والتفاؤل، ويرتقي بأفراده فوق الهموم والأحزان التي تجلب الانهيار والضعف، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ندعو الله تعالى بالدعاء التالي: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وغلبة الرجال» (رواه النسائي)، وكان صلى الله عليه وسلم لا يترك هذه الكلمات كل صباح ومساء.
وحبذا لو قصصنا عليهم تطبيقات عملية من سيرته صلى الله عليه وسلم، وحديث أصحابه عنه، وعن تلك الابتسامة الرائعة التي لم تكن تفارقه صلى الله عليه وسلم، وها هو عبد الله بن الحارث يصف لنا ذلك فيقول:
"ما رأيتُ أحدًا أكثر تبسمًا من الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُحَدِّث حديثًا إلا تبَسَّم وكان مِن أضحك الناس وأطيَبَهم نَفسًا".
ويأتي إليه الأعرابي بكل جفاء وغلظة، ويجذبه جذبة أثرت في صفحة عنقه الشريف، ويقول: "يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ! فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ، وحتى في مواقف النصح والعتاب كانت الابتسامة لا تفارقه، فبالرغم من شدة عتابه صلى الله عليه وسلم للذين تخلفوا عن غزوة تبوك، لم تغب هذه الابتسامة عنه وهو يسمع منهم، يقول كعب بن مالك رضي الله عنه بعد أن ذكر اعتذار المنافقين وحلفهم الكاذب: فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ: «تَعَالَ». فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ" (موقع صيد الفوائد، د. عمر الشيخ بتصرُّف).
- تخليصهم من المفاهيم الخاطئة حول الابتسامة، فكثيرًا ما يكون أسلوب المراهق في تطبيق الأفكار والمباديء فيه نوع من التطرف والمغالاة، فمثلًا نجد الابن أو الابنة يبالغون إما ضحكًا متواصلًا في كل المواقف أو عبوسًا على طول الطريق ظنًّا منهم أن التبسم وطلاقة الوجه ينافي الشخصية الناضجة أو يدل على التدين والخشوع!
فنعلمهم أن التوسُّط لُب الفضيلة وأن المذموم هو المبالغة في التبسم أو الضحك إلى الدرجة التي يتهم المرء فيها بالسفه أو قلة الهيبة، ولكن الخير هو التوسط في الأمر كله، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "إن الناس ينفرون من الكثيف، ولو بلغ في الدين ما بلغ. والله ما يجلب اللطف والظرف من القلوب؛ فليس الثقلاء بخواص الأولياء، وما ثقل أحد على قلوب الصادقين المخلصين إلا من آفةٍ هناك، وغلا فهذه الطريق -يقصد السنة الصحيحة المعتدلة- تكسو العبد حلاوة ولطفًا وظرفًا، فترى الصادق فيها من أحب الناس وألطفهم، وقد زالت عنه ثقل النفس، وكدورة الطبع).
وهذا ما توصّل إليه العلماء المعاصرون الذين بحثوا في النفس الإنسانية وإدارة العلاقات بين الناس، ومن أشهرهم "ديل كارينجي" الذي يقول عن الابتسامة:
"إنها لا تكلف شيئًا، ولكنها تعود بالخير الكثير، إنها تغني أولئك الذين يأخذون، ولا تفقر أولئك الذين يمنحون، غنها لا تستغرق أكثر من لمح البصر، لكن ذكراها تبقى إلى آخر العمر، إنها راحة للتعب، وشعاع الأمل للبائس، وأجمل العزاء للمحزون" (كريم الشاذلي، الشخصية الساحرة، نقلًا عن: ديل كارينجي: كيف تؤثر في الناس وتكسب الأصدقاء).
- تدريب الأبناء على اعتماد الابتسامة كأسلوب ممتاز للتواصل والتعامل مع الناس، فقد أثبت الأطباء النفسيين أن الابتسامة تحمل معلومات قوية تؤثر على العقل الباطن للإنسان!
فلكل إنسان ابتسامته الخاصة التي لا يشاركه فيها أحد، وكل ابتسامة تحمل تأثيرات مختلفة عن الأخرى، وأهم ما توصّلت إليه هذه الأبحاث أن العلماء يتحدثون عن عطاء يمكن أن يقدمه المرء للآخرين من خلال الابتسامة قد يفوق العطاء المادي لعدة أسباب:
- يمكنك من خلال الابتسامة أن تدخل السرور لقلب الآخرين، وهذا نوع من أنواع العطاء بل قد يكون أهمها. لأن الدراسات بينت أن حاجة الإنسان للسرور والفرح ربما تكون أهم من حاجته أحيانًا للطعام والشراب، وأن السرور يعالج كثيرًا من الأمراض على رأسها اضطرابات القلب، ولذلك لا نتعجب إذا قرأنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي سبق به هذه الدراسات كلها عندما قال: «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم؛ فليسعكم منهم بسط الوجه، وحسن الخلق».
- من خلال الابتسامة يمكنك أن توصِل المعلومة بسهولة للآخرين، لأن الكلمات المحملة بابتسامة يكون لها تأثير أكبر على الدماغ حيث بينت أجهزة المسح بالرنين المغناطيسي الوظيفي أن تأثير العبارة يختلف كثيرًا إذا كانت محملة بابتسامة، مع أن العبارة ذاتها إلا أن المناطق التي تثيرها في الدماغ تختلف حسب نوع الابتسامة التي ترافق هذه المعلومة أو هذه العبارة.
- بعد ذلك يكون التدريب العملي للأبناء على البشاشة والتبسم ونبذ العبوس والتقطيب، وذلك بتذكيرهم عند انتظار ضيوف مثلًا، أو إذا كانت الأسرة بصدد القيام بزيارة أو نزهة مشتركة مع الأقارب، ففي مثل هذه التجمعات تكون فرصة جيدة أمام الأبناء لتطبيق ذلك، وهذا التدريب لا يتم إلا بتكرار التذكير وإسداء المعلومات المحفزة لهم، مثال ذلك ما ورد في أحد الأبحاث التي قامت بها جامعة كاليفورنيا حيث أكدت الأبحاث والتجارب العملية أن نسبة 70% من المحادثات التي تتم بين الناس لا تعتمد على النطق ولا تنبع من اللسان أو تصدر من الفم ولكنها تأتي عن طريق إشارة أو نظرة أو ابتسامة أو تعبير عن الحزن أو الفرح بملامح الوجه التي تُغنِي عن كثير من الكلام! (عاطف أبو العيد، الثقة بالنفس طريقك لكسب ذاتك والآخرين، ص: [80]، بتصرّف).
وأخيرًا كلمة إلى ابنتي الحبيبة.
بابتسامتكِ اللطيفة يمكنكِ أن تسدي نصائحكِ لصديقاتكِ فتكون شفيعكِ للقبول عندهن.
وبابتسامتكِ يمكنكِ أن تبعدي جو التوتر الذي يُخيِّم على موقفٍ ما، فيهدأ الجميع ويحل السرور مكان الحزن والاكتئاب.
وبابتسامتكِ أيضًا؛ يمكنكِ أن تعبري عن رأيكِ لوالديكِ -وإن خالفهما- بأدبٍ ولطف، دون أزماتٍ أو عبوس.
وهكذا أيتها الحبيبة؛ كوني دائمة البِشر والابتسام في كل مواقف حياتكِ، جعلكِ الله من المقبولين عنده سبحانه، وعند عباده الصالحين... آمين.
المراجع:
- (الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة؛ حنان عطية الطوري).
- (الشخصية الساحرة؛ كريم الشاذلي).
- (الثقة بالنفس طريقك لكسب ذاتك والآخرين؛ عاطف أبو العيد).
- (مقال: ابتسامة مشرقة؛ د. عمر الشيخ).
سحر محمد يسري