بيان من الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين للمصريين لدعم عودة الشرعية

لقد سقطت كل الأقنعة عن هؤلاء الليبراليين والقوميين، الذين كانوا يتشدقون بالديمقراطية أمام كل تصرّف يقوم به الرئيس المصري المنتخب الدكتور مرسى طوال عام، وهم يتمترسون بالديمقراطية وحق التظاهر، وحرمة الاعتداء عليه حتى ولو كان غير قانوني، فإذا بهم قلبوا رأس المجن، وسقطوا في ازدواجية وكراهية لم يشهد التاريخ مثلها.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

تابع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برئاسته وأمانته العامة، وأعضائه وقاعدته العريضة، من العلماء والحكماء، ما يحدث في مصر العظيمة من إراقة دماء الأبرياء المتكررة، التي بلغت مئات من الشهداء، وآلافاً من الجرحى، ثم ما نسمعه بين حينٍ وآخر من تصريحاتٍ خطيرة، تحمل أحكاماً مسبقة مخالفةً للشريعة والقانون في العالم، مثل تصريح وزير الداخلية الذي وصف المعارضين بالمارقين والخارجين، وتصريح المرشح السابق لرئاسة الجمهورية بأنهم خونة مارقون، ثم ما يصاحب هذا المشهد من حملات إعلامية مكثفة، من القنوات المصرية الرسمية وأتباعها، تحمل كراهية شديدة ضد فئات من الإسلاميين لهم وزنهم في المجتمع، حيث فازوا بالأكثرية في الانتخابات، ولازالت لهم قوتهم الكبيرة بدليل الاحتشاد لعدة مليونيات في جميع محافظات مصر، على الرغم من التهديدات المتواصلة، بل مع وقوع الإصابات المتكررة يومياً، حيث صبروا على الجوع والعطش، وشظف العيش والتهديد والقتل.

فكيف يسمح هؤلاء لأنفسهم بالتهديد والتخويف والدعوة لحصارهم بالدبابات، ورشهم بالغازات... إلخ؛ أليس هؤلاء مواطنين مصريين؟! أليسوا بشراً؟!


لقد سقطت كل الأقنعة عن هؤلاء الليبراليين والقوميين، الذين كانوا يتشدقون بالديمقراطية أمام كل تصرّف يقوم به الرئيس المصري المنتخب الدكتور مرسى طوال عام، وهم يتمترسون بالديمقراطية وحق التظاهر، وحرمة الاعتداء عليه حتى ولو كان غير قانوني، فإذا بهم قلبوا رأس المجن، وسقطوا في ازدواجية وكراهية لم يشهد التاريخ مثلها.

فالوضع الداخلي مثير ومحتقن ومسدود للغاية، وصب الزيت على نار الكراهية من قبل الإعلاميين على أشده، والخارج بين ثلاثة مواقف، موقف مؤيد وممول للانقلاب، وبالتالي فليس في مصلحته العودة إلى الشرعية، ولذلك يبذل كل جهوده لإنجاح الانقلاب ولو على حساب الفتنة والحرب الداخلية، بل حتى ولو ذهبت قوة مصر، وموقف ثاني يؤيد عودة الشرعية، ولكنه موقف قلة من الدول على رأسها تركيا، والاتحاد الأفريقي إلى الآن، ومع الأسف الشديد ليس لهم تأثير كبير على مصر، والموقف الأخير هو موقف التردد المنتظر للنتائج.

وقد جربت الأمة الإسلامية خلال تاريخها الطويل أن الدول الغربية أو حتى الشرقية (غير الإسلامية)، ولاسيما الدول الكبرى لا تبحث إلا عن مصالحها الاستراتيجية التي تقوم مع الأسف الشديد على إضعاف قوة العرب والمسلمين، وعلى الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني، وقوته في صراعه مع العرب والمسلمين، ولذلك يكون من الطبيعي السعي لتحقيق هذه الاستراتيجية من خلال عدم بقاء قوة عسكرية تستطيع مواجهة قوة هذا الكيان الغاصب، ولاسيما وجيش العراق القوي قد صفي تماماً، وجيش سوريا في طريقه إلى التصفية، وقد ضعف الجيش الجزائري تماماً بعد الحرب الأهلية، ولم يبق في ساحة المواجهة إلا جيش مصر الذي بداله أن يضعف بأي وسيلة، كما أن التاريخ يشهد على أن الحضارة لم تبنِ ولا تبنى إلا بالحرية والديمقراطية، وأن الكبت والاستبداد والدكتاتورية كانت دائماً أكبر عقبة للتقدّم والإبداع والحضارة، لذلك يجب أن لا تتاح هذه الفرصة لشعب مصر العظيم، شعب الحضارات على مر سبعة الآف سنة.

وبالإضافة إلى ذلك فإن من تابع القنوات الفضائية المصرية، وتصريحات بعض السياسيين، الذين تلوثوا فعلاً بلوثة الكراهية والحقد والإقصاء، ولاسيما ما ظهر منها في إحدى القنوات من فرض العلمانية على مصر، وإبعاد التيارات الدينية كلها، ولو سالت الدماء، لوصل إلى أن الهجمات الشرسة موجهة في حقيقتها ومآلاتها إلى الإسلام نفسه، لإبعاده عن الحياة، ولعزله عنها، وحصره في دائرة دينية بمشيخة قابلة بكل شيء.


وأمام هذه الأوضاع الخطيرة في مصر العظيمة والعزيزة، يرى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ويؤكد ما يلي:

1- يدعو الاتحاد حكماء مصر وعقلاءها ومفكريها وسياسيها الحكماء من جميع الأطياف الذين يضعون مصلحة مصر فوق كل الاعتبارات للاجتماع فوراً وبذل كل الجهود لإخراج مصر من هذه المحنة والفتنة، والضغط على جميع الأطراف للوصول إلى حلٍ مشرّف.

والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يرى أن مبادرته مع مبادرة عدد من العلماء والمفكرين الذي أعلن عنها "أ. د. محمد سليم العوا" صالحتان لتكون أرضية مشتركة للحل. فالمطلوب أولاً أن يُفرَج عن الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، ويعود رئيساً، ثم توضع خارطة الطريق باتفاق الجميع لمستقبل مصر.

والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين شكّل لجنة من الحكماء على رأسهم فخامة الرئيس السوداني السابق المشير سوار الذهب ومن الأمين العام للاتحاد وعدد من كبار الشخصيات المخلصة المحبة لمصر، وهذه اللجنة على أتم الاستعداد للمساهمة في أي عمل يناط بها في سبيل تحقيق الحل المشرف.

2- يحذر الاتحاد كل من تسوّل نفسه بأنه يمكن القضاء على المظاهرات السلمية والعادلة بالقوة، ويحذره من أن هذه التهديدات والقتل واستعمال القوة تكون وقودا لمزيد من المظاهرات والتضحيات، فلن تحلّ المشكلة بالقوة أبدا، وإنما تحلّ بالعقل والحكمة والاستجابة لمطالبهم المشروعة، والحوار والمصالحة العادلة.

3- يدعو الاتحاد جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، والأمم المتحدة لبذل المساعي الحميدة الجادة لحل هذه المشكلة وِفق القوانين السائدة في العالم المتحضر، فكم وقفت الدول المتحضرة بجانب الرئيس المنتخب الذي عُزِلَ بانقلابٍ حتى أعيد إلى منصبه، ثم أجريت الانتخابات.

إن الاعتماد في عزل الرئيس المنتخب أو تغيير الحكومة على المظاهرات أمر لا يتفق مع قواعد الديمقراطية في اعتمادها على صناديق الاقتراع حتى ولو كانت المظاهرات كبيرة، مع أن التقارير المحايدة، ومنها تقرير الجزيرة الأخير قد أثبتت أن مظاهرات 30/6 في حدود أربعة ملايين.

4- إن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوجه رسالة خاصة إلى الدول الغربية يطالبها فيها بدعم الشرعية بالكامل، وترك الازدواجية في المعايير مع الإسلاميين، الذين لدى معظمهم شعوراً بأن الغرب يضحي بالديمقراطية في سبيل عدم وصول الإسلاميين حتى ولو كانوا معتدلين -كما حدث في الجزائر-، ولو استمر الغرب في هذه المرة أيضاً في دعم الانقلاب وسلب الشرعية من الإسلاميين المعتدلين لأدى ذلك إلى تقوية مشروع العنف الذي يتبناه المتشددون، وحينئذ عم العنف والتشدد عالمنا الاسلامي، وسيؤدى ذلك إلى تدمير المنطقة والحروب الأهلية ولن تسلم منها المصالح الغربية في الداخل والخارج.

إن نجاح الإسلاميين بالانتخابات في ظل الربيع العربي أعاد الكثير من أصحاب الفكر المتشدد إلى القبول بالاعتماد على الصناديق الانتخابية، وأدى ذلك إلى ضعف مشروع العنف والقاعدة، ولو حصل إقصاء الإسلاميين بالانقلاب المدعوم من الغرب أو أتباعه لينقلب الأمر ويزداد العنف والتطرف، فالعنف لايولد إلا عنفاً، واليائس والمظلوم يفعل كل شيء في سبيل الثأر والانتقام.

5- يناشد الاتحاد جيش مصر العظيم أن يعود إلى مهماته الأساسية، وأن يترك السياسة لأهلها وأن يعيد الأمور إلى مجراها الطبيعي بإعادة الشرعية، كما يناشد الاتحاد وزارة الداخلية أن تكون وسيلة لتحقيق الأمن للجميع، وليس لقتل أو تهديد فئة لحساب فئة أخرى.

فليتقوا الله جميعاً في الدماء والأعراض والأموال فقال تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:32]، وقال تعالى: {وَمَن يَقتُل مُؤمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]، والأحاديث في خطورة القتل وإراقة الدماء، وإثارة الفتنة تجعل من يسمع لها يقشعر جلده، وتدمع عينه، فهناك القبر والقيامة، ولنستفد من التاريخ، تاريخ الفراعنة والطغاة قديماً وحديثاً، فقال تعالى: :{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ . إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ . الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ . وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ . وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ . الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ . فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ . فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ . إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر6-14].

6- يدعو الاتحاد جميع المسلمين في العالم في هذه الليالي المباركات، ليالي القدر إلى القنوت والدعاء أن يحفظ الله مصر من الفتن، ويعيد إليها الشرعية والأمن والحرية والأمن والاستقرار.


{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف من الآية:21].


أ. د. علي القره داغي أ. د. يوسف القرضاوي