الإعلام الغربي باللغة العربيّة.. أهداف لم تعد خفيّة
محمد بن سعود البشر
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
المتابع لمسيرة الإعلام الغربي الناطق باللغة العربية سواء كان صحفاً أو مجلات أو قنوات تلفازية أو إذاعات، يلاحظ تبايناً في تعاطي الجمهور العربي مع هذه الوسائل، وما تقدمه من مواد إعلامية؛ ففي البدء كان الجمهور العربي -ولا سيما النخب الثقافية منه- منبهرًا بالتقدم التقني لوسائل الإعلام الغربية، والذي جعل جماهير معظم الدول العربية تستقبل إذاعات مثل: (مونت كارلو)، والـ (بي بي سي) بدرجة أكثر وضوحًا من كثير من الإذاعات العربية في الدول المجاورة، فضلاً عن حالة الإعجاب بالمهنية العالية لدى العاملين في كثير من هذه الوسائل الإعلامية الغربية الناطقة بالعربية، وبخاصة إذا علمنا أن كثيرًا من الصحف والإذاعات نجحت في استقطاب أعداداً كبيرة من الكفاءات الإعلامية والثقافية العربية، ممن لم تسمح لهم الأنظمة السياسية العربية بالتعبيرعن آرائها وأفكارها في وسائل الإعلام العربية التي كانت إلى وقت قريب مملوكة للدول والأنظمة العربية توجهها كيف تشاء.
دلالة هذا النجاح للإعلام الغربي قدرته على اجتذاب كثير من رموز الأدب، والفكر، والثقافة العربية للعمل فيه، فضلاً عن الجرأة التي اتسم بها في طرح كثير من القضايا العربية، والتي ما كانت لتُطرح في أي من وسائل إعلامنا العربي الرسمي آنذاك.
ومن غير المنطقي تجاهل الظروف السياسية التي مرت بها المنطقة العربية عبر أكثر من نصف قرن مضت شهدت خلالها التحرر من براثن الاستعمار الغربي، وسقطت بعدها بين "الرأسمالية الغربية" أو "الاشتراكية الشرقية" والحرب الباردة بينهما، فهذه الظروف ساهمت في زيادة تعاطي الجمهور العربي مع الإعلام الغربي بالعربية في فترات بعينها، فمثل هذا الوضع جعل قطاعات من الجمهور العربي متعطشة لمعرفة ماذا يحدث خارج حدود الوطن العربي، وتأثير ذلك على مستقبل المنطقة العربية.
يُضاف إلى ذلك أن قطاعات واسعة من الجمهور العربي كانت تعاني من الأمية في ذلك الوقت فكان من السهل التأثير عليها واستمالتها ببرامج الترفيه ، والمنوعات التي تفننت فيها وسائل إعلامية مثل: إذاعة (مونت كارلو)، ومجلة (فوربس)، وإذاعة (سوا) وغيرها. أما النخب العربية فقد وجدت في هذه الوسائل مساحة الحرية التي تفتقدها في وسائل الإعلام العربية.
ومع بدء عصر الإعلام الفضائي، والسماوات المفتوحة يُلاحظ ثمة انحسار في تعاطي الجمهور العربي مع هذه الوسائل الإعلامية الغربية، فلم تعد تلبي احتياجاته السابقة بنفس القدر، لاسيما وأن كثيرًا من وسائل الإعلام العربية أصبحت تحاكي هذه القنوات الغربية في نوعية برامجها، بما في ذلك برامج الترفيه، والتي كانت تستقطب فئات واسعة من شباب المجتمعات العربية.
وإذا كان هناك من يتحدث عن إسهام الإعلام الغربي الناطق باللغة العربية في الارتقاء بالصناعة الإعلامية العربية فإنه يجب أن يعلم أن هذا الارتقاء لم يكن هدفًا للقائمين على هذه الوسائل الغربية، بل إن النخب العربية وبعض دوائر صناعة القرار العربي تنبهت لمخاطر إقبال الجمهور العربي على مثل هذه الوسائل، فعملت على تقديم البديل الإعلامي العربي المشابه قدر الإمكان، ووفق ما سمحت به الظروف السياسية والإمكانات المادية والتقنية قدر الإمكان، فكانت إذاعتا (صوت العرب)، و (الشرق الأوسط) بديلاً مطروحًا لإذاعة (مونت كارلو)، والـ (بي بي سي) رغم فارق الإمكانات والخبرات، وولدت كذلك صحف عربية دولية في الخارج تتيح هامشًا أكبر من الحرية والتنوع مثل: (العرب الدولية)، ومجلة (الحوادث)، و (الشرق الأوسط)، و(الحياة) وغيرها.
ولاشك أن في هذا إفادة للصناعة الإعلامية العربية، وشاهد هذا؛ أن كثيرًا من الكفاءات الإعلامية التي تعمل حاليًا في قنوات وصحف وإذاعات عربية سبق لها العمل في وسائل الإعلام الغربية باللغة العربية، وفي المقابل؛ فإن هذه الوسائل أفرزت كثيرًا من المنبهرين بالثقافة الغربية المحتقرين لثقافتهم العربية الأم، وبعض هؤلاء للأسف أصبحوا مسؤولين في وسائل إعلامنا العربي، فبدت كثير من برامجنا نسخًا مشوهة لما يقدمه الإعلام الغربي، ومن أمثلة ذلك: برامج (تليفزيون الواقع) "ستار أكاديمي" وخلافه.
ومن المستغرب أن يتساءل البعض الآن عما إذا كانت هناك أجندة خفية للإعلام الغربي الذي يبث مضامينه باللغة العربية..؟!
فمن البديهي أن لهذا الإعلام أهدافًا وجدت وسائله من صحف وإذاعات وقنوات تلفازيّة لتحقيقها، وإلا لماذا تُنفَق هذه الأموال الطائلة، والتي تُقدّر بمئات الملايين من الدولارات لإنشاء القنوات التلفازية والإذاعات، وإصدار الصحف والمجلات الناطقة باللغة العربية؟، وقناة الحرة ؟ على سبيل المثال- وُلدت من رحم الاحتلال الأمريكي للعراق، وتُموّل من ميزانية ملحقة بميزانية وزارة الدفاع الأمريكية باعتراف وزير الدفاع الأمريكي، ومباركة أعضاء الكونجرس، وهذا دليل على أن هذه القنوات والوسائل الإعلامية مهمتها الأساس تهيئة العقل العربي لتقبُّل النموذج الغربي، أو الترويج للثقافة الغربية الأمريكية، أو الأوروبية؛ لاسيما أن منطقة الشرق الأوسط، والتي تضم الدول العربية هي مناطق مصالح حيوية للقوى الغربية في أوروبا، وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وهي دول الاستعمار القديم، أو الولايات المتحدة الساعية لفرض هيمنتها على العالم، ويؤكد ذلك أن كثيرًا من هذه الوسائل الإعلامية الغربية طالما أفسحت برامجها وصفحاتها للقوى المعارضة أو المنتقدة للأنظمة العربية، والمحلل الواعي لمضامين ما يُنشر ويُذاع في وسائل الإعلام الغربية باللغة العربية يستطيع أن يدرك ملامح هذه الأجندة، والتي لم تعد خافية، فالممارسات السياسية للأنظمة الغربية تفضحها وتكشف عوارها يومًا بعد يوم.