لماذا يجب أن يسقط الانقلاب (الإسرائيلي) في مصر؟
بعد الانقلاب الدموي في مصر الذي تحول بفضل غباء مهندسيه إلى ردة شاملة عن جذور المجتمع وتاريخه ووجهه الإسلامي، دخلت البلاد نفقاً مظلماً لم تعهد مثيلاً له في تاريخها الحديث.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
بعد الانقلاب الدموي في مصر الذي تحول بفضل غباء مهندسيه إلى ردة شاملة عن جذور المجتمع وتاريخه ووجهه الإسلامي، دخلت البلاد نفقاً مظلماً لم تعهد مثيلاً له في تاريخها الحديث.
انقض الانقلابيون، كما لو كانوا كلاباً مسعورة، على كل ما له صلة بالرئيس المختطف، محمد مرسي، فنالوا منه نيلاً، بل التفتوا إلى كل ما له صلة بمرجعية مرسي؛ الإسلام، فانهالوا عليه إقصاءً وتشويهاً، حتى النقاب واللحية لم تسلما من توحش الانقلابيين، حتى المساجد صارت مستباحة، حتى الأئمة والخطباء صاروا هدفاً مشروعاً.
تحولت مصر إلى ساحة للتصفيات، بعد أن كانت في عهد مرسي واحة واعدة بالحرية، بدا الانقلاب وكأنه ردة فعل متطرفة على أجواء انفتاح شهدتها مصر في فترة عسل ديموقراطي لم تطل، حتى علاقة التماهي والتداعي التي نظمت المصريين مع أشقائهم الفلسطينيين والسوريين هاجمها الانقلابيون، في الوقت الذي لم تكف فيه أبواق دعايتهم عن ترديد خطابات عنصرية ضد الأشقاء، محرِّضة ومثيرة للكراهية.
لم يكن الانقلاب إذن مجرد تغيير حاكم، أو إسقاط نظام، بل كان في المفهوم الأشمل، إجهازاً على منظومة من القيم والسياسات التي صاغت مصر في الوجدان العربي والإسلامي عبر القرون، وهنا لا بد أن نستشهد بالمقابلة التي أجراها تليفزيون "روسيا اليوم" مع وزير خارجية الطغمة الانقلابية، نبيل فهمي، في 20 أيلول (سبتمبر) 2013م، والتي قال فيها: "المشكلة في المرة السابقة التي انتُخب فيها مرسي، لم تكن تتعلق بكونه رئيساً جيداً أو سيئاً؛ كل دولة لها رئيس جيد أو سيئ.
ثمة مشكلتان:
نحن لم نُطوِّر دستوراً يُمثِّل الشعب المصري، وما حدث هو دستور وضعه في الأساس إسلاميون.
ثانياً: الرئيس مرسي من دون دستور جيد كان يحاول قيادة البلاد إلى وجه إسلامي لمصر.
لم تكن القضية إذن، وبصراحة، هي كون الرئيس مرسي جيداً أو سيئاً من حيث الكفاءة، لو كان الأمر كذلك لانتظرنا ثلاث أو أربع سنوات".
في ظل هذه الأجواء، برز قطاع غزة المجاور هدفاً سهلاً للعدوان، وكبشاً جاهزاً للفداء يمكن ببساطة تسويق خنق القطاع "يسكنه نحو مليوني فلسطيني، جزء كبير منهم لاجئون من فلسطين في نكبة 1948م" بوصفه باباً "تأتي منه الريح، فلا بد أن نغلقه لنستريح"، بينما الهدف أبعد: تحقيق ما عجزت عنه إسرائيل من إعادة احتلال القطاع، وإسقاط حكومته المنتخبة (الإسلامية)، وتسليمه لسلطة رام الله (المتصهينة) التي لا تكف عن التنسيق الاستخباراتي مع إسرائيل وطغمة الانقلاب معاً.
"ميديا بنجامين وبام بيلي"؛ ناشطتان سياسيتان أميركيتان، كتبتا تقريراً في 19 أيلول/سبتمبر 2013م عن الوضع في قطاع غزة، نشره موقع "كمن دريمز"، وكان عنوانه لافتاً: "مصر تشترك مع إسرائيل في سجن غزة".
جاء في التقرير أن الناشطين الذين كانوا يساعدون أهل غزة في الماضي اعتادوا أن يخصوا إسرائيل -التي تفرض حصاراً جوياً وبحرياً على القطاع، وتقيّد بشدة مرور البضائع عبر معبر إرتز، وتمنع الصادرات منعاً باتاً- بأقسى مفردات الاحتجاج.
يُشكّل معبر رفح بين غزة ومصر خط الحياة للقطاع، أو النافذة التي يتنفس منها، ويطل بها على العالم، وكان أعضاء في الحكومة المصرية السابقة يقومون بدور الوسيط، أو الجسر بين الفصائل الفلسطينية المختلفة.
لكن خلال الشهرين اللذين أعقبا الانقلاب على الرئيس مرسي، أوضح الجيش بجلاء أنه لم يعد ذلك الجسر، بل إن الجيش ومعارضي الرئيس مرسي أخذوا يلقون بمسؤولية العنف في سيناء على فلسطينيين من غزة.
وتؤكد "بنجامين وبيلي":
أن "الحكومة المؤقتة في مصر أخذت تتحالف باطراد مع إسرائيل، سواءً في الاستراتيجية أو الأفعال الأمر الذي حوّلها إلى سجّان للغزّيين، تماماً كجارتها من الشرق"، لم تعد المنظمات الإنسانية تُحمّل إسرائيل وحدها مأساة القطاع، فمنظمة "الحملة الأوروبية لفك الحصار عن غزة"، ومنظمة "أرك غزة"، "تحالف دولي هدفه إنهاء الحصار الإسرائيلي على الصادرات، وسُمِّيَ "آرك تيمناً بسفينة نوح أو فلك نوح Noah’s Ark"، أضافتا مصر إلى مناشداتها. ائتلاف شعبي آخر سَمّى نفسه "الحملة الدولية لفتح معبر رفح" نظم حملة شكاوى اجتذبت 1000 توقيع حول العالم في الـ 24 ساعة الأولى، ويهدف إلى جمع 25 ألف توقيع، ثم تسليمها للسفراء المصريين، ولمنظمات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان.
قبل الإطاحة بمرسي في 3 تموز (يوليو)، كان ما يقرب من 1200 شخص يعبر يومياً من خلال رفح؛ لكن منذ ذلك الحين -كما تقول بنجامين وبيلي- فإن معدل العابرين يومياً هو 250، إن فُتح المعبر أصلاً.
وبحسب مراقب منظمة "يوروميد" لحقوق الإنسان، فإن 10 آلاف فلسطيني على الأقل هم الآن على قوائم انتظار ليعبروا إلى قطاع غزة فقط.
(ماذا عن الراغبين في الخروج؟).
الدكتور "أشرف القدرة"، الناطق باسم وزارة الصحة في غزة أبلغ رويترز: "أن 1000 شخص يحتاجون شهرياً إلى عناية طبية في مصر أو غيرها من البلدان، وكانت غزة تستقبل أطباء متطوعين في السابق، يجلبون معهم تجهيزات طبية حيوية، غير أنهم مُنعوا من الدخول هذه الأيام".
ويضيف "القدرة": أنه "حتى شهر حزيران/يونيو استقبلنا 60 وفداً من الأطباء أجروا عمليات لـ 1000 مريض، لكن لم يصلنا وفد منذ ذلك الحين".
يحتاج قطاع غزة إلى البضائع ومواد البناء والمنتجات الغذائية، لكن إسرائيل تفرض حِصاراً خانقاً عبر معبر كرم أبو سالم، ولا تسمح إلا بمرور أقل القليل، ولهدا السبب فقد وجد سكان القطاع في الأنفاق المؤدية إلى الجانب المصري صمام الأمان المصيري، بحسب مراقب منظمة يوروميد.
حركة الأعمال في غزة تعتمد على الأنفاق لتلبية 45 في المائة من احتياجاتها من المواد الخام، بما فيها 7500 طن من مواد البناء؛ بعد الانقلاب، شرع الجيش المصري في تدمير منهجي للأنفاق قضى على 95 في المائة منها، بل قام بتدمير عشرات المنازل لمواطنين مصريين يُشتبه في أنها تخفي تحتها أنفاقاً.
وتقول الناشطتان "بنجامين وبيلي": "إن الجيش لم يُوفِّر خطة تسمح بمرور البضائع عبر طريق أخرى، ما يشير إلى أن العملية جزء من مجهود لشل حماس فرع من الإخوان المسلمين التي تحكم الجيب الساحلي".
لم يبقَ إلا 10 أنفاق بحسب مصادر محلية، مقارنة بـ 300 قبل الحملة الأخيرة. النتيجة؛ كما يقول مراقب "يوروميد": "أن 60 في المائة من المحال التجارية في غزة أغلقت أبوابها، والباقي تعمل بإمكانات جزئية، ما أدّى إلى تسريح 19500 شخص من أعمالهم".
تُحذِّر "بنجامين وبيلي" من خطورة الوضع على الجانب المصري من رفح، وتصفان تدمير الجيش منازل مواطنين بالخطوة الأولى لإنشاء منطقة عازلة بين الجانبين، على غرار الأرض المهجورة التي اقتطعتها إسرائيل داخل غزة، لتمنع الفلسطينيين من تخطي حدود سجنهم، وقد أبلغ مسؤولون في حماس صحيفة الواشنطن بوست أن الجيش المصري يخطط لحفر خندق على الحدود، ثم يغرقه بالماء (8 أيلول/سبتمبر 2013م).
في شهر أيلول/سبتمبر عبرت دبابتان مصريتان الحدود إلى غزة، ومع أنهما لم تتوغلا، إلا أن الحدث سجّل سابقة مثيرة للقلق، الجيش المصري قام أيضاً في الشهر نفسه، وفي حادثتين منفصلتين، بإطلاق النار على صيادين في بحر غزة، واعتقلهم.
وبحسب "بنجامين وبيلي": "فإن الممارسات الجديدة للجيش المصري شجعت الاحتلال الإسرائيلي على التحلل من التنازلات التي قدمها لمرسي في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2012م، والتي كانت جزءاً من اتفاق لوقف النار أنهى 8 أيام من العدوان على القطاع".
نص الاتفاق على مكاسب كبيرة لغزة، أبرزها تقليل مساحة المنطقة العازلة من 300 متر إلى 100؛ بعد عزل مرسي، صار جنود الاحتلال يطلقون النار على مسافة 500 متر، بحسب روايات فلاحين، وقد وثّق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في شهري تموز وآب (يوليو وأغسطس) مسؤولية إسرائيل عن قصف غزة مرة واحدة، وإطلاق نار 12 مرة، وسبع توغلات في المنطقة العازلة، الأمر الذي أدى إلى استشهاد فلسطيني، وإصابة سبعة، منهم طفلان.
وتضيف "بنجامين وبيلي": أن "إسرائيل ومصر تعملان بتنسيق مشترك لإعادة كتابة الحقائق على الأرض حول غزة، (ولذا) آن الأوان أن يتحرك مجتمع الناشطين الدولي"، لثني الانقلابيين في مصر وحليفتهم إسرائيل عن قتل مئات الآلاف من الأبرياء ببطء.
الحقيقة أن ما ذكرته الناشطتان الأميركيتان هو "قمة جبل الجليد"؛ المعاناة الإنسانية التي سبّبها الانقلابيون لأهل غزة لا تحويها مجلدات، آلاف الطلاب والطالبات لم يستطيعوا السفر لإكمال دراستهم في مصر ودول أخرى، وفاتتهم الامتحانات، مرضى كثيرون لا يجدون سبيلاً للعلاج، الأمر الذي يؤدي إلى وفاة بعضهم، عوائل تمزّق شملها، وحُرِمت من الأهل والأحباب، فضلاً عن انقطاع المواد الأساسية من غذاء ودواء.
المذهل أن طغمة الانقلاب تفاخرت بقطع الكهرباء عن غزة عمداً؛ إذ أشاد وزير الطاقة الأسبق، أسامة كمال، في تصريح لقناة الحياة الفلولية، بـ نجاح الجيش المصري في وقف تهريب السولار والبنزين إلى القطاع، الأمر الذي أدّى إلى توقف محطة كهرباء غزة (المصريون، 16 أيلول/سبتمبر 2013م).
لقد قزّم حسني مبارك مصر حتى حوّلها إلى حارس لأمن إسرائيل؛ ثم جاء السيسي ليُحوِّلها إلى شريكٍ فاعل وحليف استراتيجي للكيان الغاصب، لهذا السبب، ولأسباب أخرى كثيرة، لا يمكن لانقلاب مصر أن يستمر!
أحمد بن راشد بن سعيد