دماء في الأشهر الحرم

التحذير الذي أطلقه فضيلة الشيخ سعود الشريم إمام المسجد الحرام من تزايد حدة القتل في عدد من البلاد العربية في الأشهر الحرم، صيحة إنذار في وقت حرج وهام من تاريخ أمتنا الحديث.. فما نراه في عالمنا العربي هذه الأيام يشعر الجميع بالخطر الشديد خصوصا مع تصاعد الانقسام والاستقطاب والاستهانة بإسالة الدماء وحشد الفتاوى من أجل تبرير ذلك

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -


التحذير الذي أطلقه فضيلة الشيخ سعود الشريم إمام المسجد الحرام من تزايد حدة القتل في عدد من البلاد العربية في الأشهر الحرم، صيحة إنذار في وقت حرج وهام من تاريخ أمتنا الحديث.. فما نراه في عالمنا العربي هذه الأيام يشعر الجميع بالخطر الشديد خصوصا مع تصاعد الانقسام والاستقطاب والاستهانة بإسالة الدماء وحشد الفتاوى من أجل تبرير ذلك ومحاولات الشيطنة والتكفير على أسس شرعية واهية واستخدام السلطة في عدد من البلدان لعلماء مشبوهين من أجل تزيين القتل وسفك الدماء بدون حجة شرعية ولي أعناق الآيات والأحاديث وتأويلها بشكل تعسفي من أجل إسقاطها على فئات أبعد ما تكون عنها.

لقد قال الشيخ الشريم: " قتل نفس معصومة في شهر حرام تجتمع فيها ثلاث ظلمات موبقة هي: ظلمة قتل المعصوم، وظلمة قتله مظلوما، وظلمة انتهاك حرمة الشهر. "وأضاف: "مهما ملكت من أسباب القوة فإنك لن تعدو قدرك مالم ينصرك الله، فاختصر الطريق والتمسه ممن هو بيده {وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم}"...إن منطق القوة دائما ما يحتاج إلى دعم معنوي من سلطة روحية أو تبرير يسوقه علماء النفس والمجتمع ودائما ما نجد هؤلاء ينقسمون قسمين قسم يخشى الله ويخاف يوم الحساب ولا يبيع دينه بعرض من الدنيا وقسم مستعد أن يبيع كل شيء من أجل منصب أو جاه أو مال...

الصنف الأول في وقت تعاظم الدكتاتوريات والحكام المستبدين ينزوي وقد يتعرض للسجن والاعتقال ولكن بعد فترة من الزمن يذكره التاريخ في صفحاته المضيئة كما ذكر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في محنة خلق القرآن، بينما مهما علا الصنف الثاني وتبوأ أرفع المناصب فإن مكانه في مزبلة التاريخ ولا يذكره أحد وإن ذكره فيذكره مصحوبا باللعنات...كانت الأمور في عهود سابقة تقتصر على استباحة السجن والاعتقال دون أن تصل إلى استباحة الدماء بهذا الشكل المجنون ومن أجل ماذا؟ من أجل مقاعد سلطة في بلاد تعاني الكثير من الازمات الاقتصادية التي توشك على إفلاسها وعندئذ لن يكون هناك معنى لسلطة أو حكم عندما يتقاتل الناس على رغيف الخبز..

لا يمكن أن يتحول بحث الناس عن الحرية والعدالة إلى مجازر ترتكب دون خوف أو رادع مع صمت العالم أجمع عن هذه الممارسات وكأنها تجري في جزر الواق واق وكأنها لا تجري في بلاد ترتبط مع العالم الغربي بمصالح جمة...لقد أصبحنا في العالم العربي لا فائدة لنا عند العالم الغربي سوى أن نحافظ على أمن "إسرائيل" وأن نضخ النفط إليهم وبعد ذلك ليس من المهم من قتل من؟ ومن سفك دماء من؟ وكم من الملايين نزحوا؟ وكم من الآلاف سيقتل بعد قليل؟...

لقد هنا على أنفسنا أشد مهانة فهنا على الآخرين، وكدنا لا نجد صوت عاقل يسمع له ولا منصف يجمع الشتات مع تنامي حالة الصلف والغرور والتمسك بالرأي ولو على حساب دماء أبناء البلد الواحد.. لم تشهد بلادنا العربية اقتتالا داخليا إلا في حالات نادرة لذا ظلت دائما ماثلة في الذاكرة مثل حرب لبنان الأهلية أما الآن فإن الاقتراب من حروب أهلية أو السقوط فيها لم يعد كبيرا عند الكثيرين من المسؤولين والمحللين والمثقفين الذين ابتلينا بهم مع انتشار الفضائيات...لم يعد لون الدماء يهز مشاعر الكثيرين في عالمنا العربي عند رؤيته على شاشات التليفزيون والأكثر خطورة أن عددا كبيرا من الشباب والأطفال هم الضحية لهذه المجازر...

إن القضية لم تعد فقط كيف ستنتهي هذه الحالة المرعبة؟ ولكن عندما تنتهي بعد عام أو عامين وربما أكثر ما هي التحولات التي ستكون تركتها في مجتمعاتنا التي كانت تتسم دائما بالسلمية؟ هل ستظل مجتمعاتنا تتمتع بعدها بحالة نفسية سوية تقبل التعايش مع الآخر كما كانت أم أننا ننتظر كارثة مروعة؟


خالد مصطفى