عشر ذي الحجة؛ توبة متجددة

من نعمة الله على عباده أن يتيح لهم فرصاً متتابعة للقربى إليه سبحانه ويفتح لهم أبواباً عديدة للتوبة، وغسل القلوب، وتطهير النفوس، كيف لا وهو سبحانه الرحيم، الودود، الذي يحب من عباده التوبة، بل ويفرح بتوبة عبده إذا تاب.

  • التصنيفات: التوبة - العشر من ذي الحجة -


من نعمة الله على عباده أن يتيح لهم فرصاً متتابعة للقربى إليه سبحانه ويفتح لهم أبواباً عديدة للتوبة، وغسل القلوب، وتطهير النفوس، كيف لا وهو سبحانه الرحيم، الودود، الذي يحب من عباده التوبة، بل ويفرح بتوبة عبده إذا تاب، وفي الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِذَا أَتَانِي مَشْيًا أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وَإِنْ هَرْوَلَ سَعَيْتُ إِلَيْهِ، وَأَنَا أَسْرَعُ بِالْمَغْفِرَةِ» (متفقٌ عليه).

وهو سبحانه القائل في كتابه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222]، وكلما مرّت الأيام على أحدنا فإنها تحمل في طياتها لكل امرىء منا تقصيراً جديداً ومعصية متكررة، لأن بني آدم خطّاء غافل وهي طبيعته، والذنب يورث القسوة والوحشة، ويورث الكآبة والهم، بل ويؤثر في القلب، فينكت فيه نكتاً أسود، حتى يصير القلب مع تراكم الذنب بعيداً عن التوبة والإنابة.

وتأتي أيام عشر ذي الحجة بفضلها العميم لتصير منادي خير، وداعي هداية إلى القربى إلى الله سبحانه وتعالى، ففي الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام العمل الصالح فيهن خير من هذه العشر»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد» (أخرجه أحمد).

وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: «ما من عمل أزكى عند الله عز وجل ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى» (رواه الدارمي عن ابن عباس وحسنه الألباني).

فهي فرصة للعودة إلى الله سبحانه وتعالى، وهي ملاذ للوالغين في الآثام وهي ملجأ لمن ابتعد ونأى قلبه عن ثكنة التقوى.

عشر فضيلة، قيّمة المكانة، سامية القدر، نهارها ذكر، وليلها إنابة، فيها الصوم وفيها الصدقة، فيها المشاركة في الطاعة، وفيها التآلف على الفضائل.

عشر محببة لكل ذي قلب كريم، ينتظرها في كل عام لتكون نقطة شحن إيماني جديدة، يملأ فيها نفسه بما يمكنه أن يداوم السير، ويواصل الطريق.

وهي دورة إيمانية، تبدأ من أول ذي الحجة وحتى آخر أيام التشريق، كلها مكرمات، تدرب على التجرد، إذ يوازيها ويقاسمها عمل الحاج الذي هو تجرد كامل لله الرحمن، وتبتل تام له سبحانه.

وعشر ذي الحجة إذ تُمثِّل موئل توبة إنما تواسي من أهل الإيمان من لم يستطع أن يحج بين الله الحرام ممن كان عزمه أكيداً ونيته منعقدة، فكأنها تقول له: "جفف دمعك، فإن الشريعة الغراء تفتح لك أينما كنت أبواب القبول، وتدعوك إلى العبادة المخلصة، وتناديك أنّ لك رباً يقبل التوبة عن عباده ويغفر السيئات".

يقول الإمام ابن رجب الحنبلي: "لما كان الله سبحانه قد وضع في نفوس عباده المؤمنين حنيناً إلى مشاهدة بيته الحرام وليس كل أحد قادراً على مشاهدته كل عام، فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركاً بين السائرين والقاعدين".

فيا أيها التائب لن يعوقك شيء، ولئن قصُرت بك النفقة عن الحج فنيتك أوصلتك إلى المعالي، ولئن عاقتك الإجراءات، فعزيمتك قد أحاطت بالمكرمات.

فهنيئاً لمن أخلص لربه في عشر ذي الحجة، وطوبى لمن جعل التوبة نبراسه والذكر سلوكه، والعطاء هدفه، والجنة مبتغاه.



خالد روشه