إرادة المصريين
ممدوح إسماعيل
الإرادة المصرية وحكم العسكر
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
مقدمة
خلال أكثر من 40 عاماً لم يتدخل الجيش المصري في الشأن الداخلي إلا في أحداث 17 و18 يناير عام 1977م ضد الرئيس السادات، والجيش نزل لحماية الأمن القومي وانسحب.
والمرة الثانية في فبراير عام 1986م، حيث تمرد 20 ألف عسكري أمن مركزي فنزل الجيش لحماية الأمن القومي وانسحب.
والمرة الثالثة عقب ثورة 25 يناير، حيث نزل في 28 يناير ثم كان التغيير المهم، حيث اختار مبارك للمجلس العسكري قيادة البلاد خلفاً له عقب تنحيه في 11 فبراير عام 2011م، ولم يكن ذلك اختياراً شخصياً، بل كان اختيار دوائر عالمية على رأسها أمريكا؛ (فالمؤسسة العسكرية المصرية هي التي تملك القوة في مصر على مدار التاريخ بخلاف أن آخر حرب خاضتها منذ 40 عاماً ولا يكاد يوجد شخص واحد ممن خاضوا الحرب موجود في المؤسسة بخلاف تناغم إدارة البلاد السياسية مع معاهدة كامب ديفيد للسلام مع العدو الصهيوني، وهو ما تم تنفيذه حرفياً خلال أشد المواقف، وكان أهمها الحرب الصهيونية على غزة التي دعمتها إدارة مبارك عام 2008م).
وعقب تنحي مبارك وتولي المجلس العسكري حكم مصر (على غير نص في دستور 71 الذي يحكم البلاد وقتها)، ولايفوتنا في هذا الصدد أن رؤساء مصر منذ عام 1952م ينتمون للمؤسسة العسكرية.
وقد فرح الثوار برحيل مبارك وتناسوا بقية أهداف الثورة في التطهير، وقد عمل المجلس العسكري على الإبقاء على دولة مبارك العميقة في كل أماكنها، بل وتثبيتها بكل الطرق، ووقعت أحداث عديدة كان أبرزها أحداث شارع محمد محمود نهاية عام 2011م، والتي عجلت بانتخابات البرلمان، وكانت نتائجها مذهلة للتيار العلماني والغرب، حيث فاز الإسلاميون بأغلبية، وهكذا في انتخابات مجلس الشورى، وكانت لحظة المواجهة بين العسكر والإسلاميين عقب ترشيح "د. محمد مرسي"عن الإخوان المسلمين لانتخابات الرئاسة، فتم التعجيل بحل مجلس الشعب والإعلان عن إعلان دستوري مكمل في 17 يونيو 2012م يُقيّد من صلاحيات الرئيس القادم ويضع السلطة في يد المجلس العسكري، ما استدعى خروج مظاهرات مليونية اعتصمت بميدان التحرير، ما أحدث ارتباكاً في إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة التي ظلت معلقة أياماً حبس فيها المصريون أنفاسهم.
وكان لافتاً للنظر تصريح المشير طنطاوي، رئيس المجلس العسكري وقتها؛ بأنه لن يسمح لفصيل بالاستئثار بالسلطة عقب لقائه وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون.
وأُعلنت نتيجة انتخابات الرئاسة بفوز الرئيس محمد مرسي، (وكان واضحاً أن الإخوان أعطوا تطمينات للأمريكان بخصوص الديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة والأقباط).
تولى الرئيس "محمد مرسي" حكم مصر ولا توجد مؤسسة تابعة له، حتى مجلس الشورى أصبح مهدداً بالحل، وفي 13 أغسطس 2012م؛ حدث تغيير آخر في المؤسسة العسكرية، وهو الإطاحة بأقوى شخصين، هما المشير طنطاوي ورئيس الأركان عنان، وتم الانتهاء من الدستور وعرضه على الاستفتاء، وكان أهم ما فيه لتحديد دور القوات المسلحة المواد:
المادة (194)
القوات المسلحة ملك للشعب ومهمتها حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، والدولة وحدها هي التي تنشئ هذه القوات. ويحظر على أي فرد أو هيئة أو جهة أو جماعة إنشاء تشكيلات أو فِرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية. ويكون للقوات المسلحة مجلس أعلى على النحو الذي يُنظمه القانون.
المادة (195)
وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، ويُعيّن من بين ضباطها.
المادة (196)
ينظم القانون التعبئة العامة، ويُبيّن شروط الخدمة والترقية والتقاعد في القوات المسلحة.
وتختص اللجان القضائية لضباط وأفراد القوات المسلحة دون غيرها، بالفصل في كافة المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات الصادرة في شأنهم.
الفرع الثالث: مجلس الدفاع الوطني.
المادة (197)
ينشأ مجلس للدفاع الوطني يتولى رئيس الجمهورية رئاسته، ويضم في عضويته رئيس مجلس الوزراء، ورئيسي مجلسي النواب والشورى، ووزراء الدفاع والخارجية والمالية والداخلية، ورئيس المخابرات العامة، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة، وقادة القوات البحرية والجوية والدفاع الجوي، ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، ومدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع.
ويختص بالنظر في الشؤون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها، ومناقشة موازنة القوات المسلحة، ويجب أخذ رأيه في مشروعات القوانين المتعلقة بالقوات المسلحة.
ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى.
ولرئيس الجمهورية أن يدعو من يرى من المختصين والخبراء لحضور اجتماع المجلس دون أن يكون لهم صوت معدود.
ولا يفوتنا أن نتوقف مع المادة (146) التي نصت على أن:
رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولا يُعلِن الحرب، ولا يرسل القوات المسلحة إلى خارج الدولة؛ إلا بعد أخذ رأي مجلس الدفاع الوطني، وموافقة مجلس النواب بأغلبية عدد الأعضاء.
البداية:
إلا أنه في نهاية وضع الدستور حدث بعض الاعتراض من الكنيسة والتيار العلماني على مواد الهوية الإسلامية في الدستور مادة 2 و4 و 219.
وبدأت المعارضة تدشين تحالف فيما بينها تحت مُسمَّى جبهة الإنقاذ، وبدأت تصعيد معارضتها ورفض الحوار، وتوافق معها في بعض طلباتها حزب النور في مفاجأة أدهشت الإسلاميين والعلمانيين وأحدثت أول انشقاق واضح في التيار الإسلامي.
وبدأت تظهر بوادر تدخّل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي عندما دعت لحوار مع المعارضة تم إلغاؤه، وظهرت تصريحات متوالية في الأحداث السياسية، رغم أن وثيقة الدستور تضمّنت البند الثامن الذي ينص على: "الدفاع عن الوطن شرف وواجب، وقواتنا المسلحة مؤسسة وطنية محترفة محايدة لا تتدخل في الشأن السياسي".
النقطة الحاسمة:
وفي 27 فبراير 2013م نَشر موقع اليوم السابع؛ لقاءً جمع بين وزير الدفاع والصحافي الناصري محمد حسنين هيكل استمر 4 ساعات، وناقش دور القوات المسلحة في الخلاف السياسي.
ورغم أن ما نُشِر ذَكر أن اللقاء تم فيه التأكيد على أن الجيش لا يضع في مخططاته التدخل في العملية السياسية من بعيدٍ أو قريب، وأن التحدي الأكبر أمامه الآن هو ترميم ما حدث أثناء المرحلة الانتقالية، والتي حاول بعضهم استثمارها في إحداث شروخ بين الجيش والشعب، بالرغم من دور الجيش في حماية الثورة، واحترامه الشرعية التي جاءت عبر صندوق الانتخابات؛ إلا أن هذا التصريح كان غطاء للتمويه فاقداً المصداقية تماماً، وقد أثبتت الأيام والأحداث أن هذا اللقاء كان أخطر نقطة في أحداث مصر عام 2013م.
وعقب الإعلان عن اللقاء الذي ظهر كأنه بمنزلة تدشين لمؤامرة حمل فيها الإعلام المدفعية الثقيلة على حكم الرئيس مرسي وحملت الدولة العميقة في المؤسسات المختلفة كل أسلحتها لتعويق مسيرة حكم الرئيس محمد مرسي بكل ما تملك؛ بانقطاع التيار الكهربائي والبنزين والسولار، يتضامن مع ذلك حصار اقتصادي من بعض الدول.
ظهور تمرد:
ظهر ما سُمِّيَ حركة تمرد من عدد من الشباب غير معروف في الحالة السياسية، وليسوا من نشطاء 25 يناير؛ في 26 أبريل 2013م، لتُعلِن دعوة لسحب الثقة من الرئيس "مرسي"، وحددت يوم 30 يونيو لذلك، وقامت بتوزيع استمارة ورقية لا قيمة قانونية لها ولا دليل على مصداقيتها، وتلقفها الإعلام المناهض للرئيس مرسي بالتضخيم والتهويل.
إلا أن شهر يونيو شهد مزيداً من الأزمات الاقتصادية تتواكب مع ارتفاع سقف المعارضة لانتخابات رئاسية مبكرة، وكان لافتاً للمرة الثانية دخول حزب النور مؤيداً لما يدّعيه تأييد حركة الجماهير المطالبة بإقالة الرئيس "مرسي".
وفي 30 يونيو 2013م ظهر تجمُّعٌ وحشدٌ عجيبٌ وخليطٌ في ميدان التحرير، حشد لا نظير له من نصارى مصر، نساء ورجالاً وأطفالاً، تركوا بيوتهم تماماً تنفيذاً لتعليمات الكنيسة، رغم أنه في ثورة 25 يناير رفضت الكنيسة النزول. وظهر حشد من فلول وأتباع الحزب الوطني السابق. وظهر عدد من ضباط الشرطة، وتم تجميع جنود شرطة بملابس مدنية. وحشد من بلطجية ومسجلين جنائيين تم جمعهم بالأموال. ولا يخفى وجود معارضين سياسيين وعوام من الشعب أخرجتهم الأزمات الاقتصادية.
وفي أثناء ذلك خرج بيان للقوات المسلحة في 1 يوليو بعد الحشد المناهض للرئيس "مرسي" الذي بدأ بالانفضاض.
ظهر بيان القوات المسلحة بطريقةٍ غريبة ليُعطي قُبلَة الحياةِ للمعارضين. وقد خالف البيان قواعد الدستور التي تنظم عمله وتمنعه من التدخل في السياسة، وقد تضمن البيان القول: "إن القوات المسلحة المصرية كطرفٍ رئيسي في معادلة المستقبل، وانطلاقاً من مسؤوليتها الوطنية والتاريخية في حماية أمن وسلامة هذا الوطن".
وتضمّن البيان انحيازاً كاملاً للمتظاهرين في التحرير المعارضين للرئيس "مرسي"، واعتبرهم هم الشعب، وتجاهل تماماً المظاهرات المؤيدة للرئيس "مرسي"، كأنه يعتبرهم ليسوا من الشعب. وأعطى البيان مهلة 48 ساعة للرئيس لأن يستجيب للمطالب.
البيان العسكري الأول:
منذ يوم 28 يونيو والمظاهرات المؤيدة للرئيس "مرسي" تخرج في كل محافظات مصر، وكان لافتاً أنه في 2 يوليو خرجت مظاهرة ضخمة عند جامعة القاهرة تم مواجهتها بإطلاق النار على المتظاهريين، فقُتِلَ 16 متظاهراً سلمياً، فكانت رسالة واضحة لبيان الأربعاء 3 يوليو الذي جاءت فيه ألفاظ واضحة تُعبّر عن انحياز العسكر للطرف العلماني المدعوم بنصارى مصر.
وقد تضمن البيان تلاعباً بالألفاظ؛ مثل: "أن القوات المسلحة لم يكن في مقدورها أن تصم آذانها أو تغضّ بصرها عن حركة ونداء جماهير الشعب التي استدعت دورها الوطني وليس دورها السياسي"، على أن القوات المسلحة كانت هي بنفسها أول من أعلن ولا تزال وستظل بعيدة عن العمل السياسي؟!
- وواضح جداً أنهم لا يعتبرون المؤيدين للرئيس "مرسي" من الشعب.
ومثل قولها إن خطاب السيد/ الرئيس ليلة أمس وقبل انتهاء مهلة الـ 48 ساعة، جاء بما لا يُلبي ويتوافق مع مطالب جموع الشعب؛ وهذا قمة التدليس على الشعب، فقد جاءت مطالب البيان العسكري هي ما طالب به الرئيس "مرسي" في خطابه الأخير، إلا عزله وتعطيل الدستور فقط، وهو ما يؤكد أن النية كانت مبيّتة على عزل الرئيس "مرسي" والشروع في خطوات مغايرة لطريقة الرئيس "مرسي" في الحكم.
إلا أنه يبقى لافتاً في ذلك المشهد التاريخي أنه احتوى على شخصيات مدنية، مثل البرادعي المعروف بعدائه، وانعقدت دهشة الإسلاميين بظهور ممثلٍ لحزب النور في تلك المؤامرة ليسقط حزب النور من حساب الكثيريين من الإسلاميين في مصر كحزب إسلامي تماماً؛ وظهر رئيس الكنيسة الأرثوذكسية (تاضرواس) في المشهد في سابقة لم تحدث في تاريخ مصر منذ أن فتحها عمرو بن العاص.
فضائح الانقلاب العسكري:
بداية لا يخفى أن بيان 3 يوليو من قادة في القوات المسلحة هو خروج عن طاعة القائد الأعلى للقوات المسلحة طبقاً للمادة 146 من الدستور.
سجل التاريخ سقوطاً دستورياً لا مثيل له عندما قام العسكر بتولية رئيسٍ مؤقتٍ دون سندٍ قانوني دستوري يُبيح ذلك في دستور 2012م ولا حتى دستور 71 الملغى، وتم عزل الرئيس "محمد مرسي" الذي فاز بالرئاسة بإرادة شعب عبر انتخابات حرةٍ نزيهةٍ باعتراف الجميع، فتم إلغاء وإسقاط إرادة الشعب الذي يدَّعون زوراً أنهم ينحازون له، ما يؤكد كذب كل كلمة.
من اللافت أيضاً أن الرئيس المؤقت تم اختياره بصفته رئيساً للمحكمة الدستورية، وهو ما لم يحدث، فلم يكن تم تعيينه ولا حلف اليمين على ذلك أمام رئيس الدولة.
كان الأغرب أنه حلف اليمين قبل يمين الرئاسة المزوّر أمام أعضاء المحكمة الدستورية بخلاف القانون.
كانت قمة الفضائح أن الرئيس المؤقت حلف اليمين الذي ينص على احترام الدستور الذي قام بإسقاطه العسكر في بيان 3 يوليو، فعلى أي شيء حلف؟ وعلى أي شيء سيحكم مصر؟
تتوالى المفاجآت ليعلن أن والدة الرئيس المؤقت حاصلة على الجنسية الأمريكية، ما يجعله غير جدير دستورياً وقانونياً بحكم مصر كما تنص القواعد الدستورية.
والأكثر غرابة من ذلك أن الرئيس المؤقت هو المرشح لرئاسة المحكمة الدستورية، أي الأجدر بمعرفة قواعد الدستور في ذلك، لكن كل ذلك يؤكد كمَّ الفضائح في التلاعب بالدستور حتى في محكمته بمصر.
كل ذلك يؤكد أن الرجل واجهة للتغيير العسكري يحكم مصر ولا يعبأ بإرادة شعب ولا قواعد دستورية تنظم إدارة الحكم في البلاد.
لمصلحة مَن ولماذا؟
1- ما سجّله التاريخ في تلك اللحظة الفارقة أن المجلس العسكري في مصر لم يبالِ بأموال الشعب المصري ولا إرادته التي يدَّعي أنه قام للمحافظة عليها، فقد حلَّ مجلسي الشعب والشورى، وألغى الدستور، وعزل الرئيس، وكلهم جاؤوا عبر الصناديق الانتخابية وإرادة الشعب، وقد صرف على تلك المراحل ما يقرب من 7 مليارات جنيه من أموال الشعب المصري كلها ضاعت في بيان 3 يوليو العسكري.
2- أعقب بيان 3 يوليو العسكري بلحظاتٍ إغلاق كل القنوات الإسلامية والقبض على العاملين فيها وإغلاق مكاتب قناة الجزيرة والقبض على عدد من القيادات الإسلامية.
3- أمريكا والغرب يباركون، فقد أعلن أوباما قلقه فقط لما يحدث في مصر ولم يتحدّث عن انقلاب عسكري مرفوض كما أعلنت تركيا وتونس بوضوح، لكن لغة أوباما وبريطانيا وفرنسا كانت لغة واحدة، فقد طالبوا فقط بالعودة للديمقراطية عن طريق العسكر!
4- أكدت بعض وسائل الإعلام الغربية أن ما حدث في مصر انقلاب عسكري، فقالت مجلة "إيكونوميست" البريطانية: "إن ما حدث في مصر انقلاب عسكري على الشرعية المنتخبة".
وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير لها عن أن الانقلاب العسكري ضد "مرسي" مخططٌ له منذ أشهر عدة بسبب توتر العلاقة بينه وبين المجلس العسكري.
تأكيد التغيير العسكري:
1- في 8 يوليو بعد 5 أيام من البيان العسكري و4 أيام من تولي الرئيس المؤقت واجهة الحكم العسكري، أصدر ما سُمِّيَ الإعلان الدستوري.
2- كان أبرز ما يؤكد أن ما حدث تغيير عسكري كامل على الشرعية الدستورية، هو مقدمة الإعلان الدستوري التي جاء فيها أن الإعلان الدستوري استمد من بيان القوات المسلحة في 3 يوليو، وهو تصريح مكتوب لا يخفى، ويضيف قاعدة جديدة في الدساتير بالعالم وهي أن العسكر مصدر للتشريع أو أن بيان القوات المسلحة هو مصدر السلطة بصراحة تامة، وهنا تأكيد على كذب كل من قال بالشرعية الثورية، فالشرعية العسكرية هي الحاكمة ومصدر التشريع في المشهد.
3- أكد الإعلان الدستوري أن مصدره ليس الشعب، فضلاً عن أن يكون الشريعة الإسلامية، ولا حتى مصدره قاعدة دستورية ولا حتى مطلب شعبي؛ فكل طلبات المعارضة كانت في تعديل الدستور، فجاء العسكر وقاموا بإلغائه تماماً ليتعرّى نظام الحكم في مصر، حتى ولو كانت واجهته مدنية، لكنه يحكم باسم العسكر.
4- من اللافت في الإعلان الدستوري أنه جاء بكثير من مواد الدستور الذي تم إلغاؤه، لكنه كان مميزاً في تولية الرئيس المؤقت كل السلطات ليصنع فرعوناً جديداً، فهل هذا ما يريده الشعب المصري؟ بالطبع لا.
5- لم يكن مستغرباً بعد العصف بالشرعية والدستور في 3 يوليو ومذبحة العدالة في 8 يوليو بالإعلان الدستوري الفاضح للانقلاب؛ أن تتم مذبحة للمؤيدين للرئيس "مرسي" عند الحرس الجمهوري في واقعة لم تحدث بمثل هذا العدد من القتلى؛ 72 شهيداً من الإسلاميين قُتِلوا وهم ساجدون في صلاة الفجر.
مخاطر ما حدث:
1- إن هذا التغيير العسكري وما صاحبه يرجع بنا إلى الدولة الناصرية البوليسية القمعية، التي اعتمدت سبل الإقصاء للمعارضين، حتى وصل الأمر إلى أن أصبح الشعب المصري كله معزولاً سياسياً بالسجن والاضطهاد وتزييف الوعي وتزوير الإرادة.
2- إن هذا الطريق الجديد للعسكر أول ما يضرّ يضرّ المؤسسة العسكرية بانشغالها عن دورها الرئيسي ومهمتها الوطنية، ويُعيد للذاكرة هزيمة 67، والأخطر أنه يؤدي إلى تعميق الخلاف بين الشعب ومؤسسته العسكرية، وهو أخطر ما حدث في مصر.
3- أخطر ما في هذا التغيير خطواته في اختيار شخصيات مثل البرادعي والببلاوي وتمرد وغيرهم، المعروفين بعلمانيتهم المتطرِّفة، لرسم خريطة طريق حكم مصر، والأخطر الكنيسة المصرية، ما يُعد افتئاتاً على الهوية الإسلامية لمصر، وهو ما يفتح الباب لتفكك مصر، سواءً بحربٍ أهليةٍ أو فتنةٍ طائفيةٍ -لا قدر الله-.
4- إن ما حصل باطلٌ دستورياً، حيث لم يكن ما قامت به المؤسسة العسكرية من صميم عملها وأنها خرجت على الدستور الذي وافق عليه الشعب والذي وافقت هي على اختصاصها في مواده، وأن محاولة التضليل باسم الشعب هي محاولة باطلةٌ ومفضوحة، وهي محاولة فقط لاتخاذ ستار لعمل باطلٍ ومحاولة إضفاء ديكور مصنوع بدقةٍ مخابراتية على مؤامرة مفضوحة شاركت فيها أطراف دولية وعربية لوأد أول تجربة لرئيس إسلامي في المنطقة العربية.
5- ما حصل تمرد على الشرعية، وبإطاحته بالرئيس المنتخب فتح الباب لكل قوةٍ ترفض أي رئيس أو حاكم أن تحذو حذوه ليضع مصر على طريق الفوضى -لا قدر الله-.
وأخيراً كان الأمل معقوداً في مصر على أن ثورة 25 يناير قد غيّرت الكثير من قواعد منظومة ترتيب الحكم في مصر، وأن اختيار الشعب هو الأعلى، لكن الانقلاب العسكري عمل على العصف بالأمل.
ولكن يبقى أن من 25 يناير 2011م إلى 3 يوليو 2013م كان هتاف الميدان يسقط حكم العسكر رغبة من الشعب في حكمٍ مدني.
وأخيراً:
إن ملايين المصريين الهادرة في كل ميادين مصر ما زالت تقاوم وتؤكد تمسّكها بحقها في إرادتها وعودة رئيسها المنتخب وتُسطّر ملحمة رائعة في ميدان رابعة العدوية وكل ميادين وشوارع مصر رغم التعتيم الإعلامي في المقاومة السلمية للاستبداد ورغم التضحيات الكبيرة، إلا أنها تتمسك بحقها وتؤكد أن أملها في نصر الله لن يخيب وأنهم يبذلون الأسباب في تحقيق سنة التدافع تحقيقاً لقول الحق تبارك وتعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40]، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف من الآية:21].